العنوان ليبيا: حفتر في الموانئ النفطية.. انقلاب يؤزَّم الخلاف
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 01-أكتوبر-2016
مشاهدات 13
نشر في العدد 2100
نشر في الصفحة 45
السبت 01-أكتوبر-2016
ليبيا: حفتر في الموانئ النفطية.. انقلاب يؤزَّم الخلاف
مركز دراسات الجنوب الليبي للبحوث والتنمية - طرابلس
ما زالت الأوضاع في ليبيا تراوح مكانها في ظل حالة الجمود السياسي الداخلي بعد تعثر جهود المصالحة التي جرت في تونس بداية شهر سبتمبر الماضي، في مقابل سخونة الأوضاع الميدانية بعد محاولة مليشيات خليفة حفتر السيطرة على منشآت نفطية حيوية وإستراتيجية.
يعد الحدث الأبرز في المشهد الليبي خلال الشهر الماضي هو اندلاع الاشتباكات بين الموالين للواء المتقاعد خليفة حفتر من جهة، وحرس المنشآت النفطية الموالية لحكومة الوفاق الوطني من جهة أخرى، وسيطرة قوات حفتر على أغلبية الموانئ الرئيسة.
حيث هاجم مسلحون موالون لحفتر ميناءي السدرة، وراس لانوف الواقعين تحت سيطرة حرس المنشآت النفطية التابع لحكومة الوفاق الوطني الليبية.
وفي خضم التحليلات السياسية حول ذلك الهجوم، قال السنوسي البسيكري، المحلل السياسي، في مقال له على موقع «عربي 21»: إن التحكم في النفط، الذي يشكل المصدر الرئيس للدخل، هدف إستراتيجي لطرفي الصراع، ويدرك خليفة حفتر أن الدعم الذي توفره بعض الدول لن يستمر، وبالتالي فإن قرار وضع يد الجيش الذي يقوده على النفط لا بديل عنه.
وقال محمد أمعزب، النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا: إن ما حصل في الهلال النفطي مرده «جموح شهواني للسلطة» لدى حفتر، مضيفاً أن حفتر أراد السيطرة على الموانئ والذهاب إلى القاهرة لطرح ورقة سياسية تعيده إلى المشهد، علماً أن مشكلته الأولى هي إلغاء الاتفاق السياسي في مادته الثامنة الوظائف الأمنية والعسكرية؛ مما يعني فقدانه منصبه، بحسب «الجزيرة».
رضوخ أم مناورة
السؤال المهم: هل سيصمد إجراء إرجاع المنشآت النفطية الحيوية لسلطة المؤسسة الوطنية للنفط؟ وهل سيكون ما وقع بداية لتحول إيجابي يعزز الوفاق ويقوي اللحمة ويقود إلى استقرار البلاد وانتعاش اقتصادها، أم أن الواقع ما يزال شديد التعقيد وقد ينذر بتأزم الوضع من جديد؟
من المهم القول: إن ما وقع كان مفاجئاً؛ وبالتالي يصعب فهمه وتفسيره، وتغيب فيه حلقات تمنع من بناء توقعات على ما جرى.
هذا الغموض يدفع إلى البحث فيما يمكن أن يقع من خلال سيناريوهين؛ هما:
- أن بادرة تسليم المنشآت النفطية تنسجم مع المطلب المحلي لعودة تدفق النفط لوقف التردي الكبير في الوضع الاقتصادي والمعيشي لليبيين، ومع مطلب الغرب الذي يريد نجاح الاتفاق ومن أهم أسباب نجاحه هو توافر الموارد المالية، وأن حفتر قَبِل بالانضمام للاتفاق السياسي وفق مفاوضات غير معلنة مع بعض أعضاء المجلس الرئاسي وأطراف وطنية فاعلة ضمن جبهة طرابلس، وأيضاً مع الفاعلين الدوليين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، ولا أستبعد أن واشنطن دخلت على خط الأزمة الليبية بقوة، ومارست ضغوطاً على الطرفين، وذلك في سياق بحثها عن تطور إيجابي في الملف الليبي يتمحور حول تعزيز الوفاق بهدف تقوية وضع الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية التي باتت على الأبواب، ونعرف أن الملف الليبي مثَّل إحدى أدوات التراشق بين الحزبين الرئيسين.
- السيناريو الثاني يقوم على أن ما وقع لا يعدو أن يكون مناورة لن تكون طويلة العمر، وأن الأزمة يمكن أن تمتد، ذلك أن قبول شروط حفتر بإخضاع الدفاع والداخلية في حكومة الوفاق لسلطته وبصلاحيات واسعة أمر مستبعد؛ وبالتالي فإن رد الفعل هو وضع يد حفتر على الموانئ من جديد، فلن يكون مقبولاً في حال فشل الوفاق أن تذهب أموال النفط إلى طرابلس وحفتر ليس موجوداً، ويتفرد بوضع السياسات الأمنية وإدارة ملفي الجيش والداخلية من هناك.
وفي ظل السيناريوهات وردود الأفعال لم تدم السيطرة التامة لقوات حفتر طويلاً حتى عادت الاشتباكات مجدداً، حيث أفاد مصدر عسكري ليبي باندلاع اشتباكات جديدة في منطقة الهلال النفطي شرقي البلاد، بين قوات السلطة الموازية بقيادة خليفة حفتر، وجهاز حرس المنشآت النفطية الموالي لحكومة الوفاق الوطني بعدما هاجم عناصر هذا الجهاز المنطقة.
وكان مصدر فرنسي مطلع على الشأن الليبي قال: بعد سيطرة حفتر على منطقة الهلال النفطي يجب عليه أن يفهم أنه لن يسيطر وحده على ليبيا، بل عليه أن يكون جزءاً من تسوية شاملة كي لا ينزلق البلد إلى حرب أهلية، حفتر سيطر على الهلال بالقوة، بينما ترى الأسرة الدولية أنه ينبغي ألا يسيطر طرف على الآخر في ليبيا.
اختناق سياسي
ما زال المختنق السياسي الذي تعيشه ليبيا مستمراً، حيث لم ينجح اجتماع المصالحة الذي عقد بتونس في الفترة ما بين 30 أغسطس - 2 سبتمبر بعنوان «استكشاف الخيارات المتاحة لتحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا» وسط حضور عدد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية الليبية؛ بهدف الوصول لصياغة موحدة لإستراتيجية مصالحة شاملة في البلاد من خلال تبادل وجهات النظر بين شخصيات ليبية وخبراء محليين ودوليين في مجال المصالحة، إلا أنه لم يتمكن من إيجاد آلية عملية لحل الخلاف السياسي الذي يبدو أكثر تعقيداً يوماً بعد يوم.
ولعل انعكاسات المشهد السياسي بدت واضحة من خلال الأحداث التي جرت مؤخراً، حيث دخل المفتي الشيخ الصادق الغرياني على الخط بالإعلان عما سماه بـ«وثيقة دستورية» تدعو لتشكيل مجلس للأمة لقيادة البلاد، دون أن يكشف عن الجهة أو الشخصيات التي وضعتها، مطالباً من سماهم بالثوار بدعمها.
وقال خلال برنامج «الإسلام والحياة» بقناة «التناصح»: اجتماعات بعض الخيرين خلصت إلى وثيقة دستورية محكمة لتشكيل مجلس للأمة لقيادة البلاد، وعلى الثوار دعمها، وأضاف الغرياني: من لا يزال يؤمن بالثورة في ليبيا عليه مسؤولية عظيمة تتمثل في توحيد الصف والاستعداد لما بعد معركة سرت.
وفي خطوة هي الأخطر، باغت عبدالرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى للدولة، بإعلان مفاجئ قائلاً: إنهم «مضطرون لتولي السلطة التشريعية»، ليرد على الفور محمد شعيب، النائب الأول لرئيس مجلس النواب، بوصفه بيان السويحلي بأنه انقلاب على السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد، بل اعتبره تصعيداً لأزمة الوطن وتهديداً لمصيره.
وقال السويحلي في بيان له: إن المجلس الأعلى يعلن تولي المهام التشريعية وفق الاتفاق السياسي بشكل اضطراري، كون مجلس النواب المنشأ بموجب الاتفاق السياسي لم يوجد بعد، وسيكون المجلس صاحب السلطة التشريعية لحين انعقاد مجلس النواب وفقاً للمواد (16)، (17)، (18) من الاتفاق.
توقعات المستقبل
يبدو أن المشكل السياسي ومعه العسكري لا يزالان معقدين، وسيزدادان تعقيداً؛ حيث إن كل طرف من أطراف الصراع لا يزال متشبثاً بموقفه ويصعد من عملياته وتصريحاته متى وجد فرصة لذلك، ويمكن أن يفهم ذلك من خلال تصاعد العمليات العسكرية التي قام بها حفتر في الهلال النفطي، والموقف السياسي الخطير الذي قام به عبدالرحمن السويحلي، حيث تسبب الموقفان في ردود فعل كبيرة على مستوى الساحتين السياسية والعسكرية.
التقديرات بتصاعد الاحتقان والانقسام على الساحتين السياسية والعسكرية مرتبطة بشكل مباشر باتجاه كل أطراف الصراع إلى التصعيد أكثر، ومحاولة السيطرة، بدل الاتجاه نحو تفكيك المشكل السياسي ومحاولة الوصول إلى اتفاق مع الطرف الآخر، اتفاق من المرجح أننا لن نصل إليه في وقت قريب ما دامت جلسات الحوار والاتفاقات المختلفة تخلص إلى محاولة الوصول إلى مكتسبات لكل طرف؛ أي ما سيتحصل عليه كل طرف من الطرف الآخر بدل الوصول إلى نقطة اتفاق تنقذ البلاد من أزمة سياسية وعسكرية جرت الشعب الليبي إلى مشكل اقتصادي انعكس على المجتمع وحركته.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل