العنوان ليبيا.. عشرة أعوام في التيه!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 14-أكتوبر-1980
مشاهدات 13
نشر في العدد 501
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 14-أكتوبر-1980
القذافي طرح الإسلام كنظرية ثالثة ولكنه أنكر السنة وحارب العلماء!
«الذي يعمل بأجر هو عبد سواء عمل في الحكومة أم لدى الأفراد والشركات»
المدرسون والأطباء والمحامون والتجار والخبازون والطلاب كلهم عالة على المجتمع!!
الدولة تصادر المتاجر وتتولى البيع والتسويق في أسواق عامة.
القذافي أنكر السنة وحذف بعض الكلمات من القرآن وأصبح خطيباً للجمعة!!
الزحف على مجموعة من الخطباء العلماء بتهمة أنهم ضد منجزات الثورة!
النظام الليبي يسير في طريق الزيغ والضلال.. فمن يخلص الشعب الليبي منه؟
التناقض والهوى قاعدة السياسة الليبية داخلياً وخارجياً.
عندما نجح الانقلاب الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي في الفاتح من سبتمبر ١٩٦٩ وأخرج الملك إلى مصر تاركا البلاد للعسكريين ليعيثوا فيها الفساد. لم يكن لهؤلاء رصيد شعبي ولا فكري يستطيعون عن طريقه تسيير دفة البلاد. لذلك اتجه هؤلاء إلى تبني مفاهيم لكسب عامة الناس فطرحوا الإسلام كنظام ومنهاج للدولة وتبنوا المواقف القومية والوطنية في التحرير والوحدة فإلى أي مدى نجحوا في ذلك وإلى أين تسير ليبيا؟!
وقد استطاع النظام في البداية أن يصل إلى ما يريد وكان القادة العسكريون يتجولون في الشوارع ويلتقون مع الناس ويتعاملون معهم. وكان حتى ذلك الوقت يسمح لبعض الاتجاهات بالعمل والدعوة لما تعتقده حتى كان أول صدام في خطاب زواره ۷۳ حيث تهجم العقيد معمر القذافي على الفئات الإسلامية واتهمها بالعمالة والخيانة وثارت مشادة كلامية بينه وبين أحد الطلبة وكانت هذه البداية للتغيير حيث أصدر أوامره باعتقال عناصر الفئات الإسلامية ومحاكمتهم وأعلن الثورة الثقافية فمنعت الكتب خاصة الإسلامية من دخول البلاد وكذلك المجلات الإسلامية.
أعضاء مجلس الثورة يختلفون
بدأ الخلاف يدب بين أعضاء مجلس قيادة الثورة فقامت بعض المحاولات الانقلابية لتغيير الوجوه من قبل عمر المحيشي وبشير هواري إلا أنها فشلت واستطاعا الفرار عام ١٩٧٥. وقد اعتزل الكثيرون من قادة الانقلاب «مجلس قيادة» الثورة وتركوا العمل السياسي كليا، ولم يبق من الواحد والعشرين ضابطا إلا خمسة وهم معمر القذافي وعبد السلام جلود وأبو بكر يونس والخويلدي الحميدي والخروبي.
كان العقيد ينتهج نهجًا ناصريًا ويدعو له حتى استطاع أن يؤلف كتابا أسماه "النظرية العالمية الثالثة"، طرحه كحل لما تعانيه البشرية من الويلات وقد طرح منه الإسلام كبديل للرأسمالية والاشتراكية. وكان يدعو إلى العمل الشعبي والجماهيري فأصدر الركن الأول للنظرية وهو الجزء السياسي وطرح فيه فكرة استلام الشعب للسلطة وسنتاول ذلك بشيء من التفصيل. يقع الكتيب في حوالي سبعين صفحة بحجم الكف وبه هامش كبير يأخذ حوالي ثلث الصفحة تكتب به المقولات الرئيسية.
قصة استلام الشعب للسلطة
عالج الكتاب قضية الديمقراطية كحل وبديل لأنظمة الحكم القائمة حاليا وقد تهجم في البداية على الأنظمة القائمة على المجالس النيابية واعتبرها تحكم في غياب الشعب وهي ليست ألا تزيفا للديمقراطية، وقال «إن أعتى الدكتاتوريات في العالم قامت في ظل المجالس النيابية» وأعلن أنه «لا نيابة عن الشعب والتمثيل تدجيل».
واعتبر الحزب أداة الحكم الدكتاتورية الحديثة إذ إنه حكم جزء للكل وكذلك مجموعة الأحزاب... إذ إنها تمكن أصحاب المصلحة الواحدة أو الرؤية الواحدة من حكم الشعب بأكمله. بعد ذلك طرح أسلوب الحل عن طريق المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية التي تكونت في كل مكان وفي كل حي وتجتمع اجتماعات دورية وتخرج بقرارات وتوصيات تصاغ في النهاية في مؤتمرات للشعب يحضره مندوب عن كل مؤتمر ويقرأ فيه آراء مؤتمره، وقد أعلن عن تطبيق هذا الأسلوب في مارس ۱۹۷۷ حيث أعلن استلام الشعب للسلطة وحل مجلس قيادة الثورة ولكن اقترح العقيد فكرة إيجاد أمانة عامة لمؤتمر الشعب العام تتكون من الأعضاء الخمسة المتبقية في مجلس قيادة الثورة. كما عين الوزراء السابقين في نفس مناصبهم مع تغيير اسم الوزير إلى أمين. وقد كان العقيد انتقد أسلوب الاستفتاء بنعم ولا واعتبر ذلك أقصى نظام دكتاتوري كبحي لأنه لم يترك فرصة للإنسان حتى يقول لماذا نعم ولماذا لا، ولكن فوجئ الجميع في مؤتمر الشعب العام أن الجميع يستعمل نفس الأسلوب في تعيين الأمناء وكذلك في وضع معمر القذافي على رأس المؤتمر حيث إن كل عضو في المؤتمر معه راية يرفعها إن كان معترضا وينزلها إن كان موافقا.
هذا الطرح الذي يمارس في هذا البلد على أنه قمة الديمقراطية نجده صدم بواقع الدكتاتورية من أول يوم ففي نفس اليوم الذي أعلن فيه عن استلام الشعب للسلطة طرح العقيد أن الاسم للدولة سيكون الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية وطبعا أقر ذلك في المؤتمر رغم أن ما كانت تبنته المؤتمرات كلها خلاف ذلك. كذلك عندما طرح قضية القرآن شريعة المجتمع كان رأي المؤتمرات أن القرآن والسنة كلاهما شريعة المجتمع ولكن تقرر ما أراده القذافي حيث تهجم على السنة وأنكر صحتها أو كونها ملزمة للأخذ بها. وهكذا في كل الأمور التي تلت هذه الفترة حيث إنه عندما يحين موعد بدء مناقشة المؤتمرات الشعبية لجداول أعمالها يخرج العقيد على الإذاعتين ويتكلم عن المواضيع المطروحة في جدول الأعمال ويدلي بوجهة نظره فتكون النتيجة أن المؤتمرات تخرج كلها بنفس الرأي ولو أردنا أن نراجع ما طرح في المؤتمرات السابقة لوجدنا مصداق ذلك كما حدث في قضية شروط دعم سورية وفي قضية طرد المصريين والاستغناء عن العمالة المصرية وفي قضية شروط دعم المقاومة الفلسطينية وفي قضية قطع العلاقات مع الصين وفي سائر القضايا.
ومن غريب ما فاجأ به النظام عامة الناس قضية اللجان الثورية حيث إنه بعد أن استلم الشعب السلطة بعدة أشهر خرج القذافي ودعا إلى تشكيل اللجان الثورية في كل مكان وحدد لها أهداف التوجيه والإرشاد والتحريض للمؤتمرات الشعبية وقد انتشرت هذه اللجان في كل مكان وفي كل شركة ومصنع وكلية وسوق ومدرسة.. وأخيرًا في الجيش وأصبحت لها اليد الطولى في كل شيء وأصبح لا يحضر المؤتمرات الشعبية إلا أعضاء اللجان الثورية وأصبح لا ثوري خارج اللجان الثورية وأصبحت هذه اللجان تتعقب الناس وتقتفي آثارهم وتراقبهم حيث كل أعضائها من رجال المخابرات «أنتينات على حد قولهم» ورغم كل وسائل الإعلام وتسخيرها -ليل نهار- لخدمة هذا الجانب إلا أن كل مؤتمراتهم منيت بالفشل حيث إن نسبة الحضور من الرجال لا تتجاوز ١٠⸓ ومن النساء تكاد تصل إلى الصفر حين أن الكل يعرف أن هذه المؤتمرات لا تحل ولا تربط وأنها ليست إلا ضحكا على الذقون.
وقد حاول النظام طرح هذه الفكرة على الجنسيات الموجودة هناك ومارس الكثير من الضغوط على هذه الفئات حتى تشكل مؤتمرات شعبية ومؤتمرا شعبيا عاما وقد كان بعضها سريًا كالسوريين والتونسيين وبعض الجنسيات الأخرى وكان بعضها علنيًا وهو الفلسطينيون والمحنة التي قاساها الفلسطينيون هناك بسبب الضغوط عليهم لم تغب عن الأذهان بعد حيث رحلت عشرات العائلات والأفراد والطلاب بسبب رفض تشكيل هذه المؤتمرات خلال يناير الماضي.
الاقتصاد والاشتراكية القذائفية
وحتى لا نطيل في هذا الجانب فإننا سننتقل إلى الجانب الاقتصادي حيث إن معظم التغييرات المباشرة كانت في هذا الجانب وقد عانى كل الشعب من هذه التغييرات فإلى ما يطرحه الكتاب الأخضر في جزئه الاقتصادي ثم لنرى ما طبق على أرض الواقع منه باسم الاشتراكية.
يقع الكتيب في حوالي الأربعين صفحة من نفس حجم الجزء الأول وله هامش أيضًا
أول قضية طرحها هي أن الذي يعمل بأجرة هو عبد بفعل هذه الأجرة وأن الشعب الليبي الذي تحرر سياسيا سيتحرر من هذه العبودية ويصبح شريكًا في مكان عمله وهذه العبودية قائمة سواء كان صاحب العمل فردًا أو حكومةً ومن واقع هذه المقولة «شركاء لا إجراء» أخذ العمال والفراشون في الشركات والمصانع والمحلات التجارية يجتمعون ويقومون بعملية همجية أطلق عليها «الزحف» ويستولون على المكان التي يعملون به ويتقاسمون الأرباح فيما بينهم ويصبح المالك مثلهم سواء بسواء ويتحكم هؤلاء في هذا الموقع من خلال اللجنة الثورية التي يشكلونها فيه «ملاحظة طبعا هذا كله خاص بالليبيين حيث إن الأجانب لا علاقة لهم بهذا الزحف إلا إذا كانوا أصحاب أملاك باسم شخص ليبي فإنه يؤخذ منهم» وهكذا تعطلت معظم المصانع وأصبح إنتاجها أكثر رداءة وتأخرت المشاريع التي تقوم الشركات المحلية بإنشائها.
ثم طرح أن «في الحاجة تكمن الحرية» فالمسكن من الحاجات الضرورية ولا يجوز أن يسكن الإنسان بيتا بأجرة لأنه يصبح عبدا. وتحت مقولة «البيت الساكنة» أصبحت كل البيوت المؤجرة ملكًا للدولة وأصبح الكل يدفع الأجرة للدولة على أمل أن تنتمي عن الليبيين مستقبلا حيث ستصبح البيوت ملكًا لهم بعد سداد مبلغ معين وقد خير من له أكثر من بيت حتى يختار واحدًا منها فقط.
ملكية الأراضي
كذلك الأمر بالنسبة للأراضي فهي ليست ملكًا لأحد ويحق لكل واحد استغلالها للانتفاع بها وهكذا أخذت المزارع من أصحابها وأعطيت لآخرين حيث عادة ما
يكون أصحاب المزارع يملكون بيوتًا غيرها ولا يجوز امتلاك أكثر من شيء واحد.
وقد دعا الكتاب الأخضر إلى جعل كل إنسان لا يأخذ إلا ما يحتاجه فقط فقال «إن الادخار الزائد عن الحاجة هو حاجة إنسان آخر من ثروة المجتمع» وقد افترض بذلك أن ثروة المجتمع بالكاد تكاد تكفي لأفراده ولكن الواقع خلاف ذلك خاصة في دولة نفطية مثل ليبيا.
وقد اعتبر الخطوة النهائية لهذه التحولات الاقتصادية هي وصول المجتمع الاشتراكي إلى مرحلة اختفاء الربح والنقود حيث تنعدم الحاجة للنقود. وهو يعتبر الاعتراف بالربح هو اعتراف بالاستغلال وقد اعتبر مهنة التاجر اللصوصية وسرقة مشروعة في الأنظمة التقليدية أما في الجماهيرية فإنها يجب أن تزول.
عالة على المجتمع
وكنتيجة طبيعية لهذه المقدمات فإن العقيد اعتبر الفئة الوحيدة التي تستحق الاحترام هي فئة المنتجين أي العمال، وقد عد العقيد في خطاب له في زواره عام ۱۹۷۸ المدرسون والأطباء والمحامين والتجار والخبازين والطلاب عالة على المجتمع وأنهم فئات غير منتجة. وقد توعد التجار «الذين يشكلون الفئة العظمى من الليبيين» بأن عليهم أن يبحثوا عن مهن جديدة حتى يتحولوا إلى منتجين وكذلك دعا المدرسين والطلاب إلى العمل أثناء فترة الصيف حتى يصبحوا منتجين وقد طرح آنذاك موضوع تقسيم السنة إلى ستة أشهر للدراسة وستة أشهر للعمل والإنتاج كذلك دعا الأطباء إلى أن يتحولوا إلى أطباء ثوريين ويتركوا المكاتب ويخرجوا للمرضى في بيوتهم ومنع مهنة المحاماة كليا.
ومن المعلوم أن عامة الليبيين يعملون كموظفين في الوزارات والشركات «تحول أسماؤها إلى أمانات ومنشآت» وهؤلاء لم يأت أي ذكر لهم في الكتاب الأخضر فهل هم منتجون أم لا وهل هم إجراء أم شركاء أم ماذا؟
وقد كان العقيد أعطى التجار مهلة حتى ٦/١١ كموعد أقصى لكي يغلقوا كل محلاتهم ومتاجرهم، حيث إن الدولة هي التي ستتولى عملية البيع والتسويق عن طريق الأسواق العامة التي يفترض أن تبيع بسعر التكلفة، وقد اقتصرت الدولة على استيراد الأشياء الضرورية وترك الكماليات باعتبار أن الشعب الثائر لا يحتاج إلى ترفيه، ولكن لأن الأسواق لم تكتمل بعد مددت المهلة إلى موعد آخر.
حتى يتخلص النظام من الأموال الموجودة بين يدي الناس منع بيع الذهب منذ أكثر من ثلاث سنوات وبالطبع لا يستطيع أحد أن يحول العملة الليبية إلى عملات صعبة إلا عن طريق الدولة التي تحول للأجانب نسبًا معينة شهريًا فهكذا أصبح الأثرياء يملكون الكثير من النقود الليبية ولا يستطيعون تصريفها حيث منعت السيارات من بداية هذا العام كنوع من التقشف لمدة خمس سنوات وهكذا تكدست النقود في يد الذين يعملون في المجال الحر ثم استطاع النظام أن يوجه الضربة القاضية بإعلان انتهاء صلاحية العملة من فئة الخمسة والعشرة دنانير، وأن تحويلها يتم عن طريق البنوك ولمدة أسبوع فقط وهكذا تحولت هذه القطع إلى أوراق لا قيمة لها حيث لا أحد يقبل البيع بها وعندما بدأ التحويل في اليوم الثاني كان المبلغ المسموح به هو ١٠٠٠ دينار لكل عائلة ليبية «يختم على كتيب العائلة» ومبلغ ٢٥٠ دينارًا لكل صاحب جواز سفر أجنبي «حيث يختم على جواز سفره» وما يزيد عن هذا المبلغ بقي وديعة في البنوك ولم يرد منه شيء على أمل أن يبت مؤتمر الشعب العام القادم في هذه الأموال. والعقيد يرى أن تبقى في المصارف.
طوابير... طوابير!
والملاحظ الآن.. أن البلد قد انتشرت فيها الطوابير في كل مكان فكل السلع أصبحت مفقودة ولا تستطيع شراء شيء إلا بعد أن تقف الساعات الطويلة، ولا تجد إلا أنواعا معينة من كل صنف والدولة لا تستورد إلا أصنافا معينة بدون تشكيل أو تغيير فيها، وإذا ذهبت إلى السوق فإنك لا تجد الكثير مما تحتاجه كالسكر والحليب والبيض. وهكذا أصبح الإنسان أسير هذه المشاكل اليومية. حتى الخبز واللحمة تحتاج إلى طوابير للحصول عليها.
وهكذا أصبح الكل يعيش في دوامة فلا يستطيع أن يفكر في سياسة إلا ما يرضي النظام وعليه أن يعيش كل يوم في مشاكل توفير ما يحتاجه من طعام وشراب وكساء!!
النظرية الاجتماعية
أما على المستوى الاجتماعي فقد أصدر العقيد فصله الثالث عن الركن الاجتماعي كله غثاء أظهر خواء هذه النظرية وفراغها. فقد طرق الكثير من القضايا الاجتماعية طرقًا سطحيًا بسيطًا لا يستطيع غيره أن يصل حتى إلى فهم هذه المشاكل الاجتماعية كموضوع المرأة وموضوع الأسرة وموضوع الأقليات والرياضة والموسيقى وغيرها. ومن استطاع أن يحصل على هذا الكتيب فإنه يستطيع أن يحكم على صدق ما أقول. فهو كمثال اعتبر الملاكمة والمصارعة وحشية وهمجية، واعتبر المتفرجون في الملاعب والمسارح أغبياء عاجزين عن ممارسة أدوارهم في الحياة.
حرب على الإسلام
أما عن الجانب الديني فحدث ولا حرج.. علمنا أن أول مجاهرة لإلغاء السنة وعدم الاعتراف بها كانت في مؤتمر الشعب العام عام ١٩٧٧ عندما تقرر أن القرآن فقط شريعة المجتمع وكان بعد ذلك المجاهرة في إنكار السنة حيث ألقى القذافي كلمته بمناسبة المولد النبوي في سنة ١٩٧٨ في مسجد مولاي محمد بطرابلس وقد ذكر يومها أن من بقايا الوثنية التي بقيت في النفوس قولنا صلي الله عليه وسلم ثم استدرك ذلك فقال ولكننا نقولها لأنها وردت في القرآن الكريم!! وقد قال إن السنة التي وردتنا لا نستطيع أن نميز الصحيح من الموضوع فيها، فكل حزب سياسي وضع أحاديث توافق أراءه وأهواءه وذكر بعض الأمثلة التي يؤكد فيها تناقض هذه الأحاديث على حسب فهمه هو لهذه الأحاديث، وخرج بنتيجة أننا لا نلتزم إلا بما ورد في القرآن الكريم: ولكن يبدو أنه حتى القرآن بدأ يحرفه ويؤوله على هواه فكلمة «قل» التي وردت في الكثير من الآيات قال إنها للرسول صلي الله عليه وسلم لذلك فعندما قرأ سورة الإخلاص في احتفال المولد النبوي قال فيه «الله أحد الله الصمد...»!! كما أنه تصدر للتفسير والمعرفة بدين الله فقال إن دين الله ميسر لكل مسلم ويستطيع الجميع فهمه فأنكر على العلماء المسلمين ما يروجوه من أباطيل وخرافات في دين الله يأخذونها من الكتب الصفراء من تفسير وأحاديث وفقه وغير ذلك وأخذ يخطب الجمع في المسجد الكبير بطرابلس قرب جمعية الدعوة، وكانت خطبه لا تزيد على قراءة سورة من قصار السور وتفسيرها على هواه وحسب ما يريد.
ولكن عندما أخذ يمارس قضية إنكاره للسنة وصلى العصر ثلاث ركعات جهرًا وصدهم باستنكار الناس وضجرهم فعدل عن قضية السنة العملية التي ما زال المسلمون يداومون عليها من عهد النبي صلي الله عليه وسلم كعدد ركعات
الصلاة.
الزحف على المساجد
وقد تصدى الخطباء على المنابر لهذا الافتراء على سنة النبي صلي الله عليه وسلم تصريحًا وتكفيرًا لمنكر السنة أو تلميحًا وغمزًا به.
وأخذوا بسرد الأدلة الشرعية على وجوب التزام السنة والأخذ بالأحاديث كالأخذ بالقرآن سواء بسواء.
فكان لا بد للنظام من صفع هؤلاء صفعة قوية ففي أحد أيام الجمعة في بداية ۱۹۷۹ تم الزحف على مجموعة من خطباء المساجد « حوالي العشرة مساجد» في أنحاء متفرقة من البلد وقد خرجت وسائل الإعلام بهذا الخبر قائلة إن قوى الثورة تنادت في المساجد وقامت بالزحف على هؤلاء الخطباء الذين يعملون ضد الثورة ويقفون ضد تيار التحولات التي تشهدها الجماهيرية، وهم لا يتورعون عن اختلاق الأساطير والخرافات ويتهجمون على الثورة وقائدها!! وقد ذكر مثال على خرافاتهم أنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرى به إلى الأقصى قد عرج به إلى السماء وهذه من الأباطيل التي يدسونها في الدين فالله تعالى ذكر أن الرسول أسرى به فقط ولو كان عرج به إلى السماء لذكر ذلك في القرآن سبحان الذي أسرى بعبده ليلا...»!!!.
ضلالات وبدع
وفي مايو ۱۹۷۹ في اجتماع لوزراء الثقافة العرب وفي كلمة للقذافي معهم تكلم فيها عن الأدب العربي الحديث خاصة المصري وقال إنه أدب غربي القلب والقالب، وتكلم بعدها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال إنه كان دكتاتورًا في عصره! ولكنه كان دكتاتورًا عادلًا وقد دلل على كلامه أنه عندما قرر تدوين التاريخ اختار الهجرة كبداية للتاريخ!. وأنه لم يأخذ رأي أحد في ذلك بل فرضه فرضا على الناس. وقال إن حدث الهجرة ليس أهم حدث في التاريخ الإسلامي فبدر وفتح مكة أهم منه « على حد زعمه» وقال إننا يجب أن نبدأ التاريخ من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ففي هذا العام انقطع الوحي من السماء!. ويبدو أنه يعني بذلك أن عصر الرسالات قد انتهى وبدأ العهد لأصحاب النظريات من أمثاله ومن ضلالاته التي تذكر أنه بعد أن قامت الثورة الإيرانية ودعا الخميني إلى وحدة إسلامية بين الدول الإسلامية خرج العقيد في مجمع سليمان الضراط في بنغازي وقال « إن الإسلام جاء للعرب وحدهم وأنه ليس مطلوبا من غير العرب الدخول في الإسلام وأنه لا يجوز لغيرهم الدعوة للإسلام وإن كان أحد غير العرب يريد الدخول في الإسلام فيمكنه أن يدخل فيه لكنه لا يجوز له أن يدعو للإسلام!! ويبدو أنه شعر بأن إيران ستقطع عليه حبل المزاوجات القومية التي يطرحها في الوحدة فأراد أن يرد على هذه الدعوى التي دعا إليها الخميني.
الكتب الإسلامية ممنوعة
في خضم الحملة الشعواء التي حملها على الكتب الإسلامية التي سماها «الكتب الصفراء» خاصة كتب الحديث الشريف فقد منع البيع في المكتبات، كما أوقف تدريس هذه المواد في الجامعات والكليات التي كانت تدرسها وألغى كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية التي كانت موجودة بالبيضاء والتي يتلقى فيها آلاف الطلبة من غير العرب هذه الدراسة، وقد تحول كل هؤلاء إلى كلية الآداب والتربية وإلى كلية الحقوق ببنغازي!!.
هذا الذي ذكرت قليل من كثير ويكفي ذكر بعض هذه الأمور التي تؤكد الاتجاه الإلحادي والعلماني عند هذا الرجل.
تناقضات سياسية
أما في الجانب السياسي فإن العجب يأخذك إذا أردت أن تدرس أي موقف لهذا النظام تجاه أي دولة كانت. فمثلا النظام الليبي كان يدعم الثورة في إريتريا على أنها تطالب بحقها في إقامة حكم ذاتي بعد تحرير أرضها المغتصبة من هيلاسي لاسي، ولكن يبدو أن النظام الأثيوبي عندما تغير وتربع على الكرسي هيلمار سام لم تعد إرتيريا مغتصبة!! فالنظام الحبشي نظام حليف وفي تشاد كان فلكس معلوم عميل وخائن وكانت ليبيا تدعم حسين صبري وجبهته للفرولينا ولكن عندما حدثت المصالحة بينهما وعين حسين صبري رئيس وزراء دون موافقة ليبيا أخذت ليبيا تتهجم عليه وتعلنه صباح مساء.
ونحن نلاحظ أن النظام الليبي يمد يد العون لأي شخص يخرج على النظام في بلده فهو دعم المعارضة السودانية ثم اختلف معها عندما اتفقت مع النميري، وكما سمعنا في فبراير الماضي عندما وقعت عملية قفصة في تونس وكانت ليبيا من ورائها وحدثت حملات إعلامية شديدة بين الطرفين وفوجئ الجميع بأنها انتهت بين يوم وليلة عندما تغير الهادي نويره بسبب إصابته بالشلل.
والمتتبع لما يقوم به هذا النظام في السياسة الخارجية خاصة مع الدول العربية يجد أنه يقوم بدور خطير في اضطراب المنطقة وإشعالها بالفتن الداخلية والخارجية سواء بإمداد المعارضة أو بالمعارك المباشرة مع الأنظمة المجاورة.
ومن الأمور التي تظهر مدى تناقض هذا النظام هو موقفه من الأكراد في إيران فبعد نجاح الثورة في إيران بدأ الأكراد يثيرون الاضطرابات في الشمال وقد كانت ليبيا تدعي أن الثورة الإيرانية ثورة استمدت فكرتها من الثورة الليبية حيث إنها ثورة شعبية وكانت تمجد بها وتفتخر بأنها ثورة إسلامية مثلها، ولكن فوجئ الجميع عندما نشرت صحيفة الوطن العربي عن وثائق تدين النظام الليبي بإمداده للأكراد بالسلاح بعد انتصار الثورة الإيرانية. كما كنا نرى بعض اللاجئين السياسيين من منطقة عربستان يقيمون بليبيا.
ومن الأمثلة التي تؤكد أن النظام لا يقوم على مبادئ ولا أسس ثابتة هو موقفه من حركة فتح فقد تهجم القذافي على قيادة فتح واتهمهم بالخيانة العظمى وزعم أن أبا عمار هو الذي قتل موسى الصدر وأن أبا عمار هو الذي اغتال أبو يوسف والكماليين في عملية الفردان وأخذ يكيل التهم بالذات لأبي عمار ولصلاح خلف «وقالوا عنه إسحق خلافو » وقال إن منظمة التحرير هي نفسها فتح ولكن عندما جاء موعد مؤتمر الصمود والتصدي تعانق مع أبي عمار وقال إن فتح هي طليعة العمل الفلسطيني!! ومدح مواقفها وتناسى كل ما كان يقوله عنها!!!
وهكذا نرى هذه الصورة البشعة التي يعانيها شعبنا المسلم في ليبيا الذي يرضخ تحت حكم هذا الطاغية الذي لا يرتكب المجازر ويصمت عنها، بل إنه يحتفل بمناسبة كل تصفية يقوم بها، وكل من زار ليبيا يعرف احتفالات سبعة أبريل التي تدوم أسبوعًا احتفالًا بتصفية الطلاب في الجامعة الرجعية»! والملاحظ أن الشعب الليبي لم يستطع حتى الآن أن يجمع شمله ليثور ضد هذا الدكتاتور الطاغية ربما بسبب شدة البطش الذي يمارسه النظام ضد أي بوادر معارضة فالطاغية يحكم منذ عشرة أعوام وقد تمرس على كل وسائل البطش والإرهاب.
فلنمد يد العون والسلاح ولكن بالفكر والإيمان والشجاعة حتى يستطيعوا التجمع من خلال هذا الدين.