العنوان مؤتمر داكار يستقطب آمال المسلمين
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الأحد 15-ديسمبر-1991
مشاهدات 17
نشر في العدد 980
نشر في الصفحة 14
الأحد 15-ديسمبر-1991
أهمية قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في دكار
لا شك أن مؤتمر القمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي عُقد مؤخرًا في
دكار، عاصمة السنغال، تلك الدولة الأفريقية الواقعة في غرب أفريقيا، في الفترة ما
بين 9 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول، ينطوي على أهمية فريدة من بين مؤتمرات المنظمة.
حيث إنه جاء في أعقاب حرب تحرير الكويت من أيدي الغزاة، وتصادف أيضًا مع عقد
الجولة الثانية من المفاوضات العربية الإسرائيلية في واشنطن، وذلك للوصول إلى
تسوية شاملة لمشكلة الشرق الأوسط في إطار الشرعية الدولية، لكي تتم مبادلة الأرض
مقابل السلام، والحق مقابل الحق، والأمن مقابل الأمن.
كما جاءت قمة دكار في ظل متغيرات ومعطيات جديدة من بينها التغيرات
الجذرية التي طرأت في شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي، وقيام السوق الأوروبية
الموحدة قريبًا، وانعكاساتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على الدول
الإسلامية برمتها. هذا وإن اختيار دكار لاستضافة مؤتمر القمة السادس لمنظمة
المؤتمر الإسلامي له مدلول يضاهي أهمية ظروف انعقاد المؤتمر، إذ إن هذا البلد الذي
يتجاوز عدد المسلمين فيه 95% من عدد السكان، يمثل همزة وصل بين المغرب العربي
وأفريقيا السوداء، ويتميز بطابعه الإسلامي الذي صمد أمام كل الغزوات الفكرية والعقائدية
لطمس هويته الإسلامية وكسر عرى الصداقة والأخوة التي ما انفكت تربطه مع الدول
العربية.
اختيار دكار لاستضافة القمة ليس وليد الصدفة
فمنذ القرن 9 الميلادي وبعد قرن تقريبًا من تعريب بلاد المغرب
وأسلمتها، كانت السنغال بوابة الإسلام في غرب أفريقيا. وقد ساعد على انتشار الدعوة
الإسلامية في السنغال تلك العلاقات الإنسانية والتجارية العريقة التي كانت موجودة
منذ قديم الزمان بين المجموعتين العربية شمالًا والزنجية الأفريقية جنوبًا، والتي
قد عرفت أوجها في عهد المرابطين بقيادة ابن ياسين، وبفضل القبائل البربرية التي
اعتنقت الإسلام مثل الصنهاجيين والزناتيين والمصموديين.
كما أن للقادة الروحيين السنغاليين دورًا هامًا في إشاعة نور الإسلام
وانتشاره في السنغال، وذلك بمشاركتهم في حروب مقدسة جعلت بعض زعماء القبائل
الوثنية لا يترددون حتى في التحالف مع جيش الاستعمار الفرنسي بغية التصدي لهم.
ويبلغ عدد المساجد في ربوع السنغال ما بين 60 ألفًا و65 ألف مسجد، وعدد كبير من
الجمعيات والاتحادات الإسلامية، وكثير من أبناء السنغال يجيدون اللغة العربية إلى
جانب إلمامهم بالقرآن والعلوم الفقهية. ولذلك فلا غرابة في استضافة هذا البلد
للمؤتمر السادس لمنظمة المؤتمر الإسلامي. يا ترى فكيف نشأت هذه المنظمة؟
نبذة عن المنظمة
لقد رأت منظمة المؤتمر الإسلامي النور في شهر سبتمبر/أيلول 1969،
عندما اجتمع رؤساء ومندوبو الدول والحكومات الإسلامية في الرباط- المملكة
المغربية، للاحتجاج على عملية حرق المسجد الأقصى المبارك والإعلان عن عزمهم الصارم
لتوحيد الصفوف والتشاور فيما بينهم لإيجاد سبل تعزيز التعاون البناء بينهم في
المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية والروحية. ثم اتسعت رقعة هذه
المنظمة الوليدة وأصبحت معترفًا بها دوليًا وتضم الآن 45 دولة عضوًا.
وهي تضطلع بدور ريادي في تعزيز التعاون بين البلدان الإسلامية في
مختلف المجالات، غير أن توجهها في البداية كان أكثر ميلًا للناحية السياسية، ثم
أخذت نشاطاتها تشمل مجالات عديدة في التعاون الاقتصادي مثل الزراعة والصناعة
والتمويل والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والنقل والاتصال والسياحة
والتعاون الفني. وكان أول إنجاز ملموس حققته المنظمة في الميدان الاقتصادي هو
إنشاء البنك الإسلامي للتنمية في جدة عام 1974، وهو المصرف الذي يضطلع بدور هام في
دفع عجلة التنمية والاستثمار وتمويل التجارة بين البلدان الإسلامية، وذلك بفضل
الفوائض المالية لبعض البلدان الإسلامية.
كما عملت المنظمة على وضع خطة عمل لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول
الأعضاء، مع التأكيد على مبدأ الاعتماد على النفس وتفاعل أكثر بين البلدان
الإسلامية وتعاونها فيما بينها من أجل النهوض بإمكاناتها الاقتصادية لتلبية
حاجياتها التنموية. كما عملت المنظمة من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتكامل
الاقتصادي وتنويع وتوسيع نطاق التجارة بين الدول وتشجيع المشاريع الصناعية ودعم
التنسيق والتعاون في ميادين النقل البحري والجوي والاتصال والأرصاد الجوية
والخدمات البريدية وزيادة تدفق الموارد المالية والقوى البشرية.
كما عملت المنظمة على تشجيع وحماية وتأمين الاستثمارات في البلدان
الإسلامية، مع الحرص على ضرورة إيجاد مناخ مناسب للاستثمار من شأنه أن يساعد في
حرية تنقل الموارد بين الدول الأعضاء، وضمان استخدامها الأمثل في سبيل تنمية وتقدم
الأقطار الإسلامية. ولم تأل المنظمة جهدًا في إنشاء عدد من المؤسسات المتخصصة في
تحويل وتوزيع رؤوس الأموال وتسوية النزاعات الناشئة عن الاستثمار ومتابعة قرارات
المنظمة في المجالات الاقتصادية والتجارية والفنية. ومن بين هذه المؤسسات:
1.
مركز التدريب
والأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية في أنقرة بتركيا، حيث أُنشئ لإجراء
الدراسات والأبحاث في مختلف الميادين الاقتصادية، كما يتولى جمع ونشر المعلومات
الخاصة بالتعاون الاقتصادي والمالي بين البلدان الإسلامية.
2.
المركز
الإسلامي للتنمية والتجارة في الدار البيضاء، المغرب.
3.
الغرفة
الإسلامية للتجارة والصناعة وتبادل السلع في كراتشي، باكستان.
4.
الجمعية
الإسلامية لأصحاب السفن في جدة، حيث تم إنشاؤها للقيام بتنسيق ودعم حركات النقل
البحري بين الدول الأعضاء.
5.
المركز
الإسلامي للأبحاث والتدريب الفني والتوجيهي في دكا، بنغلاديش، حيث تم إنشاؤه
لتنمية القوى البشرية في مجالات عديدة مثل التدريب الفني والتوجيهي في التقنيات
الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية.
رئاسة السنغال بعد الكويت
وجاء دور السنغال بعد أن ترأست الكويت مؤتمر القمة الإسلامي الخامس
الذي عُقد في فبراير/شباط عام 1987 في ظل ظروف أمنية صعبة نتيجة الحرب العراقية
الإيرانية. وكم كانت الكويت سخية في تقديم المساعدات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية للدول الإسلامية.
وقد تناولت قمة دكار موضوع "تفكير العالم الإسلامي والمتغيرات الجديدة على
الساحة العالمية"، غير
أن أهم أعمال القمة السادسة قد انصبت في مسألة السلام في الشرق الأوسط والتزام
العراق بالقرارات الدولية. كما تم بحث العمل الإسلامي في ظل النظام العالمي الجديد.
وقد سبق أن تبنت اللجنة السياسية للمنظمة مشروع القرار الخاص
بأفغانستان، الذي يبارك التسوية السياسية السلمية ويدعو إلى توحيد فصائل المجاهدين
وإلى تشكيل حكومة إسلامية جهادية في كابل باعتبارها الحل الأمثل، حيث بارك هذا
المشروع نتائج الحوار بين المجاهدين والاتحاد السوفيتي.
كما أجازت اللجنة مشروع القرار الخاص بكشمير، والذي يدعو إلى تحقيق
تسوية سلمية للقضية وفقًا لقرارات الأمم المتحدة واتفاقية سيملا بين الهند
وباكستان. وأدانت قمة دكار أيضًا عمليات الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان ضد شعب
كشمير، وأعرب الحضور عن قلقهم إزاء التوتر القائم بين البلدين، ويدعوهما إلى
الاستمرار في الحوار لحل خلافاتهما العالقة بالطرق السلمية.
وقد دعا الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت، لدى جلسة
الافتتاح للمؤتمر السادس إلى ضرورة أن تتبوأ الأمة الإسلامية المكانة الرفيعة التي
تستحقها في عالمنا المعاصر، مؤكدًا أن ذلك لا يتحقق إلا بالعمل والجد والتعاون
والتنسيق بين الدول الإسلامية. كما ألقى سموه الضوء على غدر النظام العراقي الذي
انتهك جميع مبادئ العمل الإسلامي واحدًا واحدًا، ولم يرع حرمة لدين ولا لعهد ولا
لميثاق ولا لكلمة شرف في عدوانه على إيران ثم على الكويت. كما أشاد سموه بالموقف
الشريف لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي كان له أثر بارز في دحر العدوان عن الكويت،
وطالب أيضًا بالبحث دون تأخير عن الصيغ العملية والضمانات الملزمة والاحتياطات
الكافية والوسائل الكفيلة بمنع أي عدوان من دولة مسلمة على أخرى مهما كانت الدوافع.
هذا وبعد أن تسلم الرئيس السنغالي عبده ضيوف رئاسة المؤتمر من الشيخ
جابر الأحمد الصباح، ألقى كلمة أكد فيها أهمية تحقيق التعاون والتضامن بين الدول
الإسلامية، وأشار إلى حرب تحرير الكويت وأعرب عن سعادته لتحرير الكويت، مشيدًا
بتماسك الشعب الكويتي خلال محنة الاحتلال وبالقوى المحبة للسلام التي ناصرته. كما
تحدث الرئيس السنغالي عن الجهود المبذولة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، ونوه
بانعقاد مؤتمر مدريد للسلام بعد نحو خمسين عامًا من الصراع العربي الإسرائيلي،
ودعا أيضًا إلى وحدة الصف الإسلامي ودعم النضال الفلسطيني حتى ينال حقوقه المشروعة
ويتم إحلال السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط. وحث الرئيس عبده ضيوف الدول
الإسلامية على تحقيق التكامل الإسلامي في ضوء المتغيرات على الساحة الدولية،
مشيرًا بشكل خاص إلى الوحدة الأوروبية.
ثم تحدث بعد ذلك الرئيس اللبناني إلياس الهراوي باسم المجموعة
العربية، مؤكدًا أن انعقاد القمة جاء في وقت تشهد فيه الساحة العالمية تطورات
هامة، مما يترتب على الدول الإسلامية توطيد التضامن الإسلامي، لا سيما ونحن نخوض
معركة تحرير الأراضي العربية المحتلة. وأكد أن التضامن هو سر نجاح كل عمل مشترك،
مشيرًا إلى أن التضامن العربي هو الذي ساعد لبنان على الخروج من أزمته والإبحار في
قافلة الإعمار والسلام.
ثم ألقى الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني كلمة باسم المجموعة
الإسلامية، فدعا إلى ضرورة التنسيق بين الدول الإسلامية لمواجهة التطورات الدولية
الراهنة، وأكد في هذا الصدد أهمية التنسيق الإسلامي لحل القضية الفلسطينية
والمشكلة الأفغانية، والعديد من القضايا الأخرى التي تهم العالم الإسلامي. كما رحب
الرئيس الإيراني باستقلال الجمهوريات السوفيتية التي تقطنها أغلبية مسلمة.
وبعد ذلك، تحدث كل من الرئيس الغامبي داودا جاوارا، والأمين العام
لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومندوب الأمين العام للأمم المتحدة. ثم تحدث السيد عدنان
عمران، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، وبعده تحدث السيد سالم أحمد
سالم، الأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية.
وقد ركز المؤتمر على مسألة السلام في الخليج والشرق الأوسط، مما دفع
ذوي الضمائر الحية إلى مناشدة العراق في تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالقضية،
والتخلي عن المراوغة والمماطلة في مسألة الإفراج عن الأسرى الكويتيين، وكذلك مسألة
ترسيم الحدود الدولية بين الكويت والعراق، وتسلم باقي الممتلكات الكويتية التي
نهبها من الشعب الكويتي الذي لم تلتئم بعد جراحه.
وإذا استقطبت قمة دكار اهتمام مليار مسلم في أرجاء المعمورة، فقد شهدت
أيضًا حضور وفود من الجمهوريات السوفيتية وأوروبا الشرقية لأول مرة في تاريخ
المنظمة، حيث طلبت بعض هذه الجمهوريات الانضمام إلى حظيرة المنظمة الإسلامية، وذلك
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وهبوب رياح التغيير في شرق أوروبا، والصحوة الإسلامية
التي شملت جمهورية كازاخستان وأذربيجان وطاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان
وقيرغيزيا، حيث يبلغ عدد سكانها مجتمعة 60 مليون نسمة، وتشكل محورًا إسلاميًا
جديدًا بالغ الأهمية سواء في الاتحاد السوفيتي نفسه أو بالنسبة للدول الإسلامية.
ويبقى أن نسأل الله أن تتحقق آمال وطموحات الشعوب الإسلامية، وأن تتم
ترجمة الأقوال إلى أفعال، لكي يفتح مؤتمر دكار الطريق أمام عهد جديد أكثر نشاطًا
وحركة لتحقيق التعاون الإسلامي هو الضمان الوحيد لبقاء منظمة المؤتمر الإسلامي
التي تجسد الدولة الإسلامية التي يتطلع إلى قيامها الشعوب التي استحبّت الإيمان
على الكفر.
كان الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي تانكو عبد الرحمن - ماليزي:
(1970 - 1973).
ثم خلفه بعده حسين التهامي - مصري: (1974 - 1975).
ثم خلفه بعده د. أحمد كريم غاي - سنغالي: (1975-1979).
ثم خلفه بعده الحبيب الشطي - تونسي: (1979- 1984).
ثم جاء بعده شريف الدين بيرزاده - باكستاني: (1985- 1988).
أما الأمين العام الحالي فهو د. حامد الغابد من النيجر.