الثلاثاء 07-أبريل-1970
وزير الداخلية: الإيمان بالتراث الذي يدعو للتواصي بالمعروف والتناهي عن المنكر.
جلست أتأمَّل من خلال مقاعد الصِّحافة الجلسة الافتتاحيَّة لمؤتمر «منع الجريمة ومعاملة المذنبين». تصفَّحت الوجوه.. وجوه المندوبين ورؤساء الوفود. بعض هذه الوجوه أعرفها معرفةً جيدة وبعضها كانت جديدة بالنسبة إليَّ.
المهم أن الجميع لهم علاقة وثيقة «بالمذنب» في مراحله المختلفة. فالمفكِّرون يلاحظونه وهو مجرَّد جنين تختمر فيه فكرة الجريمة، و«القضاء» وهو يحكم النص على عنق من تنطبق عليه الشروط، ورجل الأمن وهو يودعه «الزنزانة» ليواجه فكرة العقوبة.
انفلت هذا الشريط، وعدت للوجوه مرة أخرى، أستمع «للكلمات»، ثُمَّ أبحث عن أثرها في الوجوه، وودت لو تعمَّقت القلوب.
كان أمامي «مديرو أمن» لهم وزنهم، ورؤساء نيابات لعلعت أصواتهم في قاعات المحاكم، وممثِّلون للسُّلطة من مختلف البلاد العربيَّة الإسلاميَّة.
كل هؤلاء اجتمعوا من أجل ألا تقع الجريمة، فإذا وقعت، فكيف يرتفعون في معاملة «المذنب».
«المسجون» للمستوى اللائق. هنا كانت «الأفكار» تنشر غلالتها الرومانسيَّة، وفي المواقع يمتد «التطبيق».
ورجوت من الله التغيير نحو الأفضل.
واختفت الوجوه من أمامي، انسحبت «السُّلطة»، «والفكر»، «والقضاء»، وبرزت أمامي الآية الكريمة ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11). أن نستهدف أولًا ما فيه صالح أمتنا وما يتفق مع «أوضاعنا وتراثنا»، «وما لا ترفضه أساساً قيمنا وأخلاقياتنا». والحقيقة أن جو الافتتاحيَّة في المؤتمر كان رائقًا، وكان من المنطقيّ تبعًا لذلك أن يتم ترشيح الكويت لرئاسة المؤتمر. يمثِّلها في ذلك الرجل الرزين السَّيد «عبد اللطيف الثويني» وكيل وزارة الداخلية.
الوقاية من الجريمة
▪ كلمة السيد الوزير وضعت النقط على الحروف، حين تحدثت عن السياسة الجنائيَّة في الكويت وطريق حسم الجريمة في بقاعنا العربيَّة الإسلاميَّة. بأن يبقى الشعب «يؤمن بتراثه الذي يدعوه إلى التواصي بالمعروف والتناهي عن المنكر». فإذا عدنا إلى كلمة السَّيد الثويني وجدنا فيها علامات.
● وقام الدكتور أحمد خليفة لشَرْح أغراض المؤتمر، فوضَّح «سياسة الدفاع الاجتماعيّ والتخطيط القوميّ»؛ فما معنى هذا العُنْوان، وما صلته بالكويت بالذَّات؟
● لعل السؤال الذي طرحه الدكتور خليفة يلقي ضوءًا على هذا التساؤل:
«لماذا نربط بين التنمية وميلاد أنواع معيَّنة من الجريمة؟»
فمثلًا مجتمع كالمجتمع الكويتيّ، يتطوَّر بفعل ظروفه الاقتصاديَّة الجديدة، ومن شأن هذه الظروف أن تؤثِّر في البنيان الاجتماعيّ، ذلك أنه كان من الواضح منذ اللحظة الأولى التي انعقد فيها المؤتمر ظهور الدور الكبير الذي أسهمت به الكويت في فكرة المؤتمر.
لمست هذا الإحساس من الكلمة التي ألقاها مُمثِّل الأمين العام لجامعة الدول العربيَّة الدكتور عبد الوهاب العشماوي.
▪ فقد أشار في مستهل خطابه إلى الدور الكبير الذي قام به سيادة وزير الداخلية الشيخ سعد العبد الله، باعتباره «أوَّل من بارك الفكرة»، بل ودفع بها لتصبح حقيقة ماثلة يفخر بها كل عربيٍّ.
▪ الأمر الثاني هو تعليقه على المؤتمر «بأنه ليس مجرَّد مؤتمر يلتئم لينفض أو يأتي ليروح». وأكَّد أن لقاء «دعاة الإصلاح» حفظة الأمن، وحماة المجتمع، ولقاء الصفوة من أساتذة العلوم الاجتماعيَّة والجنائيَّة هو هدف في حَدّ ذاته.
▪ الأمر الثالث والجوهريّ في كلمة مُمثِّل الأمين العام، كان تأكيده، ونحن بصدد فكرة «الدفاع الاجتماعيّ»، ألا نستورد لها نظريات «هي من صُنْع ثقافة غربيَّة مستحدثة، بل بارزة ترشد لطريق الدفــاع الاجتماعيّ، لا تنحرف عنه: فيشد الاهتمام إلى تقاليد الأُمَّة وأخلاقها وتراثها وإلا «انفصلت الأُمَّة عن ماضيها وانقطعت صلتها بحضارتها الموروثة»، والأخطر من هذا في رأي الثويني علامات المستقبل، التي تكمن الإشارة إلى «جذور حضارتنا المقبلة».
● أقول تم انتخاب الكويت لرئاسة المؤتمر، كما اختِير ٤ نوابٍ مساعدين هم رؤساء وفُود الجمهوريَّة العربيَّة المتحدَّة وتونس والعراق والسعودية.
المجتمع لم يعد له نفس الملامح الرَّاكدة التي كانت له قبل أن تستجد الظروف الجديدة. والسؤال هو: هل تتولَّد جرائم معيَّنة كثمارٍ لهذه الأطوار الجديدة؟
هذا هو الموضوع باختصار، والبحث الذي يجري هو محاولة توقي الجريمة المُصَاحِبة للتنمية.
المجتمع الكويتيّ مثلًا فتـح أبوابه للمهاجرين من مختلف الجنسيَّات للعمل. يأتي هؤلاء ومعهم أفكار وتقاليد مختلفة، وهناك أوضاع اقتصاديَّة تصاحبهم، فما الذي يثمره هذا المجتمع؟
قضية أخرى ما دور القانون؟ هل بالقانون وحده نقوِّم كل معوج؟
والاقتراح الحديث ألا نفصل خطة التنمية بفروعها المختلفة، بمعنى أن التخطيط ينبغي أن يشمل، علاوة على الجانب الاقتصاديّ، التوقعات الاجتماعيَّة، والتغيرات التي تحدث للأفراد، وما يمكن أن يُحدِث ثغرات في المجتمع، فتُسَارِع فكرة الدفاع الاجتماعيّ لسدها قبل أن تقع الجريمة.
علاقة الجريمة بالتنمية
وكمثالٍ يوضح مدى عَلاقة «الجريمة بالتنمية» حصلت على الأرقام التالية التي توضِّح مدى الخسائر الماديَّة في دولة تُطبِّق برامج التنمية. ففي الجمهوريَّة العربيَّة المتحدة بَلَغَ عدد الحالات التي ارتكبت فيها جرائم في الفترة من أوَّل نوفمبر ١٩٦٢ إلى آخر أكتوبر ١٩٦٣ «١٤٩٩١»، ومن أوَّل نوفمبر ١٩٦٣ حتى آخر أكتوبر ١٩٦٤ بلغ الرَّقْم ١١٣٥٤ حالة، والجميع من الشبان الذين تتراوح أعمارهم من ١٥- ٢٥ سنة.
ومن التحليل الإحصائيّ ثبت أن الذين ارتكبوا هذه الجرائم كلهم يعملون ما عدا 9.7%.
إن معظم الجرائم كانت ضِدّ الأموال 38.4%، ويليها جرائم أمن الدولة 21.5%.
ولعل من أبرز التعليقات التي قيلت في المؤتمر هي كلمة «مندوب دبي» إذ قال: إن خير دفاع اجتماعيّ ضِدّ الجريمة في دبي، كان بسبب تمسكنا بديننا، فبرغم ما لدينا من نموٍ اقتصاديٍّ، ووجود ميناء دوليّ لتصدير البترول، وبرغم الهجرة، فإن نسبة الجريمة قد قلَّت.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية يؤكد: فلسطين أرض عربية إسلامية وليس من حق أي جهة أن تتنازل عن شبر واحد منها.
نشر في العدد 439
16
الثلاثاء 03-أبريل-1979
تظاهرة فكرية عالمية في المؤتمر الثالث والثلاثين لجمعية الطلبة المسلمين في "بريطانيا"
نشر في العدد 1134
15
الثلاثاء 17-يناير-1995