العنوان «مائدة الرحمن»
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 01-سبتمبر-1970
مشاهدات 20
نشر في العدد 25
نشر في الصفحة 21
الثلاثاء 01-سبتمبر-1970
«مائدة الرحمن»
«إن هذا القرآن مأدبة الله، فاقبلوا مأدبته ما استطعتم».
· بناء الأمم كبناء الأفراد؛ لأن من مجموعهم تتكون الأجيال، ومن ثم كان وجوب التكوين الصحيح على أساس غذاء سليم، لا يداخله غش في جميع الوجبات اللازمة للبناء، واستمراره بحالة المناعة والقوة.
· ولقد عرض الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الكلمات البليغة الموجزة، أصناف المواد التي فرض الله على المسلمين أن يتلمسوا فيها غذاءهم، ليحيوا حياة حرة عزيزة، يستحقون بها خلافة الله في الأرض، ووضع يده الحانية على ما احتوته المائدة من كل ما يقيم الجسد القوي للأمة الإسلامية، سليمًا من الأمراض والعلل ويجنبها آفات الضياع والانهيار، ويمنحها قدرة الصمود تجاه الأعاصير التي تهب عليها من كل جانب.
· وفي الوقت الذي يتلقف المسلمون أغذيتهم من مصانع البشر وفتات موائدهم، يصبحون فريسة للكافرين بالله، وتعتريهم الأسقام فيذبلون وتذوي بهجتهم، وينهار سلطانهم، فإذا بهم بين عشية وضحاها أسرى الاستسلام لكل ما هو دخيل على ما وضعوه، وتربوا على لبابه، فتصيبهم النزلات الفكرية والعقائدية التي تؤذن بالسكتة القلبية أو الموت البطيء.
· والتاريخ حافل بالدلائل مليء بالشواهد، فحسب القارئ أن يسترجع صور ماضينا يوم كنا أمة مسلمة، تأخذ من كتاب الله كل قوانينها و تشريعاتها وكل عاداتها وتقاليدها، وكل معاملاتها واقتصاداتها، وكل عقودها ومعاهداتها، وكل فنونها وعسكرياتها، يومذاك كنا أساتذة العالم وخبراءه وهداته وارتفع لواء الإسلام خفاقًا على «رأس الإنسانية الهانئة بعدالته الوادعة في رحمته»، وتحقق فينا وبنا قول الله عز وجل ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (آل عمران :110 )
· وحينما أعرضنا عن مائدة الله، وجلسنا على موائد الغرب والشرق نلتهم زادها في نهم الغفلة، وانبهار الزينة، ونشوة السكر، اختلت عقولنا، وفسدت قلوبنا، فتغايرت المرئيات أمام أعيننا، ونضبت في داخلنا معاني إحساساتنا وتقديراتنا، فأصبحنا صورة ممسوخة مشوهة، لا هي بذاتيتنا الأصيلة القادرة، ولا بالنسخة المكررة لأصحاب المائدة.
· وإذا كنا ننعى على الزمان غدراته بنا، وفتنته في صفوفنا مع بعضنا، وتركنا العدو جاثمًا على أرضنا، ويعيث فسادًا في بلادنا، ولا نجد في أنفسنا القدرة على مواجهته في «حرب تحرير شاملة» فإن السبب واضح، إنه قد سرت في عروقنا دماؤه النجسة، «بميكروباته» السرطانية التي أتت على بقايا كرات الدم الطاهرة في صراع شيطاني جبار، بعد أن مهد لعملية النقل هذه، فكر هادف دخيل في عقول ساذجة، صبت غثاءه وسمومه في قلوب تهاونت في حق الله، فضعفت عن طرد كل ما ليس من جنسها وفصيلتها ومادتها الأصيلة.
· والذين يخبطون في التشخيص والتحليل بعيدًا عن هذه العدسة، وهذا المنظار، أما أنهم مرضى لا يصلحون للوصف وتقدير العلاج أو أنهم من صفوف الأعداء الذين لم ينهلوا من ري الإسلام أو يجلسوا على مائدة القرآن، فلا يؤخذ عنهم تشخيص ولا تطبيب.
· فيا أمة الإسلام، دوروا مع القرآن حيث دار، وقوموا بعملية غسيل لعقولكم وقلوبكم واجلسوا على المائدة الربانية.
· يومذاك تستحيل الدنيا كلها في قبضتكم، ولا يكون عسيرًا أبدا أن تستردوا أرضكم ومقدساتكم. وصدق الله العظيم ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:55)
· «ألا وإن وعد الله قائم، إلا وأن شرط الله معروف فمن أراد الوعد فليوف بالشرط.
· ﴿وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
(التوبة:111)
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل