; ماذا بعد أن قوض القبارصة اليونانيون مشروع توحيد قبرص؟ | مجلة المجتمع

العنوان ماذا بعد أن قوض القبارصة اليونانيون مشروع توحيد قبرص؟

الكاتب طه عودة

تاريخ النشر السبت 08-مايو-2004

مشاهدات 17

نشر في العدد 1600

نشر في الصفحة 38

السبت 08-مايو-2004

قبرص اليونانية تنضم للاتحاد الأوروبي.. وتركيا تظل واقفة عند الباب.

قوض القبارصة اليونانيون الأمل في إعادة توحيد الجزيرة المقسمة منذ عام ١٩٧٤ وذلك بعد رفضهم بأغلبية ٧٥,٨٨% خطة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، مقابل موافقة القبارصة الأتراك على الخطة بأغلبية ٦٥%.

أما رؤوف دنكطاش -زعيم القبارصة الأتراك- الذي كان يرفض خطة توحيد الجزيرة، فقد رفض بدوره الدعوات له بالاستقالة من قبل المؤيدين لخطة الأمم المتحدة توحيد الجزيرة بمن فيهم رئيس الوزراء محمد علي طلعت، وذلك في أعقاب التأييد الساحق الذي أبداه القبارصة الأتراك لخطة التوحيد.

وفي أول رد فعل تركي على فشل جهود توحيد قبرص، أعلن وزير الخارجية التركي عبد الله جول أن بلاده لن تسحب قواتها من شمال قبرص بعد أن رفض القبارصة اليونانيون خطة الأمم المتحدة لإعادة توحيد الجزيرة.

هذه النتيجة التي ظهرت في قبرص ليست «الأفضل» بالنسبة للقبارصة الأتراك لكنها تبشر بآمال جيدة على صعيد المستقبل بيد أن قبرص الشمالية لن تخسر شيئًا بعد ما حصل.

ويمكن القول باختصار: إن تركيا «الوطن الأم» هي التي فازت في هذه اللعبة، وكما يقول رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان: «إن قبرص التركية وتركيا هما الرابحان في هذه اللعبة».

وقد تخلصت تركيا من الانطباع الذي كان يسود العالم عنها بأنها «محتلة للجزيرة»، وأظهرت مدى تعاونها ورغبتها في الحل واستعدادها للتقارب، وكل ذلك حصل رغم أن شيئًا لم يتغير في قبرص.. 

في الوقت نفسه من المستبعد احتمال إلغاء العقوبات الاقتصادية بسرعة عن شمال قبرص أو الاعتراف بها دوليا في المستقبل القريب بسهولة، لكن الواضح أن الأمور سوف تسير وفقًا لرياح قبرص الشمالية.

 

خطة عنان...

تنص الخطة المؤلفة من تسعة آلاف صفحة على قيام جمهورية فيدرالية بكيانين متساويين سياسيا، كما تنص على اقتطاع 7% من مساحة الشطر الشمالي وإعادتها إلى الجنوب، لكنها تستثني تطبيق حرية التنقل المطبقة في الاتحاد الأوروبي عبر الحد من انتقال القبارصة اليونانيين للإقامة في الشمال وفق جدول زمني طويل المدى، وهي تتضمن جدولًا زمنيا طويل المدى لعودة اللاجئين من الشطر الجنوبي إلى ممتلكاتهم في الشمال.

دخلت العلاقات الأوروبية التركية مرحلة جديدة من انعدام وضوح الرؤية والمضاربات المتعددة الاتجاهات بعد رفض القبارصة اليونانيين خطة توحيد الجزيرة؛ حيث يمثل انهيار الجهود المتعددة الأطراف لحل الإشكالية القبرصية كارثة دبلوماسية فعلية للاتحاد الأوروبي قبل أقل من أسبوع واحد لضمه الشطر اليوناني من قبرص ضمن أكبر عملية تمدد تشهدها أوروبا منذ قيام الاتحاد الأوروبي، لكن تطورات نتائج الاستفتاء تضع الجهاز التنفيذي الأوروبي وجميع الدوائر الأوروبية أمام المحك.

وكان عضو المفوضية الأوروبية المكلف بشؤون تمدد أوروبا شرقًا الألماني غونثر فورهجين أعلن عشية الاستفتاء الأخير، وبعد دعوة القبارصة اليونانيين إلى مقاطعة خطة إعادة توحيد الجزيرة -أن الاتحاد الأوروبي تعرض إلى خديعة من اليونانيين، كما أن الرئاسة الأيرلندية للاتحاد الأوروبي أعربت عن شعورها بالصدمة أمام موقف القبارصة اليونانيين في الاستفتاء الأخير، ولكن هذه المواقف الأوروبية المعلنة لا تغير من شيء في المعادلة القبرصية الجديدة، ولن تؤثر جوهريا على الصعوبات المسجلة في العلاقة مع القبارصة الأتراك وتركيا من جهة والاتحاد الأوروبي، ومن جهة فإن ضم الشطر اليوناني من الجزيرة إلى الاتحاد سيشدد من عزلة الأقلية التركية، ويضعف فرص أنقرة في الانضمام إلى الاتحاد

 الأوروبي.

ولا تعترف أي دولة أوروبية حتى الآن بسبب ضغوط اليونان داخل المجلس الأوروبي بأي كيان سياسي تركي قائم في شمال قبرص، ورغم إعلان متحدث أوروبي في بروكسل أن أوروبا لا يمكنها أن تتغافل إلى ما لا نهاية عن مطالب القبارصة الأتراك، لكن هذا التصريح يعكس مجرد رأي المفوضية، ولا يعبر عن رأى المجلس الأوروبي؛ حيث تحتفظ أثينا بحق النقص في عمليات التصويت.

 

السي آي إيه والموساد

ظهرت آثار بصمات المخابرات الأمريكية «سي آي إيه» والإسرائيلية «الموساد» بوضوح على الاستفتاء. هذا ما أدعته صحيفة «ملي جازيت» التركية في موقعها على الإنترنت، مؤكدة وصول وفد من الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية إلى الجزيرة تحت صفة مراقبين للاستفتاء، وبأن مهمتهم كانت تكمن في التدخل الفوري في نتائج التصويت في حال رفض الأغلبية القبرصية التركية للخطة، كما أكدت الصحيفة توافد المئات من جواسيس المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لمساندة حملة الـ «نعم» على توحيد الجزيرة، وذلك قبل يومين من موعد الاستفتاء، وكشفت الصحيفة عن اعتقال وفد «حزب السعادة» التركي الذي وصل قبرص من أجل دعم حملة الـ «لا» ضد الاستفتاء، الذي يستهدف طمس هوية القبارصة الأتراك مع الزمن، ونبهت الصحيفة إلى الحيل التي مارستها القوى الخارجية من أجل حث الشعب القبرصي على الاستفتاء لصالح خطة توحيد الجزيرة، فقالت: بأن جواسيس المخابرات الأمريكية والإسرائيلية ينفقون أموالًا غير محسوبة على حملة الموافقة، كما أدعت أن حزب رئيس الوزراء القبرصي التركي محمد علي طلعت يدفع في الإعلان الواحد ٣٠ ألف دولار لدعوة الشعب إلى القبول بالخطة، وذلك بتمويل من أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وقالت: بأن الذين يقودون حملة «نعم» بدأوا يشيعون في الجزيرة أن الأغلبية هي لصالح الخطة، وذلك في محاولة للتأثير على نفسية المواطنين وتوجيههم إلى جهة الـ «نعم». 

كل هذه الادعاءات التي وجدت ما يشابهها في الصحف التركية، تؤكد تدخل عوامل خارجية لتحريك القضية القبرصية في المسار المطلوب، وذلك عن طريق تركيا واليونان اللتين أعلنتا موافقتهما المسبقة على خطة كوفي عنان، وإذا دققنا جيدًا وجدنا أن القضية القبرصية بدأت فجأة تحظى باهتمام دولي غير مسبوق من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رغم أنها ليست بالقضية الجديدة، ورغم حقيقة مهمة هي أن فلسطين والعراق أشد حاجة إلى حل أسرع بكثير منها. 

إذًا لماذا كل هذا الاهتمام الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي بقبرص؟

لعل البعض يعتقد أن دخول قبرص اليونانية الجنوبية إلى الاتحاد الأوروبي في الأول من مايو ٢٠٠٤ هو السبب، ولكن هذا ما تعارضه بعض التقارير التي تؤكد تداخل خيوط هذه القضية مع الاهتمامات الأمريكية الإسرائيلية في «مشروع الشرق الأوسط الكبير» بيد أن أمريكا التي ترى في نفسها مسؤولة عن حماية الأمن الإسرائيلي تضغط بشدة من أجل حل المسألة القبرصية، وفي هذا الإطار وضعت صحيفة «ملي جازيت» يدها على عمق الجرح عندما تساءلت باختصار في مقالة لها: هل يا ترى يمكن للناظر من على مشارف قبرص أن يرى ميناء حيفا أمامه، وهنا نضع خطا عريضًا تحت «قرب قبرص من الخط الأحمر الإسرائيلي».

 وبما أن الجميع بات يعرف أن مشروع الشرق الأوسط الكبير ينطوي على مشروع «إسرائيل» الكبرى من النيل إلى الفرات، وإذا دققنا في كل هذه المعايير نرى السبب الحقيقي وراء الاهتمام الأمريكي الكبير بهذه القضية التي تعتبر مصيرية ليس بالنسبة لتركيا واليونان أو للولايات المتحدة و«إسرائيل» فحسب بل للمنطقة كونها جزءًا من الإستراتيجية المستقبلية لتغيير معالم المنطقة كلها .

الرابط المختصر :