; ماذا يريد النصارى في لبنان؟ | مجلة المجتمع

العنوان ماذا يريد النصارى في لبنان؟

الكاتب مراسلو المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1987

مشاهدات 32

نشر في العدد 846

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 08-ديسمبر-1987

يشتد الصراع في كل مرة وتزداد الأزمة اللبنانية تعقيدًا وتأزمًا.. السنوات تمر والوطن يواصل النزف أمنًا واقتصادًا وحياة! وتبقى الصورة هي الصورة لا تتغير ولا تتبدل.

تدخل الجيوش وتخرج ليدخل سواها، فالأرض أشبه ببستان لا جفاف لخيراته بلا أسوار، يقصده الناهبون من كل حدب وصوب يمعنون سرقة ونهبًا واعتداء.

لماذا بدأت الحرب في لبنان؟ ولماذا لم تنته حتى الآن؟ من الرابح؟ من الخاسر؟ أسئلة كثيرة والخسارة إلى ازدياد، كما الناهبون والمعتدون والراقصون على الجراح.

ليست فصولًا من ملهاة عادية تمثل على مسرح خشبي، ولكنها مأساة مستمرة منذ سنين، المسلمون في لبنان يتعرضون لحروب من شتى الأنواع لاقتلاعهم من الأرض والتضييق عليهم ودفعهم للسير في قطيع التهجين!

كل الضحايا التي سقطت وتسقط لم تستطع أن تغير المعادلة، معادلة تسلط النصرانية على الحكم وتوظيفه في خدمة المشروع الإسرائيلي - الأميركي في المنطقة.

والجواب كل الجواب يكمن عند الفئات النصرانية التي تعودت سياسة الغالب والمسيطر على مقدرات الوطن وخيراته من خلال سيطرتها على الاقتصاد اللبناني؛ لحيازتها أهم شركات المال والتجارة في زمن السلم وسيطرتها على المرافئ والمؤسسات الرسمية بفرض الخوات والضرائب الحزبية العائدة لصندوق القوات اللبنانية زمن الحرب.

فالسيطرة السياسية وفقًا للتقسيم الطائفي الذي أقره الدستور الذي وضعته فرنسا للبنان بخط ميشال شيما النصراني الماروني لم تعد كافية، فلقد تعود النصارى في لبنان على سياسة الامتيازات، فعلى الرغم من توزع بلاد الشام أيام العثمانيين على ولايات ثلاث يحكمها العثمانيون مباشرة، كان لبنان آنذاك يحكم وفق نظم خاصة عبر عهود ثلاث سميت آنذاك بالإمارة والقائمقامية والمتصرفية.

وانطلاقًا من هذه الطريقة التي تجعل حصة الأسد من نصيب النصارى، كان النصارى سرعان ما يرفعون أصواتهم، ويعلنون غضبهم بدعم من فرنسا تارة وبريطانيا وأميركا تارة أخرى، حفاظًا على الوجود النصراني في أرض لبنان وتميزه الخاص، كلما حاول المسلمون أن يتحركوا لتصحيح المعادلة.

والحرب التي عاشها لبنان منذ منتصف السبعينيات وحتى اليوم كانت آخر الدواء بالنسبة للنصارى الذين أرهقتهم صحوة المسلمين على واقعهم المجنون، وتضامنهم مع المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها في الستينيات، حين كان ينظر إليها باعتبارها جيش المسلمين! في الوقت الذي سيطر المسيحيون على ألوية الجيش وقطاعاته من خلال ضباطهم ومحسوبيهم، ومنع المسلمين من تسلم رئاسات هامة في الجيش كالمخابرات وقيادة الجيش وغيرها.

ولكن من كان يتصور أن تستمر الحرب ويسقط مئات الآلاف من الضحايا لتستمر المعادلة حتى اليوم، ليعود الكلام نفسه عن السياسة التوافقية للحكم التي ابتدأت مع الميثاق الوطني في 1943م.

عندما اتفق رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1943م على بناء لبنان الطائفي الذي تتمثل كل طائفة في سلطاته بحسب أهميتها استجابة لنداء البطريرك الماروني آنذاك مار بطرس عريضة!

ولما كانت فرنسا في جانب النصارى، وهي الدولة المنتدبة على لبنان، كانت الأهمية العظمى بالطبع للنصارى، فسخرت لهم رئاسة الجمهورية وذللتها لهم بنص الدستور. وقامت عهود شتى في الحكم مكنت للتسلط النصراني الطائفي أن يصبح أمرًا واقعًا مفروضًا لا فرار منه.

واليوم بعد 44 سنة على الاستقلال النصراني الطائفي واستئثاره بحكم البلاد، وعبر سلسلة من الصدامات منذ 1958م و1969م و1973م و1975م وحتى اجتياح 1982م واستقواء النصارى بالآلة العسكرية الإسرائيلية إلى اليوم، وما تزال عقلية النصارى لا تتحرك قيد أنملة باتجاه رأب الصدع وتحقيق العدالة الحقيقية للمواطنين.

فإما أن يكون لبنان خنجرًا صليبيًا مسمومًا في قلب المنطقة أو لا يكون، ولتنفصل السلطات وليحكم كل فريق داخل منطقة نفوذه، ولتتفكك أجهزة الوطن ومؤسساته، ولتحل الازدواجية التقسيمية، وليذهب كل شيء إلا امتيازات النصارى فهي من الثوابت التي لا يمكن التخلي عنها.

من قبل أن تقع جريمة اغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي على يد أجهزة استخبارات الجيش اللبناني المنسقة مع القوات اللبنانية، كان فريق أمين الجميل يسعى بكل قواه للحيلولة دون تحقيق أية خطوة عملية في طريق الإصلاح السياسي والتخلي عن بعض المواقع السياسية والإدارية في الحكم ليبقى لبنان.

وجاءت جريمة اغتيال الرئيس كرامي لتثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن لا مجال للرجوع عن الثوابت النصرانية التي مهما اختلف النصارى عبر جبهاتهم وأحزابهم إلا أنه لا يمكنهم التخلي عنها؛ لأنها أصبحت بمثابة إستراتيجية راسخة لتحركهم في الحكم. ما هي هذه الثوابت؟ وما هي إستراتيجية النصارى بعد هذا الصراع الطويل؟!

1- اعتبار رئاسة الجمهورية مسلّمة ثابتة لا يمكن الرجوع عنها، وهي خالصة للطائفة المارونية دون سواها.

2- الاستعداد لتنفيذ أية جريمة مهما كبر حجمها حفاظًا على المواقع النصرانية في السلطة، وقد شكل الرئيس كرامي قبل اغتياله رأس حربة في وجه الامتيازات الطائفية وزعامة أمين الجميل للبلاد، واستطاع عبر تجميد اجتماعات مجلس الوزراء فضح وتعرية حكم الجميل وتكبيله بالكثير من القيود التي تعيق حركته إن لم تتمكن من إسقاطه.

3- محاولة اكتساب الجيش عبر قيادته إلى جانب النصارى، وهذا مما أدى إلى انقسام ألوية الحيش طائفيًا، فكان اللواء السادس «الشيعي» في الغربية، واللواء الثامن «النصراني» في الشرقية، إضافة إلى اللواء الحادي عشر لدى الدروز، واللواء الأول في البقاع! وانطلق ضباط الجيش يسعون بخطب ود الأحزاب كل بحسب منطقته.

فأصبحت قيادة الجيش في الجنوب تتلقى أوامرها من حركة أمل.. وقيادته في اليرزة تتلقى أوامرها تارة من الجميل وأخرى من القوات اللبنانية، بل أصبح هناك ألوية محسوبة على الرئيس الجميل شخصيًا! وضاعت المؤسسة العسكرية!

لكن هذا كله لم يمنع النصارى من تمرير الصفقة تلو الصفقة لصالح جيشهم الفئوي، وقبيل مقتل كرامي أقر مبلغ 700 مليون دولار لتسليح الجيش! ورفع اعتماداته.. في الوقت الذي تشكو فيه ألويته في المناطق الإسلامية من نقص فادح في التجهيز والعتاد والذخائر، وتعتمد على السوريين في تغطية هذا العجز لتستمر في أداء دورها على المحاور وجبهات المخيمات.

4- الحول دون تحقيق أي إصلاح سياسي حتى ولو أدى ذلك إلى التقسيم الفعلي للبلاد، وحتى لا يتزحزح النصارى عن مواقعهم في السلطة، أصبح أي قرار أو مرسوم حكومي يحتاج لمبعوثين ومفاوضين يقومون بجولات مكوكية بين شطري العاصمة لتوقيع أي مشروع لمعالجة أية معضلة! وانتظر كثيرًا من الوقت قبل صدور المشروع، حيث تدخل المساومات والنفقات الخفية لتبدد الكثير من الأموال فيصبح المشروع العلاجي مشروع صفقة يستفيد منها كل بحسب موقعه في الحكم.

المؤسسة الوحيدة التي استمرت في العمل رغم صعوبة الظروف، واستطاعت أن تتخذ قرارات جزئية لمعالجة بعض الأزمات الهامشية كانت مجلس النواب الذي مازال يرأسه حسين الحسيني «الموالي لسوريا»، ولكن دون جدوى تذكر.. فكل القرارات الورقية التي تتخذ تبقى غير معدة للتنفيذ قبل إقرارها من قبل ميليشيات الشوارع في كل المناطق.

لذلك تستمر الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية في لبنان.. ويعد كل فريق عدته ليكون وقودًا في حرب لا تنته ما دام النصارى في لبنان مستعدين للتحالف مع الشيطان في كل مرة دون التراجع قيد أنملة لتحقيق إصلاح ولو جزئي ينقذ البلاد من الهلاك الذي تعيشه على مختلف الصعد.

والنصارى كأنهم غير معنيين بالأزمات مادام كل فريق قد استطاع أن يتأقلم معها من خلال مؤسساته الحزبية وقواه الإقليمية والدولية، فالمساعدات من كل مكان من الفاتيكان وألمانيا وفرنسا وغيرها لإنقاذ النصارى من خطر الفناء وحفاظًا على الوجود النصراني في لبنان، فليدمر الوطن وليزول وليصبح نهبًا للفتن والصراعات من هنا وهناك.

ألا يكفي أن يبقى الصليب في لبنان سيدًا حرًا مستقلًا؟!

علقمة

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل