; متى مات حيدر علييف؟ | مجلة المجتمع

العنوان متى مات حيدر علييف؟

الكاتب خالد علي

تاريخ النشر السبت 20-ديسمبر-2003

مشاهدات 31

نشر في العدد 1581

نشر في الصفحة 36

السبت 20-ديسمبر-2003

سيسجل التاريخ اسم حيدر علييف ضمن أسماء أخرى سنت سنة سيئة وهي التمهيد لتولي الأبناء رئاسات الدول الجمهوريات والحرص على ذلك وتمهيد الطريق قبل الرحيل وترك الاختيار الحر للشعوب. وقد أعلن الأسبوع الماضي عن وفاة الرئيس الأذري السابق حيدر علييف (۸۰ عامًا) في مستشفى كليفلاند الأمريكي حيث كان يتلقى العلاج هناك منذ السادس من أغسطس بسبب معاناته قصورًا في القلب وفي الكلى وكان قد نقل في يونيو الماضي إلى مستشفى جول خانة الطبي العسكري في تركيا، ثم نقل إلى مستشفى كليفلاند المتخصص في جراحة القلب بالولايات المتحدة، وفقًا لنصيحة أطباء مستشفي جول خانه.

وقد نقل الجثمان إلى العاصمة الأذرية باكو يوم الأحد الماضي، وأعلن ابنه الرئيس إلهام علييف الحداد وتنكيس الأعلام في البلاد لمدة 7 أيام.

 كانت أحزاب المعارضة الأذرية قد ادعت أن حيدر توفي بالمستشفى الأمريكي قبل الانتخابات الرئاسية التي أجريت بالبلاد في الخامس عشر من شهر أكتوبر المنصرم، ولكن لم يتم الإعلان عن النبأ بهدف تمكين نجله إلهام من تحقيق الفوز بالانتخابات تأتي الوفاة لاحقًا بعد وقت ليس ببعيد لتزيد من احتمالات صدقية كلام المعارضة. ودفن حيدر في مقابر كبار رجال الدولة المسماة بمنطقة فخري خياباني بالعاصمة باكو.

ولد حيدر عام ۱۹۲۳ في إقليم ناخجيفان وانخرط في الحياة السياسية على مدى نحو ٦٠

عامًا بدأ بالانضمام إلى الحزب الشيوعي وهو في سن العشرين من عمره، وفي عام ١٩٤٤ عينه حزب ناخجيفان الشيوعي في جهاز الاستخبارات الروسي ، كي جي بي »، وتولى مراكز حساسة في الاتحاد السوفيتي السابق من بينها رئيس الحزب الشيوعي الآذري عام ١٩٦٩، ونائب رئيس الحكومة السوفييتية، ورئيس المخابرات السوفيتية (كي جي بي) حتى عزله الرئيس الأسبق جوربا تشوف في نهاية الثمانينيات.

لكن حيدر لم يتوان في ركوب الموجة كما فعل غيره من الشيوعيين في أكثر الجمهوريات السوفييتية السابقة وبخاصة المسلمة منها، ففي عام ۱۹۸۸ تولى حيدر علييف رئاسة جمهورية -ناخجيفان ذات الحكم الذاتي التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام ۱۹۹۱ حصلت أذربيجان على الاستقلال، وأصبح إقليم ناخجيفان تابعًا لها. رغم أنه ظل متمتعًا بالحكم الذاتي.

وحين تولى الرئيس الأسبق أبو الفضل ألشي بك رئاسة أذربيجان كأول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي، تحالف حيدر مع العسكر للإطاحة بالرئيس المنتخب في عام ۱۹۹۳ م وتولى الرئاسة ولم يكتف بخطف كرسي السلطة، بل وجه تهمًا جنائية لمجموعة كبيرة من أعضاء الحكومة والبرلمان، فالقي القبض على مجموعة من الوزراء بحكومة أبي الفضل ووضعوا في السجن وكانت التهمة المعتادة لتبرير إقصائهم هي العمل على تمزيق وحدة التراب الأذري، وإثارة الاضطرابات في البلاد وكأنهم هم الذين قادوا الانقلاب العسكري.

وفي أكتوبر من عام ۱۹۹۳ أجريت انتخابات رئاسية، وكان طبيعيًا أن يصل عبرها إلى السلطة بالقانون، أما الرئيس المنتخب ألشي بك فقد وضع تحت الإقامة الجبرية حتى مات في عام ٢٠٠٠م.

ولم يكتف حيدر باختطاف السلطة لنفسه بل مهد لتولي ابنه إلهام الحكم من بعده فقام في عام ۲۰۰۲ بتعيين ابنه نائبًا له في الحزب الحاكم، ثم غير في الدستور لينقل صلاحيات وسلطات رئيس الجمهورية من رئيس البرلمان إلى رئيس الحكومة في حالة مرض الرئيس أو تعرضه للوفاة.

وفي الثاني من أغسطس الماضي وقبل نقله الأمريكا لاستكمال العلاج، عين ابنه إلهام رئيسًا للوزراء، ليكتمل تفسير التعديل الدستوري المفصل على مقاس ابنه.

وخاض إلهام انتخابات الرئاسة يوم ١٥ أكتوبر الماضي وهو في موقع رئيس الحكومة والرئيس المؤقت للبلاد بعد أن انتقلت إليه صلاحيات رئيس الدولة، ومن الطبيعي والحال كذلك أن يفوز بنسبة تجاوزت ۸۸ من أصوات الناخبين، فامتلأت الشوارع بالجمهور لا للترحيب بالنتيجة بل للاحتجاج على التزويرالفاضح الذي سجله أيضًا المراقبون الأجانب لكن قوات مكافحة الشغب تدخلت وقمعت المظاهرات بشكل عنيف.

تعاون عسكري مع الغرب وفي عهد علييف الثاني بدت أذربيجان على عجلة من أمرها لتوثيق التعاون العسكري من واشنطن، وهذا ما يفسر سكوت واشنطن عز تجاوزات حيدر، وقبول علاجه بها، بل وإبدء الأسف على موته. وقد صرح وزير الدفاع الأذري سفر أبييف بأن التعاون بين بلاده والولايات المتحدة سينعكس إيجابًا على المشاريع المنفذة في المنطقة كخط أنابيب نقل البترول باكو - تفليس.

جيحان وباكو - تفليس - أرضروم وكان أبييف قد اجتمع مع ميرا ريكارديل مساعدة وزير الدفاع الأمريكي المسؤول عن الشؤون الأمنية في منطقة أوراسيا، حيث بحثا سبل التعاون العسكري بين الجانبين والعلاقات الثنائية وسبل تطويرها. وقالت ريكارديل إن واشنطن تعطي أهمية كبرى المشاركة أذربيجان ببرنامج الشراكة من أجل السلام لحلف الأطلسي وأخذ دور فعال في العراق وأفغانستان.

وذكر مسؤولون أمريكيون أنهم يهدفون الوضع سطح وقاع بحر قزوين تحت الرقابة

التامة من الجو أيضًا، بشكل مماثل للاتفاقية الرامية لزيادة الأمن في قزوين التي أبرمت بين الولايات المتحدة وكازاخستان العام الحالي والتي من المنتظر توقيعها مع أذربيجان قريبًا وتنص بعض مواد الاتفاقية المذكورة على التعاون لمكافحة ما يسمى بالإرهاب الدولي وتطوير قوات حفظ السلام، وزيادة وتفعيل القوات الجوية الكازاخية وتوحيد التشكيلات العسكرية الموجودة في قزوين وكانت الولايات المتحدة قد نفذت في السابق مشروعي الدعم المالي للقوات العسكرية الأجنبية»، و«التدريب والتعليم العسكري الدولي في إطار التعاون العسكري بينها وبين کازاخستان المستمر منذ نحو عام ونصف العام. كما توصل الجانبان لاتفاق بشأن تشكيل مركز لمكافحة الإرهاب في كازاخستان، وإنشاء وحدة خاصة في القوات الجوية ويرى المراقبون أنه بعد إبرام اتفاقية مشابهة مع أذربيجان ستكون الولايات المتحدة قد بسطت نفوذها في منطقة بحر قزوين بشكل تام مما سيشكل تطورًا سلبيًا للغاية بالنسبة لإيران ولجميع الأصوات المعارضة الأخرى في المنطقة.

كما عرضت أذربيجان على حلف الأطلسي إقامة مركز معلومات له في العاصمة الأذرية باكو بهدف توثيق العلاقات بين الجانبين. وأعلنت الخارجية الأذرية أن وزير الخارجية ولايت غولييف طرح هذه المقترح في كلمة ألقاها أمام مؤتمر وزراء خارجية الناتو الذي انعقد مؤخرًا بالعاصمة البلجيكية بروكسل.

فخ الترجمة

ستوكهولم يحيى أبو زكريا

yahya@swipnet.se

عندما يفد بعض العرب والمسلمين إلى الدول الغربية لطلب اللجوء السياسي فإنهم يحتاجون إلى تقديم كافة الأسباب التي دفعتهم لطلب اللجوء لدوائر الهجرة، والأجهزة الأمنية أحيانًا، وقد يضطرون لتقديم معلومات دقيقة عن وضعهم الخاص ووضع بلادهم. ويقوم بترجمة أقوال طالب اللجوء إلى السلطات المعنية مترجمون محلفون وغير محلفين.

وفي السويد اشتغل في مهنة الترجمة من اللغة العربية إلى السويدية والعكس عشرات المترجمين العرب من العراق وفلسطين ولبنان والجزائر وتونس وغيرها، كما أن لكل جالية مترجمين خاصين بها.

وحسب جريدة أفتون بلادت السويدية فإن أجهزة مخابرات نظام صدام حسين نجحت في تسخير بعض المترجمين العراقيين الذين كانوا ينقلون أقوال طالبي اللجوء العراقيين إلى السلطات السويدية، وبهذه الطريقة كانت السفارةالعراقية في ستوكهولم تعرف بالتفصيل ملفات طالبي اللجوء العراقيين وبالتالي كان ذووهم في العراق يتعرضون للخطر.

وقد اعترفت مترجمة عراقية للإذاعة السويديةأن السفارة العراقية اتصلت بها في وقت سابق وهددتها بتعريض حياة أقاربها في العراق إلى الخطر إذا لم تتعاون مع الجهاز الأمني في السفارة وتنقل له التفاصيل المتعلقة بطالبي اللجوء والمعلومات التي يقدمونها للسلطات السويدية من أجل الحصول على الإقامة.

واعترفت المترجمة أنها أضطرت للتعامل مع النظام العراقي لحماية أهلها في العراق

ويحاول العديد من السفارات العربية في السويد وغيرها معرفة التفاصيل عن اللاجئين

الذين ينتمون إليها، وأسهل طريقة إلى ذلك إقامة علاقات بمن يعملون في حقل الترجمة الذين تتوافر لهم المعلومات التي يدلي بها طالبو اللجو.

وفي أحيان كثيرة تقوم الأجهزة الأمنية الغربية باستمالة المترجمين واتخاذ المترجم مطية للإيقاع بطالب اللجوء كأن يقول المترجم الطالب اللجوء وهو في حالته النفسية المضطربة إذا كان لديك سر معين أعطني إياه وأنا أترجمه بطريقتي الخاصة، وهكذا يتصور طالب اللجوء أن المترجم إلى جانبه فيدلي بالأسرار، والنتيجة أن هذا المترجم يقدم ملفًا كاملًا عن هذا الشخص أو ذاك هويته السياسية وانتماءه الديني والحركي أحيانًا ويحصل المترجم على راتب خاص من الأجهزة الأمنية، وراتبًا آخر كونه يعمل مترجمًا 

ارحمونا

بقلم : أحمد عز الدين

في أسوا وضع يمكن تصوره، تم القبض على صدام حسين وحيدًا، مختبئًا في قبو تحت الأرض، أشعث أغبر، متهالكًا، زائغ النظرات محطمًا، لم يستخدم السلاح الذي في حوزته للدفاع عن نفسه، ومع ذلك فمعه ثلاثة أرباع مليون دولار عدًّا ونقدًا.

لو طلب من أي خبير في الدعاية أن يرسم صورة بشعة لشخص مكروه أصلًا لكانت الصورة التي ظهر بها صدام هي الصورة المثالية المطلوبة.

أن يقع صدام في قبضة الأمريكان، فهذا ليس بمستغرب، فقد تخلى عنه أقرب حلفائه وهو في السلطة عند سقوط بغداد، فكيف وهو مطارد يبحث عنه خصوم الداخل وهم كثيرون أكثر ممن قتل وسجن وعذب ونفى، وأعداء الخارج المسلحون بالتقنية وأجهزة الاستخبارات والدولار.

لكن أن يقع بهذه الصورة البشعة فهذا محل التساؤل: كيف ولماذا؟ أما كيف فلا نملك الإجابة عنها، والتكهنات التي يمكن أن تقال لا ندري صحتها، وقد تعودنا ممن يملك المعلومات أن لا يعطوها للناس بل قد يقدمون عكسها تمامًا، هل اعتقل صدام فعلًا في تمام الثامنة مساء السبت 13 ديسمبر؟ هل يمكن ضبط مواعيد العمليات العسكرية إلى هذا الحد كما تضبط مواعيد نشرات الأخبار؟ وهل كان بهذه السحنة التي ظهر بها وصورته بها الكاميرا الوحيدة الخاصة بالقوات الأمريكية؟ ما معنى التصريحات السابقة عن اصطياد سمكة كبيرة؟ ولماذا صادق مجلس الحكم على تشكيل معركة جرائم الحرب قبل أيام فقط من موعد الإعلان عن القبض على صدام؟

هل قبض عليه في وقت سابق وجرت تهيئته جسديًا وشكليًا ليقدم لنا في هذه الصورة المزرية لا أظن أن أحدًا إلا القليل من المهووسين كان يستبشر خيرًا بصدام قبل سقوطه فضلًا عن أن يتوقع منه شيئًا بعد سقوطه، وهو قد ارتكب من الموبقات ما يكفي لتلويث مياه البحار والمحيطات، ولكن أن يتولى الأمريكيون - لا العراقيون - أمر القبض عليه وإظهاره أمام الناس بهذا الشكل فتلك رسالة أمريكية واضحة رسالة للشعوب مقصود منها أن تفهم وتسلم بأن لا سلطة ولا قوة ولا إرادة على وجه الأرض إلا لأمريكا فهي التي تزيل الأنظمة وتحيل الجبابرة المتغطرسين أذلاء جبناء صاغرين وليس للشعوب إلا أن تسبح بحمد أمريكا وتطلب رضاها ورسالة لبعض الأنظمة، أو قل لبعض الحكام أن لا سبيل أمامكم سوى الرضوخ والتسليم لإرادة أمريكا، وإن كانت قد صبرت عليكم فليس عن عجز وإن رضيت عليكم يومًا فلا تأمنوا لذلك أبد الدهر، فقد رضيت عن صدام ودعمته وسلحته وقوته، وحين تغيرت إرادتها لم يحل دونها حائل أن تدمره وتذله وتجعله عبرة لمن يعتبر.

ونحن أمام الرسالة الأمريكية أمام أمرين: إما رفض أو تسليم، لكن النتيجة التي ينبغي أن نخلص إليها - في رأيي . واحدة في الحالتين: إن رفضنا التسليم بأن أمريكا تسيطر على مقدرات الكون، وتذكرنا أن للكون ربًا هو المسيطر وهو من ينبغي أن نلجأ إليه، إن فعلنا هذا فلا أقل من أن نسعى لإصلاح أحوالنا بأيدينا أما من يرى أنه لا راد لقضاء أمريكا إن أرادت فلا أقل من أن يلحق نفسه ويرحمنا ويخرج بما تبقى له من كرامة بدل أن يخرج مذمومًا مخذولًا.

خلافات الكنيسة تؤزم العلاقات بين اليونان وتركيا

أثينا: شادي الأيوبي

ccayoubi@hotmail.com

تازمت العلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية من جهة والكنيسة الأرثوذكسية التركية من جهة أخرى في الفترة الأخيرة بشكل كبير، ووصل الخلاف حد المهاترات والتهجم عبر وسائل الإعلام، وامتد ليشمل جهات غير كنسية، حتى إن بطريرك أثينا وسائر أنحاء اليونان وصف الأتراك في إحدى مواعظه بـ البرابرة الذين يحاولون دخول العالم الأوروبي المسيحي المتحضر، مما عرضه لانتقادات شديدة في كلا البلدين. ورغم أن البطريرك سارع إلى تصحيح تصريحاته فإن الأزمة كانت قد وصلت بين الكنيستين إلى حد جعل الكثيرين يطالبون بتدخل رسمي لاحتوائها وإيجاد علاقة متوازنة بين رأسي الأرثوذوكسية.

التعيينات فجرت الخلافات وكانت التعيينات لعدد من أساقفة المناطق اليونانية قد فجرت الخلاف بين بطريرك أثينا خريستوذولوس والبطريرك المسكوني في أنقرة «فرثوماليوس، حيث يعتبر الأخير أن الكنيسة اليونانية تخطت صلاحياتها التي لا تخولها تعيين رتب كنسية عليا في مناطق معينة من اليونان تتبع كنسيًا للبطريرك المسكوني.

الأزمة الأخيرة ليست الأولى بين الكنيستين فالعلاقات بينهما كانت تاريخيًا محل شد وجذب

وتوتر، حيث كانت المناطق اليونانية منذ قرون المسيحية الأولى تتبع كنسيًا بطريركية أنقرة إلى حين إنشاء اليونان كدولة مستقلة في العشرينيات من القرن الماضي حيث انفصلت بعض الأبرشيات اليونانية واستقلت بذاتها، الأمر الذي لم يقبله البطريرك المسكوني بسهولة ولم يكن ثمة اعتراف صريح منه بهذا الانشقاق لكن الظروف لم تكن تسمح له بأن يمنع أو يغير.

وهكذا ما إن انتصف القرن الماضي حتى كانت الكنيستان في وضع معقد وعلاقات غير مستقرة، فبطريركية أثينا تتقاطع وتتجاور مع أبرشيات تابعة رسميًا للبطريرك المسكوني في تركيا مما يعني عمليًا عدم أحقية بطريرك أثينا ومن يتبعه بزيارة أي من تلك الأبرشيات رسميًا دون دعوة رسمية وإذن من البطريرك المسكوني وكذلك الأمر بالنسبة للأبرشيات التابعة للبطريرك المسكوني فقد كان رعاتها بحاجة إلى إذن رسمي من بطريركية أثينا ليقوموا بزيارات رسمية للأبرشيات التابعة لها، وكانت الوقائع والاحتكاكات اليومية تزيد من الضيق الذي يشعر به رجال الكنيسة من هذه الحالة الشادة، وكان رجال البطريركية في أثينا بشكل خاص يتوقون إلى التخلص من هيمنة البطريركية المسكونية والاستقلال بشؤون كنيستهم، لكن ذلك لم يكن سهلًا لأن البطريرك المسكوني الذي يقيم في أنقرة وسط أكثرية مسلمة كان يعتبر أبرشيات اليونان. امتدادًا ضروريًا له إذ لو انتزعت منه لما بقي له عمليا أي مناطق ذات أهمية الأمر الذي كانت تدركه بطريركية أثينا، لكن مطالبها وسعيها للاستقلالية التامة لم تتوقف يومًا من الأيام.

وهكذا بموجب الاتفاقيات المنظمة للعلاقات بين الكنيستين، كانت كنيسة أثينا ترشح الرهبان الذين سيتولون المهام الكنسية للمناطق التابعة للبطريرك المسكوني، دون أن يحق لها المساهمة في الاختيار وكانت هذه النقطة من أهم ما يزعج بطريركية أثينا مما حدا بها إلى التصريح أخيرًا برغبتها في تعيين رعاة لتلك المناطق دون الرجوع إلى البطريرك المسكوني.

وصف الأتراك بالبرابرة لم يكن مقصودًا لذاته

ويبدو أن بطريرك أثينا ندم على إحدى تصريحاته التي أعرب فيها عن استعداده الزيارة أنقرة لحل الخلافات بين الكنيستين وأراد أن يخلق سببًا كافيًا للتراجع عن الزيارة فعمد إلى تصريحاته النارية، واصفًا الأتراك بأنهم أمة من البرابرة التي تسعى إلى دخول الحظيرة الأوروبية المسيحية، مشيرًا إلى أنه لا مكان للبرابرة في أوروبا.

وهكذا تملص خريستوذولوس من زيارة أنقرةالتي يبدو أنها لم تكن تنسجم مع رغبته بالتصعيد مع البطريرك المسكوني، فقد صار شخصًا غير مرغوب به لدى الأتراك.

ورأى بعض المراقبين أن خريستوذولوس هدف من خلال تصريحاته تلك إلى أمور منها:

إحراج موقف البطريرك المسكوني الذي سبق أن دعا في مناسبات عديدة إلى تسريع عجلة اندماج تركيا في الاتحاد الأوروبي.

إحراج الحكومة بهدف دفعها إلى مساندته في نزاعه مع البطريرك المسكوني سيما أنها تعيش فترة حرجة تحتاج فيها إلى هدوء سياسي مع استعدادها لانتخابات العام القادم التشريعية ومع قرب بدء الألعاب الأولمبية.

الظهور بمظهر القائد الشعبي الذي يتجرأ على قول ما لا يستطيع أهل السياسة التصريح به، وهذاالموقف ربما دفعه إليه بعض معاونيه. اندماج تركيا في أوروبا لن يكون بأي حال في. صالح بطريرك أثينا لأنه سيعزز من مكانة البطريرك المسكوني تجاهه، حيث سيتمتع بمقدار أكبر من حرية الحركة والتعبير كمواطن أوروبي - الأمر الذي يتمتع به خريستوذولوس اليوم، وستزداد صلاحياته على الأبرشيات الأرثوذوكسية المشمولة بقانون البلاد الجديدة الكنسي لتشمل الصلاحيات الإدارية إضافة إلى الصلاحيات الروحية التي يتمتع بها اليوم.

وكذلك فقد جعلت تصريحات خريستوذولوس النارية، من محاولات بعض معاونيه تدبير لقاء بينه وبين البطريرك المسكوني شبه مستحيلة، وقد صرح عدد من هؤلاء أنه يحرق أوراقه بنفسه متصورًا أنه أصبح قائدًا عامًا للشعب اليوناني، بينما عبرت جهات في البطريركية المسكونية أن الكثيرين سوف ينقلبون ضده بعد تلك التصريحات، وهو بالفعل ما جرى.

وأعربت تلك الجهات عن يقينها أن بطريرك أثينا لا يمكنه التراجع عن أقواله ومواقفه الراهنة. وأنه سيحاول فعل المستحيل لدعمها وإمضاء ما نوى القيام به من انتخابات للأبرشيات اليونانية بشكل مستقل، وأضافت أن السهم قد انطلق من القوس ولا يمكن استعادته، غير مستبعدة حدوث تطورات متلاحقة بعد فترة الأعياد الكنسية القادمة

ومهددة بأن عقوبات كنسية ستقع بالجملة، ويبدو أن خريستوذولوس، يسعى لاستباق الأحداث لتثبيت وضع مغاير للوضع الحالي خوفًا

من أن تؤثر الأحداث فيما بعد على طموحاته، لكن مهمته لن تكون بهذه البساطة خصوصًا أنه بدا بمظهر المهاجم المتهور في وجه فرثوماليوس الذي احتفظ بشيء من اتزانه ولم ينجر إلى المهاترات العنيفة، على أن الكلمة الأخيرة والمرجحة لإحدى كفتي النزاع تتداخل فيها عوامل وقوى عديدة، مما يجعل الطريق طويلًا أمام الرجلين ومستحيلًا أمام الوسطاء والمهدئين .

الرابط المختصر :