; البحرين.. بين الشعار الذي ارتفع والواقع الذي استمر.. | مجلة المجتمع

العنوان البحرين.. بين الشعار الذي ارتفع والواقع الذي استمر..

الكاتب مصعب الزبيري

تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1977

مشاهدات 12

نشر في العدد 357

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 05-يوليو-1977

في الصيف الماضي أقدمت الحكومة في البحرين على تعليق إحدى مواد الدستور وعلى حل المجلس الوطني ورافقت هذه الخطوات اعتقالات في صفوف المنظمتين الماركسيتين في البحرين التي شارکت إحداهما في المجلس من خلال ما سمى بـ«كتلة الشعب». وأعلنت الحكومة يومها أنه بعد سلسلة الملابسات الممتدة المعقدة في الحياة السياسية الداخلية لم يعد من الممكن استمرار المجلس الوطني، وقالت إنها مضطرة لإعادة النظر في التجربة الديمقراطية وإعادة صياغتها في المستقبل- من غير تحديد أجل مسمى- صياغة تضمن استقرارًا في الحياة السياسية الداخلية كي تتفرغ هي لـ«خطط التنمية» التي لا يمكن أن تستمر على أرضية مهتزة.

وهنا ليس يهمنا مناقشة الملابسات التي امتدت حتى انتهت إلى تعليق بعض مواد الدستور وحل المجلس الوطني وقد نعود لمناقشتها -إذا تيسر الأمر- في مرة قادمة.

المهم- هنا- أن الحكومة آنذاك أعلنت على لسان رئيس الوزراء ووزير الخارجية وغيرهما في الإدارة السياسية أن الحكومة «لن تتساهل بعد اليوم مع دعاة المبادئ المستوردة الهدامة التي تناقض وتهدد عقيدة الأمة ودينها- الإسلام- وتقاليدها العربية الأصيلة ...إلخ».

آنذاك لاحظ المراقبون أن نبرة التصريحات الرسمية بدأت تأخذ لأول مرة شحنة من الغيرة على الإسلام والحرص على عقيدة الإسلام وعلى تجنيب الوطن الصغير من الذين يهددون إسلامه وعقيدته.

وآنذاك اندهش بعض الناس من هذه النبرة الجديدة غير المعهودة، واستبشر بعض الناس وتفاءلوا وحمدوا الله، وخصص أكثر خطباء الجوامع في تلك الفترة خطب الجمعة للحديث عن هذا الحدث السعيد.

ولقد تعمدت أن تطبع كلمة آنذاك بحروف سوداء لأن بين آنذاك وبين اليوم ما يقرب من عشرة شهور، وهي فترة كافية تمامًا لاختبار مدى مصداقية تصريحات ووعود آنذاك فيما يتعلق بحماية الإسلام من المخربين والهدامين.

ولنحاول في نقاط مركزة، شديدة التركيز، مراجعة مردود هذا الاختبارإلا أن من الواجب التأكيد أن هذه المراجعة لن تشمل سوى بعض الجوانب المظهرية المتعلقة أخيرًا- بالإسلام. فنحن لا نتوقع من أية حكومة في ديار العرب والمسلمين أن تطبق الإسلام كما أنزله الله، فذلك مطلب لا تستوعبه طبيعة هذه الحكومات، والحديث عنه محض خيال .

وإذن لنراجع- في هذه الحدود الضيقة جدًا ولنلاحظ :

  1. أوقفت الحكومة- ربما- نشاط الشيوعيين ولكنها حتى هذه اللحظة لم توقف نشاط المتأمركين.

ونحسب أن حكومة البحرين تعرف أن الشيوعيين والمتأمركين سواء في عدائهم للإسلام وإذا كان الشيوعيون ينشطون في المستوى الشعبي فإن المتأمركين ينشطون في المستوى الرسمي، فهو نشاط أفعل وأخطر.

والمتأمركون ينشطون في كل المجالات الإدارية والإعلامية والتوجيهية والتربوية.

وهم ينشطون في حرية تامة مصونة يحميها إطار من المؤسسات الرسمية.

فما معني ذلك؟

       2. الفساد الأخلاقي والاجتماعي يتزايد في سرعة مروعة إلى حد أن المرء يعتقد أن وراءه أيدي متنفذة ترعاه وتحميه .

الفنادق الكبرى حاناتها مفتوحة لاستقبال الشاربين وظاهرة السكر انتشرت حتى غزت طلاب الثانويات بل والإعداديات، وبعض هذه الفنادق يملكها أو يشارك في ملكيتها مسؤولون بارزون في الدولة، ظاهرة الميوعة والخنفسة ومعاكسة المراهقين للفتيات- بل ومعاكسة الفتيات للشبان- ملحوظة واضحة في سوق المنامة وشوارع المنامة والمحرق ومدينة عيسى وأمام أبواب المدارس ويشتكي بعض الغيورين عبر رسائل قليلة تنشر لهم في صفحة بريد القراء في المجلات المحلية وما من مجيب.

سوق الدعارة الرسمي المسمي بـ«فريق جبله» كسدت بضاعته كما يبدو وتردد أن الجهات الرسمية تريد إغلاقه- ربما بعد كساده- ولكن في المقابل هناك سوق الدعارة السرية الذي ينتشر في سرعة أيضًا ويلاحظ كل من له عينان، وهو سوق تستخدم عاهراته سيارات أمريكية فارهة وفنادق وشققًاً فخمة وفيه يجرى ما يشبه المزاد العلني، وإذا كان المواطن العادي يلاحظ رواج هذا السوق، فنظن من باب أولى أن جهاز التعقب الجنائي في وزارة الداخلية غير جاهل بهذا السوق وأوكاره وتاجراته وتجاره.

 ظاهرة تعاطي المخدرات تنتشر هي الأخرى في صورة مذهلة- وإني والله لا أبالغ- وقد بدأت في «مدرسة البحرية الدولية» الأمريكية القائمة في الجفير، وبين طلابها- إلى جانب الطلاب الأمريكان أبناء وجهاء وأعيان ومسؤولين.

«اضطر مسؤول بارز إلى سحب أشقائه من هذه المدرسة في العام الماضي بعد أن لاحظ انتشار المخدرات فخشى عليهم الوقوع فيها» وامتدت هذه الظاهرة إلى كلية الخليج الصناعية ثم إلى المدارس الأخرى في صورة محدودة حتى الآن، فهل وزارة الداخلية غافلة كذلك؟

إن موجة التدهور الأخلاقي والاجتماعي اليوم حقيقة صارخة من الحقائق الموجعة في البحرين ونحسب أن الحكومة تتفق معنا أن الفساد الأخلاقي والاجتماعي يهدد عقيدة الشعب وتقاليده، ولكن الحكومة حتى هذه اللحظة لم تقدم حتى على مجرد الاهتمام بهذه الحقيقة الصارخة، فضلًا عن التفكير فيها والحشد ضدها والتخطيط لحصرها على الأقل .

فما معنى ذلك؟

        3. إن حماية الإسلام يجب أن تكون في الجذور، وفي تطبيق مناهج تربوية وتوجيهية في المدارس تقرب الناشئين إلى الإسلام وتنأى بهم عن الفساد والضياع والفراغ .

ولكن الملاحظ- وفي وضوح كذلك- أن سياسة وزارة التربية تسير ضد هذا الاتجاه تمامًا .

حصص ما يسمى بـ«مادة الدين» تأتي في مرتبة ثانية بل وثالثة حتى بعد حصص الرياضة والفنون الجميلة، وهي في أكثر الأحيان تعطى للمدرسين فقط لإكمال جدولهم بصرف النظر عنتخصصهم، وأهم وأخطر من ذلك بصرف النظر عن مدى تدين المدرس وتقواه وورعه، وإني أعرف مدرسين لمادة الدين لا يؤدون الصلاة ويرتادون مشارب الخمر وعلى مستوى رهيب من التفاهة والسقوط، ووزارة التربية قد تكون غافلة عن ذلك لأنها غير مهتمة بالأمر من الأساس، وأما محتوى منهج مادة الدين فأغلبه منسوخ عن المنهج المصرى- الذي وضعه حتى نتذكر صليبي إنجليزي منذ بضعة عقود.- تمیزه ميزات التجزيء والتلفيق والخلط وإعطاء «الدين» حجمًا صغيرًا في الحياة مشوهًا كل التشويه .

ظاهرة «الخنفسة» والميوعة والتبذل أصبحت من علامات مدارس البحرين وقبل قليل تحدثنا عن امتداد المسكرات والمخدرات إلى المدارس الثانوية والإعدادية. وأدهى وأمر أن هذه الظاهرة قائمة بين مدرسين ومدراء ومشرفين ومربين ...

النشاط الكشفي في مدارس حكومة البحرين نشاط مصبوغ صبغًا بالمظهرية الخاوية فلا توجيهات ولا إرشادات. ولا توعية ولا تربية.

وصلاة الجماعة غائبة تمامًا عن جميع المخيمات الكشفية على الإطلاق، وهناك حديث عن ظاهرة أخلاقية خطيرة في الوسط الكشفي لا أحب أن أتعرض لها هنا.

في ما يسمى بعيد العلم، «لأن في الأسلام عيدين لا ثالث لهما» الذي أقيم قبل بضعة أسابيع تحت رعاية أكابر المسؤولين في البلد أقيمت عروض ورقصات مختلطة بين مراهقين ومراهقات وبالغين وبالغات، ويبدو أن علية القوم الذين حضروا تلك الأمسية كانوا في ذروة الفرح من هذه العروض الجريئة في التهتك، فأشادوا بها وصفقوا مشجعين، وقبل سنتين صرح وزير الصحة في حدیث صحافي أن مستشفيات البحرين استقبلت عددًا من طالبات في الإعدادية والثانويات حاملات حملًا سفاحًا ومثل هذه النشاطات المختلطة التي تشجعها الوزارة ويصفق لها أكابر المسؤولين- سوف تؤدى إلى إزدياد هذه النسبة وهو أمر طبيعي جدًا في فطرة الإنسان وقد حذر منه الإسلام وشرع من الشرائع ما يحول بينه وبين وقوعه. فأين الإسلام هنا؟

ولن نتحدث عن ما يجرى في حفلات كلية الخليج الصناعية ومدرسة البحرينالدولية وعن نشاط المدارس الخاصة التبشيرية فذلك موضوع يطول مرة ثالثة :

ما معنى كل ذلك؟

      4. الجهاز الإعلامي- الإذاعة والتلفزيون- والصحافة الرسمية غائب عنه الإسلام غيابًا واضحًا اللهم إلا خطب الجمعة وبعض أحاديث وتوجيهات و«أغان دينية» في المناسبات، وحتى خطبة الجمعة امتنعت الإذاعة عن نقلها ثلاثة أو أربعة أسابيع في العام الماضي أثناء ضجة الاختلاط لأن القائمين على الإعلام لا يريدون إيصال صوت الإسلام عبر الإذاعة في هذا الموضوع الذي لا هو سياسي ولا هو يثيرالاضطراب.

وأما التلفزيون فحتى الصحافة المحلية التي هي غير إسلامية- تحدثت عندما طفح الكيل عن عروضه الخلاعية وبرامجه الهابطة وحديث التلفزيون طويل لولا أنه موجع مؤلم كذلك وعن دور السينما وعروضها والمجلات الإباحية والكتب الخلاعية الحديث يطول كذلك ويؤلم ويوجع.

فأين الإسلام من هذا التدمير الأخلاقي والنفسي الموجه والمخطط والمبرمج؟

ما معنى كل ذلك؟

         5. نحسب أن حكومة البحرين تتفق معنا أن الصهيونية والماسونية أخطار على الإسلام وأن التبشير الصليبي خطر على الإسلام.

مع ذلك في البحرين ناديان اثنان من نوادي الروتارى يضمان علية القوم من مسؤولين وتجار ووجهاء، والروتارى مؤسسة ماسونية صهيونية فلتعلم حكومة البحرين إذا لم تعلم من قبل. التبشير الصليبي- الذي زرعه في البحرين المبشر المشهور زويمر- قائم في مكتبات ومدارس وواجهات، وباسم التسامح الديني ينشط التبشير من غير رقابة أو اكتراث.

ومرة أخري: ما معنى كل ذلك؟

هذه المراجعة السريعة الجزئية لمردود الاختبار منذ تصريحات آنذاك والواقع المستمر اليوم وحدها تنطق من دون تعليق.

وللمرة الثانية نحن لم ولن نطلب من حكومة البحرين تطبيق الإسلام جذريًا شاملًا متكاملًا كما أنزله الله سبحانه، وإنما فقط نسألها عن وعود آنذاك أين ذهبت في حدود هذه الجوانب المظهرية فحسب.

 في عدد «المجتمع» الصادر في ١٢ جمادى الأول ١٣٩٦ هـ «١١-٥- ٧٦» مقال عن الفساد الاجتماعي والأخلاقي في الكويت كتبه الأخ الكريم عبد الله العلي المطوع بنفس مفجوعة وفؤاد كليم وغيرة لاهبة وإنه والله ينطبق في فحواه ومعناه على البحرين ربما أكثر من الكويت.

لولا أن في الكويت «جمعية الإصلاح» ومجلة المجتمع وغيرهما من أشكال الضغط الإسلامي وفي البحرين ليس غير صحافة التملق الرخيص والتدمير المنظم .

ليسمح لي أخي المفضال أبو بدر أن أختم هذا المقال المتواضع بفقرة بيضاء ناصعة البياض وردت في مقاله إذ يقول :

« وأسوأ من كل ذلك وأخطر: الظن بأن هذا الفساد نتيجة طبيعية لتطور المجتمع الكويتي «البحريني !» وأسوأ من السوء أن السلطات الحاكمة في بعض البلاد تلهى الناس بالفساد لتشغلهم عن أخطاء السلطة ظانة أن ذلك يطيل عمر كراسيهم في الحكم، فالسكوت عن الفساد مشاركة فيه ومسايرته تشجيع له، والزعم بأنه شيء طبيعي هدم خطير لمقاييس الدين والقيم والأخلاق» ا. هـ.

ومن قرأ هذا المقال الحاضر ليعد إلى قراءة مقال الأخ عبد الله المطوع جزاه الله خير الجزاء ففيه عظة وعبرة وإنذار وتحذير.

وإلى الله المشتكى وإليه المرتجى ولاحول ولا قوة إلا بالله.

الرابط المختصر :