العنوان حديث في «المحرقة»
الكاتب سالم الفلاحات
تاريخ النشر السبت 03-يناير-2009
مشاهدات 12
نشر في العدد 1833
نشر في الصفحة 16
السبت 03-يناير-2009
الذاكرة العربية والإسلامية والعالمية مخروقة، فهي لا تتذكر إلا ما ترى في يومها، وإلا ففلسطين كلها أرض المذابح المتواصلة منذ «دير ياسين»، و«قبية»، و«نحالين»، و«الدوايمة» و«الأقصى»، و«الخليل»، و«غزة» عدة مرات، كانت إحداها عام ٢٠٠٠م، وهي تحت سلطة «أوسلو»، وإن كانت مذبحة عيد الميلاد ورأس السنة الهجرية في «غزة» اليوم من أعظمها.
أمة تتفرج وشعب يذبح، وحرمات تنتهك، ومقدسات تداس، ودماء زكية تراق، ولا تلوي على شيء، حفاظًا على الكرامة وقيامًا بالواجب غير عابئة بالجراح والدماء والدمار وتمتمة السلام، والتهدئة المزعومة، والطاولات المستديرة التي ضمت أكثر من مائتين وثلاث وعشرين اجتماعًا مع «أولمرت» حسب رئيس السلطة وغير آبه بالنصائح الكاذبة وغير منتظر للفرج من قمة عربية حتى لو عقدت على أعلى المستويات.
إنها دماءٌ طاهرة شريفة نادرة، لا يمكن تعويضها بأي دم آخر ففصيلة دم المجاهد خاصَّة خاصَّة.
مجرمٌ مرجومٌ ملعونٌ غادرٌ من يتبرع بهذه الدماء التي سالت وتسيل اليوم أنهارًا، ويجعلها هدية للصهاينة بحجة السَّلام وحقن الدماء، مغبونٌ مخبول من لا يزال ينتظر مخرجًا من هذا الشيطان الجاثم على فلسطين سوى المقاومة والجهاد.
قالت «رايس» بالأمريكي القبيح: «إنها تتفهم المجزرة الإسرائيلية لأهل غزة»، أما القادة العرب فيقولون بالعربي الفصيح: «سنعقد مؤتمر قمة «ويا يوم ما أطولك»! ولسان حالهم بالعربي الفصيح يقول أيضًا: «ليأخذ العدو الصهيوني فرصته المتفق عليها لتدمير ما يتبقى من غزة، وإخماد صوتها، وبعد ذلك يجتمع العرب - بمن حضر من قادتهم ليقدموا العتب، وربما الشجب للعدوان الإسرائيلي الغاشم!!! مع بعض الأكفان والأدوية والطحين، لمن يتبقى ممن لا يحمل السَّلاح، وتنطلق الأجهزة الإعلامية الرسمية لهجاء المجاهدين من «حماس» بالدرجة الأولى وتحميلهم المسؤولية».
لقد قبلت «حماس» أن تكون بشبابها ورجالها ونسائها وقودًا ليبقى المشعل مضيئًا، ولتبقى الراية الكريمة الشريفة مرفوعة عالية حتى تفيء إليها الأمة، وهم يعلمون حجم التضحيات التي سيقدمونها وأنَّ حسم المعركة يحتاج لجهود الأمة كلها لأن فلسطين أمانة الله في أعناقها.
إن أبناء «حماس» قبلوا أن تكون أجسادهم الممزقة وأشلاؤهم المتناثرة شاهدة وموقظة ومنبهة، ومفجّرة للطاقات الكامنة النّائمة في الأمة مهما كان الثمن، ولزعماء العرب في مؤتمرهم العتيد - إن عقد بجانب قاعدة - «...........» - يقول لهم أطفال غزة وشرفاؤها وقادة حماس:
- كم من الشهداء الواجب علينا أن نقدم في غزة وأنتم تنظرون! هل تكفي هذه الأرقام أم لم تبلغ النصاب بعد؟!
- كم عدد البيوت والمؤسسات والمنشآت والمدارس والمشافي والمساجد والمصانع والطرق التي يجب تدميرها أو «حرقها» كما قال «شارون» في هجومه السابق علينا قبل ثماني سنوات؟!
- كم عدد الأطفال الذين يجب أن تغتالهم طائرات أصدقاء بعضكم وأصدقاء أصدقائكم؟ وما السن القانونية المطلوبة لهم؟!
- كم عدد الجرحى الذين يجب تشويه أجسامهم؟!
- كم عدد المستوطنات التي يجب أن يضيفها أعداؤنا على أرضنا؟!
- كم عدد اللقاءات والجلسات العبثية التي يجب أن تعقد مع العدو الغاصب لتيأسوا من أكذوبة السلام؟!
- كم نصاب الصفعات الإسرائيلية والأمريكية التي توجهها للعرب حتى يفيقوا؟!
- كم سنة يجب أن يعاني الشعب الفلسطيني ويصبر ويضحي ليستحق مناصرتكم؟!
- كم عدد التجارب التي يجب أن تجرى على جسد الأمة قبل أن تقتنعوا بالعلاج الوحيد النافع؟!
- كم حجم الأدلة والمسوغات الشرعية والوطنية والتاريخية الكافية لإقناعكم للقيام بواجبكم أمام هذه الهجمة المتطاولة علينا وعليكم؟!
- كم حجم الانحناء والركوع الذي يجب أن يصل إليه الناس؟!
- وكم عدد الأسرى الواجب تقديمهم منا نحن بخاصة في «حماس» ومن بقية إخواننا! هل تعرفون أعدادهم حتى الآن؟!
- ترى متى تعتبرون جرحنا في غزة وجرحانا وشهدائنا وآلامنا هي آلامكم في عمان ودمشق والرباط، والقاهرة والكويت، وصنعاء؟!
- ما الذي يجب أن نفعله حتى نوقظ فيكم معاني الأخوة في العقيدة والدم والمصير؟!
- لقد أقسم شارون على إفنائنا فقتله الله وعذبه في دنياه، وبقينا كرامًا أعزة.
- قَهَرْنا «شامير» و«شارون» و«نتينياهو» و«باراك» وسنقهر «أولمرت» و«ليفني» و«باراك» مرة أخرى بإذن الله بعد أن نستوفي حقكم من دمنا، سيذهبون جميعًا وتبقى إرادتنا على التحرير والثبات والصمود، سنضم الراية لصدورنا إن قطعت أيدينا، سنعض عليها بنوا جذنا إن قطعت أعضادنا حتى تلحقوا بنا، أو نلقى ربنا شرفاء كرماء أوفياء.
وبعد..
هل تتحول أصوات هذه الملايين التي تخرج في المظاهرات في البلاد العربية والاسلامية لقرار مصيري واحد؟!
هل تتمكن هذه الدماء الطاهرة من أهل غزة، وهذه المشاهد المفجعة أن تؤثر في قلب كل حاكم عربي وتهزه من أعماقه ليتمرد على هذه الحالة المزرية؟!
نحذر من الانقلاب على دماء الشهداء، وثبات الصابرين، ونحذر من سرقة هذا الدم الزكي الطاهر في وقت تعز فيه الدماء.. و«المجد ينبت حيث يسقيه الدم» وهذه سرقة من أعظم السرقات.
إن ترك صدور أهل غزة مكشوفة لغارات العدو الصهيوني ستشترك الأمة في دفع ثمنه إن عاجلًا أو آجلا، وإن تجريد الأمة من المجاهدين الذين يقفون في وجه العدو الغادر الهمجي سيفتح الباب واسعًا لاجتياح سياسي واقتصادي واجتماعي للبلاد العربية وسيجعل الطريق ممهدا للوطن البديل.
ترى هل يفهم العرب والمسلمون؟ الساكت منهم والناطق والنائم والقاعد والقائم والمجاهد والمعتدل والمتطرف والإسلامي والقومي والمسلم والمسيحي كلهم مطلوب رأسه ولكن المصلحة الإسرائيلية تقتضي التجزئة والتقسيم ولكل دوره المرتقب إن لم يفيقوا جميعًا قبل فوات الأوان.
تُرى أهكذا تبقى سياستنا في الصراع مع العدو الصهيوني دمارًا واغتيالات ومجازر، ثم مظاهرات لعدة أيام، يعقبها مؤتمر قمة عربي بلا قرارات؟!
اللهم يا قاهر الجبارين ويا غياث المستغيثين، لا تخمد لـ«حماس» صوتًا ولا تغمد لها سيفًا، واجعل حبها وحب كل مجاهد في قلوب عبادك المؤمنين، واجعل لها وللأمة من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، وارحم شهداءهم، واحفظ قادتهم وجندهم، واحفظ أهل فلسطين كلها واجمع شملهم ووحد كلمتهم وانصرهم بنصرك المبين.. والعاقبة للمتقين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
3 مفاجآت في السياسة السودانية.. لنـتناول إحداها: لقاء الترابي - المهدي .. لماذا؟
نشر في العدد 1351
9
الثلاثاء 25-مايو-1999