العنوان محطات إيمانية في طريق التربية.. عليكم بالصدق
الكاتب د. إيمان مغازي الشرقاوي
تاريخ النشر الخميس 01-يونيو-2023
مشاهدات 78
نشر في العدد 2180
نشر في الصفحة 56
الخميس 01-يونيو-2023
عن عبدالله بن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: دعتْني أُمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت: ها تعالَ أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أردتِ أن تعطيه؟»، قالت: أُعطيه تمراً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمَا إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئاً كُتبتْ عليكِ كَذِبة» (صحيح أبي داود).
إن هذا موقف بسيط قد يتكرر من البعض دون أن يشعر به، ليس بالضرورة أن يكون مع أولادنا، بل ربما كان مع غيرهم، وقد يحصل عن عمد، أو عن خطأ دون أن ننتبه، وقد علّمنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم درساً عالياً في خُلُق الصدق وتحريه، والحذر من الكذب ولو كان مع أطفالنا الصغار.
إن الأسرة التي تتعامل بالصدق وتتخلق به في كلامها وأعمالها لهي أسرة ناجحة، سوف تُخرج للأمة أفراداً صادقين ناجحين، وإن الحياة التي يكون الصدق سِمة ثابتة فيها لهي حياة طيبة، قد استجاب أفرادها لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119)؛ فظهرت بصمة الصدق منهم في كل ما حولهم، أما الحياة التي تفتقد الصدق ويقِل فيها الصادقون لا شك أنها حياة زائفة باهتة، حيث يشوبها الكذب ويكدر صفوها الزور، وتشح فيها الثقة في النفوس تجاه من لا يتحرى الصدق في أقواله وأفعاله؛ لذا فإن الكلمة التي يلفظ بها اللسان يجب أن تكون صــــادقة خالية من الكـــــــذب، وكذلك النية والعزم.
أهمية الصدق:
ولمَّا كان الصدق مهماً ومؤثراً في حياتنا؛ ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة، ورغّب فيه وحث عليه، فذكر أنه يهدي لكل خير، فقال: «إن الصدق يهدي إلى البِر، وإن البِر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل لَيَصْدُقُ حتى يكون صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً» (رواه البخاري).
وبشَّر الصادقين في حديثهم ومعاملاتهم فقال: «إنْ أحببتم أن يُحِبكم الله تعالى ورسوله فأدُّوا إذا ائْتُمِنتُم، واصدُقوا إذا حدَّثتم، وأحْسِنوا جِوار مَن جاوركم» (صحيح الجامع)، وجعل لأهله الأفضلية بين الناس، فقد جاء عن عبدالله ابن عمرو رضي الله عنهما: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بَغْيَ ولا غِل ولا حسد» (رواه ابن ماجه)؛ ذلك لأن صاحب هذا القلب صادق في مودته، صادق في كلامه.
الصدق من مكارم الأخلاق:
إن الصدق من مكارم الأخلاق التي دعانا النبي صلى الله عليه وسلم إليها، فقال: «اضمَنوا لي ستاً أضمنْ لكم الجنة: اصدُقوا إذا حدّثتم وأوفوا إذا وعَدْتُم وأدُّوا إذا ائتُمِنْتُم واحفظوا فروجكم وغُضُّوا أبصاركم وكُفّوا أيديكم» (رواه ابن حبان)، وإن مجالات الصدق تشمل حياة المسلم كلها، ظاهراً وباطناً، في أقواله وأعماله، وفي كل أحواله، فإذا دخل الصدق في الأعمال فإنه يأتي بإتقانها، وإذا تخلق به العامل في عمله أتمَّه وأحسنه، وإذا صدق التاجر في تجارته لم يغش ولم يحتكر؛ فيبارَك له فيها ويعم الخير على الأنام، وإذا صدق الطبيب في تشخيصه ونصحه زال البأس بإذن الله تعالى، وإذا تحرى المعلم الصدق فيما يغذي به عقول طلابه أثمرت جهوده وأخرج للأمة أفراداً صالحين.
ولمعرفة ثمرات الصدق العاجلة في الدنيا فلنا أن ننظر إلى حال المجتمعات ورقيها حين يكون أفرادها صدوقين في أقوالهم، صادقين في أعمالهم ومعاملاتهم، لا مكان فيها للغش والتدليس، أو الزور والبهتان؛ فتوكل الأعمال للأكفاء لا للأحساب والأنساب، وتعطَى الحقوق لأصحابها دون الحاجة للارتشاء، فيأخذ الفقير مكانه الذي يستحقه دون أن ينازعه أحد لفقره، ويعيش الضعيف مطمئناً لا يخاف ضياع حقه.
كن صادقاً:
إنها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لنا جميعاً، حيث قال: «عليكم بالصدق فإنه مع البِر وهما في الجنة، وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار» (رواه ابن ماجه).
وهي دعوة إلى العودة إلى رحاب الصدق الصادق لمن أغرته الحياة الدنيا فحاد عن طريقه فأنساه زخرفها وزينتها ومتاعها العاجل ما عند الله تعالى من خير وجزاء أعده للصادقين، كما جاء في كتابه الكريم: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (المائدة: 119).
- فكن صادقاً أيها المسلم وتحرَّ الصدق قولاً وعملاً، اصدُق مع ربك في الإيمان به وحبه واتباع كتابه، واصدُق مع نبيك صلى الله عليه وسلم في طاعته والعمل بسُنته.
- كن صادقاً في عزمك على فعل الخير فسارع بعمله دون مَنّ أو أذى، ودون تسويف أو تأخير.
- كن صادقاً في كلامك ولا تكذب، وفي نيتك فأخلِصها لله تعالى، واصدُق في كل أعمالك فاتبع فيها القرآن والسُّنة، وخذ بالأسباب التي تعينك على ذلك، فلا تكثر الكلام لغير حاجة.
- كن صادقاً في جِدك ومزاحك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيمٌ ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً» (صحيح الترغيب).
- كن صادقاً في حلفك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حلف بالله فلْيصدُقْ» (رواه ابن ماجه).
- كن صادقاً في شهادتك، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب فيها، فقال: «ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، وفي رواية: وكان متكئاً فجلس، فقال: «ألَا وقَوْل الزُّور»، فَما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. (رواه البخاري).
- كن صادقاً فيما تنشر من الأخبار والرسائل على صفحات التواصل، ويدخل في هذا ما يُنقل عن الغير من الرسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية التي يتداولها البعض فيما بينهم دون أن يتحرى مرسلها عن صحتها ولمن نسبت.
- كن صادقاً فيما تنشر عن نبيك صلى الله عليه وسلم، واحذر أن تنشر وتحدِّث عنه دون أن تتأكد من صحة ذلك، فإن تحري الصدق هنا واجب، حتى لا نقع في الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن ندري، وقد حذرنا من ذلك فقال: «مَن يَقُل عليَّ ما لم أقُل فليتبوأ مقعده من النار» (رواه البخاري).
- كن صادقاً في معاملتك مع والديك وأهلك وأرحامك وجيرانك وأصحابك، وانثر بذور الصدق فيمن حولك، وأبْشِر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حِفظ أمانة، وصِدق حديث، وحُسن خليقة، وعِفة في طعمة» (رواه أحمد).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل