; محنة الإسلام في بنجلاديش(٢)- الإبادة العرقية.. والانفصال | مجلة المجتمع

العنوان محنة الإسلام في بنجلاديش(٢)- الإبادة العرقية.. والانفصال

الكاتب محمد سليم منسيري

تاريخ النشر السبت 05-يناير-2013

مشاهدات 9

نشر في العدد 2034

نشر في الصفحة 34

السبت 05-يناير-2013

في إطار خطة إقصاء الإسلام من المشهد السياسي والاجتماعي في بنجلاديش، خرجت «رابطة عوامي» الحاكمة وشركاؤها في تحالف العلمانية المتطرفة بخطة المحاكمة ما سمي «مجرمي الحرب» العام ١٩٧١م، واختلقت دعوى استهدفت بها قادة «الجماعة الإسلامية» وحدهم.

أثناء انفصال بنجلاديش جرت عمليات إبادة عرقية ضد مسلمي «بيهار» على يد جيش تحرير بنجلاديش تحت قيادة «رابطة عوامي بنجلاديش» وترك أكثر من ٣٠ ألف بيهاري للموت جوعا في مصنع الجوت بالقرب من داكا

وشكل النظام بالفعل «محكمة جرائم الحرب» في محاولة المحاكمة وإعدام من يسميهم بمجرمي الحرب، صحيح أن القوات الباكستانية مارست جرائم حرب، واضطهاد للمدنيين في حرب عام ١٩٧١م «التي ترتب عليها انفصال بنجلاديش وكانت تسمى باکستان الشرقية عن باكستان»، كما جرت عمليات إبادة عرقية ضد مسلمي بيهار «الذين وقفوا إلى جانب باكستان» من قبل جيش تحرير بنجلاديش المسمى في اللغة البنجالية «موكتيباهيني» تحت قيادة «رابطة عوامي بنجلاديش»، كما ورد بتقارير شبكة «إن بي سي»، يومي ۳۰ و ۳۱ ديسمبر ۱۹۷۱م، لقد ارتكب «موكتيباهيني» إبادة جماعية، وترك أكثر من ٢٠ ألف بيهاري للموت صبرًا وجوعًا في مصنع «الجوت» في آدمجي بالقرب من داكا، لأنهم كانوا يريدون البقاء مع باكستان.

وبعد الانفصال تمت تصفية أكثر من نصف مليون بيهاري بواسطة «رابطة عوامي بنجلاديش» والأحزاب الأخرى، لكن المحكمة المشكلة مؤخرًا، لا تحاكم مجرمي الحرب الثابت إجرامهم هؤلاء، بل تحاكم كبار قادة «الجماعة الإسلامية» الذين أيدوا سياسيًا وجود باكستان المتحدة، ولم يكن لهم يد في ارتكاب جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.

عقب استقلال بنجلاديش في عام ۱۹۷۱م، تم تحديد ١٩٥ ضابطًا من الجيش الباكستاني «ليس فيهم واحد من «الجماعة الإسلامية»» كمجرمي حرب، وفق التحقيقات الأولية التي أجرتها حكومة بنجلاديش آنذاك، على إثر معاهدة «سيملا» التي تم التوقيع عليها في ٢ يوليو ۱۹۷۲م بين «إنديرا غاندي»، رئيسة وزراء الهند، و«ذو الفقار على بوتو»، رئيس وزراء باكستان، تم التوقيع على عدد من الاتفاقات بين الهند وباكستان فيما يتعلق بإعادة أسرى الحرب إلى أوطانهم، وفي 9 أبريل ١٩٧٤م، تم التوقيع على اتفاقية بين بنجلاديش والهند وباكستان في نيودلهي أثيرت فيها من بين مسائل أخرى، مسألة محاكمة ١٩٥ أسيرًا حربيًا، وتقررت إعادتهم لباکستان دون محاكمة، وإليك الفقرة ١٥ من اتفاق عام ١٩٧٤م:

بعد الانفصال تمت تصفية أكثر من نصف مليون بيهاري بواسطة «رابطة عوامي بنجلاديش» والأحزاب الأخرى.. لكن المحكمة المشكلة مؤخرًا لا تحاكم مجرمي الحرب الثابت إجرامهم بل تحاكم كبار قادة «الجماعة الإسلامية»

في ٢٤ يناير ١٩٧٢م سنَّت الحكومة قانونًا آخر لمحاكمة أولئك الذين لم يقفوا إلى جانب حرب التحرير «انفصال بنجلاديش عن باكستان» أو عارضوا الدعوة أو تعاونوا مع الجيش الباكستاني.. وسمي «قانون المتعاونين».

«في ضوء ما سبق، وبخاصة، مراعاة للنداء الذي وجهه رئيس وزراء باكستان الشعب بنجلاديش للصفح ونسيان الأخطاء الماضية، ذكر وزير خارجية بنجلاديش أن حكومة بنجلاديش قررت عدم المضي قدما في المحاكمات عملا بالعفو والصفح، وتم الاتفاق على إعادة الـ ١٩٥ أسيرًا حربيًا إلى باكستان مع سائر أسرى الحرب الذين هم ضمن عملية الإعادة إلى الوطن الآن بموجب اتفاقية دلهي».

وهكذا أعيد ١٩٥ أسيرًا من المصنفين كمجرمي حرب إلى باكستان، وتم التخلي عن محاكمتهم.

قانون المتعاونين

في ٢٤ يناير ١٩٧٢م، سنت حكومة بنجلاديش قانونا آخر المحاكمة أولئك الذين لم يقفوا إلى جانب حرب التحرير، أو عارضوا الدعوة لحرب التحرير سياسيًا، أو تعاونوا طواعية مع الجيش الباكستاني، أو ارتكبوا أعمالًا إجرامية، وسمي هذا «قانون المتعاونين» لسنة ١٩٧٢م.

ألقي القبض على أكثر من مائة ألف شخص بموجب هذا القانون، اتهم من بينهم ٣٧٤٧١ شخصًا، ولم يتم مقاضاة ٢٠٦٢٣ آخرين لعدم توافر الأدلة، والذين قدموا للمحاكمة بعد التحقيق مع ٢٨٤٨ شخصًا أدين من بينهم ٧٥٢، أما بقية المتهمين أي ۲٠٩٦ فوجدوا غير مذنبين، وتم الإفراج عنهم.

ولم يكن أحد من زعماء «الجماعة الإسلامية» بين أي من تلك الفئات المذكورة ومراعاة لحالة السخط والكراهية السائدة في البلد أعلنت حكومة بنجلاديش تحت قيادة الشيخ «مجيب الرحمن» عفوًا عامًا في نوفمبر ۱۹۷۳م لإغلاق هذا الفصل المظلم.

وغني عن الذكر هنا أن مؤسس بنجلاديش الشيخ «مجيب الرحمن»، والد رئيسة الوزراء الحالية الشيخة «حسينة»، اعتقد أن من صالح البلد القضاء على كل الصراعات والمحن والتناقضات التي تفجرت خلال حرب التحرير، بإعلان عفو عام، ويفضل العفو العام تم الإفراج عن جميع من اعتقل بتهم طفيفة بموجب القانون، ولكن العفو لم يشمل المتهمين في جرائم كبيرة مثل الاغتصاب أو القتل، والحرق العمد أو النهب، بل أبقى العفو المجال مفتوحًا لمقاضاة ومحاكمة المتهمين بارتكاب مثل هذه الجرائم.

إلغاء قانون «المتعاونين»

في ٣١ ديسمبر ١٩٧٥م، ألغي «قانون المتعاونين» بأمر رئاسي، أي أن قانون المتعاونين ظل ساري المفعول لمدة تزيد على سنتين بعد إقرار العفو العام في عام ۱۹۷۳م، ولم تسجل خلال تلك الفترة أي جريمة خطيرة، وربما كان هذا سبب إلغاء القانون في عام ١٩٧٥م، وهكذا تم إغلاق هذا الفصل من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية نهائيًا.

«الجماعة الإسلامية» في بنجلاديش

الجماعة الإسلامية واحدة من أقدم الأحزاب في شبه القارة الهندية، نشأت في الهند وقت الاحتلال البريطاني عام ١٩٤١م، وبدأت عملها فيما يسمى الآن «بنجلاديش في الخمسينيات»، وهي حزب سياسي معتدل، تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتتمسك بسيادة القانون، وتريد «الجماعة الإسلامية» إقامة مجتمع عادل من خلال المبادئ الديمقراطية والعملية الديمقراطية.

قبل بدء المحاكمة تم إعلان أسماء ٣٦ «مجرم حرب» أغلبهم من «الجماعة الإسلامية».. وبعض من في القائمة كان عمره بين ٤ - ٨ سنوات أثناء الحرب عام ١٩٧١م!

منذ أوائل الستينيات نشطت «الجماعة الإسلامية»، جنبًا إلى جنب مع الأحزاب السياسية الأخرى، ضد حكومة «أيوب خان» المستبدة في باكستان، وكانت «الجماعة الإسلامية» في الصدارة عند تشكيل كل من «حركة باكستان الديمقراطية»، و«تجمع الأحزاب المعارضة»، وكذلك «لجنة فعالية الديمقراطية»؛ وهي المنصات الثلاث للأحزاب السياسية التي حاربت النظام الاستبدادي له «أيوب خان» في باكستان الموحدة.

وكان حزب «رابطة عوامي» أيضًا عنصرًا نشطًا في تجمع الأحزاب المعارضة ولجنة فعالية الديمقراطية، وفي الثمانينيات، شاركت الجماعة في بنجلاديش في الحركة الجماعية من أجل استعادة الديمقراطية جنبا إلى جنب مع الحزبين السياسيين الرئيسين؛ «الحزب القومي لبنجلاديش»، و«رابطة عوامي».. في هذا النضال الطويل من أجل استعادة الديمقراطية، كانت هناك لجان اتصال بين «الحزب الوطني البنجلاديشي»، و«الجماعة الإسلامية»، و«رابطة عوامي»، وكانت هذه اللجان تجتمع بانتظام الصياغة البرامج المشتركة، وقد طالبت «الجماعة الإسلامية» بإجراء انتخابات برلمانية في ظل «حكومة انتقالية» محايدة، وناضل معها لتحقيق هذا الغرض حزبا «رابطة عوامي»، و«الوطني البنجالي».

وقد مثلت «الجماعة الإسلامية» في برلمان باكستان منذ عام ١٩٦٢م، وشاركت في جميع الانتخابات البرلمانية والمحلية بهدف تطبيق الديمقراطية في جميع مؤسسات الدولة، وفي عام ٢٠٠١م فازت الجماعة بسبعة عشر مقعدًا في البرلمان، وشاركت في تشكيل حكومة ائتلافية بوزيرين أثبتا كفاءتهما حين فشل الباقون في أداء مهامهم.

حرب التحرير

أيدت الجماعة الإسلامية فكرة باكستان الموحدة، إيمانا منها بأن الانفصال يضعف المسلمين في القارة الهندية، لكن لم تكن هناك أي إدانة لأحد من قادتها أو نشطائها في جرائم الحرب، وقد جرى حل قضية جرائم الحرب دوليا باتفاقية «سيملا»، ووطنيا بقانون «المتعاونين»، ومن ثم فحين تثار القضية من جديد وتحاول حكومة بنجلاديش محاكمة مجرمي الحرب بعد ٣٩ عامًا، فإنما يكون ذلك المواقع سياسية بحتة، بهدف النيل من المعارضة الإسلامية، كما يخشى العديد من المراقبين من كونها مجرد محكمة هزلية، فقد تم إعلان أسماء ٣٦ مجرم حرب قبل بدء المحاكمة! أغلبهم من «الجماعة الإسلامية»، وبعض من في القائمة كان عمره بين ٤ - ٨ سنوات أثناء الحرب عام ١٩٧١م! ويمارس النظام الحالي ضغطًا هائلًا على القضاة، حتى وصفه بعض القضاة بأنه ضغط «هيدروليكي»؛ ومن ثم فلا أمل في صدور حكم عادل من محاكمة هزلية ذات دوافع سياسية.

الرابط المختصر :