; مختارات من كتب ابن قيم الجوزية (عدد 296) | مجلة المجتمع

العنوان مختارات من كتب ابن قيم الجوزية (عدد 296)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1976

مشاهدات 13

نشر في العدد 296

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 20-أبريل-1976

الصدق

إن منزلة الصدق، هي منزلة القوم الأعظم، الذي منه تنشأ جميع المنازل والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان وسكان الجنان من أهل النيران وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به غلب على الخصوم كلمته. فهو روح الأعمال ومحك الأحوال والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال. وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين. ومن مساكنهم في الجنات: تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين.

وقد أمر الله سبحانه وتعالى أخي الحبيب أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين وخص المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة:119) وقال تعالى ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ (النساء:69) ﴿وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحسانا منه وتوفيقا. ولهم مرتبة المعية مع الله. فإن الله مع الصادقين، ولهم منزلة القرب منه أن درجتهم منه ثاني درجة النبيين. وأخبر جل جلاله من صدقه فهو خير له فقال: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ۚ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ (محمد:21)، وأخبر تعالى عن أهل البر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم، من الإيمان والإسلام والصدقة والصبر. بأنهم أهل الصدق فقال ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (البقرة:177). وهذا صريح في أن الصدق بالأعمال الظاهرة والباطنة وأن الصدق هو مقام الإسلام والإيمان وقسم الله سبحانه الناس إلى صادق ومنافق فقال تعالى ﴿لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ (الأحزاب:24) والإيمان أساسه الصدق والنفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر.

وأخبر سبحانه: أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه قال تعالى ﴿هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (المائدة:119) وقال تعالى ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (الزمر:33) فالذي جاء بالصدق: هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله. فالصدق في هذه الثلاثة.

أخي الصادق المجاهد.

فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال، كاستواء السنبلة على ساقها والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة. كاستواء الرأس على الجسد والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص، واستفراغ الوسع، وبذل الطاقة فبذلك يكون الصبر من الذين جاءوا بالصدق وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به: ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: ذروة سنام الصديقية، سمي (الصديق) على الإطلاق و(الصديق) أبلغ من الصدوق، والصدوق أبلغ من الصادق. فأعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية. وهي كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم، مع كمال الإخلاص لله

وقد أمر الله تعالى رسوله: أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا﴾ (الإسراء:80) وأخبر عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه سأله أن يهب له لسان

صدق في الآخرين فقال ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ (الشعراء:84) وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق ومقعد صدق فقال تعالى ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ (يونس:2) وقال ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ (القمر:54-55)

أخي يا من أسأل الله أن يحشرك في زمرة الصادقين:

قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا»

أسأل الله الذي ملأ نوره السماوات والأرض أن يجعلنا من الصادقين الثابتين وأن يطهر قلوبنا وأرواحنا ويجعلنا ممن يقتدون ويتبعون نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته ويحشرنا معهم وحسن أولئك رفيقا

وإلى رسالة قادمة إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المدارج/ ص 268-273

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لعقلك وقلبك - العدد 21

نشر في العدد 21

40

الثلاثاء 04-أغسطس-1970

هل تعلم أن...؟

نشر في العدد 49

28

الثلاثاء 02-مارس-1971

رسائل لقافلة الدعاة

نشر في العدد 239

25

الثلاثاء 04-مارس-1975