; مدارس الدعوة والدعاة | مجلة المجتمع

العنوان مدارس الدعوة والدعاة

الكاتب زينب الغزالي الجبيلي

تاريخ النشر الثلاثاء 01-يوليو-1997

مشاهدات 20

نشر في العدد 1256

نشر في الصفحة 60

الثلاثاء 01-يوليو-1997

هل يمكن المريض تفترسه الأسقام والآلام والأوجاع أن يذهب إلى مهندس مثلًا يشخص له الداء ويلتمس عنده الدواء؟ وهل من الطبيعي لمن يريد بناء بيت أن يذهب إلى صيدلاني ليبحث عنده عن تصميم مناسب المسكنه؟! وهل يجوز لمزارع يحرث الأرض ويرويها ويحصد الزرع أن يستدعيه أحد لصيانة أجهزة التكييف أو إصلاح اعطال السيارات بالطبع لا.. لماذا؟ لأن التخصص في كل مهنة وفي كل شان من شؤون الحياة الدنيا أمر بدهي تعارف عليه الناس والتزموا به حرصًا على حياتهم ورعاية المصالحهم ومعايشهم، فلماذا إذن لا يكون التخصص في أن أمور الدين وعلوم الشريعة وفنون الدعوة إلى الله أمرًا أساسيًا وبدهيًا ومتعارفًا عليه في نفس الوقت خصوصًا وأمور الدين أشد خطرًا وأعظم أثرًا وأعلى قدرًا من أمور الدنيا الفانية؟

إن مهمة الدعوة إلى الله عز وجل، وأمانة التبليغ عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، تحتاج إلى التخصص الدقيق، والفهم العميق والإدراك الواسع، كيف لا وهي أعظم المهن وأقدسها وأعلاها شرفًا وقدرًا ومقامًا، لا يقوم بها إلا من أكرمه الله واصطفاه من بين خلقه، واختاره لهذه الرسالة وأنتدبه لهذه الأمانة، فلماذا يحترم الناس التخصص في شؤون الدنيا بينما يتساهلون ويستهينون إذا تعلق الأمر بشؤون الدين، فيخوض فيه من ليس مؤهلًا أو متخصصًا لا يمنعه مانع ولا يردعه رادع؟! إن الطبيب إذا أخطأ فربما أدى خطؤه إلى موت فرد أو أفراد والمهندس إذا أخطأ فربما أدى خطؤه إلى موت أحاد أو عشرات، لكن الداعية إلى الله إذا أخطأ ربما أدى خطؤه إلى موت قلوب المئات والآلاف، وربما أضل عقول عشرات أو مئات الألوف، وموت الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وخسارة الدنيا لا تقارن أبدًا بخسارة الآخرة، وفناء الجسد لا شيء إذا ماتت الروح أو ضلت طريقها إلى الله.

إن الشكوى زادت من أولئك الذين يخوضون في ميدان الدعوة، ويسلكون سبيلها، وهم غير مؤهلين، فيضيقون الواسع ويغلقون المفتوح، أو يضيعون الثوابت، وينتهكون الأصول، وينفرون الناس بالترهيب الشديد والزجر والتأنيب واللوم والغلظة وضيق الصدر، فيسيئون أكثر مما يحسنون، ويفرقون أكثر مما يجمعون ويصدون أكثر مما يرشدون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

إن الدعوة إلى الله عطاء يجب أن يصقل بالدراسة ويوجه بالتدريب والخبرة، وأمام من يرغب في هذا الشرف أن يلتحق بكلية من كليات أصول الدين أو الدعوة أو علوم القرآن، أو معهد من معاهد الدعوة والدعاة، سواء كان معهدًا رسميًا أو أهليًا طوعيًا، ويجب أن يكون التوجه إلى هذه الكليات والمعاهد مدفوعًا بالحب والرغبة والشوق إلى نصرة الدين وحماية العقيدة والشريعة لا أن يكون دراسة يحصل صاحبها على شهادة صماء، ويجب أن تفتح الكليات والمعاهد أبوابها لكل راغب في الدراسة مقبل عليها، دون التقيد بشرط السن أو التخصص فربما كان الداعية طبيبًا أو مهندسًا أو ضابطًا، يحتاج إلى مفاتيح العلوم الشرعية كي يشارك في أداء هذه الرسالة العظيمة.

أما إذا أغلقت الأبواب وسدت المنافذ للألتحاق بكلية أو معهد فعلى المسؤولين عن الدعوة وكبار رجالاتها أن يقيموا مدارس للدعاة والداعيات، يلتحق بها كل من يجد في نفسه رغبة للعمل في هذا الميدان وتكون الدراسة فيها صباحية أو مسائية لمدة تسعة أشهر مثلًا على أن يحصل الطالب أو الطالبة على قدر معقول من علوم التفسير والحديث والسيرة والفقه والعقيدة وفقه الدعوة إلى الله وقدر معقول من العلوم الإنسانية «علم النفس- علم الإجتماع- الفلسفة» بالإضافة إلى وسائل الدعوة وإمكانات الإستفادة من وسائل الإعلام الحديثة في نشر الدعوة، وبعضًا من فقه الواقع المعاصر: السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والثقافي المحلي والإسلامي والدولي.

الحوار والتدريب

ومن الأفضل أن تكون الدراسة في مدارس الدعاة والداعيات قائمة على النقاش والحوار والبحث والتدريب لأن الهدف هو أن يتعامل الدارس أو الدارسة مع جمهور الناس بطريقة صحيحة ومؤثرة وناجحة، ومن الممكن أن تمتد الدراسة في مدارس الدعاة لأكثر من فصل دراسي عامان مثلًا أو ثلاثة أو أكثر، ويجوز أن نكتفي بأقل من ذلك، المهم أن نتأكد أن الأخ الداعية أو الأخت الداعية قد نجح في أستيعاب الهدف وأختيار الأسلوب المناسب والوسيلة الفعالة في تبليغ دعوته ونشر فكرته.

إن ثقل الأمانة التي يحملها الداعية في قلبه وبين جنبيه تجعله حريصًا على بذل أقصى الجهد في الأتجاه الصحيح لتبليغ دعوة الله وفق منهج نبيه محمد صلي الله عليه وسلم «ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين»، ﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يوسف: 108).

الرابط المختصر :