; مذكرات السلطان عبد الحميد الحلقة ٢٢ | مجلة المجتمع

العنوان مذكرات السلطان عبد الحميد الحلقة ٢٢

الكاتب محمد حرب عبد الحميد

تاريخ النشر الثلاثاء 05-أكتوبر-1976

مشاهدات 13

نشر في العدد 319

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 05-أكتوبر-1976

• سر زيارة السلطان لسلانيك 

• مقابلة أمين عَام القصر للسلطان 

• السلطان عَبد الحميد يتوقع عَواقب وخيمة ستمر بها البلاد 

قصر بيلربي ۸ نيسان ۱۹۳۳، ۱۹۱۷ 

دخل راسم بك حجرتي ذات يوم وقدم لي خلافًا للمعتاد عدة صحف لا أرى لزومًا للتعبير عن بالغ دهشتي لهذا الأمر. لأنني ومنذ يوم وصولي هنا كنت أرجو عدة مرات رئيسي الحرس واحدًا بعد الآخر بإعطائي الصحف، كلاهما يصر على الرفض متعللين بمختلف العلل. حتى راسم بك قال لي عندما وجد إصراري على هذا - يا مولاي اعذرني كل الصحف الصادرة هذه الأيام تكتب ضدكم إلى أقصى حد حتى أني أيضًا لا أستطيع تحملها، تعطف علينا فقلبي لا يستطيع الرضاء برؤيتكم متأثرًا - وكلام من هذا القبيل ويبدي المعذرة ويتصرف وكأنه يقيني من هذا الأمر فقلت له ضاحكًا: 

- يا راسم بك: كم قرأت أثناء عهد سلطنتي من الموضوعات وكانت مملوءة بالشتائم الشنيعة الموجهة لي ولم أؤخذ بها، لو كان عذركم في هذا فقط فليس هذا بالأمر الهام على الإطلاق، لا تحرمني من الاطلاع على أحوال بلادي. 

لكن كل أحاديثي هذه لم تغير شيئًا قط، والآن عندما وجدت راسم بك يأتي إلي محملًا بالصحف فهمت أن أحداثًا مهمة حدثت وبعد أن أعطاني الصحف وبعد أن قال لي إن الذات الشاهانية سيخرج إلى سياحة وسيمر بسلانيك وسألني كيف ستستقبل هذا وهو مظهر كأنه فضول شخصي. استقبلت هذا بشكل مناسب جدًا وقلت إنني أتمنى لهذه السياحة الخير للبلاد وذهب وبعد مرور عدة أيام جاء تحسين باشا وهذا التحسين باشا تربى تحت السلاح. ألباني. له طبيعة لا يوثق فيها ولا تصدق في كلمتها ولهذا السبب نفيته إلى حلب. متأثر مني كذلك فإني لم أكن أخفي أنني لا أحبه شرح لي بلغة مزوقة ومفخمة غاية في الفخامة موضوع الرحلة، ترى هل لأنه يظن بي أنني سأغار من صاحب الجلالة أخي، أم ماذا؟ قلت له بالقدر الذي وفقت فيه ورجوت له الخير. وخرج كما دخل بنفس السلوك المزوق الذي أتى به. 

لم أستطع أن أفهم جيدًا لماذا يريدون مني الاستعداد. أخي كان حاكم البلاد. وكان يخرج إلى سياحة في بلاده هو وكان سيمر بسلانيك ومع أنهم لا يمدونني بأي خبر من أخبار الأحداث التي تقع في بلادي ولم أستطع أن أربط بين هذا وبين رغباتهم في إشعاري بهذا الخبر بكل الوسائل المتعددة وبكل الطرق المختلفة. ولو كانت البلاد والعياذ بالله في حرب لما كان السلطان يخرج إلى سياحة مطلقًا. ربما على أقصى تقدير لدفع اضطراب يا ترى هل ظهرت مقلقات جديدة نظرًا لأنه خرج إلى سياحة في قطاع الروملي من الدولة؟ وقبل أن أصل إلى حكم في هذا الموضوع إذا بيوم السياحة قد جاء.. المدينة والميناء في زينتهما وقصرنا أيضًا مزين. أخبروني ذات صباح بأن الأسطول الذي يقل جلالة أخي قد دخل الميناء. بدأت أتفرج بالمنظار المعظم، وضباط حرس القصر رجوني أن أعطيهم إذنًا بالصعود إلى الشرفة لكي يستطيعوا رؤية الأسطول، وافقت بكل سرور. 

وبدأنا كلنا نتفرج حقيقة كان احتفالًا جميلًا. الأسطول يحيي المدينة بطلقات المدافع وترد عليه المدينة بطلقات المدافع وأخيرًا رسى الأسطول على بعد بسيط من المدينة. 

عاد الضباط إلى عملهم، كنت ما زلت في الشرفة مع ابني عابد. لا أستطيع معرفة كم مضى من وقت. 

سألني نوري أغا قائلًا إن جلالة السلطان قبل أن يخرج إلى المدينة أراد إبلاغي بتحياته الشاهانية مع الأمين العام خالد ضيا بك الذي سأل عما إذا كنت أود أم لا أود مقابلته وأنه ينتظر أوامري مع هادي باشا في قسم الحرس. 

أيرفض رسول سلطان؟ واندفعت قائلًا لنوري أغا - أهذا كلام؟ - 

حنى المسكد رقبته واكتفى بقوله -كما تأمرون-. شعرت بمن الله العظيم علي لرقة تصرف فخامة صاحب الجلالة أخي. وقلت -فليتفضل سيادته-. خرج نوري أغا، سرت أنا أيضًا خلفه حتى بداية السلم الممرمري الكائن أمام الباب الخارجي لأن القادم ولو أنه الأمين العام للقصر إلا أن مرسله کان سلطان الدولة العلية وبالتالي فكأن السلطان يشرف بنفسه. 

خرجوا من دائرة رئاسة الحرس في المقدمة خالد ضيا بك وخلفه هادي باشا وراسم بك قائد الحرس. دهش الثلاثة عندما وجدوني أنتظر على أول السلم وكانت دهشتهم واضحة. 

الأمين العام حياني رسميًا وفورًا على حسب أصول القصر، الباشا وقائد الحرس قدما لي التحية العسكرية أخذتهم إلى الداخل. 

أجلست الأمين العام على الجانب الأيمن مني وأشرت للآخرين بالجلوس بدأ الأمين العام خالد ضيا بك حديثه بإبلاغي سلام جلالة أخي، وبعد أن قال لي إن الذات الشاهانية يسأل عن خاطري وأن جلالته اختار هذه السياحة بسبب دفع الشقاق الذي حدث بين عبيده الألبان وبسبب رؤية أهالي الروملي عن قرب. وأضاف إلى حديثه رغبته في أخذ رأيي في هذا شكرت بصورة خاصة هذه الالتفاتات الكريمة وهذا السلام وتلك التحيات المحمولة من قبل الذات الشاهانية ورجوته عرض شكري الجزيل المخلص واحتراماتي الفائقة لذات حضرة السلطان. 

بعد ذلك وبعد شرح موجز لأحوال الروملي السياسية ربطت حديثي بأني مقتنع لآخر درجة بفائدة هذه السياحة في هذه الأيام وبدعائي بالتوفيق والنجاح فيها. قال لي الأمين العام إن حضرة جلالة السلطان يريد أن يعرف عما إذا كان لي أي طلب من أي نوع كان. من الطبيعي كانت هناك أشياء كثيرة تقال ولكن لأني لم أجد من المناسب الإفادة من فرصة كهذه لم أجد في تعداد هذا أمرًا سليمًا، وأكدت على شكري الجزيل. وقلت بإيجاد مكان مناسب في إستانبول لابني عابد أفندي لكي يستطيع بدء تحصيله وقصر -موصلاق- مثلًا لم يغب عن ذهني من أجل أمر كهذا. 

ألم يقل خالد ضيا بك الذي ترك في انطباع حسن لأقصى درجة أن قصر -موصلاق- خال وأنه سيمكن تخصيصه؟ یا تری أکان يريد أن يفهمني بأن رأيه هو أعلى نسبة من رأي حضرة صاحب الجلالة أخي؟ ولو أني سلطان مخلوع ولو أن حضرة صاحب الجلالة أخي لم يعد له كلمة إلى هذا الحد فإني لا أستطيع قبوله كأحد أفراد آل عثمان. 

أنا لم أطلب شيئًا من الأمين العام للقصر ولست أنا بالذي يقبل إحسانًا منه. ولهذا السبب قلت باختصار: إذا سمحتم بعرض الأمر على الحضرة الشاهانية - أحمر وجه خالد ضيا بك وغالبًا ما فهم ما أريد قوله، لكن كان كل من هادي باشا وراسم بك في أقصى درجات الراحة. 

وبعد أن انتهيت من الحديث عن حقيبة موجودة بها بعض قطع مجوهرات وأسهم خاصة بعابد بك شيعتهم حتى الباب. لم أعان صعوبة تذكر في فهم العواقب الوخيمة التي تنتظرها بلادي سواء أكان ذلك عن طريق الصحف القليلة التي أعطوها لي أم من المعلومات المتناثرة والضئيلة التي عرفتها من كل من راسم بك وتحسين باشا والبك الأمين العام ولم يعد لدي شيء غير الدعاء. فاكتفيت به.

۱۰ نیسان ۱۳۳۳ - ۱۹۱۷ قصر بيلربي.

لم أكن في حالة طيبة بالأمس. في ظهري ألم. كان يمنعني من أخذ نفسي أنا في العام السادس والسبعين مر في خاطري ما معناه يا ترى هل حان الأجل؟ - حتى لو لم يكن قد حان فلم يبق عليه الكثير. لكني الآن أحس أنني في حالة طيبة.. ما زال عندي بعض ما يقال وعلي تسجيله، استطعت معرفة كارثة حرب البلقان في الأيام القريبة من نهايتها. قرأت بعض الصحف في أيام مجيء حضرة جلالة السلطان رشاد أخي إلى سلانيك وتحدثت مع بعض الباشوات ورأيت أن الموقف ليس سارًا ولكني لم أكن عرفت الأحداث بالضبط.

وإنما لاحظت تزايد عدد الجنود في سلانيك مرة واحدة. حتى أن الخيام قد ضربت بجوار قصرنا. سألت ولعدة مرات عاصم بك وكذلك ضباط الحرس فأجابوا بقولهم - إنها مناورة ولكن ما أراه لا يمت للمناورة بأي صلة. ففهمت أنهم يخبئون علي أشياء ولكني لم أستطع معرفة کنه الحرب مع من وبين من ومن لا سيما وأن أربع دول بلقانية اتحدت ولو سمعت أنها ستعتدي علينا فإني ما كنت لأصدق. لأن عداوتها لبعضها البعض أكثر من معاداتها كلها لنا.

وذات يوم تحول الميدان أمام القصر إلى ثكنة زاد عدد الحراس ونبهوا على الأولاد ألا يفتحوا شيش النوافذ كما نبهوا علي بألا أخرج إلى الشرفة. كنت ليلًا ونهارًا أسجد للرحمن داعيًا، حيث لم أكن أملك غير الدعاء.

كنت أنام في إحدى الليالي. وإذا ببابي يدق دقًا متواصلًا. ومن خلف الباب كان يأتي صوت الخزندار الثاني الممتاز. راسم بك قائد الحرس يريد رؤيتي حالًا.

يا سبحان الله ماذا يمكن أن يقوله لي راسم بك في هذه الساعة من الليل؟. 

سريعًا ما نهضت وأبدلت ملابسي وتوجهت إلى الغرفة الملاصقة واستقبلت راسم بك وقلت: 

- خير إن شاء الله يا راسم بك ماذا في الأمر؟.

تحدث بصوت محزون.

- أرجو المعذرة فقد أزعجت ذاتكم السلطانية. يجب أن أقول إننا في حالة حرب مع أربع دول.

- أربع دول.. من هي يا راسم بك. اللهم فأنصر الجيش السلطاني وأعطه القوة. النصر لنا بإذن الله كان راسم بك يتحدث وكأنه يبكي وهو يحني رأسه ناحية الأرض.

- يا مولاي إنها اليونان وبلغاريا وقره طاغ والصرب.. ومع الأسف إننا على وشك الهزيمة.

يجب إيجاد كلمة أكثر دقة من الحزن، أشعر بالضياع في هذه اللحظة.

- أربع دول تتحد معًا ولا يكون عندي خبر يا راسم بك يا لها من غفلة. هذه الدول طبيعتها من الصعب عليها الاتحاد.. فيما بينها نزاع كنائسي ألا تتذكر نزاع مقدونيا الذي استمر من سنوات عديدة؟.

- مجلسا المبعوثان والأعيان أصدرا قانون الكنائس وحل هذا النزاع، من كان يعرف أن هذا سيفتح علينا هذه الأعمال؟ احتسبت في داخلي كلمة أنا، بلعت كلمتي وكأنها لقمة مرة. توقف ذهني وكنت كمن كاد أن يفقد وعيه. تحدث راسم بك حتى الصباح وكنت أستمع وتحدثت أنا واستمع راسم بك وأخيرًا قال:

- سلانيك على وشك السقوط اليوم أو غدًا.. سينقلونكم إلى إستانبول. تلقيت أمرًا بسرعة إخباركم بهذا.

عند سماعي هذا الكلام انطلقت واقفًا على قدمي بحدة لم أعرفها في أي فترة من فترات حياتي.

- راسم بك، راسم بك إن معنى سلانيك هو مفتاح إستانبول. أين جيشنا وأين جنودنا؟. كيف تترك سلانيك؟ لو تركناها وذهبنا منها ألن يبصق التاريخ والأجداد علينا؟

هل رضى صاحب الجلالة أخي بتخلية المدينة؟ لا، أنا لا أرضى. لا تلق بالًا إلي إنني في سن السبعين.. أعطني بندقية. وسأحمي مع أولادي الجنود سلانيك إلى آخر نفس في.

تدهور حالي وقتها.. وإذا براسم بك يرش على وجهي ماء ورد من إناء خاص موجود على المنضدة هناك.

ودعك في يدي فأفقت وقلت لراسم بك.

اذهب وقل لرؤسائك إنني لن أخرج من هنا وإنما جنازتي.

خرج راسم بك وذهب. وإذا بأولادي وكانوا يستمعون لحديثنا من الباب وإذا بهم جميعًا يبكون معًا ويملأون الغرفة وأخذت أهدئ من روعهم وأخذوا هم يهدئون من روعي. أصبح النوم بالنسبة لي مستحيلًا. ولم أنم مرة أخرى ورأيت في ذلك الصباح شروق الشمس ودمع عيني يفيض.

وعندما غمرت الشمس الوجود جاءني كل من علي رضا باشا وهادي باشا استجمعت نفسي وقابلتهما وكانا بدورهما يريان ضرورة أن أترك سلانيك وأرادا أن نبدأ بالاستعداد لهذا حالًا سألتهما عن سير الحرب أخفيا عني أشياء وقالا أشياء. لكن فليكن مخبأ ما هو مخبأ لكن الذي كان واضحًا من كل ناحية أن الذي هزمنا ليس أربع دول بلقانية وإنما السياسة التي تغلغلت في الجيش 

سألتهما. - هل ستخلون سلانيك؟ 

فأجابا قائلين: - في مواجهة كل احتمال...

صحت في وجهيهما قائلًا: أي احتمال بقي أكثر من هذا. فليذل الله هؤلاء الذين أودوا بالبلاد إلى هذه الحالة. هيا أبلغوا صاحب الجلالة السلطان بأني لن أستطيع الخروج من سلانيك لو قدر، سأحارب العدو إلى آخر نفس في. إنه حقي كواحد من الأسرة العثمانية. وهو حق لا يستطيع أحد انتزاعه مني.

خرج الباشوان وهما في حالة يأس وكدر. وبعدها تجمع الأولاد والأهل معًا وكانوا يبكون. قلت لهم: 

- استمعوا إلي. دولتنا تغرق ومعنى فقدان سلانيك فقدان إستانبول أيضًا. يعني ذهاب الدولة أريد منكم جميعًا الرضاء بالقضاء والقدر. لو كان أحد يريد الخروج فليقل وأرسل من هنا. ولكني سأبقى هنا. فردوا قائلين وهم يبكون:

- نحن أيضًا سنبقى معك يا والدنا قلت لنوري أغا:

- اكتب قائمة بأسماء من يريد الذهاب وائتني بها وسأجد وسيلة لإبعادهم. ثم خرجت، كنت واثقًا أن أحدًا في الغرفة لن يقبل.

الذاهبون سيذهبون والباقون سيبقون وينتظرون التقدير الإلهي.... أمضيت تلك الليلة أيضًا بلا نوم، أتعبد. بعد صلاة الصبح كنت أتفرج على الميناء بالمنظار المعظم. علقت سفينة ببصري وعندما أمعنت النظر بدقة أكثر لم أتأخر في معرفة أن هذه السفينة سفينة السفارة الألمانية اقترب مني في هذه الأثناء نوري أغا.

وكان بدوره يريد أن يخبرني بمقدم السفينة. ربما لديه خبر بأن هذه السفينة جاءت لتقلنا. بعد بذلك بدأ الأهل والأولاد والقائمون بالخدمة من بعدي في البكاء. ضباط القصر كانوا يوقعون الرعب في قلب الخدم والتابعين ويحرضونهم. كل شخص كان يريد مني أن أرضى بالذهاب.

ولكن عندما يأتي عندي لا يقول لي شيئًا.

قلت: حذار أن يكون مقدم هذه السفينة لحملنا فقال.. الخير فيما يقع يا سيدنا، الأولاد في القصر يتألمون ولا يستطيعون إيلامكم بأي شكل، إن قلبي ينفطر، ولكن ما دمتم سألتم فلأقل لكم، نعم هذه السفينة جاءت لكي تقل ذاتكم الشاهانية مع أولادكم وعيالكم وخدمكم والقائمين بأموركم إلى إستانبول ولا بد للقرار الخير أن يصدر منكم.

اقتربت السفينة من المرسى.

وبعد قليل بدأت عربة لاتدون في تسلق مرتفعنا وعندما جاءوا إلي بهيمة الأنعام فإلهكم إله الباب الخارجي رأيت بينهم الداماد شريف باشا وعارف حکمت باشا زوج ابنتي نائلة سلطان وهما ينزلان من العربة. وكما كنت شديد الكدر في هذا اليوم كنت كذلك شديد السرور لم أستطع التفكير في شيء. وبعد السلام الرسمي تعانقت مع كل من عارف حكمت باشا وشريف باشا سألتهما عن أولادي وعن الأحداث.

كانا هما أيضًا مثلي في حالة من الحزن العميق ولكن صاحب الجلالة أخي أرسلهما يحملان رجاء ذاته الشاهانية لي للانتقال إلى إستانبول مهما كان قراري فإنه لا يستطيع اعتراض إرادة سلطان من نسل آل عثمان. أحنيت رقبتي.. وعلمت من صهري أن كل الطرق المؤدية إلى إستانبول خرجت من قبضة الدولة ولكن هذه السفينة يبدو أنها تستطيع الذهاب إلى إستانبول قلت لمن في القصر أن يستعدوا وبينما تبذل السيدات والشغالون كل ما في وسعهم للاستعداد السريع ظللت أتحدث مع الباشوين جاء القائد راسم بك في هذه الأثناء. كان حزينًا. فقلت له:

- أتأتي معنا أنت يا راسم بك؟

قبل بامتنان. كان له صديق اسمه وصفي. وفي الوقت الذي كان يرجونا أخذه معنا جاء جاريًا إلى راسم بك.

- راسم بك. قل لخاقاننا أن يأخذني في السفينة بأي حال من الأحوال. قلت لراسم بك. خذ هذا اليوزباشي أيضًا. ولكن مع الأسف لن نستطيع أخذ بقية الأصدقاء، لأن ليس في السفينة مكان كاف. كنت أريد أن أنقلكم جميعًا.

اصطف جميع الضباط والجنود صفين مواجهين لبعضهما البعض عند خروجنا من القصر لوداعنا. أوفوا بالتحية الرسمية. قلت لهم – إن شاء الله أراكم جميعًا في إستانبول سالمين معافين. استودعكم الله.

جاء الوالي والقادة الباشوات لوداعنا أيضًا. وقلت لهم أيضًا بعض الكلمات المناسبة.

وصلنا إلى السفينة مستقلين عربات -اللاتدون-، كانت قمرة السفير معدة لي. جاءني قبطان السفينة. انفرد بي، أبلغني السلام الخاص للإمبراطور ثم قال لي السفينة تحت أمركم يا صاحب الجلالة، لقد تلقيت أوامر شخصية من الإمبراطور لكي أتوجه بالسفينة إلى أي مكان ترغبون فيه:

إلى أي مكان غير علمه يستطيع أحد أفراد آل عثمان أن يذهب؟

شكرت القبطان وقلت له أن يتوجه إلى إستانبول كان بحر مرمرة أثناء إبحارنا فيه صاحب الأمواج وسريعًا ما أصاب كل العائلة -باستثنائي- دوار البحر. وكنت أسقيهم كلهم الدواء الذي أعطاه طبيب السفينة توقف البحر قليلًا. وبإذن الله تعالى أرست السفينة مراسيها أمام قصر بيلربي. تركنا شريف باشا لكي يقابل الذات الشاهانية. أما صهري عارف حكمت باشا فقد أتى معنا حتى قصر بيلربي. 

لم أر من المناسب وجودنا في قصر بيلربي لأن الرطوبة فيه واضحة.

ويستطيع الروماتيزم أن يبدأ في الإلمام بي.

قلت هذا لعارف حكمت باشا ولكني بمرور الوقت تعودت تمامًا عليه وها أنذا أعيش فيه وباستثناء الآلام التي تصيبني في ظهري في بعض الأحيان فليست لي منه أي شكوى.

وكل ما يحزنني هي الكارثة التي حلت ببلادي.

الفرق بين هذا المكان وقصر علاء الدين، أنني أعيش في الغرفة التي عاشت وماتت فيها والدتي الطيبة القلب الرحيم. يقدمون لي الصحف وتنفذ بعض رغباتي الصغيرة وأستطيع معرفة أخبار أولادي عن طريق القائد راسم بك ولا يعرف قيمة كل هذا إلا المحرومون منها. اللهم لا تحرم شخصًا من معرفة أخبار أولاده. أمين.

 ۱۱ نیسان ۱۳۳۳

بيلربي

ضربوا محمود شوكت باشا بالرصاص في وضح النهار لكي يتخلصوا من شهرة بطل جيش الحركة وكذلك لكي يفسحوا الطريق ليتولى أنور بك وزارة الحربية. كانوا يريدون ضرب عصفورين بحجر واحد وذلك فإنهم يتخلصون من ظل قائد مشهور ظهر أمامهم مرة واحدة 

يتبع

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 96

42

الثلاثاء 18-أبريل-1972

نشر في العدد 312

16

الثلاثاء 10-أغسطس-1976