العنوان مذكرات زوجة "12"
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1972
مشاهدات 18
نشر في العدد 97
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 25-أبريل-1972
وحينما وضع«والدي» يدي على الأوصاف التي حددها الإسلام لفتاي المنتظـر وزوجي المرتقب وختمها بالمحبة اللازمة للمودة والرحمة التي أرادها الله كثوب يلف الحياة الزوجية، قلت له:
أنَّي للفتاة أن تعرف ذلك؟ وكيف تسلك السبيل القويم الذي لا ينكره عليها دين لتصل إلى هذه الغاية؟ هل يا ترى يسمح لها بصداقته ومصاحبته فترة من الزمن يتعرف كلاهما فيها على بعضهما؟ أم ماذا تفعل؟
وهنا رأيت الوالد –رحمه الله– يعتدل في جلسته، ويبدأ حديثًا مليئًا بالأمثال والقصص الواقعية، ويسرد على مسامعي النصوص الشرعية للتحريم والإباحة، والذي أذكره من هذه الجلسة التي جاوزت منتصف الليلة الثانية:
يا بنيتي: إذا كانت دراسة الأشخاص ومعرفتهم لا يمكن أن تتم بدقة وأمانة وصدق من خلال مظاهر قد تخدع الرائين وتزداد هذه المظاهر في خداعها إذا ما عرف القصد مسبقًا، فيمكن أن يلبس لكل مقام حلة وثوب خاص حتى يستطيع المرء الحصول على رغائبه ولذلك كانت حكمة «عمر بن الخطاب» حينما أنكر على شخص إجابة عن آخر بامتياز أخلاقه فقال له: لعلك رأيته يرتاد المساجد!! هلا عاملته بالدينار والدرهم هلا عاشرته؟! فالمرء يعرف من معاملاته ومن صداقاته، وهذا ما لا يمكن أن يتيسر لذلك كان لفتاة مع فتى، لذلك كان طبيعيًّا أن تلجأ إلى مستشاريها المخلصين، وهم أهلها وعليهم أن يتحسسوا هذه الأوصاف بالتحري والسؤال ولذلك أباح الإسلام «الغيبة» في هذه الحالة استثناء من الأصل، ولا يجوز لمسلم أن يخفي شيئًا يعرفه عن الخاطب ويتم ذلك بسؤال زملائه في العمل، وأصدقائه في الخارج، وجيرانه في المسكن، وزبائنه المعاملة، فالمرء على دين خليله، ومن لا يحسن معاشرة جيرانه لا يحسن معاشرة أهله، والذي لا يرعى الله في حقوق الناس لحقوق أهله مضيع، والمرء يعرف من فلتاته وسقطاته ومجالس أصدقائه ورضي الله عن «بلال» حينما أخذه «أبو رويحة» ليخطب قال لأهل العروس: أنا بلال بن رباح وهذا أخي «أبو رویحة» وإنه امرؤ سوء في الخلق والدين فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه!
وهنا قلت لوالدي: إذن قاعدة الصداقة أخطأت! وكيف يكون صديقًا لبلال وفي هذا العصر الذهبي للإسلام ويكون سيئًا في الخلق والدين؟
قال لي: إن الحادثة تحتمل أوجهًا كثيرة منها: حسنات الأبرار سيئات المقربين فلعله كان في مستوى دون المستوى الرفيع المثالي للصفوة المؤمنة! أو أنه كان حديث عهد بالإسلام ولما تتغير فيه كل عاداته فما زالت فيه عادات جاهلية! وكانت صداقة «بلال» له وإخوته وسيلة للأخذ بيده والنهوض بمستوى أخلاقياته.
قلت له: إذن ترفضون صداقة الفتاة للفتى؟
ليس نوعا من التحكم والسيطرة وعدم الثقة كما يتراءى للخبثاء الماكرين!! وإنما هو نوع من الحماية للإغراءات وسد لمنافذ الغواية فكم يا بنيتي ارتكبت الجرائم الأخلاقية، وانعدمت الثقة، وانهارت نفوس حينما أبيحت الصداقات حتى في المجتمعات الأوروبية وغيرها ممن تجاوزوا هذا السياج وكثرت شقق الأصدقاء ونسل منها اللقطاء المنكورون من آبائهم، حتى الذين أجازوها بألسنتهم أنكروها في ميدان التنفيذ والتطبيق، فلقد قرأت حديثاً للدكتورة بنت الشاطئ في إحدى الصحف، -إن صدق الحديث ونسبته لها- أنها أجازت صداقة الجنسين! ولما سئلت: هل تسمح بذلك لبناتها؟ قالت: لا لأن المجتمع لم يتهيأ بعد لذلك. فأخذت بالشمال ما أعطته باليمين.
- فحسب الفتاة أن تراه ويراها، وأن تجلس معه في حضور بعض من أفراد العائلة وأن يدور الحديث المتناثر، ليمكن أن تطمئن قلبًا إلى مظهره وأفكاره ومنطقه وأسلوب حديثه على ألا تنفرد به في خلوة يكون الشيطان ثالثهما ويتزي كل واحد للآخر بالزي الذي يرضيه ولو مؤقتًا ثم على الأسرة بعد ذلك أن تقوم بدورها في الدراسة حسبمـا أوضحت لك، والأمر في منتهى البساطة لو نظرنا إليه بمنطق الواقع: فمن أراد أن يسكن حيا جديدا فلا يمكن أن يقوم بعملية مسح شامل لسكانه ودراسة إحصائية لتاريخهم بل يتوجه إلى من يعرف من سكانه ويسألهم عنه ويوفر على نفسه الجهد ويجنب نفسه الدخول في تجارب سبقه إليها الآخرون!! وكذلك لو أراد الانتساب إلى معهد، أو عقد صفقة تجارية مع فرد أو شركة.. وهلم جرًّا.
- وتركني «الوالد» لأستعيد بداية الشريط من لحظة حديث أمي في الموضوع لأول مرة، مرورا بأخي وصديقتي إلى ختام أحاديث أبي.. لألتقي به في الصباح قائلة: لا ضير عليك يا أبي إن تنفذ كل ما قلته فاني قد اقتنعت.
«ك. ا. ع»
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل