; مستقبل الحركة الإسلامية.. وثنائية الصعود والأفول | مجلة المجتمع

العنوان مستقبل الحركة الإسلامية.. وثنائية الصعود والأفول

الكاتب محمد الحمداوي

تاريخ النشر السبت 21-يونيو-2008

مشاهدات 14

نشر في العدد 1807

نشر في الصفحة 66

السبت 21-يونيو-2008

يغلب على الدراسات والأبحاث التي تتناول مسارات تطور الحركة الإسلامية، كما يغلب على الانطباعات التي تتشكل حول تلك المسارات، أنها تدرج هذا التطور ضمن ثنائية حدية، فإما أنها تتحدث عن الصعود، أو عن الأفول دونما الوقوف عند الأبعاد العلائقية التي تربط بين المرحلتين والبحث في عوامل الصعود ودراسة مسببات الأفول ضمن مسيرة تطور الدعوة وحركتها التاريخية.. وهو ما دفعني للسعي، خلال هذه المقالة، إلى إعادة التفكير في هذه القضية، ووضعها ضمن سياقات التطور الطبيعي للظواهر التاريخية والمجتمعية.

مفهوم التطور فالتطور كمفهوم لا ينبغي أن يفهم منه الانتقال الذي يحدث قطيعة بين ما كان قائماً، وبين ما صار من جديد، إذ التطور لغوياً هو الانتقال من طور إلى طور جديد.. وهذا الانتقال في الأطوار قد يكون إيجابياً، فنسمي ذلك تقدماً أو نمواً أو صعوداً، وقد يكون سلبياً، فنسميه حينها انحداراً أو نكوصاً أو أفولاً، بل يمكن أن يندرج كل طور في مراحل خمس أساسية:

أولاها: مرحلة النشأة حيث تتبلور الفكرة المؤسسة، وتتلقى بحماس وحيوية لحظة الانطلاق. 

والثانية: مرحلة الصعود حيث التوسع في المجال الحيوي للفكرة المؤسسة، والتطلع إلى النمو والانطلاقة الفكرية. 

والثالثة: مرحلة الأوج والازدهار حيث العطاء والكسب، وفاعلية الأفكار واستثمارها في عمليات الإنجاز والتحقق التاريخي، مع تقلص في وتيرة النمو وبطء في درجته. 

والرابعة: مرحلة الأفول، حيث الفتور والتراجع في نسبة النمو وتآكل واستنفاد الأفكار المؤسسة، وتوقف الانطلاقة الفكرية. 

ثم المرحلة الخامسة والأخيرة، وهي مرحلة الكمون، حيث تكون الحيوية أضعف، ويتقلص الانفتاح على المحيط، ويحل محله الحوار الداخلي حول المشكلات والمعوقات.

سمات الكمون

وتتميز مرحلة الكمون هذه بأمر جوهري، فإما أنها تؤشر على الزوال بالنسبة للحركة التي تستوعب سنن التطور التاريخي القائمة على الحاجة للتجديد المستمر للذات، أو قد تؤشر في المقابل على مرحلة جديدة في الصعود بالنسبة للحركة التجديدية التي تقوم على التواضع والمراجعة الفكرية المستمرة للتجربة والمكتسبات وعناصر القوة والضعف. 

ومن عجيب مخلوقات الله، أن اليرقة، وهي أول طور من أطوار النمو عند عدد كبير من أنواع المخلوقات، عندما تكون في أوج حيويتها في آخر مرحلة من نموها، تخزن في جسمها ما يكفيها لمرحلة الكمون أو السبات لتدخل في الشرنقة، التي تحيل على مرحلة الأفول، غير أنها في هذه المرحلة تستعيد قدرتها على الاستمرار، فتتحول إلى فراشة لتنطلق بحيوية نحو طور جديد.

وانظر إلى الشجرة في مرحلة حيويتها ونشاطها تمتلئ أزهاراً ويتوج هذا الصعود بتحول الزهرة إلى ثمرة تنمو وتنضج قبل مرحلة الأفول والسقوط على الأرض، غير أن هذه الثمرة وأثناء سقوطها تحمل في أحشائها نبتة محاطة بما يكفي من المواد المغذية التي تساعدها على الخروج من مرحلة الكمون على شكل فسيلة كلها حيوية وأمل في الانطلاق لطور جديد من النمو والصعود.

ارتباط المراحل

إن هذه المراحل التي تعرفها الأطوار التي تحكم الظواهر الطبيعية ليست منفصلة بعضها عن بعض، بل هي متداخلة ومترابطة، فضمن مرحلة النشأة تكمن شروط النضج والازدهار، وضمن مرحلة الصعود والازدهار تكمن شروط وعوامل الانهيار والأفول، وضمن مرحلة الأفولوالكمون تكمن شروط الصعود من جديد.

وهي الحقيقة التي أدركها فلاسفة التاريخ من أمثال ابن خلدون و أرنولد توبيني، ومالك بن نبي، بل طبقوها على الظواهر الحضارية والتاريخية، فتحدثوا عن قانون الدورات الحضارية حيث تتعاقب لحظات القيام، والازدهار، ثم الانهيار، ليس بطريقة ميكانيكية، ولكن بالنظر إلى عوامل وشروط تتحكم في ذلك التطور وتحكمه، وهو ما يجعل من مسألة التحكم في مسارات التطور، رهينة بمقتضى الوعي بالشروط التاريخية والاجتماعية والنفسية لكل مرحلة، والعمل على التفكير في حلول لها بالتنظير والاستشراف. 

إن هذه الفلسفة ذاتها تحكم منطق التطور في مسارات الحركات الإسلامية، فهي تخضع أيضاً لقانون الدورات الحضارية وعليه وجب أن يتحول التفكير من سؤال الصعود أو الأفول بشكل حدي وقطعي إلى التفكير في المنهجية التي يتعين العمل بها في مرحلة الازدهار والصعود، أو في مرحلة الفتور والتراجع، وذلك ما سنتناوله في المقالة المقبلة إن شاء الله.

الرابط المختصر :