العنوان مصر إقالة وزير الداخلية المصري
الكاتب بدر محمد بدر
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993
مشاهدات 17
نشر في العدد 1047
نشر في الصفحة 32
الثلاثاء 27-أبريل-1993
هل هي تغيير سياسات.. أم تغيير وجوه؟
- في عهد الوزير السابق ازداد العنف والفساد وامتلأت السجون بالمعتقلين
- المصالحة التي يقوم بها الدعاة.. هل تسببت في إقالة الوزير؟!
القاهرة– من بدر محمد بدر
لم يفاجأ الكثيرون عندما تم الإعلان عن إقالة اللواء عبد الحليم موسى وزير الداخلية المصري وتعيين آخر بدلًا منه صباح الأحد قبل الماضي «28 من شوال»؛ لأن الأوضاع الأمنية التي تعيشها الساحة المصرية منذ فترة ليست بالقصيرة، قد وصلت إلى حالة الأزمة فلا يكاد يمر يوم إلا وتقع حوادث عنف وقتل واعتقال بصورة أدهشت الكثيرين لأن طبيعة الشعب المصري الهادئة لا تجعله ميالًا إلى استخدام القوة أو العنف، إذن فمن يدفع البلاد إلى هذه الحالة؟
وكان تشخيص المراقبين أن السياسة الأمنية التي ينتهجها الوزير السابق والتي صاحبها الفشل في مواقع كثيرة، كانت سببًا رئيسيًّا لحالة التوتر العام التي يعيش فيها الشارع المصري.. وفي الوقت الذي كانت تنتشر فيه حوادث العنف وتقع عمليات تصفية بين الشرطة والأهالي كان عبد الحليم موسى يؤكد انحسار العنف والقضاء عليه، حتى أثناء إلقاء بيان له أمام البرلمان، وقع في نفس اللحظة حادث الانفجار في مقهى وادي النيل والذي أودى بحياة ثلاثة أشخاص وجرح حوالي عشرين، وذلك في قلب مدينة القاهرة وعلى بعد أمتار من مجلس الشعب.
تولى عبد الحليم موسى وزارة الداخلية في أعقاب إقالة زكي بدر في 12 يناير 1990 بسبب تطاوله على القيادات السياسية والوطنية والإسلامية، ولأن دوره كان قد انتهى وظن الكثيرون أن الوزير القادم –عبد الحليم موسى– سيكون أفضل من سابقه، وتحقق هذا بالفعل ولكن في جانب واحد هو سلاطة اللسان، أما على مستوى السياسة الأمنية فبعد أقل من ثلاثة أشهر على توليه الوزارة قتل حوالي ثلاثين شابًا في قرية كحك بحري بالفيوم مع زعيمهم شوقي الشيخ وحرق عليهم المزروعات، وكان ذلك في شهر رمضان!
وبدأت تصريحات الوزير تكشف عما يخبئه فقال إن سياسته في الضرب في «سويداء القلب» وهو ما تحقق بالفعل حيث اعتمد أسلوب التصفية الجسدية للشباب المسلم، وتحول صعيد مصر إلى ساحة حرب بين جهاز الأمن وبين الشباب والعائلات، وأدت سياسة الوزير إلى مصرع وإصابة المئات في خلال الأعوام الثلاثة التي تولاها.
بل إن الأمر لم يقف عند حد إراقة دماء الشباب المسلم، بل سقط من رجال الشرطة العشرات كان على رأسهم مقتل اللواء الشيمي مساعد مدير أمن أسيوط وهو الحادث الذي سبق إقالة الوزير بأيام قلائل، أيضًا مقتل المقدم أمن دولة مهران عبد الرحيم والمقدم أمن دولة أحمد علاء الدين بالفيوم، وإصابة العقيد محمد نجيب مأمور ديروط والعقيد طه الزاهد بالأمن العام.
وعلى الجانب الآخر امتلأت السجون والمعتقلات بالشباب، وأصبح مشهدًا مألوفًا أن ترى صرعى أجهزة الأمن على صفحات الصحف أو شاشة التلفزيون، بل إن الوزير أبدى –أكثر من مرة– اعتراضه على تقديم هؤلاء الشباب للمحاكمات لأنها سوف تطول، وربما يتم الإفراج عنهم بعد ذلك، وشارك الوزير في صياغة التعديلات الأخيرة لقانون العقوبات، ربما يتيح لأجهزة الأمن إبقاء المعتقل في حوزتها لمدة أسبوع يذوق فيه ما لا طاقة لبشر على احتماله من تعذيب وضغط نفسي وعصبي. أيضًا يتيح للنيابة أن يظل المعتقل تحت إشرافها لمدة ستة أشهر كاملة.
فشل السياسة الأمنية
لم تنجح سياسة الوزير في إنهاء حالة العنف بل أدت إلى تزايدها، ولم يكن الفشل في هذا الميدان وحده هو الذي اتسمت به، بل إنها فشلت في كشف أسرار حوادث كثيرة في قلب ميدان التحرير، أيضًا مقتل الضباط الكبار وآخرهم اللواء محمد الشيمي مساعد مدير أمن أسيوط بالإضافة إلى الفضائح التي تكشفت عن علاقة عدد من كبار المسئولين في وزارة الداخلية من بينهم مدير الأمن العام ومدير المباحث الجنائية بسيدة أرمنية تدعى لوسي أرتين، والتي تم الإفراج عنها منذ أيام بكفالة عشرة آلاف جنيه، في حين تمت إقالة المسئولين من مناصبهم، وعاش جهاز الأمن حالة من فقدان الثقة وانعدام الوزن.
ووصل الأمر إلى إعلان وزير الداخلية عن مكافأة قدرها 50 ألف جنيه لمن يرشد عن «إرهابي» بل عرضها الوزير أيضًا لـ «الإرهابي» الذي يكشف عن إرهابي، ونشر ذلك صباح السبت ولم تمض أربع وعشرين ساعة حتى أقيل الوزير من منصبه.
تدخل العلماء
عندما وصلت الأزمة إلى حد الخطر، وساد القلق على مستقبل البلاد أوساط المخلصين من أبناء الوطن تكون وفد من العلماء للقاء المسئولين كان على رأسهم فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي ومعه عشرة آخرون وقابلوا وزير الداخلية لمدة خمس ساعات للحوار حول سبل علاج التدهور الأمني وإنهاء العنف والعنف المتبادل.
ورغم أن التصريحات التي أعقبت لقاء العلماء بالوزير -المخلوع– كانت تأمل في إحراز تقدم، وتعهدت ببذل أقصى الجهد لوقف نزيف الدماء وأعمال العنف التي تسود البلاد، ورغم الإعلان عن أن هذه الجهود التي بذلها العلماء قد لاقت القبول سواء على مستوى الحكومة أو على مستوى قيادات الجماعة الإسلامية في السجون إلا أن الحكومة أعلنت تبرؤها من هذه السياسة ومن رفض الحوار مع الإرهابيين.
وكانت التصريحات التي أعلنها عاطف صدقي رئيس الوزراء في أعقاب قيام الوزير الجديد محمد حسن الألفي بتأدية اليمين الدستورية أمام الرئيس مبارك، قد أكدت أن موقف الحكومة واضح وهو رفض الحوار مع من أسماهم بالإرهابيين.
وقد أكد مصدر مسئول –طلب عدم ذكر اسمه- «للمجتمع» أن لجنة الوساطة قد شكلت لجنة ثلاثية أناطت بها إجراء الاتصالات مع المسئولين ومع الشباب المسلم، وهي مكونة من فضيلة الشيخ الشعراوي وكل من الدكتور محمد عمارة والدكتور محمد سليم العوا.
وأكد المصدر أن اللجنة الثلاثية التي التزمت بمبدأ عدم الحوار مع الصحافة أو الإدلاء بأية تصريحات وعدم الكشف عن تفاصيل «الخطة العامة للإصلاح» التي تقدموا بها لحقن الدماء، وذلك لحين تحقيق تقدم فعلي حقيقي... وأكد المصدر أن كل ما نشر خلاف ذلك ليس له أساس من الصحة وأكثره مختلق.
ارتياح.. ولكن
من ناحية أخرى أحدث التغيير الوزاري الأخير –تغيير وزير الداخلية– حالة من الارتياح بين عامة المواطنين الذين يأملون في أوضاع أمنية أكثر استقرارًا، وعبر عدد من الكتاب والسياسيين الذين اتصلت بهم المجتمع عن أملهم في صياغة سياسة أمنية جديدة، تعتمد أسلوب الحوار مع الآخرين بدلًا من الضرب في «سويداء القلب»، وأكدوا أن تغيير الوزير لا يؤثر كثيرًا، بل قد لا يفيد إذا استمرت السياسية الأمنية على ما هي عليه.
وأشار آخرون إلى عدم تفاؤلهم تجاه إمكانية تعديل السلطة لسياستها الأمنية، خصوصًا بعد التصريحات الحادة التي أعلنها رئيس الوزراء وكأنه كان يعبر عن رفض السلطة لما أقدم عليه وزير الداخلية السابق من الحوار مع العلماء الذين يقومون بالوساطة لتهدئة الأوضاع.
أما الوزير الجديد، هو الوزير الثالث الذي يأتي مباشرة من منصب محافظ أسيوط إلى وزارة الداخلية، والمعروف عنه أنه شارك في كشف قضية عبد الخالق المحجوب –شقيق رفعت المحجوب– وذلك عندما كان في المباحث الجنائية، وأنه حصل على دبلوم العلوم الجنائية من أمريكا وهو من مواليد 1936 ولم يعمل في مباحث أمن الدولة قبل ذلك.. فهل ينجح الوزير الجديد فيما فشل فيه الوزير السابق، أم أن الوجوه فقط تتغير ولكن السياسة ثابتة؟!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل