; معالم على الطريق أطفال من أجل الحرية«٢» | مجلة المجتمع

العنوان معالم على الطريق أطفال من أجل الحرية«٢»

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-2021

مشاهدات 11

نشر في العدد 2152

نشر في الصفحة 39

الاثنين 01-فبراير-2021

أطفال ولكنهم أبطال، صغار ولكنهم عمالقة، نعم نشأوا في زمن الهزيمة، وولدوا في أيام نحسات، و درجوا على أرض موات في الإحساس، وسط فقدان النخوة، ليرضعوا لبان مجتمعات لا تعرف الصدق، ولا الصراحة، وتحوطهم العلل والأمراض الاجتماعية والنفسية والحضارية المتجذرة في الذات، وتسيطر عليها سحائب الفساد والغش والتزوير، وفقدان العدالة، وتظللها ثقافة الكذب والبهتان والنفاق واللامبالاة، كل هذا وغيره وسط دخان كثيف من الانهزام النفسي والحربي والإداري، جعل طبائع الناس كالجرذان والحشرات السامة والهوام، في جسد واهن تمتص دماءه أشباح متربصة.

ولهذا كله استنسر البغاث في أرضنا، وتعملقت الأقزام في ديارنا، وأخذ شذاذ الأفاق في استعمارنا واستذلالنا ونهب مواردنا وخيراتنا، وقد نتساءل: من الذي يسقي هذه الأجيال السم الزعاف، ويقضي على قواهم الحيوية والعقلية والثقافية؟ من الذي يدمر هذا النبت الأخضر الناضر، ويدوس هذه الزهور المتفتحة؟ إنهم أعداؤها بلا شك، وأعداء الإنسانية بالتأكيد، سواء كانوا من بني جلدتنا أو من غيرهم ولكن ظلم ذوي القربى أبأس وأشد،

وصدق القائل:

وظلم ذوي القربي أشد مضاضة 

                 على المرء من وقع الحسام المهند 

وقد يتبادر إلى النفس سؤال آخر: من الذي حفظ هذه الورود الفواحة، والرياحين النفاذة من التلوث؟ ومن الذي أخرج كما يقول المثل البلدي: «من الفسيخ شربات»؟ إنها التربية الإيمانية التي أخرجت النور من الظلمات، وأنبتت من الجاهلية خير أمة أخرجت للناس، ومن الفوضى عدالة لم يعرفها التاريخ، ومن الذلة عفة وكرامة وإباءٌ.

 إنها التربية الحانية التي لمست شغاف القلوب، إنه الحضن الدافئ، والشعور النبيل الذي تفتحت عليه الأعين، ودرج عليه الصغار، وبزغت منه المواهب، وانبثقت منه النفس المستقرة، وتفجرت منه الأحاسيس الجميلة، والشعور النبيل، ولهذا تلحظ وأنت تسمع هذه النفوس الغضة، والأرواح الوردية، وهي تعبر عن آلامها وأتراحها، وعن سرورها وسعادتها، كان حقائق الأشياء تتكلم، وطيور الجنان تغرد وتفرخ، أو تلتاع وتحزن، فتخرج الكلمات نسمات، والألفاظ معبرات منيرات، وقد أنصتُ إلى شكوى ملتاعة من بلبلة من هذه البلابل الحزينة تندد بظلم وقع على أبيها، وجور وقع على أسرتها، وهمجية حلت بساحتهم، فبدلت أفراحهم أتراحًا، وسرورهم أحزانًا، بعد أن خطفت خفافيش الظلام والدها من بينهم وهي في قمة سعادتها به، وفرحتها بتنفيذ ما قد وعدها به من ترويح حلال عن النفس بعد الجهد والنجاح الذي نالته، فنسمعها تقول في أسى:

 بابا وعدني وقالي يا بنتي

                  يوم تنجحي حانروح البحر

نعمل رحلة وجمعة ولّمة

                 فرحة ما مرت طول العمر

رحنا يا بابا، يارتنا مرحنا

                           رحنا يا بابا، وما روحنا

بالفرقة اتختمت أفراحنا

                      والبحر اتـلون بجراحنا

رحنا وكنا سوا ماشيين

                         نسبح نلعب فرحانين

داس بسلاحه على القوانين

                            وعلى الأطفال والمدنيين

سابني ودمعي يملأ العين

                          أصرخ أنادي بابا فين؟

رد يا بابا علي وقول

                      مش معقول هتنام على طول

مش معقول هتُفتنى وترحل

                     وتسيبني لدمعي المذهول

رد يا بابا، رد يا عالم رد

وطبيعي لم يرد بابا لأنه قد قتل بيد الغدر والخيانة، بغير ذنب ولا جريرة، ولا فساد أو جريمة، إلا لأنه أطهر من المزن وأنقى من المطر وأنصع من البرَد، ولأنه يحب بلده، ويعشق كرامة أمته وعزتها، وينهد إلى تربية جيل صادق فتي، وشباب واعد أبي، يكون ذخرًا لأمتهم، ومددًا لربان إسلامهم وثقافتهم، ولأنه وقع في أرض سبخة لا تحفظ ماء ولا تنبت زرعًا، وعاش في وسط ذئاب نهمة مفترسة تمزق أجساد من سالمها وأبدان من وادعها، وثعالب ماكرة لا عهد لها ولا ذمة، ولا شرف لها أو كرامة، تهادن لتخدع وتستعد، وتتحدث لتضلل ثم تنقض، على كل شيء حتى المعاني الجميلة والأخلاق النبيلة والقلوب الرحيمة.

ولم يرد العالم، لأنه يتربص بالمسلمين ويحرض عليهم ويخشى من الطهر الذي يحملون، والعزة التي يريدون، والعدالة التي بها يحلمون، والحق الذي عنه يدافعون الحق، الذي سيزهق الباطل ويطلع الفجر وصدق الله: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء:٨١).

ولما سكت الجميع نطق الصبية وتكلم الفتية، وصاح فرسان الغد وطلائع المستقبل الواعد، ليسمعوا العالم ويُشهدوا الدنيا، على الظلم والطغيان والوحشية، ويطلعوا المعمورة على الفساد والدكتاتوريات والكذب والبهتان، وليستعد المؤمنون لجولة آتية لامحالة وواقعة بلا شك، بين الباطل المهزوم، والحق المنتصر، ويبشر بحقبة يفرح المؤمنون فيها بنصر الله، ويرددون قول الشاكرين

الحامدين: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾(فاطر:٣٤)، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ﴾ (الأعراف:٤٣)، ويُروا الجميع الطريق المستقيم بلا غبش أو قتام، حتى يعقل الناس الهدى من الضلال: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (الملك:22)، عندها يعلم الحقيقة مُرتعدو الَفرائص، الناكصون عن الهدى، القائلون كما قال أضرابهم واخوانهم من قبل: ﴿وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ

(القصص: ٥٧)، وأن الذين لم يكتموا الهدى أو يتخذلوا عن الحق هم الفائزون، وهم أصحاب الجائزة الذين يسمعون قول الحق سبحانه: ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ (المؤمنون:١١١) وبعد: سلام عليكم أيها الفتية والله معكم ولن يتركم أعمالكم.... 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 29

27

الثلاثاء 29-سبتمبر-1970

نشر في العدد 236

82

الثلاثاء 11-فبراير-1975