; اتحاد الزلازل والكوارث يتحدث | مجلة المجتمع

العنوان اتحاد الزلازل والكوارث يتحدث

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1992

مشاهدات 20

نشر في العدد 1022

نشر في الصفحة 37

الثلاثاء 27-أكتوبر-1992

تتعرض الأمة في هذا العصر لزلازل كثيرة وكوارث عظيمة تتحدث عن نفسها.. زلازل صناعية وزلازل ربانية، وكوارث بشرية، وكوارث طبيعية، وكأنها تحالفت أو تعاونت على تلك الأمة، أو كأنها قد استوطنت وأقامت ورتعت في جسدها، ثم ما لبثت أن أصدرت البيانات وقامت بالتصريحات تلو الأخرى محذرة من كثير من التجاوزات (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) (إبراهيم:52) (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ) (القمر:36)، فلا مجيب (وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101)، ثم تجاوزتها إلى الأفعال والأعمال والعقوبات والروادع حتى وقعت الواقعة ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ. فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (القمر:38-39) و﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ. لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾ (النجم:58-59).

والزلازل لها حديث في الدنيا والآخرة، والكوارث لها صوت داوٍ في الحياة والمجتمع، قد يفقه الإنسان هذا الحديث مبكرًا فيرعوي، وقد لا يفقهه إلا بعد أن يترنح وتتأرجح الأرض من تحت أقدامه، وتهتز وتمور ويصاب بالهلع والذعر ويحل به الهلاك والدمار.. كرب نزل بغتة لا يعرف سره، فهو مشدوه مأخوذ لا يكاد يلتقط أنفاسه أو يستجمع قواه أو يلملم فكره، فهو يتساءل بغير ضبط للكلمات أو معرفة للدلالات: ما هذا؟! ما هذا؟! فتحدثه الزلازل بلسان الصدق ولا تخدعه أو تضلله.. يصور ذلك القرآن فيقول: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا. وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا. وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا. يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (الزلزلة:1-4) تحدث الأفراد والأمم بالأعمال والأفعال بعد أن فقدت الكلمات تأثيرها، والألفاظ معانيها (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (الحاقة:12) حدثت الكوارث والزلازل لكثير من الأمم حدثت لقوم عاد وثمود ولوط ونوح، وستحدث إلى يوم القيامة لكثير من الأمم التي أوقعت بأنفسها فوقع بها ما وقع ﴿أَوَلَمَّا أَصَبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ (آل عمران:165).

ولنستعرض بعضًا من زلازل وكوارث تلك الأمة وهي كثيرة جدًا صناعة عربية وأجنبية وربانية:

1- زلزال الغزو العراقي، الذي شغل الأمة ودمر منها ما دمر، كم روّع من أناس، وشرد من أسر، وقتل من أشخاص وهدر من دماء، ودمر من بيوت ومنشآت، وأهدر من أموال وموارد، وقطع من أوصال، وبذر من عداوات، وبدد من أفكار، وألهى عن قضايا مصيرية، وفتح من أبواب شر على الأمة، وأضاع من ثقة، وأحيا من نعرات، وأثار من فتن.

2- زلازل الدكتاتوريات وحكم العسكر الذين أضاعوا الأمة، وكتموا أنفاسها وخنقوا الأمان فيها، وسجنوا الفكر وبددوا العقل وأهدروا الطاقات، وسربوا الأموال، وجلبوا المذاهب والصراعات الفكرية، علها تضفي عليهم شيئًا من الشرعية، أو بعضًا من الهالات الكذاب، كم دمرت هذه الزلازل وقتلت وبددت وأهدرت من قوى الشعب وقوته ومقومات حياته وتركته أشباحًا.

3- زلازل الاضطهاد: اضطهاد المسلمين في كل مكان حتى في ديارهم، فليس هناك مسلم على وجه الأرض إلا وهو مضطهد، اضطهاد المسلمين ومذابحهم في البوسنة والهرسك، هل عرف لها العصر مثيلًا، اضطهاد المسلمين في فلسطين، اضطهاد المسلمين في الهند، في كشمير، في الفلبين، في المعمورة كلها، اضطهاد التوجه الإسلامي والقائمين عليه في البلاد الإسلامية إلا من رحم ربك، ومطاردتهم، وسماع وتنفيذ مخططات الأعداء فيهم ومحاكماتهم وسجنهم وإعدامهم إذا لزم الأمر.

4- زلزال المجاعات التي تقتل كل يوم بالآلاف بدون رحمة أو شفقة إلا من لعاعات يتصدق بها المحسنون أو أصحاب المهن وطلاب الدعاية.

5- زلازل الهزات الأرضية والتصحر: وهل هي تمثل رسائل ربانية إلى هذه الشعوب التي فقدت مقوماتها ونسيت منهجها وقتلت مواهبها، واستشرى فيها الظلم والبغي والعدوان؟ هل هي رسائل إلى الشعوب الخانعة والشياطين الخرس الذين قتلوا في أنفسهم معاني الإنسانية والكرامة والعزة، فأماتوا أنفسهم وهم أحياء؟ فقال لهم الله موتوا حقيقة أو حكمًا حتى تعرفوا معنى الحياة بالعزائم والهمم والرسالة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال:24).

وبعد فهل سمعنا حديث الزلازل أم ما زلنا بعد لم نسمع شيئًا؟!

الرابط المختصر :