العنوان "المجتمع" تحاور الداعية زينب الغزالي
الكاتب بدر محمد بدر
تاريخ النشر الأحد 12-يناير-1992
مشاهدات 30
نشر في العدد 984
نشر في الصفحة 12
الأحد 12-يناير-1992
هذا الشهر تدخل الداعية المجاهدة زينب الغزالي عامها السادس والسبعين،
وبالرغم من تقدم السن إلا أن الحماسة والقوة والقدرة على التحدي مازالت- لمن
يعرفها- كما هي بعقليتها المتفتحة، ولو كنت معي أخي القارئ أثناء تسجيل هذا الحوار
لبهرتك قوة العزيمة وروح الشباب وصدق اليقين.
وهكذا زينب الغزالي دائما التقت بها «المجتمع» في هذا الحوار الذي
طافت به في قضايا كثيرة في بيتها في ضاحية مصر الجديدة بالقاهرة، وهذا نص الحوار:
المجتمع: بداية ما هي أخر
أخباركم الصحية والدعوية؟ ولماذا لم يصدر تفسيركم للقرآن الكريم حتى الآن؟
الحمد لله، الصحة بالنسبة للسن طيبة ونشكره سبحانه ونرجوه أن يديمها
وأن يعفو عنا ويغفر لنا خطايانا ويتقبلنا مع الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا
على قدر إمكاناتهم البشرية الضعيفة؛ فالإنسان يعجز عن أن يذكر الله سبحانه على
نعمه التي تحيط به، والحمد لله مازالت غيرتي على الإسلام كما كانت وأنا في سن
الشباب المبكرة عندما أسست المركز العام لجماعة السيدات المسلمات عام 1937 وسني
حين ذاك 20 عاما. أما عن التفسير فقد فرغت منه منذ سنوات ولكن دار النشر هي التي
مازالت تعطل الطبع، وقد وعدتني أن يصدر الجزء الأول في رمضان القادم وأرجو ذلك.
المجتمع: هل مازالت داعيتنا
الكبيرة تمارس نشاطها الدعوي بين الأخوات المسلمات في مصر؟ وما رأيك في المرأة
المصرية عموما والملتزمات على وجه الخصوص؟
- أدعو
سبحانه أن ألقاه وأنا لا أزال في نشاطي الدعوي وفي غضبتي الشديدة لغيبة الإسلام عن
مجتمعاته، تحكم به وتتخذه مظلة لكل حياتها العامة والخاصة.
أما عن المرأة المصرية فلا أحب أن يكون السؤال هكذا، ولكني أحب أن
أسأل عن رأيي في المسلمات في مصر؛ فالحمد لله أراهن يتقدمن بخطى واسعة عاقلة متزنة،
فقد زارني في الشهر الماضي ما يقرب من 60 طالبة جامعية من محافظة الشرقية وفرحت
بهن كأبنائي، وأنا أحب أبنائي في الدعوة حبًّا لا أستطيع أن أصفه، لأن اللبنة من
أبنائي في الدعوة إنما هي أمل جديد وميلاد جديد لنجاح الدعوة الإسلامية.
المجتمع: على الساحة الإسلامية
كان زلزال الغزو العراقي للكويت.. كيف كنت تنظرين إلى هذه الأزمة وهل عبرت عن ذلك؟
- كنت أنظر
إلى هذه الأزمة بقلب جريح جرحه أليم، وكنت أفكر بعمق وأقول لنفسي: والله إن
المستعمر المستتر هو الذي أقام ذلك العداء بين بلدين إسلاميين عربيين.. فقد استدرك
حاكم العراق الغاشم ليضرب بسلاح قاس مظلم في صدر أخيه وشقيقه في أرض الكويت
الإسلامية الحبيبة الغالية على بلاد المسلمين المستضعفة في إفريقيا، العاملة
المجدة في حقل المجاهدين في أفغانستان.
وكانت وقفة مظلمة قاسية جارحة قاطعة للأرحام من حاكم العراق، ورحم
المسلمين إنما هو كلمة التوحيد.. فما أقسى اليد التي تمتد إلى هذا الرحم المقدس
لتجرحه أو تخدشه أو تقتله.. والجراح كانت غائرة، ولكن علاجها سهل إن شاء الله إن
اتحدت كلمة الموحدين.. إن اتحدت أعلام المسلمين تحت علم واحد علم لا إله إلا الله
وحده لا شريك له محمد عبده ورسوله.
وقد ألقيت محاضرة في مصر بدعوة من الهيئة الإسلامية العالمية للتضامن
مع الكويت، وقلت فيها رأيي بصراحة وأدنت فيها حاكم العراق الذي اعتدى على عرض
المسلمين في كل أنحاء العالم الإسلامي، كما كانت لي العديد من الكتابات والتصريحات
الصحفية حول نفس الموضوع.
الذين صدقوا الخدعة
المجتمع: الشعوب العربية حدث
بينها اختلاف كبير في رد الفعل تجاه الأزمة كيف تفسرين ذلك؟ ولماذا كان الخلاف بين
رؤى الحركات الإسلامية حول الأزمة؟
- أزمة
الكويت مع العراق كانت مملوءة بالحساسية بالرفاهية في الحساسية، ادعى حاكم العراق
أنه يريد أن يحكم بالإسلام وهو كاذب وهو منافق؛ فالمشتاقون المتطلعون لغاية لا إله
إلا الله صدقوا هذه الخدعة فمنهم من عاونه، ولكن الحمد لله.. لقد كانت مسيرة
مظلمة.. يوم اجتاح العراق الكويت ويوم ارتفع السيف في وجه الأشقاء.
|
أزمة الخليج درس قاس وعندما يكون الدرس قاسيا يستيقظ
المتلقون له. |
المجتمع: ولماذا كان الخلاف في
رؤى الحركات الإسلامية؟
- العالم
الإسلامي يعيش شوقًا شديدًا يأخذ بالقلوب والأرواح والمشاعر.. شوق شديد إلى عودة
الإسلام حاكما وآمرًا وناهيًا ومربيًّا ومرشدًا وعادلًا في العالمين، وبذلك الشوق
الغالي الحبيب خدع بعض المخلصين في موقف صدام ونسوا أنه مؤسس حزب البعث الكافر
الملحد المشرك الذي أسسه ميشيل عفلق.. نسوا ذلك، ولكني أعتقد أنهم راجعوا أنفسهم
وعادوا لاعتقاداتهم السليمة القادرة على التمييز.
المجتمع: هل تعتقدين أن الخلاف
الذي نشأ بين الحركات الإسلامية أثناء الأزمة يعني أنها مازالت غير قادرة على
قيادة شعوبها نحو الإسلام الصحيح؟
- العصمة لله سبحانه تبارك وتعالى وحده ثم
تمنح منه سبحانه لأنبيائه ورسله فقط، والمجتهدون الآن في خدمة الدعوة الإسلامية
ليعيدوا إلى المسلمين قيادتهم الفاعلة يعيشون شوقًا مشتعلا للعودة.. عودة الشعوب
والحكام والأمة إلى ربها وكتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وفي أمواج أنوار
هذه الأشواق يخطئون ويصيبون.. الشوق يدنيهم من العدل، وأخرى يدنيهم من الخطأ، ولكن
سترسو مسيرتهم وسترسو سفنهم على بر السلام والأمان إن شاء الله.
المجتمع: بعد انتهاء حرب الخليج
مازالت هناك حساسيات، بل عداوات بين الشعوب العربية والإسلامية كيف يمكن علاج هذه
المشكلة؟
- علاج هذه
المشكلة صعب، ولكن عندما تتداخل كلمة لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبده
ورسوله، ويستظل المسلمون بأنوارها ويتنازل أصحابها عن ذاتيتهم وعن الغضب للذات أو
للأرض، يمكن أن نتحد مرة أخرى وأن نصلح فيما بيننا، وأن نزيل ما وقع بسبب هذه
الحرب التي جاءت لا لحسابنا نحن معاشر المسلمين، ولكن لحساب المتربص بنا لينتقل
بنا من دائرة الوحدة والتوحيد إلى دائرة التشتت والانقسام.
درس قاس
المجتمع: هل تعتقدين أن الصورة
الإسلامية ازدادت قوة أم أنها تراجعت بعد أزمه الخليج؟
- أزمة
الخليج درس قاس، وعندما يكون الدرس قاسيًا يستيقظ المتلقون له، فنحن معاشر
المسلمين يجب أن تبعث فينا يقظة جديدة بهذا الدرس القاسي الذي فرّق بين الأخ
وأخيه، يجب أن نأخذ العبرة من هذه الأزمة لبناء جديد للنهضة الإسلامية والوحدة
الإسلامية والتكتل الإسلامي لأن الذي غرر بنا كان غير دارس للإسلام.
المجتمع: ما هي رؤيتك لانتصار
الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر مؤخرًا وبما تنصحينها؟
- فرحتي
بهذا النجاح شديدة جدًّا ومتدفقة من قلبي، ولكن أخشى على هذا الانتصار إن لم يتعقل
أصحابه ويرتدوا ثوب البحث والتدقيق فيما عليهم من الواجبات التي أخشى عليهم من
الاغترار بالنصر.. أخشى عليهم أن يتهوروا لأنهم انتصروا.. فالإسلام كتاب وسنة
وتراث ضخم يجب أن يدرس وأن يصل إلى عمق وعينا.. الإسلام لا يملك بالعشوائية
والتطرف.. ولكن يملك بالعقل والتدبر.. بإحسان النظر في الكتاب والسنة..
أخشى ما أخشاه على النجاح الذي منّ به الله على المسلمين في الجزائر
أن يتسرعوا أو أن ينقسموا أو أن ينقلبوا على إخوان لهم يشاركونهم المسيرة.
المجتمع: ما هي رؤيتكم
للانتفاضة الفلسطينية وهي تدخل شهرها الخمسين؟
- أعتقد أن
الفلسطينيين وهم إخواننا في أرض القدس لم يجدّوا في العمل للتحرير إلا عندما تأسست
حركه المقاومة الإسلامية (حماس)؛ لأنها هي الحركة التي درست كتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم وقامت بهذه الحقيقة تجاهد. أما العلمانية التي قادت من سنة
1948 فقد خسئت؛ لأن الإسلام وحده هو الذي سوف يعيد فلسطين ويوم يكون هذا الاعتقاد
هو اعتقاد كل الجبهات الفلسطينية العاملة سيكون النصر حتما إن شاء الله.
|
بعد
57 عاما أمارس فيها الدعوة إلى الله لا أنام إلا وأنا في شوق إلى انتصار كلمة لا
إله إلا الله ولا أستيقظ إلا عليها. |
المجتمع: ما هي رؤيتكم لمؤتمر
السلام في مدريد وما يمكن أن يسفر عنه لصالح القضية الفلسطينية أو لصالح المسلمين
بشكل عام؟
- مؤتمر
مدريد هو امتداد للعبة الغرب.. هو مؤتمر أنتجته حرب الخليج فيا ليت المسلمين
يكونون فيه (المسلمون) بأل للتعريف.. فلتكن لهم خطوة يخلصون بها أرض فلسطين من
أنياب اليهودية.
المجتمع: ما هي انطباعاتكم عن
الجهاد الأفغاني حاليا وماذا تقولين للمجاهدين هناك؟
- أقول المجاهدين أبنائي من الرجال الأقوياء
في عقيدتهم ومسيرتهم ونظرتهم، الرجال الكبار بصدق دراستهم بكتابهم وسنة نبيهم محمد
صلى الله عليه وسلم.. الرجال الذين نراهم شموعا تهدي وكواكب تنير في هذه الأيام
التي أنكرت على الحق مسيرته أقول لهم: اصمدوا واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا
الله.. إنكم واصلون بإذن الله.. وأقول بقلبي وروحي ودمي وعظامي وحسي كله: وحدوا
صفكم.. وحدوا رايتكم.. ليتنازل بعضكم لبعض حتى تتوحد الراية؛ فما ضاعت راية
المسلمين إلا بانقسام الكلمة وضياع المسيرة الواحدة.
لابد من اليقظة
المجتمع: كيف تنظرين إلى موقع
المسلمين الآن في ظل النظام الدولي الجديد الذي تنفرد فيه أمريكا بقياده العالم؟
- النظام
الدولي الجديد إن لم يوقظ المسلمين من غفلتهم ويوقظهم من هذا الرقاد المريض المميت
لضمائرهم وقلوبهم، إن لم يسارعوا ليكونوا القوة الأولى وهم يستطيعون بوحدة الكلمة
ووحدة الأرض ووحدة المال.. إن لم يوحدوا الراية ويوحدوا الأرض فلن يعيشوا في هذا
النظام الجديد.. إن الأرض لله وعد بها الذين صدقوا في توحيده فعبدوه ولم يشركوا به
شيئا ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾
(النور: 55).
المجتمع: كيف تنظرين إلى
الشخصية الكويتية وبم تنصحينها بعد التحرير؟
- أقول لها
في شخوص أبنائي في الكويت وبناتي كذلك، وأنا لا أناديهم بالكويتيين، ولكن أناديهم
بالمسلمين الموحدين الساكنين أرض الكويت.. أقول لهم: وحدوا صفوفكم حول كلمة لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وادرسوا انهيار النظام الشيوعي بعد 70 عاما في لحظة قد
فاقت دنياهم وباطلهم وظلمهم وجبروتهم.. وليس للغرب امتياز ينجيهم مما وقع فيه أهل
روسيا الذين ظنوا أنهم آلهة يحكمون الأرض ويسيرون أمرها فكيف كانت النهاية.. أقول
لأبنائي في الكويت: اعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.. راجعوا ضمائركم مع كتاب
الله وسنة نبيه.. اقرأوا القرآن من جديد.. اقرأوا السنة من جديد.. خذوا من الدنيا،
ولكن بحساب لنصلحها ونقيمها عدلا ينشر العدل في العالمين.
57 عاما
في الدعوة
المجتمع: بعد أكثر من نصف قرن
من العمل الإسلامي بماذا تنصح داعيتنا المباركة الشباب والشابات؟
- يا أبنائي
وبناتي بعد 57 عاما أمارس فيها الدعوة إلى الله لا أنام إلا وأنا في شوق إلى
انتصار كلمه لا إله إلا الله ولا أستيقظ إلا وأنا أتغنى بتلك الكلمات بكل جوارحي
وبكل روحي..
أقول لكم يا أبنائي وبناتي: عيشوا قليلا من وقتكم مع كتاب الله وسنة
رسوله! ادرسوا لماذا نزعت الراية من أيدينا وملكها الكافرون.. ولماذا نسير الآن
تحت رايات غير رايتنا ونرفع أعلاما غير أعلامنا..
إن رايتنا في صحائف كتابنا في قوله سبحانه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا
رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة:2).. فهل نعود إلى أمجادنا القديمة
يوم كان عمر بن الخطاب ينام على قالب من طين فيقف فوق رأسه مبعوث الفرس فيقول حكمت
فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.. هل نعود إلى ديننا فتنتهي أعلام الغرب كما انتهت أعلام
الشرق الملحد وتنتقل الراية إلى أيدي المسلمين الموحدين.. أرجو ذلك.
جزى الله داعيتنا الكريمة كل خير وتقبل الله منا ومنها،
وإلى لقاء قادم إن شاء الله، بارك الله فيكم وجعلنا عونًا على الحق دائما.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل