العنوان الحوار في الإسلام.. حتى مع الأبالسة!
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر السبت 16-يونيو-2007
مشاهدات 8
نشر في العدد 1756
نشر في الصفحة 43
السبت 16-يونيو-2007
الحوار هو لغة العقل، ووسيلة إلى إظهار الحق، وإلقاء الضوء على ما اختلف فيه من القضايا، كما أنه لغة الحضارة الإنسانية، ومظهر للبيان الآدمي الذي يفرق بين الإنسان والحيوان، وبين العالم وغيره، وصاحب الحجة والدليل وبين من يدعيه، والحوار مغالبة العقول بالبينات، كما أنه يتعارض كلية مع الإجبار والإكراه على الأفكار والمبادئ والعقائد والديانات.
وهو بعد ذلك فتح لآفاق البحث والعلم والتقدم والريادة، واحترام لإرادة الإنسان وقناعاته، والحوار أصل إسلامي عميق ومنهج قرآني أصيل، أشار إليه الكتاب العزيز في مواطن عدة، وبين أطراف ذات مراتب متساوية أو متباينة المقاصد والأغراض:
1- فحوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة الكرام في خلق الإنسان مدون ومسطور في كتابه العزيز في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 30).
2- وحول حوار الله تبارك وتعالى لإبليس في قضية السجود لآدم عليه السلام، قال تعالى: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ (الأعراف: 12).
﴿قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ (الحجر: 33).
﴿قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٞ (34) وَإِنَّ عَلَيۡكَ ٱللَّعۡنَةَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ (37) إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ﴾ (الحجر: 34 – 39).
عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: إن الله لما لعن إبليس سأله النظرة «أي الإنظار والإمهال»، فقال: وعزتك لا أخرج من صدر عبدك حتى تخرج نفسه، فقال الله: وعزتي لا أحجب توبتي عن عبدي حتى تخرج نفسه.
يؤخذ من ذلك أن الحوار في الأمور شيء مقرر في الأزل، فلا فرق فيه بين قوي وضعيف، ولا بين صاحب مكانة وغيره، ولا بين رئيس ومرؤوس؛ بدليل محاورة رب العزة والجلال لإبليس اللعين.
وبعد توقف المحاورة التي اتسمت بعدم الإجبار، واقتصرت على الخروج من الجنة وغضبه سبحانه عليه، دخل إبليس في حوار آخر، أجابه الله إليه وسمع منه، وهو طلبه للإنظار إلى يوم البعث والنشور، حتى يفعل ما يريد، فأجيب إلى ذلك، وبعد هذا التفضل العظيم، أعلن معاندة الله بأنه سيغوي عباده ويفسدهم، مستعملًا ما منحه الله إياه من خاصية التأثير والتلبيس على الناس، وبذر الشرور والإضلال، فتركه الله وما يريد إلى يوم البعث، وتولى الله سبحانه التحذير من الشيطان ومن أتباعه وعبادته فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ (النور: 21).
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ (فاطر: 6)
﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ (يس: 60).
ورغم هذا، فإن الله سبحانه عصم عباده المؤمنين: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ (الحجر: ٢)، وغفر سبحانه للتائبين ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (الأعراف: 153)، وترك الشيطان حُرًّا طليقًا لإرادته ذلك بسعة حلم من الله ووعده وإمهاله.
3- وأيضًا حوار الله سبحانه مع بني إسرائيل في قضية الإفساد في الأرض، وكيف أن جبلتهم المعوجة تتبدل وتنقلب فلا تنصت لإرشاد أو نصح، ولا تسمع لحق ولا تتجنب ضلالًا، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ (11) أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ (14)﴾ (البقرة: 11 – 14).
وكان حوار الله سبحانه مع بني إسرائيل حوار هداية وإرشاد للصواب، وطلبًا للرجوع عن الفساد الذي جبلوا عليه، واختاروه لأنفسهم أسلوب حياة، ولكن طبيعة الشر قد تمكنت من نفوسهم وصارت لهم جبلة وعادة، فقدوا معها الإحساس وعدم التفريق بين الصواب والخطأ. وأكثر من ذلك أصبح المعروف عندهم منكرًا، والمنكر معروفًا، ومع هذا حاورهم القرآن وبيَّن لهم، ولم يجبرهم أو يمتنع عن مراجعتهم، وردهم إلى الصواب بالتي هي أحسن مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (العنكبوت: 46).
ومما لا يُصدق اليوم أن يتطلع المسلمون إلى الحوار فلا يستطيعوه؛ سواء كانوا فرادى أو جماعات، حتى تكلم العدو قبل الصديق عن هذه الظاهرة. وقد نشرت جريدة «بوسطن جلوب» الأحد ٢٥ مارس مقالًا بعنوان: «اسمعوا صوت الإخوان المسلمين»، وصورت الصحيفة الجماعة كفئة إصلاحية تهدف إلى إصلاح مجتمعها.
وتكلمت عن ذلك جريدة «وول ستريت» محتجة على محاولة تحجيم نشاط الجماعة قائلة: لقد أصبحت جماعة الإخوان المسلمين قوة إصلاحية لافتة للانتباه لها شعبيتها الكاسحة ثم انتقدت سياسة الرئيس المصري بسبب ممارسته القمعية للجماعة قائلة: كيف يحق لأي فرعون عصري أن يحرم الناس من إبداء رأيهم، والاجتماع على ممارسة حقوقهم السياسية، مخالفًا بذلك كل الأعراف والحقوق الإنسانية..
وبعد.. فهل تستطيع الشعوب المسلمة -التي تقدس ديانتها الحوار حتى مع الأبالسة أن - تتمتع بلغة الإنسانية، وتهنأ بنسمات الحرية؟! وهذا سيكون خيرًا للجميع وسلامًا للمجتمع وأمنًا للبشرية؟! نسأل الله ذلك.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل