العنوان معاناة الروهينجيا وقانون الجنسية الميانمارية.. في نظر القانون الدولي
الكاتب عبدالرحيم أبو طاهر
تاريخ النشر الأحد 01-مارس-2015
مشاهدات 16
نشر في العدد 2081
نشر في الصفحة 46
الأحد 01-مارس-2015
هناك 40 ألف طفل روهينجي مسجل باسم "القائمة السوداء" بتهمة أن آباءهم لم يحصلوا على التصريح الرسمي عند الزواج فأصبح هؤلاء الأطفال عديمي الجنسية حيث تستخدمهم قوات الأمن قهرًا للعمل في معسكرات الجيش
الدولة لا تعترف بالروهينجيا في حين أنه تم انتخاب 5 أعضاء ببرلمان عام 2010م
دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة الحكومة الميانمارية إلى إلغاء متطلباتها للحصول على الجنسية بالطريقة التي لها آثار تمييزية على الأقليات العرقية أو الإثنية
في عام 1982م أصدرت الحكومة العسكرية قانونًا جديدًا للمواطنة المعروف بـ"قانون 1982م"، وبهذا القانون الأسود تم إلغاء الجنسية لمسلمي الروهينجيا، ومنعهم من جميع الحقوق الإنسانية والحريات الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها.. وحسب القانون العنصري، فقد جاء في الفصل الأول المادة رقم (2) صنفت الحكومة الميانمارية سكانها إلى 4 أقسام، المواطن الكامل، المواطن المشارك، المواطن المتجنس، الأجانب، ولم يجعلوا شعب الروهينجيا في أي صنف من هذه الأصناف المذكورة، وهذا القانون ينفي بشكل فعال حق الروهينجيا وإمكانية الحصول على الجنسية.
وأصدرت الحكومة العسكرية العنصرية بطاقة مؤقتة المعروفة بـ"البطاقة البيضاء"؛ بدعوى أنهم أجانب دخلاء على المجتمع البورمي، على الرغم من أن التاريخ يشهد على وجود شعب الروهينجيا في ميانمار منذ القرن الثامن الميلادي، وكانت لهم دولة وجنسية، ويتمتعون بجميع الحريات، وأعلن رئيس الوزراء الميانماري السابق "يو نو" عبر الإذاعة الميانمارية بتاريخ 25 سبتمبر عام 1954م بأن الشعب الروهينجي من "العرقيات الأصلية" في ميانمار (فهذا كان قرار مجلس الوزراء، ولم يُلغَ هذا القرار حتى الآن)، وكان المسلمون الروهينجيا معترفًا بهم لدى جميع الحكومات الميانمارية المنتَخَبة كجماعة عرقية أصلية على قدم المساواة في جميع النواحي مع القوميات والعرقيات الأخرى مثل شان، والذقن، وكاشين، وكارين، وراخين وغيرها.
وكما هو مذكور في موسوعة "بريتانيكا" (المجلد 9 برقم 4) بأن "الروهينجيا جماعة عرقية أصلية في بورما"، وكانت الإذاعة الميانمارية الحكومية (BBS) تبث البرامج باللغة الروهينجية بانتظام من تاريخ 15 مايو 1961 إلى 1964م، كما أن الروهينجيين شاركوا في جميع الانتخابات الوطنية من عام 1951م حتى الآن، وانتخبوا كنواب وأعضاء برلمان، وكان منهم أمناء البرلمان والوزراء، ومنهم نواب عبدالغفار، نواب أبو البشر، ونواب سلطان أحمد، ونواب أبو الخير، ونواب أظهر مياه، ونواب سبحان، ونواب أبو الحسين، ونواب د.عبدالرحيم (هؤلاء سياسيون روهينجيون انتخبوا كنواب برلمان من عام 1951 إلى 1978م)، كما تم انتخاب حوالي 5 أعضاء ببرلمان عام 2010م، ومنهم "عبدالرزاق" المعروف بــ"شوي مونج"، و"ظهير أحمد" المعروف بـ"يو أونج زاوين"، وزياد الرحمن المعروف بـ"يو تاي وين"، و"جهانجير"، و"د. بشير", والشيء العجيب أن جميعهم ينتمون إلى الحزب الحاكم الذي يرفض حق الروهينجيا.
قانون عنصري
وجاء في الفصل الثاني المادة رقم (22) من قانون الجنسية عام 1982م: "الأشخاص الذين تم سحب منهم جنسيتهم فهم غير مؤهلين لتقديم الطلب للحصول على الجنسية"، كما جاء في الفصل الثاني المادة رقم (4) بأن "الحكومة هي السلطة العليا لتأخذ القرار من هم مواطنو ميانمار أو من العرقية الأصلية".
وقانون الجنسية الصادر عام 1982م ينتهك المبادئ الأساسية للمعايير الدولية للقانون، ويسيء للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويحرم الروهينجيين من الحماية القانونية لحقوقهم، والاضطهاد والتمييز العنصري الذي تمارسه الحكومة الميانمارية ضد مسلمي الروهينجيا يتناقض تناقضًا تامًا للمبادئ الإنسانية، كما يتنافى مع مقاصد الأمم المتحدة، بل وينكر بعض القوانين الأممية الحقوقية، وأهمها:
1- المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أن "لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، وأنه لا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفًا أو إنكار حقه في تغيير جنسيته".
2- وإنه من واجب الحكومات رعاية حقوق الأطفال على النحو المنصوص عليه في المادة (7) من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989م، والتي تنص على أن "يسجل الطفل بعد ولاته فورًا، ويكن له الحق في الحصول على الاسم، والحصول على الجنسية"، وصادقت الحكومة الميانمارية على هذه الاتفاقية في عام 1991م، وهي ملزمة لمنح الجنسية لأطفال الروهينيجا ضمن هذا القانون، كما أن المادة (24) من الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966م أيضًا تنص على أن "لكل طفل حق في اكتساب جنسية"، ولكن قد حرم أطفال الروهينجيين من هذا الحق المعترف، وتم تسجيل أكثر من 40 ألف طفل روهينجي باسم "القائمة السوداء"؛ بتهمة أن آباءهم لم يحصلوا على التصريح الرسمي عند الزواج"، فأصبح هؤلاء الأطفال عديمي الجنسية، محرومين من الرعاية الصحية والغذاء والحصول على التعليم، وتستخدمهم قوات الأمن قهرًا للعمل القسري في معسكرات الجيش؛ مما أدى إلى انتشار الأمية بينهم.
3- المادة رقم (9) من اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEADAW عام 1979م، وجاء في هذا الاتفاق "أن تمنح دول الأعضاء المرأة حقًا مساويًا لحق الرجال في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بجنسيتها، وتقوم دول الأعضاء بمنح حقوق المرأة متساوية مع الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها"، ووقعت الحكومة الميانمارية على هذه الاتفاقية في 22 يوليو 1997م، ولكن تم حرمان نساء وأطفال الروهينجيا من هذه الحقوق المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وأُجبروا على العيش في بيئة عبودية وعديمي الجنسية قهرًا وقصدًا؛ لتصفية هذه الأقلية المسلمة من العالم.
4- المادة (3) من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1965م، والتي تنص على أن "تتعهد دول الأعضاء بحظر والقضاء على التمييز العنصري بجميع أشكاله، ويضمن حق كل إنسان بغض النظر في اختلاف اللون والعرق أو الأصل العرقي أو القومي، فكلهم سواء أمام القانون"، لكن التمييز والاضطهاد اللذين تقوم بهما الحكومة الميانمارية بحق مسلمي الروهينيجا مخالفان لهذا القانون العالمي.
الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية
وقد دعت المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية مرارًا وتكرارًا الحكومة الميانمارية لإلغاء قانون الجنسية عام 1982م، فقد دعت "هيومن راتس ووتش" الحكومة الميانمارية لإلغاء هذا القانون عدة مرات، أو تعديله وفقًا لتوصيات الأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في ميانمار، ودعت لمنح الشعب الروهينجي حق المواطنة الكاملة، كما دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة الحكومة الميانمارية إلى "إلغاء متطلباتها للحصول على الجنسية بالطريقة التي لها آثار تمييزية على الأقليات العرقية أو الإثنية".
وحثت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الحكومة الميانمارية لمراجعة قانون الجنسية، ولكن الحكومة لم تظهر رغبتها في معالجة العقبات القانونية لإنهاء مشكلة الروهينجيين وإعادة حقوقهم المسلوبة.
ومن دورها، اعتمدت لجنة حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار غير ملزم بتوافق الآراء في 21 نوفمبر 2014م للضغط على ميانمار لتغيير نهجها تجاه المسلمين الروهينجيا، إلا أنهم جعلوا القرار "غير ملزم".
الحرمان من التصويت
في حين أن الروهينجيين كانوا محرومين من جميع الحقوق الأساسية باعتبارهم أجانب ودخلاء في المجتمع، لكنهم كانوا يصوتون في جميع الانتخابات الميانمارية من عام 1951 حتى عام 2010م، وهذا أيضًا أمر غير معقول؛ شخص غير مواطن، ولكنه مسموح له بالتصويت في الانتخابات، ولهم نواب في البرلمان!
ومن الغريب أنه عندما أعلن رئيس الدولة "ثين سين" بعد المجزرة عام 2012م بـأن الروهينجيا ليسوا من مواطني ميانمار، ونوقش أمر تصويتهم على الاستفتاء الوطني حول الدستور في البرلمان بتاريخ 4 فبراير 2015م وافق البرلمان بالأغلبية على سماحهم للاستفتاء؛ مما يعني دخول المسلمين الروهينجيين وكل المحرومين من الجنسية في التصويت، ولكن الرهبان البوذيين كانوا ضد هذا القرار البرلماني لعنصريتهم وإرهابهم، فخرجوا في مظاهرات يطالبون فيها الحكومة بالتراجع من القرار البرلماني، وأخيرًا أعلن مكتب الرئيس "ثين سين" (الجنرال السابق) في 12 فبراير الماضي بأن حكومته تراجعت عن القرار، ولن تسمح للروهينجيا بالتصويت على الاستفتاء الوطني للدستور، فبهذا القرار وضعت الحكومة الميانمارية المسمار الأخير في "فصل الإبادة الجماعية بحق الشعب الروهينجي".
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل