; المجتمع الثقافي (1643) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع الثقافي (1643)

الكاتب مبارك عبد الله

تاريخ النشر السبت 19-مارس-2005

مشاهدات 20

نشر في العدد 1643

نشر في الصفحة 48

السبت 19-مارس-2005

  • معرض الكتاب الإسلامي في عامه الثلاثين

ما بين العلم، وهو صورة ذهنية واعدة. وتحققه في الواقع المنظور مسافة لا يمكن قياسها بالوسائل التقليدية القياس وإنما يقاس بآلية أخرى تدفع الصورة الذهنية إلى التموضع في عالم المحسوس وتفسر النقلة الهائلة التي كانت في لحظة من اللحظات القرب إلى المستحيل أو اللامعقول.

إنها «الإرادة» التي تذلل الصعاب وتحول المستحيل من حالته القائمة إلى صور مضيئة من الممكنات. هذه الخواطر أصرت على الحضور في خيالي وأنا أشاهد رئيس مجلس الأمة يفتح الدورة الثلاثين لعرض الكتاب الإسلامي الذي تنظمه سنويا جمعية الإصلاح الاجتماعي والذي أشاد بما في المعرض من كتب قيمة تفيد الصغير والكبير وتتيح للجميع المعرفة الحقيقية بطريقة معتدلة دون مبالغة أو تهويل.

كما صرح رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح في هذه المناسبة بأن الهدف من نشر الكتاب وطرح الفكر الإسلامي هو انتشال أبنائنا وأجيالنا من الضياع والتسيب أمام افتراس الفضائيات التي تنشر الرذيلة والمجون والأفكار الهدامة، وفي مواجهة ردات الفعل التي تنتهج العنف وتنساق إلى الغلو مما يحصن الشباب ويجعلهم في المنطقة الآمنة التي تتوسط المسافة بين الإفراط والتفريط. مدير المعرض بدورة لفت إلى أن المعرض كان أول معرض للكتاب الإسلامي يقام في الكويت، وقد اقتصرت المشاركة في بداية تنظيمه قبل واحد وثلاثين عامًا على المكتبات والمؤسسات ودور النشر الكويتية. بعد ذلك شاركت بعض المكتبات من بلدان مختلفة، إلى أن وصل حجم المشاركة إلى سبعين جناحًا تمثل 49جهة وتشمل العديد من البلدان العربية مثل مصر، الأردن، لبنان، السعودية. سورية، بالإضافة إلى الكويت التي تعدت المشاركة فيها دور النشر الأهلية إلى المؤسسات والوزارات الحكومية، ومع مرور الأعوام تطور أداء المعرض فدخلت التسجيلات والبرمجيات الإلكترونية لتأخذ مكانها بين الصحة العرض ورفوف المكتبات فأصبحت تشتري القرص المضغوط «CD»، فتطالع عليه القرآن الكريم ومعه بعض التفاسير وربما احتوى على الكاتب الصحاح في الحديث الشريف مما شكل منافسًا لا يستهان به للكتاب بشكله التقليدي، كما أفاد عدد من أصحاب المكتبات ومن رواد العرض أيضًا.

قاعات العرض حاولت قدر الإمكان تلبية حاجات الجمهور ورغباتهم فاعتنت بأشرطة الأناشيد وأجنحة المرأة والطفل، وقد توسع العرض هذا العام في التجاوب مع رغبات التابعين فخصص جناحًا تركز الكويت للتوحد والذي تشرف عليه الأمانة العامة للأوقاف ويهتم بشريحة من ذوي الاحتياجات الخاصة ونأمل في الأعوام القادمة أن يشعل الاهتمام شريحة المعاقين على اختلاف أنواعهم. 

أكثر الكتب مبيعًا: يحتل الكتاب الإسلامي المرتبة الأولى في قائمة المبيعات... وهذا شيء طبيعي في معرض يختص بالكتاب الإسلامي، أما الظاهرة اللافتة للنظر خلال أكثر من ربع قرن فهي أن الكتاب الإسلامي يتفوق على غيره من الكتب في البيع في المعارض الدولية التي تقام في الكويت وفي غيرها من الدول العربية على سبيل المثال، معرض القاهرة الدولي، ومعرض الكويت الدولي ومعرض الشارقة وعمان... إلخ. ولعل هذا أبلغ رد على المقولة التي يروجها أعداء هذا الأمة وهي أن العرب لا يقرؤون. فهل يقصدون بقولهم إن العرب لا يقرؤون أن أفكارهم الدخيلة لا تجد رواجًا عند القارئ العربي أو المسلم؟ أم أن الأوساط الموبوءة بسمومهم تنشغل عن القراءة بمختلف الملهيات - والاهتمامات التافهة التي لا تعمل على رفع الهمم وشحذ العزائم وتقوية الإرادات مما يسهل عملية القيادة للمخططات التي لا تريد بالعرب والمسلمين إلا الشر؟ بقي أن نقول إن فقراء الكتاب الإسلامي يحاولون الحصول على كل ألوان المعارف والاطلاع على كافة الاتجاهات الثقافية ليسقطوا بذلك المقولة الجائرة إن العرب لا يقرؤون، وأما الخطوة التي ستقلب المعادلة فهي أن تتحول القراءة إلى فعل يستجيب لكل التحديات ويترجم المعلومة أو الفكرة إلى مشروع نهضوي يحقق الطموحات ويستجيب للآمال التي لا تزال حية في القلوب والضمائر.

أنا والآخر

نور الجندلي

تختزن في طفولتك ذكريات جميلة طفولية مرحة.. رقراقة كماء النبع الصافي..

تحتسيها بهدوء وأنت تفكر.. وتقول في نفسك: يا الله كم كانت الصداقة جميلة... كم كان لها طعم حلو...

تقضي سنوات من عمرك وأنت تعيش على الذكرى.. تتغذى عليها..

تصادف أناسًا أو أشباههم.. تفتش روحك الطفلة في داخلهم... تصدم أخيرًا بواقعك وواقعهم.

تنطوي على نفسك..

تقفل باب قلبك..

تمنع استقبال الوافدين الجدد...

مهما تعددت شخصياتهم، ومهما اختلفت أسماؤهم.

ترفضهم رفضًا قاطعًا من داخلك... لأن داخلك.. لن يقبل بهم.. لن يرحب... فالصورة الأمثل لجمال الروح ونقائها. ما زالت محفورة هناك على أوسع بوابات.

وتقضي العمر وحيدًا حائرًا...

تتوقف فجأة..

لتتأمل سنوات عمرك التي أضعتها وحدك... تنظر إلى نفسك في مرآتك.

لتجد وجهًا مليئًا بالعيوب وروحًا لونتها الشوائب.. تهمس بأسي.. 

لست إذًا إنسانا كاملًا!!

وهم كذلك.

ومن منا قد تكاملت شخصيته؟

كنا أطفالا صغارًا نلهو بمحبة وفرح.

لم تكن لدينا عيوب وربما... كانت لدينا أرواح تتقبل كل العيوب لأن قلوبنا البيضاء الواسعة لم تكن تعرف يومًا الانغلاق.

والآن..

ما العمل؟؟

وهل فات الأوان؟؟ لا.. لا تتسرع.. هنالك أمل.

أمل في قدراتك.

في إبداعك.. في كنوز تتبدى من خفايا روحك.. فتش عن الأمل.. عن النور.

وافتح ذراعيك للحياة..

واستنشق هواء الحرية بصمت..

وبسمة تعلو ثغر الفؤاد..

واحة الشعر

الشيخ أحمد ياسين.. في ذكراه الأولى

شعر: د. عدنان النحوي

يا للبشائر من سبيل دام

 

طلعت تصدق وثبة الإقدام

لا تأسفن! فقد ربحت وفزت في

 

شرف أبر وجولة ومرام

ما كدت تخرج من أبر عبادة

 

حتى هرعت إلى أعز وسام

ونثرت في الفجر المنور من دم

 

حر لتشرق زهوة الأحلام

والفجر! يا للفجر دفقة نوره

 

خفق الدماء وعزمة الإلهام

شعل الدماء تضيء كل ثنية

 

وتزيل كل ظلامة وظلام

وكأنما فجر أطل وأقبلت

 

منه زحوف كتائب وخيام

عبق! ونشر المسك من أنفاسه

 

ورفيف أنداء وظل غمام

وحنين أفئدة تظلل موكبا

 

يسعي إلى خلد وطيب مقام

ورفيف أجنحة الطيور كأنها

 

ذهلت لمصرعه وشدو حمام

والروض والزهو المفوح والندي

 

يا لوعة الأنداء والأنسام

يسري النسيم بها على كل الربا

 

فتعيد من حزن ومن آلام

ياسين! صبرك والردي مترصد

 

قدرا وسنة خالق علام

يوفي به الرحمن أجر الصابر

 

ين نعيم جنات وصدق سلام

ويرد حشد المجرمين لمهلك

 

نار تأجج أو لهيب ضرام

زعموا بأنك مقعد يا ويحهم

 

المقعدون هم وجمع نيام

فزعوا إلى عرض فأقعد عزمهم

 

ذل التنافس في رخيص حطام

إني لأعجب أن يهب إلي الردي

 

نفر وينأي الحشد من أقوام

عجبا كأن مرابع الأقصى قضـ

 

ية عصبة فيه وأهل خيام

عجبا! وما زال الدوي مرجعا

 

من ساحة شكوي وطول ملام

أبكل يوم صرخة دوت بها الأ

 

شلاء تنثر أو جريح دام

ومن الثكالى روعت بفقيدها

 

 

ومن الرضيع وصيحة الأيتام

دوي النداء وزلزل الآفاق! هل

 

مصغ يجيب ويقظة لنيام؟!

تهوي العمائر والكبود تقطعت

 

والناس بين تشرد وخيام

عجبا أتنفض الحجارة والربا

 

وتغيب عنها نخوة الأرحام؟!

أين السبيل؟! فهل لأجل دويلة؟!

 

خنقت تثور مطامع الأقوام؟!

أين السبيل؟! وهل يقر الغاصبو

 

ن؟! وأي نهج يرتجي لسلام؟!

كيف التنازل والربا خفاقة

 

ودم تفجر والقلوب دوامي؟!

وطيوف تاريخ ووحي نبوة

 

وجلال إسراء وعز مقام

لهفي عليك أخي أحمد! لم يزل

 

درب الجهاد علي لظي وضرام

من كل وثاب لملحمة الجها

 

د وصابر مستبسل وعصام

فعسي يضم المؤمنين سبيلها

 

في أمة نهضت وصدق وئام

صفا توثقة العرا! وولاؤه

 

لله صفو وفائه ودعام

يغفو عليكم من عليل نسائم

 

ورفيف أنداء وصدق سلام

ودعاء أبرار تسابق جمعهم

 

لتواثب وشهادة وزحام

   

 

  • تطويع المثقفين... هوامش على متون التطبيع الثقافي

حمدي عبد العزيز

بالرغم من استمرار المخططات الحربية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة فقد حققت «إسرائيل» اختراقات عديدة فيما يتعلق بالتطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي، فحسبما صرح وزير الخارجية الصهيوني فإن العام الجديد ٢٠٠٥م سوف يشهد مزيدًا من العلاقات التطبيعية مع عشر دول عربية، مما يعني أن هذه الدول قد تراجعت عن شعار «السلام الشامل مقابل التطبيع الكامل» الذي تبنته قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢م.

وفي هذا الإطار استأنفت وفود المطبعين من الأدباء والإعلاميين والمثقفين زياراتها للدولة العبرية ومنهم المصري على سالم والأردني شاكر النابلسي للمشاركة في مؤتمر حول «دور الإعلام في هندسة الخطاب في الشرق الأوسط»، وصرح الأول أن «التطبيع يحقق فوائد اقتصادية كبيرة وأنه صار أمرًا ملحًا لكسب معركة السلام ووقف فيضان الدماء» فيما قدم الآخر ورقة للمؤتمر تتناول «دور الفضائيات العربية في دعم الإرهاب».! 

ويبرز تهافت هؤلاء المطبعين ليس فقط في تبنيهم للمصطلحات الأمريكية والصهيونية وتحريضهم ضد الإعلام غير المتحيز لها وإنما أيضًا في تكرار مقولة، «إن التطبيع يعد بمثابة مقدمة ضرورية لتحقيق السلام» وهي المقولة التي تناقض تجربة التطبيع والمؤتمرات الشرق أوسطية في عقد التسعينيات عندما أوقفت الدول العربية المشاركة في الفعاليات التطبيعية بعد التأكد من خطأ هذه المقولة. فضلًا عن أن تجربة الصراع العربي الصهيوني ككل تؤكد حقيقة أن الحوار المسلح مع الدولة العبرية يعد الوسيلة الناجعة للحصول على مزيد من الحقوق العربية.

ومن منظور الأهداف الأمريكية والصهيونية نجد أن الإسراع في التطبيع الثقافي وفصله عن عملية التسوية يأتي بهدف التكامل في سبيل الوصول إلى التوسع في العالم العربي الإسلامي ليس بالقوة العسكرية ولا بالوجود البشري في ظل الحجم الضعيف للجماعات اليهودية وإنما بالهيمنة الثقافية، حيث إن التطبيع يمهد لجعل المنطقة تابعة تمامًا ودائمًا للغرب.

و «إسرائیل» مهيأة للقيام برأس الحربة الغربية في الصراع الثقافي ذلك لأن العمل الذهني وصناعة المعلومات تحتل الأهمية الأولى في مفهوم التقدم الغربي وهي بالفعل تمتلك قاعدة علمية متقدمة تستوعب وتطور التكنولوجيا المستجلبة من الخارج وتطبقها في كل الفروع كتعبير عن توجه علمي شامل، وهو ما يفسر مقولة مناحم بيجين عن تعاون العقل الصهيوني والأيدي العاملة المصرية والفلسطينية والأموال العربية الخليجية.

العوامل الموضوعية للسقوط 

والسؤال المطروح: لماذا يسقط البعض في هاوية التطبيع، أو بالأحرى التطويع؟

وتركز الإجابة على العوامل الموضوعية لهذه الظاهرة، ومن أبرزها عاملان هما:

 1-الدور الأمريكي: تشن واشنطن «حرب أفكار» في العالم الإسلامي بهدف استمالة القلوب والعقول للقيم والسياسات الأمريكية في المنطقة، وفي هذا الإطار تضغط ضد الرقابة ولصالح الانفتاح الإعلامي بما يساعد المثقفين الليبراليين على ترويج هذه القيم والسياسات، ومن المعروف أن أسلوب استمالة المثقفين منقول من خبرة الاحتلال البريطاني التي شهدت ولادة الاتجاه الليبرالي في مصر وتقويته على حساب الاتجاهات الإسلامية والقومية، وهو ما كرس الانقسام الثقافي منذ ذلك الوقت.

وبالرغم من اتباع الخبرة الأمريكية الأسلوب ذاته، فإن الإستراتيجية الثقافية في العالم الإسلامي اعتبرت أنه لكي تكون الرسالة الأمريكية ذات تأثير فمن الضروري
أن تصل إلى فئات أخرى إلى جانب المثقفين تفترض ابتداء أنهم يقبلون ما فيها وهم: جماعات الأعمال والنساء والأقليات المخالفة والشباب وأهل الفن.

2-السلطة السياسية: لا تقبل الأنظمة السياسية السلطوية فكرة قيام الدعاة المثقفين بمعارضة انخراطها في التسوية مع الأمريكيين والصهاينة، وتمارس العداء المباشر وغير المباشر ضدهم والذي يبدأ من الطرد إلى الخارج حتى ولو باسم الإمارة وينتهي بالسجن والملاحقات ويمر بوسائل مختلفة لتهميش دورهم في المجتمع بهدف تكريس ولائهم لذلك التوجه.

وأدت هذه العوامل الموضوعية إلى سقوط بعض المثقفين والدعاة ومسخهم على طريقة أتاتورك في مجالات الإعلام والفكر والدين، فيما فضل البعض الآخر الاستكانة إلى السلبية أو الانزواء، ولا تزال الإستراتيجية الأمريكية تشن حرب الأفكار، على الاتجاهات الإسلامية والقومية - بل والليبرالية التي ترفض الممارسات الأمريكية والصهيونية - بذريعة أن هؤلاء المثقفين والعلماء والصحفيين وحتى بعض العلمانيين يؤيدون «الإرهاب» ويجب محاربة تأثيرهم.

أساليب التطويع:

وتأخذ صياغة المثقفين التطبيعيين شكل الترهيب والترغيب، ويعني الأول التخويف من خطر ما يسمى الإرهاب الإسلامي وهو ما نجح فيه الأمريكيون والصهاينة بالفعل مع البعض ممن وجدوا أنفسهم بلا قضية ولا أرضية، وكانوا يبحثون عن مبرر وجيه وموضوعي للتوجه للسفارة الأمريكية والصهيونية، ووجدوه أخيرًا وهو الادعاء بالخوف على الداخل الديمقراطي من الداخل الإرهابي ومن ثم فليستعينوا بالخارج لدعم الديمقراطية والسلام، ونتيجة لذلك عادت الدعوات الضيقة مثل الحزب الفرعوني كجزء من ماض «متخفي» يحل محل القاضي العربي الإسلامي الحي.

وأما الترغيب فيأخذ شكل دعم ورشاوى ومراكز بحوث وبرامج ثقافية وهذه الأشكال. تضمن ولاء المطبع للقوى الغربية الممولة التي لم تعد بذلك مستعمرة بل تهدف إلى التنمية والسلام - حسب هؤلاء - أما أن تكتب عن الحقوق الفلسطينية المشروعة وترفض الاستبداد والتبعية فهذا غير جائز ولن يكون في عصر العولمة والحكومة العالمية الواحدة. وبناءً عليه فالمطروح الآن من تعامل ثقافي ليس غزوًا ثقافيًا بمعناه البسيط يتمثل في فرض مفاهيم وأفكار لا تتفق والمصالح والقيم الوطنية. اعتمادا على ما تملكه القوة الغازية من وسائل تكنولوجية متقدمة، بل هو استعمال المجموعة من المطبعين بهدف تحقيق التسليم بمنطق العدو والتعامل معه على أنه أمة أصيلة تعيش على أرض فلسطين من آلاف السنين وبالتالي الاندماج في إطار هوية جديدة لا أسس لها سوى مصالح الأقوى.

ويبدأ التعليم بالإيهام بأن التطبيع له فوائد كثيرة وأن التفاوض هو الوسيلة الناجعة للحصول على الحقوق العربية والإصرار على إدانة أعمال المقاومة باعتبارها إرهابا، كما يعمل الأمريكيون والصهاينة على التعمية على حقيقة أهداف الوجود الصهيوني وتغيير الصورة بترويج شعار «اعرف عدوك» الذي يستخدمه المطبعون لتبرير زيارة «إسرائيل» والتعاون البحثي والإعلامي معها.

رؤية جديدة للتطبيع:

وبالطبع فإن معرفة العدو هذه تحول العدو إلى صديق كما حدث لبعض السياسيين والإعلاميين والأدباء والكتاب والفنانين، وهو الأمر الذي أحدث انقسامًا في الرؤى بين فريقين يرى أحدهما أهمية وجود تعامل الثقافي واقتصادي مع «إسرائيل» فيما يرفض الآخر إقامة أي نوع من العلاقات مع الدولة العبرية. ويقول العلامة جمال حمدان في هذا الإطار: «كل علاقة بإسرائيل: صلح، تطبيع تعامل تعايش الخ.. هي الخيانة بحذافيرها». لقد وصلنا إلى المرحلة الحالية التي يتعامل فيها الأمريكيون والصهاينة مباشرة مع بعض الفئات الاجتماعية بما يعني إحداث مزيد من الانقسام الثقافي داخل المجتمع، وفي الوقت نفسه تزايد أخطار التهديد للثقافة الوطنية بالاضمحلال أو الزوال مجرد أن الثقافة الغازية يحملها شعب متفوق عسكريًا أو تكنولوجيًا دون أن تكون ثقافته بالضرورة أكثر استحقاقا للبقاء.

قصة قصيرة

الفطاطري

علاء سعد حسن

«آه يا زمن»... تنهد عم عبده تنهيدة حارة ثم أطلق عبارته المشهورة: «آه يا زمن»..

تركني بعدها دون أن يجيب عن سؤال واحد وارتد إلى أعماق نفسه يجتر الذكريات.. لم أكن في تلك اللحظة في حاجة إلى إعادة السؤال عليه، فقد كنت أقرأ الإجابات في التماعة عينيه وخلجاته ورعشة فيه.. وربما كل ابتسامة تتراقص على شفتيه.. لعل أسئلتي كانت نكأ لجرح غائر.. استعادة لذكريات حياة طويلة فيها السعادة والأسى تتعاقب عليه كما على البشر جميعًا كتعاقب الليل والنهار.. أفاق عم عبده على حركة صبيه وهو ينحني أمامنا ليضع الشاي الساخن على المنضدة.. قال عم عبده: تفضل الشاي يا بني.. ثم عاد إلى رحلته الداخلية من جديد.. لم أيأس... أمسكت كوب الشاي وأخذت أنظر إليه من خلال البخار المتصاعد ورائحة النعناع الأخضر الطازج تملأ أنفي تغريني بالارتشاف، مع ذلك لم أفقد اهتمامي برحلة عم عبده..

كنت أتطلع إليه كما يتطلع رجل الأثار إلى كشف تاريخي نادر.. عم عبده يمثل الشاهد الأخير على مهنة تعرضت للانقراض..

برقت دمعة في عينيه وهو يقول: يا بني المهنة لم تنقرض كما يظن جيل هذه الأيام.. مهنتنا انسحقت في حرب مريرة استخدمت فيها كل الأسلحة الممنوعة، ولم يكن معنا سلاح واحد نحارب به إلا الأصالة والحب.. قل لي بالله عليك كيف يبقى الفطير في زمن البيتزا؟

أيام زمان کنا نصنع أنواعًا كثيرة من الفطير.. كان الناس يقبلون عليه.. لم يكن شيء.. الفطير المشلتت أبو سمن فلاحي.. والفطير بالجبن والفطير بالعسل. والفطير المخصوص بالخضار.. والفطير بالبيض..

تعرف يا ولدي لو جئتني منذ عشرين سنة ما كنت تستطيع أن تتكلم معي كلمة واحدة في الصباح.. الزبائن أمام المحل بالطابور، يتعجلون الفطير قبل الذهاب لأشغالهم.. كنت ترى مكان هذه الأريكة التي تجلس عليها الموظف والطالب والعامل والمدير وسائق الأجرة.. كانوا كلهم يأكلون من يدي.. والآن الحال كما ترى.. نحمد الله على كل شيء..

مستورة والحمد لله يا ولدي.. أبنائي الآن يسكنون في شارع البحر.. هشام فتح محل بيتزا وبنى عمارة «باسم الله ما شاء الله».. كل إخوته يسكنون معه وأزواجهم والأحفاد.. حاولوا جميعًا معي أن أترك المحل والبيت هنا وأعيش معهم هناك.. قالوا ليس هذا زمن الفطير.. قلت: لو خرجت من «درب الأتر» أموت..

أخوه عصام ظل يحلم بتطوير محل الفطاطري... كان يقول لي: يا والدي.. لماذا يترك الناس الفطير ويهاجرون إلى البيتزا؟ أمي دائمًا تقول: من فات قديمه تاه، نحن لو صدرنا الفطير المشلتت للغرب سيتركون البيتزا بالتأكيد.. يجب أن يكون هناك توازن.. نذوق البيتزا، ويذوقون الفطير..

سرح عم عبده بخياله وهو ينظر على امتداد بصره إلى المآذن العالية، وقال بعد برهة: كل شيء يتغير يا بني.. أخشى أن يأتي يوم يهدمون فيه سيدنا السيد ويحولونه إلى فندق فايف ستار وأسفل منه «نايس» كلاب.. ويتحول المولد إلى مولد للخواجات بدلًا من الفلاحين..

قلت مجاملًا، «شيء لله يا سيد»، ترکت عم عبده يتكلم وسرحت ببصري في شكل الأهلة فوق الأذن. شعرت برعدة تسري في جسدي من فكرة عم عبده بتحويل السيد البدوي إلى فندق ومقهى ليلي، صحيح أنني عشت عمري أحلم بتغيير هذا الواقع.. مولد ونذور، وآلاف تنام في الشارع وممارسات كلها ضد الدين... لكن أن يتغير الفساد البلدي بفساد إفرنجي .

أفقت على صوت عم عبده يقول هنيئًا الشاي يا بني.. أدركت أن المقابلة انتهت.. نهضت متثاقلًا وسلمت على الرجل ألقيت نظرة أخيرة على الموقد الكبير أسفل الصينية الضخمة والطاولة بجواره عليها النشابة وبقايا دقيق بلدي لما ينثره الهواء بعد.. كان كل شيء يوحي بالسكون.. وانصرفت وأنا شارد الذهن.

الرابط المختصر :