العنوان حظرت الحكومة أنشطتها لكنها عادت تستأنف محاولة التغلغل.. معركة «الأحمدية» في جامـبـيــا
الكاتب عبدالقادر سيلا
تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
مشاهدات 9
نشر في العدد 1278
نشر في الصفحة 46
الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
في شهر يونيو الماضي اتخذت حكومة جامبيا قرارًا شجاعًا بحظر أنشطة الجماعة «الأحمدية» الضالة، وتنفيذًا لهذا القرار منذ أغلقت المدارس والمستشفيات ومراكز الأنشطة التابعة لهذه الجماعة التي كان الآلاف من البسطاء يلجأون إليها.
لقي القرار ارتياحًا كبيرًا في الأوساط الإسلامية وتأييدًا واسعًا لدى عامة المسلمين وابتهاجًا خاصًا عند الإسلاميين الذين كانوا خصوم الأحمدية، ويبدو أن إمام جامع القصر الجمهوري-، وهو الجامع الذي يؤدي فيه الرئيس يحيي جامبي وأعضاء حكومته صلاة الجمعة- لعب دورًا أساسيًا في هذا الشأن، حيث ركز خطبه ومحاضراته ومواعظه على فضائح هذه الجماعة بتسفيه عقائدها الفاسدة وبيان هرطقتها وكشف نواياها الخبيثة، وكانت مجلة المجتمع قد أثارت الموضوع في عدد ۱۲۳۱ ديسمبر ١٩٩٦م، موضحة أن الرئيس يحيى جامبي بحاجة ماسة إلى دعم مادي ومعنوي يساند توجهاته.
وذكرت حينها إن رجلًا مثل الرئيس يحيي جامبي المنفتح أمام التيار الإسلامي، يتحتم الاقتراب منه والتناغم معه واحتواؤه، فالرجل وبلاده لديهما كامل القابلية للأسلمة وكأن الجامبيين قد تجاوبوا مع مثل هذه الإشارات، وأعلنوا حملة شعواء ضد الفِرق الضالة الحاقدة على الإسلام في بلادهم.
إلا أن هذا الصراع لم ينته بعد حيث أعلن قادة الأحمدية، من لندن، أنهم خسروا معركة في جامبيا ولم يخسروا حربًا، ولذلك شرعوا يبذلون قصارى الجهد ليعودوا إلى هذه البلاد ويستأنفوا نشاطهم كسالف عهدهم، وللوصول إلى هذا الغرض، بدؤوا يتزلّفون إلى السُلطات الجامبية خاطبين ودها وممتدحين رئيسها، فيما يصبون جام غضبهم على الجمعيات الإسلامية ويتهمونها بالتشهير بهم وتشنيع معتقداتهم والوقيعة بينهم وبين حكومة جامبيا.
ومن الواضح أن هذه الجماعة المعروفة بعداوتها للإسلام لا تقدم على استجداء واستعطاف السُلطات الجامبية لو لم تشعر بخطر حقيقي يهدد مصيرها في تلك البلاد.
والأحمدية فرقة ضالة ومن معتقداتها الفاسدة ادعاؤها أن غلام أحمد رسول مبعوث من عند الله مما يقتضي إنكار أن يكون سيدنا محمد ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين، تأسست هذه الفرقة في الهند في القرن الماضي على أيدي الاستعمار البريطاني وبتشجيع منه وما زالت تنتشر في سائر مستعمرات بريطانيا السابقة بإفريقيا بدءًا، بشرق القارة الإفريقية، ومرورًا بنيجيريا وغانا وليبيريا وسيراليون وانتهاء بجامبيا، فيما لها حضور متواضع في مستعمرات فرنسا السابقة.
حطت جماعة الأحمدية رحالها في جامبيا منذ ما يربو على ثلاثة عقود فدرست المجتمع الجامبي واطلعت على مواقع الضعف فيه وعملت على استغلالها، وذلك بوضع خطط تخريبية تغلغلت من خلالها إلى لبه تثير فيه البلبلة وتبث الفتن فأحدثت شروخًا في نسيج المجتمع الإسلامي في تلك البلاد.
وانتقت الأحمدية أهدافًا اجتماعية حساسة لتمرير مشاريعها الهدامة، وهي أهداف لا يستثمر فيها شخص جاد في بلد متخلف فقير إلا بلغ مناه: الصحة العامة والتعليم وأماكن العبادة.
فقد أولت الجماعة عناية خاصة بالصحة العامة، فبنت مستوصفات ومستشفيات مفتوحة أمام مختلف شرائح المجتمع الجامبي تعالج الفقراء، والمعوزين مجانًا أو بمقابل زهيد، وتستقبل سنويًا ٦٤ ألف مريض، ويشرف على العمل أطباء متطوعون.
وكذلك لم تهمل النشء لسهولة التأثير عليه، فافتتحت له مدارس ومعاهد تتوفر على سائر مستلزمات التربية والتعليم الحديثة، وانتدبت للتدريس فيها الأحمديين من غانا ونيجيريا وبذلك تهيئ الظروف لاقتناص الناشئة الإسلامية، بجانب هاتين المؤسستين شُيدت أماكن العبادة لأتباعها بعد أن أصبحوا عُرضة للطرد من مساجد المسلمين.
ثم إنها تسلك سُبلًا ملتوية للوصول إلى أهدافها مهما كانت دناءة تلك السُبل، ويبلغ الأمر إلى منح مبالغ مالية لبعض الأفراد الذين يقبلون الصلاة في أماكن عبادتها، وبهذه الطرق الخبيثة استطاعت أن تغرر ببعض ضعاف القلوب، وقد تبجّح أحمد خورشيد- أحد زعمائها- باصطياد مائتي ألف شخص بغرب إفريقيا وحدها.
إن الجهل الفاحش السائد في جامبيا يسهل تسرب الأحمدية إليها، حيث لم تُواجه مقاومة ذات بال من قِبَل المشايخ الذين قلما تجد لديهم خلفية عن المذاهب والجماعات الضالة المعادية للإسلام، كيف والحالة هذه أن يتصدوا لجماعة تتلون كالحرباء؟
استفادت الأحمدية من هذا الفراغ الفكري والثقافي والإسلامي في جامبيا، فنشرت أفكارها الفاسدة وادعت للعامة البسطاء أن «غلام أحمد مجدد نادى بما ينادي به الإسلام».
ومما ساعد على تمرير تمويهاتها وبقاء جلية أمرها مطمورة أن مبعوثيها في جامبيا يعرفون اللغة العربية أو شيئًا منها، ويتقنون الكتابة بحروفها، مما يُبهر المسلم العادي الجامبي فيلتبس عليه الأمر فيحسب أن كل ما يقوله الأحمدي صحيح لا غُبار عليه طالما يقرأ في القرآن، أضف إلى ذلك كون أولئك المبتعثين مُتدربون على أفانين المساجلة والمحاجة ويتقنون أساليب المقاتلة، وعندما يلتقون بأنصاف العلماء وأشباه المتعلمين ناقصي التكوين سرعان ما ينهار هؤلاء أمامهم.
المستعربون يواجهون الأحمدية
ولم يبق في الميدان من يتصدى للأحمدية سوى المستعربين خريجي المدارس والمعاهد والجامعات الإسلامية وتلامذتها، فهم وحدهم القادرون على مواجهتها بفاعلية ودحرها في الساحة الفكرية والثقافية، وطردها من جامبيا بفضل الله أولًا ثم بفضل جهود هؤلاء ومثابرتهم.
غير أن المعركة شاقة ومُعقدة لا يتم الفوز فيها بمجرد التنديد بهذه الجماعة الضالة، والتشنيع بها بالخطب الطنانة والمقالات الشيقة عبر الصحف، بل العلاج الناجع يكمن في القيام بعمل منظم منسق يُناهض أنشطة الأحمدية، بدءًا بتقديم دعم ملموس وواقعي إلى الجمعيات الإسلامية في الساحة الجامبية، وذلك بمدها بما تحتاج إليه من معونة مُجدية ومساندة متواصلة من تشييد المستوصفات والمستشفيات والمدارس والمراكز الثقافية والملاجئ لإيواء الأيتام والعجزة، وبناء المساجد المتعددة الأغراض، والتي تقوم بخدمات اجتماعية وثقافية عديدة، وبهذه الأنشطة المختلفة المركزة على خدمة الإنسان المسلم، يمكن مجابهة الحركات الهدامة المعادية للإسلام والقضاء عليها في بلاد المسلمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل