العنوان معركة بدر وأثرها على مجتمعات الجزيرة العربية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الجمعة 18-أغسطس-1978
مشاهدات 22
نشر في العدد 408
نشر في الصفحة 18
الجمعة 18-أغسطس-1978
• انتصار للحق على الباطل غير موازين القوى السائدة..
بدر رمز كبير لانتصار العقيدة الإسلامية في كل زمان ومكان
أحدثت معركة بدر الكبرى، تحويلًا كبيرًا في مجريات الأحداث داخل الجزيرة العربية، كما غيرت كثيرًا من المعالم الاجتماعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، ولعل أبرز ما أحدثته بادئ ذي بدء، ذلك الشرخ الكبير في موازين القوى بين التجمعات السكانية والعشائر العربية، ولم يكن أحد من سكان الجزيرة العربية يتوقع آنذاك أن تغير هذه المعركة مجريات الأمور وأحداث الحياة، وكانت تسكن الجزيرة بعد الهجرة بسنتين فئات مختلفة توزعت بين الحواضر والبادية، كما اختلفت تحالفات تلك الفئات تبعًا لعقائدها، حيث انقسمت الجزيرة العربية بسكانها إلى قسمين رئيسيين، مجتمع الكفر والضلال والجاهلية، ويشمل فئات متعددة، أبرزها مجتمع مكة الجاهلي، ثم مجتمع العشائر والقبائل العربية التي تعيش في البادية، وهناك طائفة اليهود التي كانت تقبع حول المدينة المنورة، وتعتبر هذه التجمعات هي أركان المجتمع الكافر بين يدي غزوة بدر، وأما القسم الثاني من سكان الجزيرة العربية، فهم المسلمون الذين اتخذوا المدينة المنورة سكنًا لهم، وهم المهاجرون والأنصار، وسوف أتناول هنا أثر معركة بدر على كل فئة من هذه الفئات.
أثر غزوة بدر في مجتمع المدينة المسلم:
ومجتمع المدينة مجتمع صغير، جمع بين المهاجرين، والأوس والخزرج من الأنصار، بايعوا الله ورسوله على الإيمان والإسلام والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته، وبعد إنهاء معركة بدر، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رجلين إلى المدينة، ليزفوا البشرى لأهلها بنصر الله، وأحد هذين الرجلين من الأنصار وهو عبد الله بن رواحة شاعر الدعوة، والآخر زيد بن حارثة وهو من المهاجرين، ولما علم أهل المدينة بنصر إخوانهم في معركة الإيمان والشرك الفاصلة، خرج رؤوسهم يستبقون وصول رسول الله إلى المدينة، ولما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى منطقة الروحاء، التقى بكبار رجال المدينة المسلمة، الذين قدموا له ولمن شهد بدرًا معه تهاني النصر فرحين مستبشرين بنصر الله، وهذا موقف فيه كثير من الدلالات، لقد وفد المسلمون دون ما خوف أو هلع أو خشية، جاءوا مرفوعي الرأس بما منحهم الله من النصر، وكانوا يعانون من الظلم والرهق والعناد الذي كانت تواجههم به مجتمعات الكفر، فلقد رفعت غزوة بدر من معنويات المسلمين، فشد الله أزرهم بذلك، فازدادوا بذلك نصرًا فوق نصرهم، وأثناء تهنئة وفود المدينة للرسول وصحبه، قال لهم أحد المقاتلين، وهو سلمة بن سلامة، ما الذي تهنئوننا به؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعًا كالبدن، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا ابن أخي، أولئك الملأ، وقد قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم الأشراف، وفي ذلك ما فيه من معاني العزة الإسلامية، فوصف سلمة بن سلامة لصناديد المشركين أثناء القتال بأنهم عجائز صلع كالبدن، يدل على مدى القوة التي منحها الإسلام العظيم لجنود بدر، بحيث كان كل جندي يستصغر فراعين قريش، وكفارها العتاة، الذين أذاقوا ضعاف المسلمين في مكة سوء العذاب، فقد كانوا هم الأشراف، وكانوا يعاملون المسلمين بأسوأ أشكال العسف والاضطهاد.
أما موقف المتخلفين عن بدرم أهل المدينة المسلمين، فقد كان موقفًا مؤثرًا جدًّا، كيف لا؟ وهم لا يعرفون أن إخوانهم وقائدهم سوف يخوضون هذه المعركة الفاصلة، التي انتصرت فيها القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة المشركة، ولعل في قول الصحابي أسيد بن الحضير ما يبوح بذلك، ففي الروحاء، كان أسيد مع وفود التهنئة، وقد خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم قائلًا: «يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر، وأنا أظن أنك تلقى عدوًّا، ولكن ظننت أنها عير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت ...».
أما مجتمع المدينة فقد كان ينتظر نتائج المعركة على أحر من الجمر، ولما وصلهم البشيران (ابن رواحة وابن حارثة) علت أصوات المسلمين بالتهليل والتكبير، وخذل المنافقون واليهود الذين كانوا يبشرون المسلمين بخسارة محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، وكان هؤلاء يحاولون زرع الشكوك وبث الرعب في صفوف المسلمين، إلا أن خبر النصر أزعجهم، بينما عمت البهجة والسرور نفوس المسلمين، وزالت عنهم الهواجس المزعجة، التي انتابتهم نتيجة الإشاعات الكاذبة، والإرجاف المقصود، الذي نظمه اليهود والمنافقون، وهذا شأنهم في كل عصر وفي كل مكان، فهما فريقان متفقان دائمًا على الكيد للمسلمين.
ولما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة استقبله أهلها استقبالًا رائعًا، أما اليهود والمنافقون فقد اسودت وجوههم، واستبد بهم الخوف والحقد بآنٍ واحد بينما ارتفعت معنويات المسلمين، وعلت شوكتهم على المشركين والمنافقين واليهود، وتسامع العرب في أرجاء الجزيرة بانتصار القلة المؤمنة، على الكثرة الكافرة، فدخلت هيبة الإسلام والمسلمين في قلوبهم، وكان لهذا أثر كبير في إيمان كثير من القبائل ودخولها في معاهدات وأحلاف مع المسلمين، بل ودخول بعضها في الإسلام فيما بعد.
صدى المعركة في مكة وآثارها على المشركين:
قلنا إن معركة بدر انتهت بتغيير موازين القوى الروحية والسياسية والعسكرية والاجتماعية في الجزيرة العربية، وكان أن قفزت سمعة المسلمين العسكرية والقتالية إلى الأوج، فأصبحوا سادة الموقف، ولا سيما في منطقة المدينة وما يحوط بها، وبالمقابل، فإن سمعة قريش الكافرة تدهورت سياسيًّا وعسكريًّا، وما عادت لها هيبتها السابقة.
أما أخبار المعركة في مكة، فقد وصلت مع فرار حوالي ثمانمائة وثمانين مقاتلًا من المعركة مهزومين، وعم الذهول أرجاء مكة آنذاك، فعندما تلقى المشركون النبأ لم يصدقوا الأمر بادئ ذي بدء، حيث كانوا يتهمون ناقلي الأخبار بالجنون، فما كان يخطر ببالهم أن ينتصر المسلمون، وما كانوا يتصورون أن ألف مقاتل يضم خيرة شباب قريش وأمهر قادتها وأشجع زعمائها سوف يولون الأدبار أو يقتلون أو يصابون بما لم يعهدوه من الخسارة والهزيمة، بل الهزيمة النكراء أمام ثلاثمائة مقاتل من المسلمين، وكان أول من وصل من بدر إلى مكة، الحيسمان بن إياس الخزاعي، الذي كان أول الفارين، وقد تجمع حوله الناس يسألونه عن نتيجة المعركة، فأبلغهم خبر الهزيمة التي نزلت بجيش مكة، وبينما كان يعدد لهم بعض أسماء الصرعى من زعماء مكة وقادتها وقف عليه صفوان بن أمية، وهو أحد زعماء المشركين الذين لم يشهدوا بدرًا فذهل وانقلب به الوعي، إلا أن كبرياءه وعتوه وعناده وبغضه للمسلمين آنذاك، حاد به عن تصديق الأمر، فعاد يكذب الحيسمان وأخباره، وراح يؤكد لمن حضر من القرشيين أنه مجنون، ورغبة منه في التأكيد الزائد التفت إلى المجتمعين وخاطبهم، اسألوه -يقصد الحيسمان- عني إن كان يعقل، فقال القوم للحيسمان: ما فعل صفوان بن أمية؟ فقال: هو ذلك جالس في الحجر، وقد ازدادت دهشتهم حين قال لهم: لقد رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
أمام هذه الأنباء اختلط الحابل بالنابل في مكة، أسقط في أيدي الزعماء العتاة، الذين علت صيحات التشكيك من أفواههم، وهاج عامة الناس، واختلطت أقوالهم وتحليلاتهم للموقف وما عاد المرء منهم يعرف صوابه لهول الصدمة وعنف الخبر، وقد زاد الأمر تأكيدًا عليهم، مجيء ابن سفيان بن الحارث، وهو أحد القادة المشركين الكبار، الذين قادوا المعركة وأداروها، وترأسوا دفة القتال ضد المسلمين في المعركة فأيد بأقواله جميع ما أخبرهم به الحيسمان، وأكد لهم هزيمة فرسان الشرك وجيوشه أمام النصر الساحق للمسلمين القلة، وفي حديث الحارث لأبي لهب ما يوضح الموقف على لسان أحد القادة، فقد سأله أبو لهب عن خبر المعركة فأجابه: «والله ما هو إلا أن لقينا القوم، فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله -مع ذلك- ما لمت الناس، لقينا رجالٌ بيض على خيل بلق، بين السماء والأرض، والله لا يقوم لها شيء.
وهكذا تأكد خبر الهزيمة، حيث عرف كل بيت في مكة بمصابه، وعرف المقتولين منه، فقامت المناحات، إلا أن زعماء مكة أصدروا أمرًا بأن لا ينوح أحد على قتيل من قتلى هذه المعركة، وطالبوا من جميع الناس التزام الصمت والسكوت مع إظهار الجلد، وقد دفعهم إلى ذلك رغبتهم في عدم إشمات المسلمين بهم، والحق أن نتيجة المعركة كانت فاجعة أليمة في مكة، فلم يكد ينجو بيت هناك من مأتم على قتيل، ولقد بلغ المصاب أن بعض الأشراف والزعماء، قد فقد أكثر من قتيل من أسرته في هذه المعركة التي أشعلها أبو جهل بدافع من كبريائه وخيلائه دون أن يكون لها مبرر في نظر كثير من المشركين والقادة، ومن ذلك أن صفوان بن أمية فقد في هذه المعركة أباه، كما فقد أخاه عليًّا، أما أبو سفيان فقد فقد ابنه حنظلة وأسر ابنه الثاني عمرو، وقد أنهت هذه المعركة حياة العتاة الكبار وعلى رأسهم أبو جهل، الذي ما فتئ طيلة حياته يكيد للإسلام والمسلمين فكان بذلك فرعونًا كبيرًا يكيد للدعوة وللمسلمين، وعلى الرغم من أن المعركة حطمت رؤوس طواغيت الشرك، إلا أنهم لم يستكينوا، فبعد أن أفاقوا من هول الصدمة، أخذوا يواصلون اجتماعاتهم، وينظمون مؤتمراتهم، ويبحثون عن السبيل التي تمكنهم من غسل العار الذي حاق بهم، فقد ازدادوا حقدًا على رسول الله وازدادوا بغضًا للمسلمين، فكان أن أعلنوا التعبئة العامة لخوض معركة الثأر ومنعوا كل رجل في مكة من اعتناق الإسلام وحاربوه أشد ما تكون الحرب.
موقف اليهود والمنافقين من المعركة وأثرها عليهم:
وكان هؤلاء يسكنون المدينة، أما اليهود فكانوا معروفين، وأما المنافقون فكانوا يتغلغلون في صفوف المسلمين، وكانوا جميعًا يتمنون اندحار المسلمين، بل إنهم كانوا يتوقعون هزيمة المسلمين القلة، ونصر المشركين الكثر الأشداء الأقوياء، وقد قام كل من اليهود والمنافقين بتنظيم حملة ضخمة من الشائعات المرجفة، وذلك لبلبلة الأفكار وخلخلة المسلمين، وكان أن أشاعوا في المدينة بين المسلمين، خبر مقتل النبي عليه الصلاة والسلام، كما أشاعوا خبر هزيمة المسلمين، وتمزق جيشهم منذ بدء المعركة، وعلى الرغم من مجيء أخبار نصر المسلمين، واندحار جيش الكفر القرشي، فقد حاول اليهود المنافقون تكذيب أخبار نصر جيش محمد صلى الله عليه وسلم، واستمروا في إرجافهم وبث إشاعاتهم حتى أن أحد المنافقين، عندما شاهد زيد بن حارثة يركب القصواء ناقة رسول الله هتف: لقد قتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فلًّا أي مهزومًا، كما قالت اليهود: ما جاء زيد إلا فلًّا، وكان لهذه الإرجافات والإشاعات المتلاحقة التي تعاون اليهود والمنافقون على نشرها، بعض الأثر في قلق المؤمنين في المدينة، حيث ظلت فئة منهم تترقب عودة جيش المسلمين كاملًا لتقف بنفسها على حقيقة النصر الذي كتبه الله للفئة المؤمنة.
إلا أن رؤوس الكفر من اليهود والمنافقين صعقوا مرة واحدة لدى وصول جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فعلى الرغم من استمرارهم بأساليب الإرجاف والكيد، فإن حقيقة نصر المؤمنين سكنت كيدهم الذي كادوه، فعندما شاهدوا طليعة الجيش المنتصر، خذلوا وانكفأوا على أنفسهم خاسئين، وقد كادوا أن يتهموا أبصارهم عندما شاهدوا صناديد قريش وأقوياءها أسرى في يد المسلمين، فقد دهشوا أشد دهشة عندما رأوا سهيل بن عمرو، ونوفل بن الحارث، وعمرو بن أبي سفيان، والعباس بن عبد المطلب، والوليد بن الوليد أسرى مكبلين يقودهم المسلمون كالنعاج، وقد شدت أيديهم إلى الوراء، يتعثرون في خطاهم كما تتعثر الدابة المكبلة، وقد صار اليهود والمنافقون في حالة من الذعر والذلة لا توصف، وذلك عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة منتصرًا، حيث استقبلته المدينة استقبالًا رائعًا، مما زاد في سواد وجوه اليهود والمنافقين الذين دأبوا على الإرجاف والمكيدة.
لقد قلبت معركة بدر المطهرة الموازين رأسًا على عقب، فقد أصبحت السيطرة للمسلمين، أما مشركو المدينة فقد خافوا على أنفسهم، فما كان إلا تظاهروا بالإسلام مع بقائهم على كفرهم، فازداد عدد المنافقين، وكان على رأسهم المنافق الكبير عبد الله بن أبي ابن سلول، فقد نصح أصحابه آنذاك أن يعلنوا إسلامهم، وقد قال مشيرًا إلى قوة المسلمين واشتداد شوكتهم: «هذا أمر قد توجه -أي استمر- فلا مطمع في إزالته، ثم أعلن ابن سلول إسلامه، وتبعته أحزاب النفاق، حيث تظاهرا بالإسلام خوفًا على نفوسهم أولًا، وليكيدوا للإسلام والمسلمين من داخل الصفوف المؤمنة، فظلوا يتربصون الدوائر لإسقاط الدعوة الجديدة، ولجأوا في محاربة الرسول وأصحابه إلى سلوك سبيل الدس والمخاتلة والخديعة، وصاروا يرسمون الخطط سرًّا للإيقاع بالنبي، وينتهزون الفرص لتفكيك وحدة أصحابه وإضعاف قوتهم.
ويضاف إلى هذا أن بعض اليهود، وهم الذين عاهدوا الرسول على عدم الإيذاء أو إعانة العدو، خالفوا عهدهم، أعلنوا سخطهم على الرسول وأصحابه بعد هذه المعركة التي حافت بالمشركين، فصاروا يحرضون أهل مكة على الفتك بالنبي والقضاء على دعوته، وصاروا يقدمون لهم أيضًا كل مساعدة، وضربوا بذلك عهدهم الذي أعطوه للرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا فقد أفقد النصر الذي أحرزه المسلمون اليهود صوابهم، فاشتد حقدهم على الإسلام، وتضاعف نشاطهم ضد الدعوة، إلا أن المسلمين ابتعدوا عن الصدام مع اليهود آنذاك، حتى تفاقم الأمر، واتسع الخلاف بين المسلمين واليهود بسبب ما كان يكيده هؤلاء للإسلام، مما اضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي على بعضهم وأن يبعد القسم الآخر عن المدينة، لتطهيرها من فتنهم ودسائسهم ومؤامراتهم.
المعركة وأعراب الجزيرة العربية
عمت أخبار نصر المسلمين في بدر سائر الجزيرة العربية، وسمعت بها عشائر الأعراب المتفرقة حول الحواضر وفي البادية، وكان هؤلاء يكنون لقريش احترامًا شديدًا، لذلك فقد أثرت فيهم أخبار الانتصار الإسلامي في بدر تأثيرًا كبيرًا، فقد اضطرب كثير منهم وبخاصة الأعراب الذين يسكنون قرب المدينة، فقد خافوا أن تشتد قبضة المسلمين، مما يحول بينهم وبين مبدأ حياتهم القائمة على السلب والنهب، فقد كانوا يعيشون على الإغارة وسلب أرزاق الآخرين، ويرى محمد أحمد باشميل أن خوف الأعراب من الدعوة الإسلامية لم يكن موقفًا عقائديًّا، ذلك أن «مسألة الكفر والإيمان ليست ذات أهمية بالنسبة لهؤلاء الأعراب، إذا قيست بمسألة حرصهم وإصرارهم على إخضاع المنطقة لرماحهم، ينهبون ويسلبون في ظلها، كما هي شرعة الجاهلية في جميع مناطق الأعراب». ويميز باشميل بين موقف مشركي مكة والأعراب من الدعوة الإسلامية قائلًا: «فباعث قلق الأعراب من انتصار المسلمين في هذه المعركة، وانتشار نفوذهم، لم يكن باعثًا سياسيًّا أو عقائديًّا، وهذا عكس ما عليه أهل مكة الذين يعتبرون أنفسهم حراس الوثنية وسدنة الكعبة، والزعماء الروحيين لجميع المشركين في الجزيرة بحكم وجودهم في منطقة الحرم التي يعظمها ويحج إليها جميع الوثنيين على اختلافهم في تعدد الآلهة التي يعبدون من دون الله، كما أن قريشًا كانت تعتبر من الناحية السياسية والعسكرية في الدرجة الأولى بالنسبة لجميع سكان الجزيرة، مما أعطاها مركزًا ممتازًا بين جميع قبائل العرب في كل هذه الميادين، ولهذا كان حقد قريش على محمد، وبغضهم للإسلام قائمًا على بواعث عقائدية وسياسية في الدرجة الأولى، ومن هنا صاروا أشد سكان الجزيرة حرصًا على القضاء على محمد وقتل دعوته على أن امتداد قوة المسلمين فيما بعد، كان سببًا في دخول كثير من هذه القبائل في الإسلام.
وهكذا نرى أن معركة بدر كانت حدًّا فاصلًا بين الكفر على اختلاف اتجاهاته، وبين الإيمان الذي رسخ في القلوب، واستقر في العقول، فعبقت به الأرواح نصرًا مبينًا، فقد تغيرت موازين القوى لصالح المسلمين، واندحر الكفر باندحار قريش وخيبة أمل اليهود والمنافقين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلوفــاز الأنصــار برســول الله ﷺ بعــد غـــزوة «حنيـــن».. فكيف تحدد أهداف حياتك؟!
نشر في العدد 2182
27
الثلاثاء 01-أغسطس-2023