العنوان مفهوم الشرق الأوسط الجديد
الكاتب حافظ الشيخ
تاريخ النشر الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
مشاهدات 12
نشر في العدد 1125
نشر في الصفحة 31
الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
العجرفة العدائية العجيبة التي خاطب بها إسحاق رابين المؤتمر الاقتصادي في الدار البيضاء هي بالطبع نبأ إضافي من أنباء الهوان العام الذي بلغه اليوم الوطنان العربي والإسلامي، إلا أنها من أكثر الوجوه شبيهة أيضًا باللغة التي تخاطب بها المؤسسة العربية الرسمية شعوبها وقوى شعوبها السياسية الحية بين يدي هذه الجهود الجبارة لاختزال الوطنين: العربي والإسلامي وتطويعهما، بالطرق العنيفة إذا احتاج الأمر، من أجل إدراجهما عنوة في ثوب الشرق الأوسط الجديد وهذا هو بالضبط عنوان كتاب شمعون بيريز الذي صار الآن في مثابة كاتلوج ودليل عمل الجهود الجارية أو في تعبير آخر ثوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وقد كان هذا هو اسم مؤتمر الدار البيضاء أي المؤتمر الذي لم ينعقد أصلًا إلا من أجل تعريب الدولة الصهيونية وأسلمتها، وتسليمها رسميًّا مفاتيح المدائن والقرى والبوادي في الوطنين العربي والإسلامي، ومع ذلك فلم يطق رئيس وزرائها صبرًا حتى تحدث بتلك النبرات المتعجرفة وعيونه في عيون الحاضرين والمحضرين، فإذا المنكشف مرة أخرى من غير غلالة هو أن مراد السعي هو فحسب «صهينة» الطرف المهزوم وليس «تعريب» و«أسلمة» الدولة المنتصرة أي أن إملاء إسحاق رابين الحرفي والدقيق والمضبوط هو أن تندمج الأمة العربية الإسلامية المليارية في جلدة الدولة اليهودية، وهذا هو المفهوم المراد، في جوهر الأمر من العبارة الأخرى الشائعة غير الدقيقة، المتحدثة عن دمج الدولة اليهودية في المحيط العربي والإسلامي مقارنة الآن بين مسلك المؤسسة العربية الرسمية الغليظ تجاه جمهورها والقوى السياسية الحية المعترضة على دمج الوطنين العربي والإسلامي في استراتيجيات الدولة اليهودية ومسالك حكومة الدولة اليهودية نفسها مع القوى الداخلية المعارضة لديها.
على امتداد قوس قزح الصهيوني من أقصى اليسار إلى أقاصي اليمين سوف يكون من الميسور الملاحظة أن إسحاق رابين لم يقف ليتهم هذه المعارضة الصهيونية بالإرهاب، أو بتخريب عملية السلام أو بالضلوع في مخططات خارجية مشبوهة، وهو لم يهددها ولم يتوعدها، وهو لم يغلق صحفها ولم يدمر منابرها، وهو بالطبع لم يطلق عليها الرصاص. حاشاه أن يطلق عليها الرصاص، وهو لم يؤسس من أجل ضربها المحاكم الخاصة، ولم يعلق لها المشانق.
لأن إسحاق رابين يهودي مخلص وصهيوني صحيح ومحب لقومه وحريص عليهم فإنه هكذا، بكل هذا الرفق العجيب والشفقة الحانية، يتعامل مع مخالفيه في داخل العائلة الصهيونية وفوق ذلك، وبدهاء سياسي مجرد فإنه يجيد توظيف المعارضة لديه من أجل تقوية وضعه تجاه أطراف الخارج ولا يتيح للاختلافات بينه وبين المعارضين لديه أن تؤثر في نسيج استراتيجية دولته وهي تتواثب الآن على رقاب العرب والمسلمين في ثياب ساعتها الذهبية وذروة أمجادها.
سوف يبقى من المشكوك فيه جدًّا بطبيعة المرحلة أن تستوعب المؤسسة الرسمية العربية الآن شيئًا مفيدًا من أساليب التعامل بين حكومة الدولة اليهودية والمعارضة اليهودية في فلسطين المحتلة، وحتى في حالة استيعاب شيء من هذا فإن الذي هو موطن شك أعظم هو أن تكون هنالك إمكانية فعلية للاستفادة العملية والتطبيق في ضوء هذه الحالة المتفاقمة من تلاشي المشيئة الذاتية واضمحلال الإرادة إلا أنه إذا كان المنشود الأسمى هنا مستحيلًا. وأنه ليس في وسع الحكومات العربية في هذه اللحظة سوى أن تستجيب لتوقعات الخارج فلعل الذي ليس من جنس المستحيلات تمامًا هو أن تستمع الحكومات العربية مجرد استماع فحسب إلى النظرية الزاعمة بأن التضييق على المعارضات الوطنية الحالية للبرامج الأجنبية قد يؤدي فعلًا في اللحظة الحاضرة أغراضه المقصودة، ويعطي انطباعًا بنوع من الأمان الموهوم، إلا أنه بعد قليل سرعان ما تنشأ معارضات وحركات تغيير أخرى من الصعب التنبؤ بنوعها، كما من الصعب التنبؤ بمسالكها، إلا أنه ليس سوى بلید عقل ظاهر البلادة هو الذي يتوهم سلبية المجتمعات العربية والإسلامية وكامل استسلامها في وجه التحويلات الضخمة الجاري إدارتها بلغة القوة المجردة، بما تنطوي عليه هذه التحويلات من معان هائلة ثقافية وطبقية وسياسية مريرة المذاق ولسوف تكون مريرة المذاق أكثر فأكثر. في حقوق الأغلبيات العظمى من جمهور العرب والمسلمين المغلوبين الآن على أمرهم.
هنا قد تحتاج حكومات الوطنين العربي والإسلامي أيضًا إلى الاستماع إلى النظرية الرديفة القائلة أن مطاردة المعارضات الحالية لن تفسح الطريق بعد مدة حتمًا إلا لظهور معارضات أبلغ في تطرفها وأشد في أسلوب عملها، وهو ما سوف يضاعف فقط الفوضى المتوقعة ويفاقم الأزمات الحاصلة بين الحكومات والشعوب ويدفع المجتمعات العربية والإسلامية إلى حالات من الاضطراب غير المسبوقة، والتي لا تخطر الآن على بال.
اللهم قد بلغنا اللهم فاشهد
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الصهاينــة يتجهـــون لحســـم الصــــراع ديموغرافيـــاً فــي الضفـــــة الغربيـــــة
نشر في العدد 2180
106
الخميس 01-يونيو-2023
د. حسن خاطر: الصهاينــة يواصلــون تغييــر المشهــد الإسلامــــــي والحضــــاري لـ«الأقصــــى»
نشر في العدد 2182
26
الثلاثاء 01-أغسطس-2023