العنوان مفهوم حرية الإنسان في الإسلام
الكاتب الشيخ محمد عادل الشريف
تاريخ النشر الثلاثاء 05-يناير-1971
مشاهدات 21
نشر في العدد 42
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 05-يناير-1971
هذه الكلمات أرسلها لنا فضيلة الشيخ محمد عادل الشريف، ومع أن فضيلته قد أذاعها في تليفزيون الكويت فإننا وجدنا فيها خصوبة فكر ودقة بحث تدعونا لتقديمها للقراء في الكويت وفي كل مكان تصل إليه صحيفتنا.
والشيخ محمد عادل عالم معروف للجميع، ولكن الجديد الذي لا يعرفه إلا القليل أنه فقد ولديه في أحداث عمان الأخيرة:
- الحرية هي صدى الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهي معنى الحياة، خلق الإنسان ليكون عزيزًا لا ليكون ذليلًا كريمًا لا مهانًا ولا مهينًا ليفكر بقلبه، ويهوى بعقله ويسعى بقدمه ويكدح بيده لا يشعر وهو يباشر ذلك بسلطان أعلى يتحكم في حركاته وسكناته إلا لخالقه وخالق الناس أجمعين، إن تاريخ العالم من أعصار بعيدة سلسلة من المعارك الدامية والأحداث القاسية حملت أوزارها الوثنيات السياسية السائدة التي ملكت رقاب الشعوب وسخرتها لأهوائها العاتية وفرشت طريقها بالأشواك والأقذار.
ومنذ أجيال بعيدة والجماهير المظلومة تتطلع إلى حقوقها المهضومة وتسعى دائمًا لاسترجاع المغتصب منها، هذا ولا نزال من جراء ذلك نسمع إلى أنات المكلومين وصرخات الشاكين وعويل المصابين من ضحايا الاستعمار الخارجي والاستبداد الداخلي في المجموعة البشرية.
إن العالم بأسره يرتكز على الحريات الأساسية كحرية الكلام وحرية الأفراد في عبادة الله وحرية التحرر من ربقة الجهل والفقر والخوف الجاثم على الصدور وعدم الاستقرار المؤدي إلى الفوضى في بعض الأنظمة والقوانين الوضعية وحرية العقيدة.
فالحريات في الإسلام وفلسفتها هي من الأمور الهامة التي يجب بحثها والوقوف على مفهومها؛ فالحرية هي أحد الأصول الرئيسية التي تتحقق بها سلامة الأفراد والجماعات، بل الشعوب والحكومات وعليها تعتمد الأمم في تأدية رسالتها، فالحرية حق طبيعي لازم للإنسان لزوم الروح للجسد، فلا تكون الأمة مثالية إلا إذا وفرّت لأفرادها وجماعاتها السعادة المادية والمعنوية وكفل دستورها الحفاظ على هذه الحريات، نعم إن الحرية هي الشغل الشاغل للعالم بأسره بقادته ومفكريه وساسته حتى جاء دور الإسلام وكان دورًا فاصلًا أضاء بمبادئه وتعليمه مشاعل الحرية ونشر بعدالته ألويتها؛ فالإسلام هو التشريع العام الخالد الصالح لكل زمان ومكان المنظم لشؤون الأمة الدينية والدنيوية المحقق لصالح الفرد والجماعة فلقد عالج الإسلام هذه الحريات معالجة فعالة، ومن هذه الحريات:
أ- حرية العقيدة.
ب- حرية الرأي والفكر.
جـ- الملكية الفردية وحرية التصرف
نعم أقر الإسلام حرية العقيدة وترك لكل فرد الحرية التامة فيما يختاره ويقره العقل السليم والنظر الصحيح لكنه جعل أساس الإيمان وعماد التوحيد البحث والتأمل بالنظر الثاقب والعقل القائم على الحجة والبرهان، وإليكم صورة عن حرية العقيدة مع ضرب أمثلة أخرى على ذلك.
كان لرجل من الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدان تنصرا ولم يؤمنا بما آمن به أبوهما، ولما قدم الولدان المدينة للتجارة لزمهما والدهما وأخذ في إجبارهما على الإسلام فامتنعا واختصموا ثلاثتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال الوالد يا رسول الله أيدخل ولدي النار وأنا أنظر إليه؟ فسأل النبي الولدين فقالا: أعطنا الخيار: فرفض النبي من أبيهم إجبارهما على الإسلام وخلّى سبيلهما فنزل قوله تعالى ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (البقرة: 256) وقد ورد أن الولدين عندما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأكدا من تسامحه اعتنقا دين الإسلام؛ فالإكراه والإجبار على طاعة الله لا يكون العقائد بل ينفر منها، نعم لا تعطي الحرية للمسلم لترك ما شاء من الفرائض والأحكام.
منذ مائتي عام وقف بريطاني كبير من نافذة قصره في ضواحي «لندن» وكان يقرأ تاريخ الشرق العربي ففكر طويلًا وسأل صديقًا حميمًا حكيمًا إلى جانبه: أتظن يا صديقي «جونس» أن الشرق يموت؟ فأجابه صديقه الواعي الحاذق بقوله «إن روحه العالية تحميه» نعم إنها روح الإسلام روح محمد صلى الله عليه وسلم لا سيفه ولا مدفعه.
عقدة التقليد
كثير من الناس يتوارثون عقائدهم عن آبائهم وأجدادهم عن طريق التقليد الأعمى من غير دليل ولا برهان.
فالإسلام لا يرى ذلك أبدًا ﴿فِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (الذاريات: 21).
نعم الإسلام لا يعرف طريقة القسر والإكراه بل يطلق الحريات للمفكرين؛ فالدين هداية اختيارية للناس والرسل مبشرون ومنذرون والداعي إلى الحق لا سلطان له على الغير ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ * إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيْعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ* إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ (الغاشية: 21-26).
ومن تسامح الإسلام وإقراره للحرية حمايته للمعابد الدينية لغير المسلمين، وقد جاء في كتاب عمر بن الخطاب الذي أرسله لعمرو بن العاص رضي الله عنهما يوم كان ابن العاص واليًا على مصر «وبعد فإن معك أهل ذمة وعهد وقد وصى رسول الله بهم». ومن تسامح الإسلام وحرصه وتأييده للحرية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد مكّن أحد الذميين من القصاص من ابن عمرو بن العاص الذي اعتدى عليه وقال كلمته المشهورة الخالدة: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟
أما حرية الفكر والرأي: فقد أنزلها الإسلام مكانتها العالية وأحاطها بسياج من الرعاية، طالب الإسلام معارضيه بالحجة والبرهان، ولقد حث الإسلام أهله على التحلي بالشجاعة والصبر لاستعمال العقول وإبداء الآراء في كل ما يحقق المصالح العامة المشتركة فلا يمنع الإسلام أن يبدي الإنسان رأيه وملاحظاته في الأمور الهامة.
أما حق الملكية الفردية وحرية التصرف فقد أقرهما الإسلام وأباح لكل فرد أن يجمع من الثروة ما يكفيه بالطرق المشروعة وأوجب عليه السعي والعمل ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ (التوبة: 105) وحذر من التواكل والكسل وفضّل العاملين والمنتجين والمجاهدين في سبيل الله على القاعدين، حث على الإنفاق من المال دون تبذير أو تقتير ونهى عن الغش في العاملة، دعا إلى الوئام والمحبة والمودة وحذر من التخاصم والتباغض وحذر من الجامدين القاعدين عن الأعمال المتواكلين ولو كانوا أقوياء في عبادة ربهم؛ فالإسلام بمبادئه وتعاليمه خير كفيل لإيجاد مجتمع تسوده المحبة والوئام ويخيم عليه الأمن والاستقرار ضمن حدود العزة والسيادة والكرامة:
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلرد على مقال في مجلة العربي: الدكتور زكي نجيب محمود يزيف الفكر والتاريخ
نشر في العدد 29
32
الثلاثاء 29-سبتمبر-1970
الشيخ جاد الحق على جاد الحق- شيخ الأزهر- في حوار ساخن مع «المجتمع»: النظام العالمي الجديد نظام قائم على الظلم والعدوان
نشر في 1155
10
الثلاثاء 27-يونيو-1995