العنوان مقال الأسبوع.. المنافقون في هذا العصر
الكاتب عبدالقادر بن محمد العماري
تاريخ النشر الثلاثاء 20-يوليو-1993
مشاهدات 713
نشر في العدد 1058
نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 20-يوليو-1993
في الستينات سادت موجة الاشتراكية في العالم الثالث، وقام الاشتراكيون بمصادرة الأملاك الخاصة وتأميمها لمصلحة الشعب على حد قولهم. واستغل المتنفذون في تلك الأنظمة هذه الأملاك التي صودرت من أصحابها الشرعيين لمصالحهم الخاصة، وإن كانوا أبقوها على ملكية الدولة في الظاهر. وذلك حتى تتحمل الدولة غرمها ويحظون بغتمها. وفي هذا الوقت بعد أن خبت جذوة الاشتراكية وانهارت دول المعسكر الاشتراكي وتمكنت الرأسمالية من الهيمنة وسادت فكرة حرية السوق أرادت هذه الدول التي كانت اشتراكية أن تتفتح على الغرب وتساير أوضاع العالم الجديد جاءت فكرة التخلص من القطاع العام وتحويله إلى قطاع خاص ولكن الاشتراكيين في العالم الثالث بدلًا من أن يعيدوا إلى الناس أملاكهم التي صادروها أعادوا فقط ما لا فائدة منه وما فائدة فيه الملاك، وما قد يكلفهم أكثر من ربحه. أما القطاعات التي فيها الفائدة والمصلحة، فقد طبقوا عليها نظام الخصخصة وخصوا أنفسهم ببعض القطاعات يستثمرونها لمصلحتهم أو من يدخلونهم معهم كمستثمرين من شتى أنحاء العالم ويبيعون لهم المرافق والمصانع ومقدرات الأمة. وهكذا تمشي الأمور في العالم الثالث الآن. وفي هذه الأجواء نشط الصهاينة في الغرب للدخول مستثمرين ليتمكنوا من الهيمنة الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
وعندما رأوا أن الإسلام يقف حائلًا دون مطامعهم شنوا عليه حملات عنيفة وادعوا أنه الخطر البديل للشيوعية وعبثوا كل القوى ضد الإسلام لمحاربته بمختلف الوسائل والطرق وقد واتت الفرصة العناصر الاشتراكية السابقة، والتي تكن الحقد والعداء للإسلام التي سيطرت على الحكم في غفلة من الزمن لتعقد حلفًا غير مقدس مع القوى العالمية للإجهاض على طموحات الشعوب والتمكين لإسرائيل من التفرد بالهيمنة الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
وليس أدل على ذلك من كتاب ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة الأسبق الذي سماه الخطر الإسلامي، وقال فيه: إن أكثر ما يهمنا في الشرق الأوسط هو البترول وإسرائيل إن مصالحنا تحتاج إلى حسابات معقدة فعلينا المحافظة على بقاء إسرائيل.
وقال وهو يستعيد تاريخ الصراع بين الإسلام والغرب لقد خسر الغرب الحرب الصليبية ولكنه كسب المعتقدات لقد تم طرد كل مسيحي من الأرض المقدسة للمسيحيين واليهود ولكن الإسلام وقد أسكره النصر ومزق وصاله المغول سقط في غياهب العصور المظلمة من الفقر والنسيان بينما الغرب المنهزم وقد أنضجته الأهوال تعلم من عدوه وبنى الكنائس لتصل إلى عنان السماء هكذا يقول الغرب والغربيون عن الإسلام والمسلمين ونحن بدل من أن نعمل على إظهار فضل الإسلام على الإنسانية ونشر مبادئه وفضائله في العالم، ونجذب الناس إليه ونفند ادعاءات المغرضين من الصهاينة الاستعماريين يذهب بعضنا يشوه الإسلام بالسلوك المنحرف والتطرف البعيد عن روح الإسلام، وبعضنا يشارك في نشر الأكاذيب والهجوم على الإسلام من منطلق التقدمية والتحرر وهؤلاء أصبحوا في تيار واحد مع الصهيونيين والصليبيين والحاقدين على الإسلام.
وأول من تولى كبره في هذا المجال هم اليساريون العرب والعلمانيون الذين واتتهم الفرصة للتحكم في مصائر شعوبهم في هذا العصر، فاستغلوا تطرف بعض الشباب لينهالوا على كل دعاة الإسلام بالسب والشتم والإدانة. وعلى الإسلام بالتشويه وتقليص دوره في المجتمع ونشر الأفكار الهدامة والإصرار على أن يكون دعاة الإسلام خارج الشرعية– إمعانًا في تحجيم دور الإسلام في المجتمع وعدم إعطائه الفرصة ليقود الناس ويصلح ما فسد في المجتمعات على هدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إن النفاق في هذا العصر قد هيمن على كل شيء واستبد المنافقون بكل شيء.
الفرق بين الاشتراكي الغربي والاشتراكي في العالم الثالث:
قصة الاشتراكي الفرنسي بيير جوفوا الذي انتحر بسبب ما وجه إليه من اتهام أنه تسلم قرضًا من إحدى الشركات بدون فائدة من أجل أن يشتري له شقة في وسط باريس، وقصة الاشتراكي الألماني بيرو الفهولم الذي استقال من كل مناصبه السياسية والحزبية ومن دورة كمرشح الحزب المنصب المستشار ضد كول في الانتخابات التي ستجري عام ١٩٩٤ وذلك لأنه اعترف أنه أدلى بشهادة كاذبة بما يتعلق بمنافسه لأحد زعماء الحزب الديمقراطي المسيحي في الانتخابات التي جرت عام ۱۹۸۷م.
هكذا الاشتراكيون في الغرب يشعرون بتأنيب الضمير إذا ارتكبوا أخطاء أثناء أدائهم لعملهم السياسي، بخلاف الاشتراكيين في العالم الثالث يرتكبون أكبر الفظائع ولا تؤنبهم ضمائرهم بأي حال من الأحوال، ونحن- المسلمين- لا نؤيد الانتحار، ولا نطلب من أصحابنا الاشتراكيين أن ينتحروا كما فعل الاشتراكي الفرنسي، بل ولا نريدهم أن يستقيلوا كما فعل الاشتراكي الألماني. نريدهم فقط أن يتوقفوا عن ممارساتهم غير الإنسانية ضد شعوبهم، وأن يمتنعوا عن الجدل والتزوير وكذا التزييف وسرقة المال العام نريدهم ألا يزيفوا الانتخابات إذا أجريت، ولا يكذبوا على شعوبهم باستمرار، ولا يستغلوا أمية شعوبهم وعدم وعيهم، ولا يستعملوا لغة الترغيب والترهيب من أجل الفوز بالانتخابات مستغلين هيمنتهم على مرافق الدولة والجيش والشرطة والأمن السياسي وخزينة الدولة والأراضي والإسكان ومرتبات الموظفين والعمال حتى يفقد الشعب إرادته ورؤيته فيرى السلبيات إيجابيات حتى لو تدهورت الحياة الاجتماعية والاقتصادية وسموا تدني الخدمات والتخريب إنجازات.
هل رأي أحد شعبًا في العالم يخرج موظفوه وعماله يطالبون بتخفيض رواتبهم من أجل أن يتمتع المسئولون الكبار بالنعمة، ولم نر ظلمًا مثل ظلم ينالنا:
يساء إلينا ثم نؤمر بالشكر :
دأب الاشتراكيون في العالم الثالث على إفقار شعوبهم، وإشاعة الفوضى، وتدمير المرافق العامة في أوطانهم، وتهريب الأموال للخارج حتى إذا سقطوا هربوا وقد سبقتهم الأموال المهربة، كما فعل حاكم أثيوبيا هيلا مريام ورفاقه، فعاشوا في الخارج حياة منعمة وبأعصاب باردة وكأنهم ورثوا هذه الأموال من آبائهم، ولم يسرقوها من شعبهم .
والواقع أنه من غير الإنصاف أن نقارن بين الاشتراكيين في أوروبا والاشتراكيين في العالم الثالث؛ إن الاشتراكية في أوربا غير الاشتراكية في العالم الثالث، فاشتراكية أوربا الغربية ترجع إلى الاشتراكية الغابية، وهي أقرب إلى العدالة وفيها ديمقراطية.
أما الاشتراكيون في العالم الثالث فقد أخذوا اشتراكيتهم من الشيوعية، فهم شيوعيون حقيقة، ولكنهم غلفوا شيوعيتهم بالاشتراكية حتى لا تنفر منهم شعوبهم. ويسبب شيوعيتهم هذه كانوا حربًا على الحريات السياسية والاقتصادية، وحربًا على الأديان وخاصة دين الإسلام، وما يتظاهرون به الآن بعد سقوط الشيوعية في الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية هو مجرد تضليل، لأنه لم يعد في استطاعتهم أن يفرضوا كل الأفكار الشيوعية على الشعوب لعدم وجود قوة تساندهم كما كان الحال عندما كانت الأنظمة الشيوعية قائمة في الاتحاد السوفيتي وشرق أوروبا.
وهم الآن أشبه بالمنافقين في عصر النبوة المحمدية، وتجد أوصاف المنافقين وممارساتهم كلهم تنطبق عليهم، فعلامات المنافقين واضحة في أخلاقهم وسلوكهم إذا حدثوا كذبوا وإذا وعدوا أخلفوا وإذا اؤتمنوا خانوا، وإذا خاصموا فجروا، وقد عناهم- القرآن عندما قال: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ ( البقرة: ٨ ) .
قال بعض العلماء عن هذه الآية: هذه الآية نعت المنافق يعرف بلسانه، وينكر بقلبه ويصدق بلسانه، ويكذب بعمله، ويصبح على حال ويمسي على غيره ويتكفأ تكفؤ السفينة كلما هبت ريح هب معها .
أمثلة من الماركسية الغربية والماركسية العربية:
وهذه عين الانتهازية فالانتهازية ملازمة للفكر الاشتراكي الماركسي ولذلك يتحول الاشتراكيون إلى انتهازيين لأن الأخلاق مهددة ولا قيمة لها في الفكر الماركسي.
وعندما نقول ذلك لا نقوله اعتباطًا ولا تجنيًّا على الفكر الماركسي وإنما هي الحقيقة التي اعترف بها الماركسيون أنفسهم ويسبب ذلك أي بسبب عدم الدافع الأخلاقي في الفكر الماركسي لأنها تحمل بذرة تدميرها وانتهت إلى الانتهازية. وهذا سبق وأن تكهن به أحد المفكرين الماركسيين الكبار هو هنري دومان في كتابه الاشتراكية البناء، قال: لم يندفع ماركسي بدافع أخلاقي ليعيد العدالة إلى المجتمعات ولكن مارس الأخطاء، إذ حذف الأخلاق من مذهبه واعتبرها خيالًا وخرافة لذلك فإن الماركسية ستنتهي حتمًا إلى الانتهازية ذلك أنه بحرص طبقة غير المالكين البروليتاريا، للوصول إلى الحكم بدافع تحقيق مصلحتها الطبقية، فإذا كان الأمر كذلك فما فائدة الفرق بين هذه الطبقة والطبقة الرأسمالية فهي أيضًا الحصول على المصلحة والوصول إلى السلطة لا مرجعه للطبقة الأولى المظلومة إن لم يكن هناك عدل وظلم، وعلى هذا الأساس يكون الصراع، وأن ماركس بإنهائه الدافع الأخلاقي في الصراع وضع في مذهبه بذرة تدميره وتهديمه ولابد أن تنتهي الماركسية إلى الانتهازية. ثم يقول هنري دومان إنه لابد أن يصحح الماركسية بإضافة العنصر الأخلاقي إلى النظرية.
كيف يستطيع هنري دومان أن يدخل عنصر الأخلاق إلى الماركسية وأساسها الإلحاد فالقيمة الأخلاقية ليس مصدرها مخابر الكيمياء ولا الفيزياء؟
والماركسيون العرب هم أكثر الاشتراكيين انتهازية وبعدًا عن الأخلاق ولذلك نجدهم أكثر الناس تنكرًا للإسلام وأكثر الناس عداء له فأحدهم يقول بكل وقاحة في دراسة جعل عنوانها: من التراث إلى الثورة نحو نظرية مقترحة في قضية التراث العربي.
يقول هذا ذا العربي الماركسي: «نحن العرب أبناء القرن العشرين لسنا بحاجة إلى استلهام المسيحية الأولى أو الشعراء الصعاليك أو محمد بن عبد الله أو أبي بكر وعمر وغيرهم ممن سبقوهم وخلفهم، أقول: لسنا بحاجة إلى ذلك كله لكي نمنح مرحلتنا القومية الناهضة مشروعيتها في أن تكون باتجاه توحيدي» ثم يقول في تناقض واضطراب نحن- الاشتراكيين العرب- فخورون بأننا لا ننحدر من ماركس وانجلز ولينين وحسب وإنما كذلك من المسيحيين الأوائل ومحمد بن عبد الله وأبي ذر الغفاري وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيلان الدمشقي والخوارج والقرامطة والزنج. فهم بانتهازيتهم يخلطون بين الحق والباطل وبين النور والظلام ليخدعوا الناس في خلطهم هذا، ولذلك نراهم الآن ينتهزون فرصة الإرهاب الذي يقوم به بعض المنتسبين للجماعات الإسلامية فيصبون غضبهم على الاتجاه الإسلامي كله، وينسون أنهم هم أصحاب فكرة العنف الثوري أما كان ذلك شعارًا لكل اليساريين في العالم وارتكبوا في ظله أفظع الجرائم نحن- المسلمين- نؤمن بمبدأ : ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ﴾ (فاطر:18) ، ولكن الماركسيين العرب لأنهم فقدوا الأخلاق يقولون في الناس بالحق وبالباطل ونجدهم اليوم أكثر المتعاملين مع المخابرات الأمريكية بحجة مقاومة الإرهاب والسطحيون منهم يحاولون أن يلعبوا على الحبال ولكنهم يسقطون في أول اللعب وينكشفون على حقيقتهم بسرعة، ونقول لهؤلاء: لا تتعبوا أنفسكم فأدواركم مفضوحة، وإذا كنتم تريدون أن تأكلوا «ملبن» ففتحوا عيونكم أكثر مما هي عليها الآن فالمسلمون يعرفون المفسد من المصلح والخداع والمكر لن ينفعها ونحن نؤمن بما يقوله قرآننا ولا يحيق المكر السبي إلا بأهله، فيا حملة الأقلام من بقايا الماركسية والاشتراكية العربية فسواء حاضرتم في الجامعات الأمريكية أو في الجامعات العربية والإسلامية، أو كتبتم في الصحف التقدمية أو الرجعية فأنتم معروفون بانتهازيتكم أيها الانتهازيون العرب، فمن الخير لكم أن تعلنوا توبتكم إذا أردتم التوبة وتعلنوها توبة نصوحًا والله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾ (الحج:40) ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ (الأنعام:١٢٢) ، ونسأله تعالى ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إنه سميع مجيب.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

