العنوان مكاسب اليهود وخسائر العرب في واشنطن
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 13-يوليو-1993
مشاهدات 13
نشر في العدد 1057
نشر في الصفحة 6
الثلاثاء 13-يوليو-1993
كانت «المجتمع» قد ذكرت مع عقد الجولة الأولى من مفاوضات الاستسلام لحل القضية الفلسطينية في إسبانيا قبل أكثر من عامين. وأكدت على أن الإخفاق سيكون هو النهاية الوحيدة المتوقعة لهذه المفاوضات والآن وقد تحقق ذلك بعد عشر جولات لاقى العرب فيها من الهوان والذلة على أيدي الصهاينة والأمريكيين ما لاقوا، فإننا سنكتب من جديد كلاما كالذي قلناه بالأمس مؤكدين على أن طريق استرداد فلسطين لن يكون من مدريد أو واشنطن وإنما هو طريق يعرفه الجميع.
فإسرائيل لا تريد السلام ولا تسعى إليه لأنها لا تطيقه لأسباب مفهومة ومعروفة بشكل لا يحتمل معه أن يستمر مسؤولون عرب في إطلاق تصريحات متفائلة بشأن مفاوضات التسوية، ولن نقول السلام وحتى التسوية لا تريدها إسرائيل خصوصا إذا كانت تتضمن التضحية بالأرض التي استولى عليها اليهود بالقهر والاغتصاب، وسيتبين للمفاوضين العرب لو طالبوا في المستقبل بالسلام من أجل السلام، لا الأرض كما يشترط اليهود الآن فإن إسرائيل سترفض أيضا لأن الكيان الصهيوني قام على الاغتصاب والحروب والسلب والنهب وأسست الدولة الصهيونية على أرض فلسطين المسلمة سلبا ونهبا واغتصابا من أهلها، كما أن شواهد التاريخ تؤكد ذلك.
فاليهود الذين انقرضت آخر دولة لهم قبل ما يزيد ألفي عام بظلمهم لأنفسهم وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف وكفرهم بالله لم يعيشوا قط في إطار دولة واحدة، بل شتتهم الله في الأرض وعاشوا خلايا طفيلية على الشعوب الأخرى، والآن يحتاج اليهود إلى استمرار المشروع الصهيوني التوسعي المعادي للعرب حتى يتماسك الشعب اليهودي على أرض الإسراء المغتصبة ولا ينفرط عقده لابتعاد الطبيعة اليهودية عن خصائص الشعوب الدينية والعرقية الأخرى التي تتماسك وتترابط في دول موحدة كما هي طبيعة الجنس البشري. وإذا كان مفهوما للكثيرين معارضة الطبيعة اليهودية للعيش السلمي والطبيعي مع غيرهم فإن مشاركة اليهود فيما يسمى بمفاوضات السلام لم تأت نشازا عن طبعهم ذاك بل لجملة من العوامل الموضوعية التي لا يصعب على التفكير المنطقي حسابها: فإسرائيل مشروع يهودي صهيوني توسعي أسس على التفسير المحرف للتوراة ولم يحقق كامل فصوله بعد لضعف اليهود بشريا من حيث التعداد ولاختلافهم على أنفسهم كما قال سبحانه ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ﴾ (الحشر: 14) وليس من المنطقي أن تحبس إسرائيل نفسها في حدود ترسمها مفاوضات مزعومة للسلام إن إسرائيل روجت نفسها إعلاميا وسياسيا طوال عقود مضت على أنها كيان صغير مستضعف يقاتل ببسالة جيرانا شريرين حاقدين وينتصر عليهم ناشدا السلام، ووفقا لهذا التصور فإن إسرائيل تحتاج إلى مشاركة في شكليات المفاوضات السلمية للحفاظ على هذه الصورة.
إن إسرائيل التي اعتمدت ثلاثة عقود متوالية على الدعم الأمريكي الكامل لا تستطيع مقاطعة ومعارضة رغبة الإدارة الأمريكية في تحقيق سلام مزعوم في الشرق الأوسط تبرره المصالح القومية للولايات المتحدة، لكنها تستطيع مجاراة الحليف الأمريكي في الإجراءات الشكلية في حين لا يخذلها مكر اليهود وخبثهم في تخريب المفاوضات من حيث المضمون إن المشاركة في المفاوضات تحقق مكاسب هامة لإسرائيل من حيث كونها اتصالات سياسية واجتماعات لا غير بشرط ألا تقدم إسرائيل أية تنازلات جوهرية بالمقابل وتحصل من العرب على أكثر مما كانت تحلم به وتزيل كثيرا من الحواجز بينها والحكومات العربية خلال سنوات المفاوضات الطويلة المرتقبة. ولو نظرنا لما تحقق حتى الآن لإسرائيل من مكاسب فإننا نستطيع أن نعدد المكاسب التالية:
- اعتراف عربي كامل بحق إسرائيل كدولة في الوجود.
- تراجع عربي عن كل أدبيات الرفض السياسي والمعنوي لذلك الحق، واعتذار غير معلن عن العداء العربي لإسرائيل منذ عام ١٩٤٧ وحتى سنوات قليلة مضت.
- فتح المجال لإزالة المقاطعة الاقتصادية عن إسرائيل وإنهاء الحاجز النفسي بينها وبين أقطار العالم الإسلامي حيث إن بعض الحكومات العربية تفاوض إسرائيل ويعقدون مع اليهود صلحا مما يحقق لإسرائيل مكاسب سياسية واقتصادية ويفتح لها أسواقا جديدة لم تكن تحلم بها من قبل.
- تحريك مشروع التطبيع اليهودي - العربي مراحل عديدة إلى الأمام حيث نشطت إسرائيل في ذلك تحت مظلة الجولات التفاوضية العشر وتدخلت بوقاحة في المناهج الإعلامية والتربوية في بعض الدول العربية لاستبعاد مظاهر العداء لليهود ونجحت - للأسف – في ذلك.
- قتل الانتفاضة نفسيا عن طريق اعتراض رسالتها عالميا، فطالما المفاوضات تجري على قدم وساق فإن العالم لن ينظر لتضحيات المسلمين في فلسطين إلا كأعمال تطرف وإرهاب لا تبررها الحاجة السياسية.
- كانت المشاركة في المفاوضات سبيلا لإسرائيل للحصول على قروض ضخمة بـ ۱۰ بلايين دولار من الولايات المتحدة وباستمرارها ستحقق إسرائيل فرصا مالية أخرى كبيرة.
- استغلال الركود والانشقاق العربي لتدعيم ترسانة إسرائيل العسكرية وتفوقها النوعي والتقني على كافة الدول العربية المجاورة.
هذا بعض ما حققته إسرائيل من مكاسب من وراء المفاوضات بمساعدة الشريك الأمريكي المنحاز والضاغط على العرب لتحقيق أكبر قدر من مكاسب هذه المفاوضات، فماذا حقق المفاوضون العرب؟ وهل كانوا خيرا من «حنين» الأعرابي الذي عاد من اليمن بخفيه.. ولكن الذاهبين إلى واشنطن ما عادوا حتى بهذا الخف!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل