; الممارسات ضد الإسلاميين هي الفاشية.. أليس كذلك؟؟ | مجلة المجتمع

العنوان الممارسات ضد الإسلاميين هي الفاشية.. أليس كذلك؟؟

الكاتب زياد أبوغنيمة

تاريخ النشر الثلاثاء 12-يوليو-1988

مشاهدات 15

نشر في العدد 874

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 12-يوليو-1988

  • ملاحظات حول مقال للدكتور سعد الدين إبراهيم:

الحلقة الأولى:

في عددها الصادر في أول أيام عيد الفطر المبارك الأول من شوال من عام ١٤٠٨ هـ، الموافق للسادس عشر من أيار من عام ۱۹۸۸، نشرت «الدستور» مقالًا بعنوان «الفاشية الدينية والفن» للدكتور سعد الدين إبراهيم، الأستاذ في الجامعة الأمريكية في القاهرة، والأمين العام السابق لمنتدى الفكر العربي الذي يتخذ من عمان مركزًا له.

 وكان المقال في مجمله ثم في محصلته استنكارًا من الدكتور سعد الدين إبراهيم لما ذكره من قيام «بعض» وليس «كل» الجماعات الإسلامية المتزمتة حسب تعبيره، باستعمال أسلوب الحوار بالخناجر والسلاسل والجنازير الحديدية مع مخالفيهم في الرأي، حول حرمة أو حل الفنون الأدائية من تمثيل، وموسيقى، وغناء ورقص. 

وأسارع بادئ ذي بدء، لأذكر أن كلامي هذا ليس ردًا على الدكتور سعد الدين إبراهيم من قبيل المجادلة واقتناص المزالق والهفوات، وإنما هي ملاحظات وددت أن أضعها بين يدي أخي الدكتور سعد الدين إبراهيم، ويدي كل باحث عن الحق والحقيقة، وكل منصف ينشد الحق والحقيقة، وأرجو أن يكون أخي الدكتور سعد الدين من هؤلاء الذين ينشدون الحق والحقيقة. 

التزمت... أهو تهمة شائنة.. أم هو خصلة حميدة...؟

يستعمل الدكتور سعد الدين في مقاله- ولعله يفعل ذلك في مقالاته الأخرى- اصطلاح «الجماعات الدينية المتزمتة»، ولقد انطبع في عقول الكثير من الناس أن صفة التزمت «بضم الميم وتشديدها» التي تلصق بالجماعات الإسلامية، إنما هي صفة توحي بتهمة شائنة، بينما هي في الحقيقة صفة كريمة، وخصلة حميدة، ينبغي على كل إسلامي يوصف بها أن يشكر عليها واصفه بها، ففي اللغة العربية الفصحى يقال: زَمُت الرجل «بضم الميم» أي وَقُر «بضم القاف»، ويقال: فلان رجل زِمِّيت «بكسر الميم وتشديدها» أي هو رجل وَقُور، «يراجع ترتيب القاموس المحيط»، ويقال: «تزمَّت الرجل بفتح الميم وتشديدها» أي أصبح رجلًا جليلًا وَقُورًا، ويقال: فلان «أَزْمَت الناس» أي أكثرهم وقارًا «يراجع المنجد».

 فشكرًا لأخي الدكتور سعد الدين إبراهيم على وصفه للجماعات الإسلامية، سواء بعضها أو كلها بالتزمت أي بالجلال والوقار.

الموضوعية كل لا يتجزأ...

من حق الدكتور سعد الدين إبراهيم أن يستنكر ما يعتقد هو أنه تعسف في أسلوب التعبير عن الرأي، ولكن- من حق الحق والحقيقية- عليه أن يكون موضوعيًا، فلا يبدي رأيه إلا بعد محاكمة عادلة منصفة لجميع الظروف والملابسات التي تحيط بالتصرفات التي يعتبرها هو تعسفًا في التعبير عن الرأي.

ولعل «ألف باء» الموضوعية أن نتفق أن كل «فعل» يقابله «رد فعل» مساوٍ له في القوة، ومضاد له في الاتجاه، فإذا اتفقنا على هذه القاعدة، فإن من متممات الأمانة الموضوعية أن نبحث عن «الفعل» الذي تسبب في «رد الفعل» الذي أقدمت عليه بعض الجماعات الإسلامية «المتزمنة» على النحو الذي ذكره أخي الدكتور سعد الدين، من استعمال للخناجر، والسلاسل، والجنازير الحديدية، وهي تهمة تحتاج إلى أدلة وبراهين. 

لقد كان من حق الموضوعية على الدكتور سعد الدين إبراهيم- وهو الأستاذ الجامعي، والمفكر والباحث- أن يحفر في أعماق ظاهرة العنف التي تشهدها ليس بعض جامعات مصر فقط، وإنما الكثير من جامعات بلدان العالمين العربي والإسلامي، وأن يستمر في الحفر حتى يصل إلى جذور هذه الظاهرة، لا أن يكتفي بتعرية قشور بعض أغصانها، ثم يبني حكمه ورأيه على معطيات لم تنفذ إلى جذور هذه الظاهرة الرازحة فوق ركام هائل من التعتيم والتجاهل والتنكر للموضوعية.

كان ينبغي على أخي الدكتور سعد الدين أن يقول: إن تلك الجماعات الإسلامية لم تقدم على ما أقدمت عليه- مما يعتبره تعسفًا في إبداء رأيها- إلا بعد أن حوصرت بأفعال متعمدة، استهدفت استفزازها في دينها، ووجدانها، وحريتها في التعبير عن رأيها، وحريتها في الاستفادة من حرمة القانون، وحريتها في الكشف عن مكنون إبداعها، وهي الحريات الثلاث التي جعلها الدكتور سعد الدين أساسًا للبعد المبدئي لقضية الفن عمومًا، وأية فنون أدائية أخرى.

وأتساءل... هل من الموضوعية أن نتجاهل عشرات القرارات التي تستفز كل مسلم ومسلمة، ولا يقتصر استفزازها على طلاب وطالبات الجامعة المصرية، تلك القرارات التي تمنع الفتاة المسلمة في الجامعات المصرية وغير المصرية من ارتداء الحجاب الإسلامي أو النقاب....؟

وهل من الموضوعية أن نتجاهل إصرار عمادات بعض الجامعات المصرية على تحدي حرمة القانون بإصرارها على رفض أحكام قضائية مبرمة، قضت بأن من حق كل فتاة مسلمة- في أية جامعة مصرية- أن تتحجب أو تتنقب كما تشاء، وأن هذا الحق ليس مجرد ممارسة لحقها في حرية الالتزام بشريعة الله، وإنما هو أيضًا تجسيد لحريتها في ممارسة حريتها الشخصية في انتقاء ما ترتدي وما لا ترتدي....؟!

أليس من الموضوعية أن تذكر أنه في الوقت الذي كانت فيه عمادات بعض الجامعات المصرية تسمح بتنظيم حفلات الرقص المختلط، والسباحة المختلطة، وغير ذلك من النشاطات، كانت في نفس الوقت ترفض أن تنظم الجماعات الإسلامية احتفالات بمناسبات إسلامية جليلة كذكرى حطين، وذكرى بدر، وذكرى الإسراء والمعراج....؟

إن من مقتضيات الأمانة الموضوعية، وإن من مقتضيات الإنصاف أن لا يقتصر استنكار المستنكرين على ما يزعمونه من تعسف بعض الجماعات الإسلامية في إبداء رأيها ضد من يخالفها الرأي، بل ينبغي أن يمتد استنكارهم ليشمل كل الممارسات الاستفزازية التي تحاصر بها الجماعات الإسلامية.

إنه ليس من العدل أبدًا أن ينصب جام غضب الغاضبين- تحت مظلة الغيرة على الحرية الشخصية وحرمة القانون، وحرية الإبداع- على الجماعات الإسلامية وحدها، ثم يغمضون أعينهم عن الظلم والحيف الذي يحيق بالإسلاميين المطاردين في حرياتهم الشخصية، والمحرومين من التفيؤ تحت ظلال حرمة القانون والممنوعين من إظهار مواهبهم الإبداعية.

إنه حين يسمح لفتاة الجامعة بحرية التعري، ثم تحرم فتاة أخرى من حرية التستر..!

إنه حين يسمح لمجموعات من طلاب الجامعات بممارسة حرياتهم الشخصية بلا حدود رقصًا وطربًا وشخلعة، ثم تحرم مجموعات أخرى من ممارسة حرياتها الشخصية بقيود القرارات والقوانين، فلا يجدون مكانًا يؤدون فيه صلاتهم، ولا يعطون فرصة للاحتفال بذكريات تاريخهم الإسلامي المجيدة، ويحرمون من التعبير عن إبداعهم....!

إنه حين تطبق حرمة القانون بحذافيرها حين يكون الأمر متعلقًا بأمر يحد من نشاط الإسلاميين، ثم تجمد حرمة القانون تجميدًا قسريًا حين يكون الأمر متعلقا بأمر يستفيد منه الإسلاميون....!

 إنه حين يحدث هذا.... فليس من حق أحد أن يدفن رأسه في الرمال، ويزعم أن براكين الغضب لن تتفجر ضد هذا التحيز الواضح الفاضح لصالح فئة دون فئة....!

أفيظن هؤلاء الذين يتنكرون على الإسلاميين- في جامعات مصر وغيرها- حقهم في إبداء ردود فعل تواجه عشرات بل مئات الأفعال والممارسات الاستفزازية التي تمارس ضدهم، أفيظن هؤلاء أن الدماء التي تسري في شرايين هؤلاء الفتية والفتيات لا تفور مثلما تفور دماء كل إنسان- بل كل حيوان- حين يستفزه استفزاز أو يقهره قهر....؟

أفيظن هؤلاء المستنكرون أن أعصاب هؤلاء الشباب والفتيات لا تثور مثلما تثور أعصاب كل إنسان- بل كل حيوان- حين يستفز أو حين يهان....؟

وليطمئن- أخي الدكتور سعد الدين إبراهيم- إلى أنه حين تتوقف الممارسات الاستفزازية التي تحاصر بها الجماعات الإسلامية- بعضها أو كلها- فحينئذ لن يكون وحده الذي يستنكر أي تعسف في إبداء الرأي من أية جماعات إسلامية أو غير إسلامية، فسنكون حينئذ في صف واحد معه ضد أي تعسف يمارس دون مبرر لمجرد التعسف..!

الفاشية الدينية....!

أهو مصطلح جديد في حملة «التخويف» من الحركة الإسلامية....؟

اختار الدكتور سعد الدين لمقاله عنوان: «الفاشية الدينية.. والفن»، وعهدنا بالفاشية أنها صفة لنظام حكم تعسفي، إرهابي، متعصب للجنس الإيطالي، ابتدعه موسوليني، ثم أعلن عن توأمته مع النازية التي ابتدعها هتلر، وهي كذلك صفة لنظام حكم تعسفي، إرهابي، متعصب للجنس الآري الألماني.

 إذن فليعذرني الدكتور سعد الدين إبراهيم إذا أوجست خيفة من اختياره لهذا المصطلح الجديد «الفاشية الدينية»، وليعذرني أن أصارحه بأنني أعتقد أنه اختار هذا المصطلح ليغمز من قناة الفكر الديني، بل لم لا أكون أكثر صراحة فأقول بأنه اختار هذا المصطلح ليضيفه إلى مصطلحات سابقة من مثل «التطرف الديني» و«الإرهاب الديني» والوصولية الإسلامية والجماعات المتطرفة.... إلخ... إلخ، وكلها مصطلحات تقذف الحركة الإسلامية بتهمة الإرهاب والتعسف والتعصب، وهذه كلها كانت المرتكزات التي انطلقت من فوقها الفاشية....؟

ولست أخالف الدكتور سعد الدين إبراهيم في أن الفاشية هي في جوهرها مصادرة الحريات العامة بلا سند دستوري، أو منطقي، أو قانوني، وهي كذلك التعسف في تقييد سلوك أفراد المجتمع وممارساتهم دون رضاهم...

ولست أخالفه أيضًا في أن الفاشية ليست وقفًا على أنظمة الحكم التسلطية، وإنما تشمل أي جماعة ضالعة في هذه الممارسات التسلطية.

هذا كلام جميل أتفق مع أخي الدكتور سعد الدين عليه، ولا إخال أي منصف يخالفه فيه...

ولكن...! ولكن من حقي- ومن حق كل باحث عن الحق والحقيقة- أن نسأل الدكتور سعد الدين: إذا كانت الفاشية في جوهرها هي مصادرة الحريات العامة، فأي سند قانوني أو منطقي أو دستوري يسمح لأية مجموعة من الناس تلتقي على فكر ما أن يكون لها حزب، ومجلات، ومراكز تحت مظلة حق هذه المجموعات في التمتع بالحريات العامة التي يكفلها القانون والدستور والمنطق، ثم تحرم من هذا الحق جماعة يلتف حول فكرها الإسلامي بضع ملايين من المصريين، بحجة أنها تستند في فكرها إلى الدين..؟

إن لم تكن هذه هي الفاشية بعينها، فكيف تكون الفاشية إذن...؟

وحين ننكر على الفاشية أنها شكل من أشكال التعسف في تقييد سلوك أفراد المجتمع وممارساتهم دون رضاهم، أو ليس إجبار الفتيات في بعض جامعات مصر على خلع الحجاب أو النقاب دون رضاهن شكلًا من أشكال الممارسة الفاشية ضد حريتهن وإرادتهن؟

وإذا كان من حق الدكتور سعد الدين أن يتهم ممارسات بعض الجماعات الإسلامية بأنها خروج على قوانين الدولة وسلطة المجتمع، فإن من حق الحق والحقيقة عليه، وإن من مقتضيات الأمانة الموضوعية عليه أن لا يغفل ما تعرضت له الجماعات الإسلامية في مصر من ممارسات فاشية إرهابية، وحشية، لا إنسانية، استمرت طيلة بضع وعشرين سنة متواصلة تحت مظلة تهمة محاولة اغتيال حاكم تلك الحقبة من قبل شخص زعم أنه ينتمي للجماعة الإسلامية، وهي تهمة أصدرت محكمة جنوب القاهرة قبل عامين حكمًا قضائيًا مبرمًا ببطلانها، بل لقد عززت المحكمة حكمها بإصدار حكم آخر يتهم حاكم تلك الحقبة بتزوير تلك التهمة؛ لتكون مبررًا لممارسة أبشع أشكال الفاشية ضد الجماعات الإسلامية.

فإذا كانت الفاشية هي الإرهاب، والتعسف، والتعصب، فإن من غير المنطقي، وليس من الموضوعية أن تتهم الجماعات الإسلامية- ولو غمزًا- بالفاشية، وهي التي كانت ضحية الممارسات الفاشية الإرهابية التعسفية الوحشية.... 

هل أذكر الدكتور سعد الدين بعشرات الأسماء من خير رجال ونساء وشباب مصر الذين «أعدمتهم» المحاكم الفاشية أو اغتالتهم العقلية الفاشية....؟ هل أذكره باغتيال رائد الجماعات الإسلامية حسن البنا في أكبر ميدان في القاهرة...؟

هل أذكره بإعدام أشهر متخصص في القانون الجنائي الإسلامي الشهيد عبد القادر عودة....؟ هل أذكره بإعدام قادة الجهاد الإسلامي في فلسطين عام ١٩٤٨، من أمثال الشيخ محمد فرغلي، ويوسف طلعت....؟

هل أطلب منه أن يقرأ كتاب المجاهدة زينب الغزالي «قصة حياتي»، وكتاب أحمد رائف «البوابة السوداء»، ومذكرات المرحوم حسن عشماوي، وعشرات الكتب الأخرى التي تحكي قصصًا عن أبشع الممارسات الفاشية الإرهابية التعسفية ضد نخبة من خيرة أبناء مصر ونسائها....؟

هل أطلب من الدكتور سعد الدين أن يطلع على عشرات الأحكام التي أصدرها القضاء المصري ضد عشرات الضباط والجنود الذين كانوا يمارسون التعذيب الوحشي ضد الإسلاميين في سجون ليمان طرة والواحات والسجن الحربي، والهاكستب.... و....و؟؟

وبعد....

فإني لأرجو أن يتسع صدر أخي الدكتور سعد الدين إبراهيم لهذه الملاحظات، ولعلي أستكمل في حلقة قادمة- بإذن الله تعالى- بقية ملاحظاتي التي أرجو أن يتسع لها أيضًا صدر الدكتور الفاضل، مع خالص مودتي.

رسائل الإخاء

بقلم الشيخ نادر النوري

النعي والتعزية:

قال ابن القيم في زاد المعاد 1/528: كان من هديه- صلى الله عليه وسلم- ترك نعي الميت، بل كان ينهى عنه، ويقول: هو من عمل الجاهلية، وقد كره حذيفة أن يعلم به أهله الناس إذا مات، وقال: أخاف أن يكون من النعي، انتهى. والصحيح ما قاله البخاري- رحمه الله-: باب «الرجل ينعَى إلى أهل الميت بنفسه»، وذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وحديث أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، وإن عيني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لتذرفان، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له».

 قال الحافظ في الفتح 3/116: وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعا كله، وإنما نُهِيَ عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن- أي بصوت عال- بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق.

وقال ابن المرابط: مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح، وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة، لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته، وتهيئة أمره، والصلاة عليه، والدعاء والاستغفار له، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الأحكام. انتهى.

عن ابن عون سأل إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون النعي؟ قال: نعم، قال ابن عون: كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابته ثم صاح في الناس: أنعى فلانا»، قال ابن سيرين: لا أعلم بأسًا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه.

وقال ابن العربي المالكي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات، الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة، والثانية: دعوة الحفل للمفاخرة- كنصب السرادق والإنفاق الكثير – فهذا يكره، والثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك، فهذا يحرم. انتهى.

ولا خلاف بين الفقهاء في استحباب التعزية لمن أصابته مصيبة كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى، ما لم تكن شابة، وجمهور الفقهاء على أن حدتها ثلاثة أيام لحديث البخاري الفتح 3/146: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا»، وتكره بعدها لئلا يجدد للمصاب الحزن بالتعزية، إلا إذا كان أحدهما غائبًا، وعند بعض الحنابلة لا أمد لها؛ لأنها نوع من الدعاء والحمل على الصبر، والأفضل عند الجمهور أن تكون بعد الدفن لئلا يشغل أهله عن تجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر، وكره بعض الفقهاء الجلوس للتعزية «كالشافعية والحنابلة»؛ لأنه محدث، ولأنه يجدد الحزن، ويرى المالكية وبعض الحنابلة أنه لا بأس بالجلوس لها ثلاثة أيام من غير ارتكاب محظور، وتفضل أن تكون في بيت المصاب، ويكره أن يستديم المعزي الجلوس زيادة كثيرة على قدر التعزية كما في كشاف القناع 2/160، ويحسن أن يقول عند التعزية: «إن الله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب» رواه البخاري.

 وعزَّى أحمد بن حنبل أحد أصحابه بقوله: «أعظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم» المغنى 2/544، ويسن لجيران أهل الميت أن يصنعوا طعامًا لهم؛ لأنه جاءهم ما يشغلهم..

عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: «أرسلت ابنة النبي- صلى الله عليه وسلم- إليه: أن ابنًا لي قبض، فأتنا، فأرسل يقرئ السلام، ويقول: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال، فرفع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصبي ونفسه تتقعقع- قال: حسبته أنه قال: كأنها شن «أي جلد يابس»، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟! فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء»، البخاري الفتح ٣/١٥١.

الرابط المختصر :