العنوان مناقشة موضوعية لأحداث الأردن من خلال الكتاب والسنة
الكاتب أ. عبد الله محمد عبد الله
تاريخ النشر الثلاثاء 29-سبتمبر-1970
مشاهدات 57
نشر في العدد 29
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 29-سبتمبر-1970
الأمم معرضة لمرض الفرقة
ما هو العلاج؟
مناقشة موضوعية لأحداث الأردن من خلال الكتاب والسنة
للأستاذ عبد الله محمد عبد الله
إن ما حدث في الأردن كان نتيجة حتمية لم يستبعد وقوعها أحد وكانت الإمارات والدلائل كلها تشير إلى حدوث تصادم بين المقاومة الفلسطينية والسلطة الأردنية وقرب وقوع هذا التصادم بصورة أو بأخرى ولكن الذي وقع لم يكن منتظرًا ولا مرتقبًا للمراقبين وتطورت الأحداث فجأة وبسرعة أذهلت العالم أجمع وأن من استصغروا أمره بدا عملاقًا قويًا أقضّ مضاجع الأعداء في كل مكان وهو يسير في محنته شاقًا طريقه بكل ثبات وعزم وقوة حتى بدا هو الأمل الوحيد للشعوب العربية والإسلامية في تكوين القوة البعيدة عن التيارات الاستعمارية في اللقاء مع العدو الصهيوني والقضاء عليه وتطهير الأرض المباركة أرض الإسراء والمعراج، وإنه على عظم المحنة وهول الفاجعة التي يمر بها العالم العربي المسلم فإن بعض علماء المسلمين عن حسن نية أخذ يكرر في أحاديثه وخطبه مثل حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، إلخ مطبقًا هذا الحديث على ما يدور في الأردن.
ولما كان ذلك يثير بلبلة في الفكر الإسلامي المعاصر رأيت أن أبين حكم الإسلام على ضوء كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح حتى تتجلى الحقيقة واضحة ويبين حكم الله للأمة بلا غموض أو لبس وتواجه مشاكلها بخطى ثابتة وبينة من الأمر لا تتوزعها الأهواء وتتقاسمها الخلافات في وقت هي أحوج ما تكون إلى من يجمع كلمتها وينظم صفوفها ويدفعها إلى العمل الإيجابي المنظم لتؤدي دورها بثبات ويقين -قال تعالى ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. (الحجرات: ٩-١٠) صدق الله العظيم.
١-هذه الآية الكريمة نص تشريعي ملزم للأمة. عليها أن تطبقه فيما يشجر بينها من خلاف وأن تحدد موقفها بسرعة وتتخذ مواقعها منه وأن تعمل على خنق الفتنة في مهدها ووأدها قبل استفحالها وسوق الآية بهذا الأسلوب الحكيم يأمرنا أن نطير إلى إخماد الفتنة زرافات ووحدانا ونقضي عليها بشتى الوسائل الممكنة ونتعرف على أسبابها ووجهت كل طائفـة والشبهة التي تتمسك بها ونصدر حكمنا فمن نقضه ولم يتقيد به وجب علينا مقاتلته حتى يفيء ويرجع عن بغيه هذا هو حكم الله وشرعه بينه لكم معشر المسلمين فلا تثاقلوا وتخلدوا إلى الدعة والأمة تتمزق شر ممزق والأعداء يتربصون بنا الدوائر.
٢-ذهب أهل التأويل إلى أن هذه الآية أصل في قتال المسلمين والعمدة في حرب المتأولين كما ذكر ذلك القاضي أبو بكر بن العربي وعليها عول الصحابة وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يدعي أن قاتلهم ومقتولهم في النار كما جاء في الحديث سالف الذكر والذي سيأتي تأويله وذلك أن سبب نزول هذه الآية كما جاء في كتب التفسير وذكر القرطبي في تفسيره عن قتادة أنها نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مدارأة -خلاف في حق بينهما- فقال أحدهما: "لآخذن حقي عنوة" لكثرة عشيرته. ودعاة الآخر إلى أن يحاكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه. فلم يزل الأمر بينهما حتى توافقا وتناول بعضهم بعضًا بالأيدي والنعال والسيوف فنزلت هذه الآية.
وقال الكلبي إنها نزلت في حرب سمير وحاطب وكان سمير قتل حاطبًا فاقتتل الأوس والخزرج حتى أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يصلحوا بينهما وثمة أقوال أخر في نزول هذه الآية وأيًا ما كان فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول علماء الأصول فإن المؤمنين مطالبون أن لا يقفوا موقف المتفرج فيما يحدث بين إخوتهم من فرقة وخلاف وتقاتل.
٣-حديث "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار -قال فقلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" رواه أبو بكر: وأورده الإمام البخاري في صحيحة في كتاب الإيمان: باب: وإن طائفتان الآية والتأويل أن هذا الحديث خاص فيما إذا كان القتال دائرًا بدون تأويل وبدون مقتض لمصلحة عامة «شرح الكرماني لصحيح البخاري الجزء الأول».
٤-ذكر القرطبي صاحب التفسير أن العلماء قالوا: لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما. إما أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعًا أولًا: فإن كان الأول فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغي -صير إلى مقاتلتهما- وإما إن كان الثاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب. فإن فعلت أصلح بينهما وبين المبغى عليها بالقسط والعدل فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقة فالواجب إزالة الشبهة بالحجة النيرة والبراهين القاطعة على مراشد الحق فإن ركبتا متنى اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضوحه لهما فقد لحقا بالفئتين الباغيتين. والله أعلم (أهـ المرجع تفسير القرطبي جزء ١٦).
٥-إن الأئمة الأعلام أمسكوا عن الخوض فيما يدور بين الصحابة رضي الله عنهم قال القرطبي في تفسيره للآية الكريمة لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به.
إذا كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل. وهم كلهم لنا أئمة وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر لحرمة الصحبة ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم وأن الله غفر لهم وأخبر بالرضا عنهم. وقد سئل بعض العلماء عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون﴾. (البقرة: ١٣٤) وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا وعلموا وجهلنا واجتمعوا فاتبعنا واختلفوا فوقفنا.
٦-إننا مع حرصنا الشديد على وقف سفك الدماء الزكية والحفاظ على قوة جيشنا الأردني وقوة فدائنا المظفر لقتال عدونا المكشوف الذي غصب أرضنا وديارنا وحرق مقدساتنا وهزم جيوشنا في خلال ساعات فإننا ننكر أشد الإنكار على رؤوس الفتنة في الأردن الطريقة التي عالجوا بها مواقف الفدائيين وأنهم مهما برروا مواقفهم فإن الدمار والعنف اللذين ألحقوهما بالشعب الأردني نفسه لن يغفر لهم وأن ما ارتكبوه في حق أمتهم من تعريض الآمنين من شيوخ وأطفال ونساء لا يمسكون سلاحًا ولا يستطيعون دفعًا عن أنفسهم ومنعهم الطعام والشراب والأمن لن يغفره الله لهم ولن ينساه التاريخ إنها صفحة سوداء قاتمة يضيفونها إلى الصفحات السود التي لم تنس بعد أن ما ارتكبوه في حق شعبهم لا نجيزه مع الأعداء فبأي عذر يعتذرون. اللهم إنا نبرأ إليك مما صنع هؤلاء اللهم ارفع عن أمة محمد الظلم والظالمين.