; مناقشة هادئة لقرار إيقاف "المجتمع" | مجلة المجتمع

العنوان مناقشة هادئة لقرار إيقاف "المجتمع"

الكاتب مشاري البداح

تاريخ النشر الثلاثاء 22-سبتمبر-1970

مشاهدات 17

نشر في العدد 28

نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 22-سبتمبر-1970

بقلم: رئيس التحرير

توقفت هذه الجريدة عن الصدور أسبوعين أو ثلاثة أو شهرًا، وليس هذا هو جوهر الموضوع، فإن الجريدة  قد تتوقف بسبب عادى جدًا يتصل بالطباعة أو أي خلل آخر.

جوهر الموضوع إذن ومناط هذا التعليق هو:

هل من حق أحد أن يقرر - ويثبت ذلك موضوعيًا - إبعاد الإسلام عن قضية بعينها؟

 السؤال بطريقة أخرى: هل «إسلامية» جريدة المجتمع المعلنة والموافق عليها قبل الإعلان، هل يمكن أن تفصل عن قضية ما من قضايا المجتمع واهتماماته داخليًا وخارجيًا؟

الفصل هنا أمر مستحيل نظريًا وعمليًا، ونتجاوز التعميم إلى التفصيل المحدد: إذا كان قرار الإيقاف منصبًا على «حرمان» هذه الجريدة من إبداء الرأي من موقف هام - قضية فلسطين مثلًا - وهي قضية مرتبطة بعقيدتنا وفكرنا وتاريخنا وإحساسنا الديني بوجه عام، فما معنى التسليم بقرار الحرمان؟

معناه المباشر - لا المستنتج - الموافقة على إبعاد الإسلام وحده عن الاهتمام بأمور المسلمين!! وحرمانه من الانشغال بقضية هو نفسه الذي منحها وزنها الديني، وبعدها السياسي، ومكانتها التاريخية، حين توجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - والله قادر على أن يجعل المعراج من المسجد الحرام إلى سدرة المنتهى مباشرة -، وحين حمل الإسلام العرب على فتح بيت المقدس في مطلع القرن الهجري الأول.

معناه - أي: التسليم بقرار الحرمان - أن «إسلامية» جريدة المجتمع المعلنة والموافق عليها يجب أن تنحصر في فرعيات جد هامشية كالنصح بقص الأظافر، ومس رؤوس اليتامى برًا بهم، وقد يُفَسَّرُ هذا بأنه سياسة أيضًا!

وبحصر جهود الجريدة في هذا الجانب تحرم وتعجز بالتالي عن شرح جوهر الدين، وهو: العقيدة والإيمان، ذلك أن من مقتضيات العقيدة وموجباتها العملية الاهتمام الحي والدائم بأي نشاط يجرى فوق كوكبنا هذا لمحو موقف بذاته - باسم الله - وإثبات آخر. وسيسمى التجاوب مع مقتضيات الإيمان والتوحيد عندئذ سياسة!

ولو وضعوا قائمة بالممنوعات السياسية لحرمت هذه الجريدة من كل نشاط فكري وعقائدي تقوم به، ولو وضعنا قائمة بالمباحثات الدينية توفر لنا من الحرية ما نستطيع به أن نمارس نشاطنا الإيماني في كل شأن وكل موقف، إذ أن الفصل بين ما هو سياسي وما هو ديني غير متصور ذهنيًا وغير ممكن عمليًا كما سبق القول وكما سيتضح ذلك من فقرة قادمة.

معناه -التسليم بقرار الحرمان- أن دستور الكويت ليس على صواب؛ لأنه - وهو وثيقة سياسية -أقحم الإسلام في السياسة-خطأ-، إذ نص على أن الإسلام «مصدر رئيسي للتشريع».

                                              

 

 

 

وإذا أتيح للإسلام -في أقوى وأعلى وثيقة سياسية في البلاد- أن يستشار في التشريع الذي يوجه شؤون الكويت ويحكمها، فكيف يُحْرَم من مجرد إبداء الرأي في قضية لها علاقة وثقى بمعتقدات شعب الكويت وتاريخه الإسلامي؟

 واضرب لهم مثلًا

إن قرار الإيقاف ليس خطرًا؛ لأنه أوقف جريدة المجتمع وبعض زميلاتها بضعة أسابيع، إنما الخطر في مدلول القرار وسعته، فهو يمكن أن يكون «هوة» تبتلع أي مقال أو توجيه يفسر بأنه سياسي في المستقبل، ولا نعتقد أن ذلك في مصلحة الكويت؛ لأن النقد السياسي الذي تقوم به هذه الجريدة يدفع عن الكويت مخاطر عاصفة ويحرس كيانه باليقظة الدائبة والتوجيه المتتابع.

مثلًا: نقد الشيوعية  كفكرة ونظام وأساليب وأهداف عمل سياسي بالمعنى العلمي، فهل يُسْمَحُ به؟

مثلًا: نقد الاشتراكية البائسة  كفكرة وأساليب ونظام وأهداف إنما هو عمل سياسي، فهل يُسْمَحُ به؟

 مثلًا: تعقب المخربين هنا وهناك وكشف ارتباطاتهم الأجنبية، وإصرارهم على هدم أوطانهم من أجل بناء أوطان الآخرين عمل سياسي، فهل يُسْمَحُ به؟
هنالك عشرات القضايا ومئات المشاكل يمكن أن تقدم فيها هذه الجريدة خدمات كبيرة، قربى إلى الله، ومساهمة في بناء هذا المجتمع ودعمه وترقيته. ومن الخير أن تشجع هذه الجريدة ومثيلاتها على المضي في هذا الطريق في أيام يتواثب فيها الخصوم علينا من كل فج، وتتضاءل درجات التكافؤ بين الهجوم الكاسح والدفاع المتواضع.

حق المواطنة

بانتفاء كل الأسباب الآنفة التي تحرم هذه الجريدة من المشاركة في توعية المجتمع بما يجري حولنا - قربًا أو بعدًا - يرجح أن يكون سبب الإيقاف هو انتقاد الحل السلمي وما اقترن به من اعتبارات وملابسات مست هذا أو ذاك، بيد أن هذا السبب أيضًا مفتقر إلى دعائم موضوعية تسنده، ذلك أن أكثر من صحيفة محلية انتقدت هذا الحل انتقادًا أكثر صراحة وأشد حدة منا من انتقادنا، فلم تتعرض لإيقاف ولا إلى تنبيه. وليس معنى هذا - طبعًا - أننا كنا نتمنى - لكي نرضي - أن يعمم قرار الإيقاف، هذا أمر لا ينبغي أن يخطر على البال؛ لأننا: أولًا: لا نحب لغيرنا ما لا نحب لأنفسنا. وثانيًا: لسنا موافقين على قرار الإيقاف مبدئيًا. نريد أن نقول: أننا نتصور الموضوع على هذا النحو: إذا كانت أسباب قرار الإيقاف من ناحية إسلامية – متصلة بطبيعة الجريدة وإسلاميتها المتفق عليها - ومن ناحية منطقية، لم تكن كافية للإيقاف، وإذا كان الاعتراض على انتقاد الحل السياسي ومنفذيه ليس قائمًا أساسًا بدليل أن هذا النقد قد مورس فعلًا في البلاد، فعلى أي اعتبار اعتمد إذن قرار الإيقاف؟ هل اعتمد على ضرورة حرمان مجموعة معينة من مواطني الكويت من إبداء رأيها في المسائل العامة؟

إن ثقتنا بمجلس الوزراء تعصمنا من هذا الاستنتاج أو تصديق هذا الاحتمال لأسباب كثيرة، منها: أن مجلس الوزراء لا يمكن أن يفكر في هذا، ومنها أن مجلس الوزراء يعرف أن وراء هذه الجريدة مجموعة صالحة وفاضلة من مواطني الكويت ورجالاتها الكبار تتحرق إلى النهوض بالمجتمع المجتمع الكويتي، وتعدل من إمكاناتها وجهدها ووقتها ما يبرهن على صدق اتجاهها وإخلاصها لهذا المجتمع، ماضيه وحاضره ومستقبله. وإننا لنبادل مجلس الوزراء نفس النظرة ونفس التصور، أي: أننا ننظر إليه على أنه جهاز مخلص للبلاد ولقضاياها وبالتالي نثق بأن يعطى هذا الموضوع اهتمامًا خاصًا يمكن هذه الجريدة من أداء رسالتها.

الرابط المختصر :