; منطـــق الربحيـــة! | مجلة المجتمع

العنوان منطـــق الربحيـــة!

الكاتب أ. د. زيد بن محمد الرماني

تاريخ النشر السبت 01-أبريل-2023

مشاهدات 591

نشر في العدد 2178

نشر في الصفحة 57

السبت 01-أبريل-2023

إن الاقتصاد الحديث يعاني من أزمة كبرى؛ ذلك لأن واضعيه قد فكروا بأن الربح وحدَه كاف لتحقيق سعادة الإنسان وتحرير شخصيته وإطلاق طاقاته، فراحوا يحتقرون كل ما لا يشكِّل في نظرهم البشري القاصر دخلاً مادياً مباشراً.

فكانت النتيجة مخيبة للآمال؛ لأن الأرباح المباشرة لم تعد تغطي أبداً الخسائر غير المباشرة؛ لذلك يطرح المفكرون الجدد أُسساً جديدة لإعادة بناء التنمية الاقتصادية على توازنات اجتماعية واقتصادية أكثر شمولية وأقل كلفة؛ لعلَّها تخلص الاقتصاد وتنقذ المجتمع من ويلات الأزمة الراهنة!

لم يعد من الممكن بناء العمل على أساس الربحية هذه الصيحة التي هي أيضاً بمثابة إنذار، أطلقها عدد ما فتئ يتزايد باستمرار من الشباب أمام الآثار الدرامية التي خلفها على الصعيد الاجتماعي والإنساني التصنيع القسري و«المدننة» اللذان يعيثان فساداً في الأرض منذ ما يقرب من عشرين عاماً.

ومع ذلك، فإن أحداً لم يستطع حتى الآن في ظل أي نظام مطبَّق -حتى ولو كان ذلك أحياناً للأجل الطويل- أن يفلت من مقياس الربحية.

والحقيقة، أنه حتى لو بدت هذه الصرخة في أول الأمر منافية للاقتصاد، فإن هؤلاء الشباب محقون، ومحقون أكثر من الناحية الاقتصادية نفسها.

 وهم محقون؛ لأنه ليست هناك فعالية مستمرة، وإذاً فالربحية الحقيقية عندما يكون الإنسان شقياً غير سعيد، وعندما لا تتفتح شخصيته في الوسط الذي يعيش فيه.

وهذا بالطبع رد فعل دفاعي حيال شروط حياتية معينة.

ومن أجل تقويم اقتصادي لهذه المشكلة الخطيرة الاجتماعية والإنسانية التي تطبع عالمنا الصناعي، ينبغي أن نتذكر أن الربحية المزعومة التي سوغت جميع البرامج الاقتصادية أو الصناعية أو العقارية أو الزراعية، هذه الربحية الظاهرة لم تكن إلا قصيرة الأجل وجزئية.

واليوم، ينبغي تغيير الأساليب في إدارة الاقتصاد، واعتزام الأخذ بالاعتبار في الحسابات الاقتصادية العناصر المساهمة في ظروف حياة الإنسان وتفتحه، وهذه طريقة جديدة في التفكير وأساليب جديدة للعمل.

ومن المفيد أن نتذكر، اليوم، أن النهضة العجيبة للصناعة قد غذَّاها الأمل الذي وضعه فيها الإنسان بأن تحمل إليه التحرُّر من الجهد الجسمي، ومن صعوبة العيش، وبهذا أصبحت رمزاً لتحسن الوضع الإنساني.

وهكذا، فإن ما يدعى بصورة شائعة «ربحية» ليس إلا نتيجة حساب اقتصادي فاسد، والإصلاح الوحيد الذي يستحق إجراؤه يقوم على إزالة الفساد من آلية اقتصادية أفرزت المضاربة بالمعنى الاقتصادي.

إن الاقتصاد اليوم مريض، ومرضه أنه يسيء ما كان ينبغي له من الحفاظ على التوازنات الرئيسة، ولن يمكنه استعادة عافيته إلا بعلاج بيئي للملفات الكبرى، مثل البطالة.

إن علم البيئة ينبغي تباعاً لما سبق أن يدعم الاقتصاد.

فلا عجب إذاً إن صرَّح أكثر من اقتصادي من أنه ليس هناك اليوم إلا الاقتصاد، فهو قادر بطريقته الإجمالية الشاملة على مواجهة المشكلات، وتهيئة ظروف العودة إلى التوازنات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى؛ بشرط تصحيح الأخطاء وتقويم الأهداف، وتحديد الغايات وتهذيب الربحية؛ من أجل اقتصاد مفهوم.

 

الرابط المختصر :