العنوان منظمة العمل الدولية تدعو لتقنين الاتجار بالمرأة!
الكاتب عبد الحافظ عزيز
تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
مشاهدات 26
نشر في العدد 1317
نشر في الصفحة 25
الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
الأخلاق من المبادئ الأساسية التي اتفقت الأديان السماوية على أهميتها بالنسبة لبني البشر، لاستقامة حياة الناس، وقد تميز الإسلام في هذا الجانب بأنه أتى بأخلاق الفضل مصدقًا لمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، بينما جاءت الأديان الأخرى بأخلاق العدل.
لقد امتدح الله عز وجل رسوله -صلى الله عليه وسلم- ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ( القلم:٤)، كما أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه الكثيرة، بحسن الخلق، ومن الأمثلة على ذلك حديثه -صلى الله عليه وسلم- «وخالق الناس بخلق حسن».
ومن الخلق الحسن الكسب من الحلال وتشجيع العمل في هذا المضمار، والبعد عن الكسب الحرام، والنهي عن المضي فيه، وقد اعتبر الفقه الإسلامي مصادر الكسب الحرام مصادر غير مشروعة، كالمال الذي يحوزه الإنسان عن طريق السرقة والزنى والربا ... إلخ.
وهذه المقدمة البسيطة كانت لازمة، بعد ما نشر عن مطالبة منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة الحكومات للاعتراف بتجارة الجنس، حيث إن المنظمة أعدت تقريرًا عن هذه الأعمال الخسيسة في جنوب شرق آسيا، حيث تشهد هذه البلاد نشاطًا مزدهرًا في هذا المجال! بحيث تمثل هذه التجارة الخبيثة ما بين ٢ – ١٤٪ من إجمالي الناتج المحلي في اقتصاديات هذه الدول، ولذلك تطالب المنظمة هذه الدول بـ: «مد شبكة الضرائب لتشمل كثيرًا من النشاطات المربحة المتصلة بها وصوغ سياسات عمالية تشتد الحاجة إليها للتعامل مع ما يقدر بنحو بضعة ملايين يعملون في مجال الجنس» هذا المطلب الغريب نناقش مضمونه بموضوعية من الجوانب الاقتصادية والشرعية، من منطلق أن التقرير قد تناول بلدين إسلاميين، يعد أحدهما أكبر البلدان الإسلامية وهما ماليزيا وإندونيسيا، فضلًا عن الجانب الإنساني الذي يتسع لجميع الدول محل عمل التقرير.
أولًا: تجارة الجنس ليست من الأنشطة المربحة:
يعد النشاط مربحًا في المفهوم الاقتصادي، إذا كان له مردود اجتماعي واقتصادي مفيد للمجتمع الذي يمارس فيه، فأي قيمة مضافة تنتج عن تجارة الجنس؟! فالعقل والمنطق يدلان على أن هذه التجارة تسبب خسائر فادحة للمجتمعات التي سمحت بها من انتشار الأمراض المعدية وتفشي الأمراض الاجتماعية، من لقطاء وأبناء غير شرعيين... إلخ.
والملاحظ أن من يلجأن من النساء إلى ممارسة هذه الأعمال الخسيسة عادة ما يكن في عوز مادي نتج عن تخلي أولي الأمر عن القيام بواجباتهم تجاه هؤلاء النسوة، وذلك يدلل على تخلي الدولة والمجتمع عن الدور الاجتماعي.
أيضًا مازالت الأدبيات الاقتصادية تعتبر الأموال التي تتم حيازتها من تجارة الجنس من الأموال القذرة، والتي تساهم في ممارسة ما يعرف بغسيل الأموال وهو ما يدخل تحت نطاق الاقتصاد الأسود.
أما من الناحية الشرعية، فإن الأموال التي يحوزها الأفراد من تجارة الجنس، تندرج تحت بند المصالح المهدرة، فضلًا عن عقوبة هذه الجريمة التي أوجب الإسلام فيها الحد، وقديمًا قال العرب في مثلهم الشائع «تموت الحرة ولا تأكل بثدييها».
وقد أشار تقرير المنظمة أيضًا إلى العوائد المالية لتجارة الجنس وعدد الغانيات في كل من الفلبين وتايلند وإندونيسيا، وماليزيا، فكانت الفلبين في المقدمة من حيث عدد الغانيات، حيث وصل العدد بها إلى قرابة نصف مليون، وفي تايلند، بلغ عدد الغانيات ٣٠٠ ألف، أما في إندونيسيا، فإن العدد يتراوح ما بين ٦٥ ألفًا إلى ٣٠٠ ألف، وكانت ماليزيا، أقل هذه الدول، حيث بلغ العدد ١٤٢ ألفًا، حسب تقدير منظمة العمل الدولية، أما عن عوائد هذه التجارة، فبلغت في إندونيسيا وحدها ٦.٣ مليار دولار.
وقد لوحظ من خلال هذه الإحصاءات أن أكثر البلاد ممارسة لهذه التجارة الفاسدة، كانت أكثر تضرراً بالأزمة المالية، التي شهدتها هذه الدول العام الماضي، حيث كانت الفلبين في المقدمة، ثم تلتها تايلند، ثم إندونيسيا، وفي المؤخرة ماليزيا.
ثانيًا: أي سياسة عمالية تنتمي إليها تجارة الجنس؟!
الغريب أيضاً أن تقرير المنظمة يطالب بصوغ سياسات عمالية تشتد الحاجة إليها للتعامل مع ما يقدر بنحو بضعة ملايين يعملون في مجال الجنس.
فأي سياسة عمالية تطالب بها المنظمة لهذه الفئة؟! هل هذه هي التنمية البشرية التي تطالب بها المنظمة هذه الدول النامية، أم هو إهدار لمواردها البشرية؟ هل الهدف أن تكون الدولة فقط دولة جباية لا تهتم سوى بالضرائب، بغض النظر عن العائد الاقتصادي للنشاط الممارس أم هي اخلاقيات العولمة التي كشفها سيرج لاتوش في بحثه بعنوان: «العولمة ضد الأخلاق» حيث انتقد العولمة الاقتصادية نظراً لما تؤدي إليه بطريقة شبه آلية إلى أزمة أخلاقية، إذ تعمد هذه العولمة إلى إفساد النخب السياسية، ونمو كوني للمتاجرين بالمخدرات، مع إضعاف دور الدولة، فضلاً عن تدنٍ عام في الشعور المدني، وانهيار مفهوم المواطنة، ويرجع هذه الآثار السيئة للعولمة، لسيطرة الشركات متعددة الجنسيات، وقد خلص في بحثه إلى مجموعة من القواعد والأسس التي كانت سبباً في نجاح الدول الأوروبية في بناء ثرواتها الحالية، وليس من بينها تجارة الجنس.
لابد من استيعاب أن المجتمع لا يستطيع أن يبني نفسه من خلال قاعدة أن القيمة الوحيدة هي المال والربح، وأن المثال السامي للحياة الاجتماعية هو الاغتناء.
إن الإنسان هو أساس التنمية وهو هدفها، فإن لم ترق هذه التنمية بالإنسان ليكون مؤهلًا للقيام بالدور الذي خلقه الله عز وجل من أجله والتي تعتبر عمارة الأرض جزءا منها، فإنها ولا شك برامج ناقصة تسير في الاتجاه المعاكس، وسوف تكون نتائجها الفشل في الدنيا، والحساب والعقاب في الآخرة.
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: ٢٢٧).