العنوان من أخلاق المؤمنين: الصفح والعفو
الكاتب محمد أبو سيدو
تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1995
مشاهدات 8
نشر في العدد 1152
نشر في الصفحة 54
الثلاثاء 06-يونيو-1995
كلمة «مسلم» لها وزنها الروحي والمعنوي، فالمسلم يعتز بإسلامه دين السلام والعدالة، ويعتز بخالقه العظيم الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما، ويؤمن بالله عز وجل وما أنزله على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزله على الرسل من قبله لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (سورة البقرة: 4).
المسلم من سلم الناس من شره ولسانه، واتقى الله حق تقاته امتثالًا لأوامر الله وتنفيذًا لشريعة الإسلام السمحة.
المسلم من حمل في صدره قلبًا ينبض بالمحبة والإخلاص لأخيه المسلم.
المسلم من كان كريمًا ونبيلًا في خلقه وفي طبعه، وفي عاداته الحميدة، وفي عباداته لخالقه العظيم.
هنا تتجلى روعة الإسلام وصفاء نية اتباعه وفخرهم بعقيدتهم.
والمسلم لا ينظر إلى الناس إلا من جوانبهم اللامعة، ولا تنطبق عليه صفات الإنسان الفاشل الذي ينظر إلى الناس من ناحية أخطائهم وهفواتهم.
ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مرًا به الماء الزلالا
لو نظر الناس إلى عيبهم *** ما عاب إنسان على الناس
ولقد كانت رسالة الأنبياء الحث على الأخلاق الفاضلة، والفضائل التي أمر بها القرآن الكريم هي الفضائل الإنسانية الحقة التي أجمع الفلاسفة ودعاة الإصلاح في العالم إلى المناداة بها، والرذائل التي نهى القرآن عنها هي سبب الخصام والعداوة بين الناس ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (سورة الأحقاف: 13).
وجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أوصني يا رسول الله، فأجابه الرسول بهذه الكلمة الجامعة: « قل آمنت بالله ثم استقم »، وصدق الشاعر حيث يقول:
والمحبة، الأمر الذي يدخل السعادة إلى النفوس... بينما الإساءة تجعل صاحبها منبوذًا لا يهنأ له عيش، ومن هنا وضع الإسلام القاعدة الدائمة، يقول الله الكريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ (سورة النحل: ۹۰).
ومن صفات المسلم الحميدة التي يتحلى بها: العفو، فهو لا يصدر إلا من نفس كبيرة راجحة صبرت على اعتداء الغير، والاعتداء دائمًا لا يكون إلا من نفس مريضة حجب الشر صوابها، ولهذا مدح الله العفو في كثير من الآيات الكريمة ﴿وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (سورة التغابن: 14).
والإسلام يدعو إلى مقابلة شرور الناس بالإحسان إليهم؛ لأن ذلك يدعو إلى نزع العداوة من القلوب وإحلال المودة ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (سورة فصلت: ٣٤).
ومن أبرز المواقف في هذا المقام موقف سيدنا يوسف عليه السلام من أخوته الذي يتجلى فيه الفضل بالصفح والترفع عن المقابلة بالمثل لمن أساءوا إليه إساءة لم يكن فيها مقابل، فقال قولته السديدة :﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (سورة يوسف: 92).
فهذا الفضل الذي واجه به يوسف أخوته على الرغم مما ارتكبوه في حقه، يدل على التسامي في الخلق، فهذا الأدب النبوي، وهذا الترفع بالأخلاق مع من كاد له وأساء إليه هو ما ترمي إليه قصة يوسف من توجيهات.
وهذا موقف سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم من الذين آذوه في نفسه وأهله وفيمن آمن معه، حيث قال: « يا معشرَ قريشٍ ما ترَونَ أنِّي فاعلٌ بكم ؟ قالوا : خيرًا ، أخٌ كريمٌ ، وابنُ أخٍ كريمٍ ، فقال : ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (سورة يوسف: 92) اذهبوا فأنتم الطلقاء».
إن هذه الأخلاق السامية الكريمة هي التي جعلت من هؤلاء بعد أن دخلوا الإسلام خير من يحمل الدعوة إلى الله فباعوا أنفسهم، فكان على أيديهم وأيدي من سبقهم انتشار دين الله في الأرض، هذا هو التوجيه السديد لعباده أن يعفوا ويصفحوا عمن أساء إليهم: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (النور: ۲۲).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل