العنوان من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة (18)- محمد سالم البيحاني
الكاتب المستشار عبدالله العقيل
تاريخ النشر الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
مشاهدات 10
نشر في العدد 1081
نشر في الصفحة 45
الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
هو محمد بن سالم بن حسين الكدادي البيحاني، مؤسس المعهد العلمي في عدن، ولد سنة ١٣٢٦ هـ «١٩٠٨م» في بيحان بعدن باليمن الجنوبي، تلقى علومه الدينية على يد والده، ثم هاجر إلى حضرموت حيث أخذ العلم عن أستاذه الشيخ عبد الله بن عمر الشاطري، ثم عاد إلى عدن ومنها رحل إلى منطقة الشيخ عثمان، حيث أخذ العلم عن الشيخ أحمد العبادي، ثم سافر إلى مصر للدراسة بالأزهر الشريف، والتحق بكلية الشريعة؛ لكنه لأسباب قاهرة توقف عن متابعة الدراسة، وعاد إلى عدن حيث عمل في حقل التربية والتعليم والوعظ والإرشاد، وألف الكتب الكثيرة، ونظم الشعر، وألقى المحاضرات، ونشر المقالات.
وكان- رحمه الله- فاقد البصر؛ حيث يقول عن نفسه:
يقولون لي: أعمى وما أنا بالأعمى ***ولكنما الأعمى الذي فقد العلما
والشيخ البيحاني رجل من الدعاة العاملين، والعلماء المخلصين، والمجاهدين الصابرين، يقول كلمة الحق بكل صراحة وجرأة، وقد انصرف لتربية الناشئة على مبادئ الإسلام الشامل الكامل لكل أمور الحياة، وتحدى الطغاة والأقزام من اللاهثين وراء سراب المادة، والسائرين في ركاب الاستعمار، وإن صلتي به قديمة، حيث كانت تربطني به رابطة الأخوة في الله، والعمل من أجل دينه الحنيف، والدعوة إلى تحقيق رسالة الإسلام السامية باستئناف الحياة الإسلامية على هدي الكتاب والسنة، في وقت تنكر فيه الكثيرون لهذا الدين، حيث جهله أبناؤه، وعجز عن نصرته علماؤه، وخذله حكامه، وبخل عن البذل في سبيله أغنياؤه، وصار الدعاة الصادقون والعلماء المخلصون يلقون من البلاء والعنت ما الله به عليم.
إلا أن الثقة بالله الذي تكفل بحفظ كتابه، والاطمئنان إلى أن المستقبل لهذا الدين، والمجاهدة الصادقة لوضع معالم في الطريق لهذه الأمة التي تعيش في جاهلية القرن العشرين، حتى تفيء إلى ظلال القرآن الكريم ومقوماته، ودور الإنسان بين المادية والإسلام، وتفقه فيه رسالة التعاليم الإسلامية، وأحوال المسلمين بين الأمس واليوم، ودعوة الإسلام في طورها الجديد، وشخصية رجل العقيدة.
إن هذه وغيرها هي التي جعلت من أمثال الشيخ البيحاني- ومن سبقه من المجاهدين- يصرون على حمل رسالة الدعوة إلى الله، ومواجهة الطغاة أينما وجدوا، ويتحملون التكاليف والأعباء مهما تساقط المتساقطون، وتقاعس المتقاعسون من أصحاب الدنيا، وأذناب السلطة من أدعياء العلم.
ولقد كانت معرفتي به قديمة، ولكنها سماعية، وعن طريق المراسلة فقط، حتى شاء الله أن يسعدنا بالزيارة إلى الكويت- حين كنت هناك- وشرفت به في بيتي، حيث حضر الندوة الأسبوعية العلمية التي نعقدها مع إخوان العقيدة مساء يوم الجمعة من كل أسبوع، فتحدث الرجل المهيب والشيخ الجليل حديث العالم المتمكن من مادته، القوي في أسلوبه، الذي رزقه الله بصيرة نفاذة، وذكاءً متوقدًا، وغيرة على الدين لا يخاف معها في الحق لومة لائم، فأخذ بمجامع القلوب، وأفاض على الجميع من غزير علمه، وأدهشهم بحسن أسلوبه، وقوة حجته، ونصاعة بيانه، يجمع بين القديم النافع والجديد الصالح، مشربًا بروح الإيمان ورقة العاطفة.
ورغم كبر سنه، وفقده نعمة البصر، فقد عوضه الله نفاذ البصيرة، ومنحه حيوية الشباب، وكم تمنينا أن يكون الكثير من مشايخ اليوم على شاكلة الشيخ البيحاني في مقارعة الظلم، والتصدي للطغاة، والثقة بما عند الله لا بما عند الناس، وبذل العلم للطغاة، ونشر المعرفة لراغبيها ابتغاء وجه الله تعالى، وطلبًا لمرضاته، وطمعًا في مثوبته.
إن الشيخ البيحاني مفخرة من مفاخر اليمن، ترك لنا تراثًا ضخمًا من المؤلفات العلمية والأدبية والاجتماعية، والشعر العربي الرصين المزين بالحكم والنصائح والمواعظ.
وإن بلاد اليمن السعيد حرية بأن تتحفنا بأمثال الشيخ البيحاني، كما أتحفتنا بأمثال الشوكاني والصنعاني والزبيدي، وغيرهم من أفذاذ الرجال.
ولنا في أبناء الصحوة الإسلامية المباركة في اليمن وغيرها أكبر الأمل في تقديم الإسلام للدنيا كلها بصورته المشرقة المضيئة، النقية الصافية، التي تتجاوز العقبات، وتنصرف إلى البناء التربوي الذي يصوغ الرجال ذوي العزائم القوية، والهمم العالية، والمواقف العلية، التي تستعصي على الذوبان، وتتعالى عن الهبوط في منحدرات العصبيات الدينية، أو القبلية، أو الإقليمية، وتجعل الإسلام نصب أعينها، وتعمل كل جهدها لإقامة دولته، وتحقيق رسالته، وتطبيق شريعته، وحماية ثغوره، والله غالب على أمره....
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
وزعت 900 سلة غذائية وإيوائية ووضعت حجر الأساس لقرية سكنية.. «نماء الخيرية» في اليمن لتقديم إغاثة عاجلة للنازحين
نشر في العدد 2173
31
الثلاثاء 01-نوفمبر-2022