العنوان من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة (٢٠): محمد كمال سيد القزاز: الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي
الكاتب المستشار عبدالله العقيل
تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1994
مشاهدات 13
نشر في العدد 1083
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 11-يناير-1994
عرفته حين قرأت اسمه مع مجموعة من الإخوان المجاهدين الذين كان لهم دور أساسي في حرب اليهود وإعداد العدة لمناجزتهم وتهيئة الأمة للتصدي لمكرهم وكيدهم، وقد اعتقل مع إخوانه فيما يسمى بقضية السيارة الجيب زمن الحكم الطاغوتي بمصر سنة ١٩٤٨م، فكان السجن للدعاة مدرسة أخرى يعيدون فيها تربية أنفسهم ويراجعون فيها مواقفهم ويسددون خطاهم بهدى الشرع، وعلى ضوء التجارب التي خاضوا غمارها ومدى فاعليتها في تحقيق أهدافهم الإسلامية.
وحين قدمت مصر أواخر الأربعينات حرصت على زيارة الإخوة المعتقلين بصحبة الشيخ مناع القطان الذي كان في السنوات الأخيرة من كلية أصول الدين وقد كانت له صفحة يحررها في مجلة «الإخوان المسلمين» الأسبوعية عن الأزهر وعلاج مشكلاته.
ولقد كان الأخ القزاز من العاملين بصمت والباذلين بسخاء في سبيل الدعوة، وكان يتوقد حماسًا ويتصف بالصدق والوضوح والجرأة والإقدام، كما كان يؤمن بأن لا خلاص لأمة الإسلام إلا بالجهاد الذي هو سر حياتها وبدونه تكون لا شيء، ومن هنا كان الجهاد هو ذروة سنام الإسلام كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم. -
إن القزاز واجه المشكلات التي تعرضت لها الدعوة الإسلامية بمصر برباطة جأش وصبر منقطع النظير، وكان كتومًا عجز الخصوم من الوصول عن طريقه إلى إخوانه في درب الجهاد وطريق الدعوة.
وبعد أن ادلهمت الخطوب وكشر الطاغية بمصر عن أنيابه وأخذ يعمل على نشر الفرقة بين الصفوف والتفريق بين جنود الدعوة وقيادتها كان للأخ القزاز موقف حازم صارم حيث وضع الأمور في نصابها والتزم السمع والطاعة للقيادة الشرعية المتمثلة بالمرشد العام للإخوان المسلمين
حسن الهضيبي وعاصر بكل قوة من أرادوا غير ذلك ممن انخدعوا بألاعيب الطاغية وغرتهم وعوده الكاذبة.
ولما فجر الطاغية في خصومته ولاحق الدعاة وزج الألوف منهم في غياهب السجون غادر الأخ القزاز مصر إلى الكويت مع ثلة من إخوانه وبهم وعلى أيديهم أجرى الله الخير الكثير حيث نشطوا من رفد الدعوة وتجميع إخوانهم وتجديد العهد معهم للمضي قدمًا في طريق الحق والخير والعمل المنظم الذي ربط الإخوان المهاجرين في أنحاء العالم العربي والإسلامي والغربي في حلقة متصلة تحمل العب وتنهض بالواجب ودعوا إلى الله على بصيرة متعاونين مع إخوانهم في البلاد التي هاجروا إليها.
وقد نظموا الاتصال مع إخوانهم داخل السجون بطرق شتى بحيث يحيطونهم بأخبارهم ويتلقون منهم أخبارهم وطلباتهم ويقدمون العون المادي لأسر المعتقلين والشهداء بسخاء منقطع النظير حتى إن الكثير منهم كان يقتسم المال بين عباده وإخوانه بمصر.
وظل الأخ القزاز وإخوانه عبد العزيز على وصلاح حسن ومحمود حسن وغيرهم يصرون على استمرارية الجهاد ضد اليهود وأنهم السوس الذي ينخر في جسد الإنسانية، والداء الخطير الذي يجتاح العالم، والعدو اللدود للإسلام والذي بمكره ودهائه أغرى الحكام العرب والدول الغربية بحرب الإسلام ودعاته وتصفية جماعة الإخوان المسلمين بمصر واغتيال مرشدها حسن البناء ثم الاعدامات لزعمائها وقادتها عبد القادر عودة ويوسف طلعت ومحمد فرغلي وسيد قطب ومحمد هواش وغيرهم، ولا زال اليهود ينظرون إلى الإخوان المسلمين بأنهم الخطر على كيانهم ووجودهم، ومن ثم فهم يروجون مصطلحات الأصولية والإرهاب والتطرف وغير ذلك من
المسميات التي تمنع في الدوائر الصهيونية وينطلق بها الإعلام الغربي ويكررها الإعلام العربي الهزيل التابع للدوائر الصهيونية والصليبية والاستعمارية والذي يفتقد على صدارته العلمانيون من أبناء العرب الذين تنكروا لدينهم وأمتهم ووطنهم وصاروا كالامعات والببغاوات تردد ما يقال وتجتر ما تسمع دون وعي أو إدراك ولو كان في هذا الإعلام الإساءة إلى دين الأمة ومقدساتها وعلمائها ودعاتها وتفريق شملها وتحطيم مقوماتها.
إن كتائب الإخوان المسلمين التي دخلت فلسطين سنة ١٩٤٨ لمجاهدة اليهود استطاعت بفضل الله أن تفك الحصار عن الجيش المصري وأن تبطش باليهود بحيث كانوا يفرون من مواقع المجاهدين ويهربون من مواجهتهم في الوقت الذي كانوا يصولون ويجولون في التصدي للجيوش العربية التي كانت أسلحتها فاسدة وليس عندها أوامر بمقاتلة حقيقية لليهود، بل مناوشات فقط حسب أوامر الأسياد الذين فرضوا الهدنة الأولى والثانية والثالثة من أجل أن يتقوى اليهود ويزداد المدد الأمريكي والأوروبي لهم.
إن هؤلاء المجاهدين من الإخوان الذين حرروا تبة اليمن من اليهود وقدموا قوافل الشهداء كان جزاؤهم من طغاة مصر هو السجن وهم في ميدان القتال وبحراسة قادة الجيش الذي جاء ليحارب اليهود كما يقال.
ثم نقلوا المجاهدين إلى مصر في معتقل الطور بعد أن اغتالوا الإمام الشهيد البنا وحلوا جماعته تنفيذًا لقرار السفراء الثلاثة لأمريكا وفرنسا وبريطانيا الذين اجتمعوا في منطقة فايد العسكرية وأرغموا النقراشي على حل الإخوان الذين يشكلون خطرًا يمنع قيام إسرائيل التي اعترفوا باغتصابها لفلسطين وتشريدها لشعبها المسلم الأبي.
وبعد نكسة سنة ١٩٦٧م التي أخزى الله فيها دكتاتور مصر الذي ملأ الدنيا جعجعة بأنه سيلقى بإسرائيل في البحر فكانت النتيجة الخزي والعار والهزيمة المروعة التي جعلت الجنود يهیمون على وجوههم هربًا من اليهود نتيجة السياسة الخرقاء للقادة السياسيين والعسكريين على حد سواء.
أمام ذلك أمر الإخوان المسلمون على أن لا يتركوا اليهود يتلذذون بهزيمة الجيوش فسارعوا إلى إقامة معسكر للشباب المسلم من سوريا والعراق والأردن ولبنان وفلسطين واليمن ومصر والسودان حيث كان الأبطال من شباب الإخوان في العالم العربي يتسابقون إلى مناجزة اليهود عبر النهر ويقدمون الشهيد تلو الشهيد وكان الأخ القزاز وإخوانه الدعامة الأساسية لقيام هذا المعسكر للمجاهدين ودعمه بكل وسائل الدعم المستطاع، وقد أكرم الله العديد من شباب الإخوان الفلسطينيين والأردنيين والمصريين واليمنيين بالاستشهاد في ميدان الشرف وصدق فيهم قول الشاعر د. يوسف القرضاوي
يا سيد الرسل طب نفسًا بطائفة
باعوا إلى الله أرواحًا وأبدانًا
أعطوا ضريبتهم للدين عن دمهم
والناس تزعم نصر الدين مجانًا
أعطوا ضريبتهم صبرًا على محن
صاغت بلالًا وعمارًا وسلمانًا
فاستشهد الكثير من الإخوة الكرام أمثال الأخ اليمني محمد سعيد بلعباد، والأخ الفلسطيني إبراهيم عاشور، والأخ المصري صلاح حسن. أما الأخ عبد الله عزام فشاء الله له الشهادة في أفغانستان، والأخ محمد صالح عمر فكان استشهاده في جزيرة «أبا» في السودان رحم الله هذه الكوكبة من الشهداء الذين سلكوا طريق إخوانهم شهداء ١٩٤٨م وبارك الله في شباب الانتفاضة المباركة بفلسطين التي جاءت كتائب حماس الإسلامية لتذيق اليهود كؤوس الذل والهوان ولتقول لليهود في كل وقت أن المجاهدين المسلمين لهم بالمرصاد مهما تكالب الأعداء وتكاثروا.
رحم الله الأخ القزاز وإخوانه الذين شاركوه في إحياء روح الجهاد ورفع رايته وبارك الله في هذه الطلائع المؤمنة والأيدي المتوضئة التي القمت اليهود حجرًا وأفقدتهم صوابهم حتى صاروا يبحثون عمن يتولى أمر التصدي لهؤلاء الشباب الذين لا يرهبون الموت فوجدوا ضالتهم في دعاة الاستسلام من المهزومين الذين باعوا الأرض والعرض وصافحوا اليد الملوثة بدماء الفلسطينيين وساروا في موكب الذل خانعين مستسلمين لأبناء القردة والخنازير.
يصدق عليهم قول الشاعر:
عبيد للأجانب، ولكن
على أبناء جلدتهم أسود
وقول الآخر:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
ألا شاهت هذه الوجوه وخنست هذه النفوس، فالمستقبل لهذا الدين والنصر لعباد الله المؤمنين.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:٢١)
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2023