العنوان من الحديث النبوي.. الأمٰانة وعَذاب القبر
الكاتب عبد الله رجب
تاريخ النشر الثلاثاء 28-يونيو-1977
مشاهدات 11
نشر في العدد 356
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 28-يونيو-1977
أهمية الأمانة:
بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم، بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة؟ قالها أنا يا رسول الله، قال فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة.
قال كيف أضاعتها قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري
والأمانة لفظ يتسع مدلوله لعدة معان فحفظ الودائع أمانة، والمحافظة على التكاليف الشرعية أمانة: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾. (الأحزاب: 72)، إسناد الأمر إلى أهله أمانة، أي يلي الأمر من ليس أهلًا للولاية، فإذا ساد هذا فإنه يؤذن بزوال هذه الدنيا، إذ فاقد الشيء لا يعطيه، وهكذا فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا وسد الأمر إلى غير أهله» ينتظم ذلك كله، فإذا ما ساد ذلك كان له مضاعفات وخلفيات في المجتمع الإسلامي وغيره، أمثلة لولاية الأمر إذا ولي الأمر من ليس أهلًا للولاية كان الاضطراب والفوضى، إذا قاد الجيش من ليس أهلًا للقيادة كانت الهزيمة المنكرة، إذا تولى التعليم من ليس أهلًا له كان الجهل الأعمى والتأخر، وربما كان سر نجاح الغرب في بعض الميادين إدراكهم لهذا الأمر، إذ تعطى المناصب عند القوم للأكفاء، بغض النظر عن أي اعتبار فإذا ما ظهر أي خطأ أو خلل في تصرف هذا الزعيم، أو ذاك متعمدًا كان أو خطأ نحى عن منصبه، وجيء بغيره على الفور، وقد سمع العالم كله ما جرى لنيكسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يسمى بفضيحة ووتر جيت فإذا كان هذا قد نفذ بالرئيس الأعلى فكيف بمن دونه.
نموذج إسلامي
إن هذا يشبه ما كان في صدر الإسلام كان كل واحد من سلف هذه الأمة يعتبر نفسه حارسًا أمينًا على هذا الدين مراقبًا لتصرفات الحكام والزعماء والأمراء، ويوم قال عمر رضى الله عنه: «اسمعوا وأطيعوا، قام رجل من بين الصفوف وقال لا سمع ولا طاعة، قال عمر: ولم قال لأنك اكتسيت ثوبًا سابغًا أما أنصبتنا نحن فلم تبلغ ما يبلغ منك هذا الثوب، فقال عمر لابنه عبدالله: قم فأجبه، وكان عمر رضى الله عنه قد أخذ نصيب ابنه عبدالله، فضمه إلى نصيبه فصار ثوبًا سابغًا فزالت الشبهة من نفس الرجل، وهكذا لم يمنعه من كلمة الحق شدة عمر وجلال منصبه، ويوم أن قال عمر: أيضا من رأی منكم في اعوجاجًا فليقومه، قام رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بحد سيوفنا، فأجاب عمر : الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم اعوجاج عمر بحد السيف، زعماء أكفاء مخلصون وأمة واعية مخلصة من جنس زعمائها كما تكونوا يولى عليكم، فإذا ما اجتمع لأمة هذا الأمر انتظمت أمورها وسارت سيرًا حسنًا وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وهناك سؤال يتردد ويثار وهو أنه ليس في القبر عذاب؟
وقد يكون ذلك من بعض القائمين على التدريس، والحقيقة أن الأسى يعتصر القلب أن يحدث ذلك من هؤلاء وخاصة في دروس الدين، إذ أنها خيانة لله والرسول وضياع للأمانة أيما ضياع، وقد قال لي مرة مدرس: إن مادة الدين في بلد ما أعطيت لمدرس شيوعي، وهنا أيضًا أنكر مدرس حديث مقل الذباب، وقبل ذلك زعمت مدرسة في أحد المدارس أن سورة - الشرح - ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾. (سورة الشرح: 1) زعمت أن فيها زيادة وتكريرًا للآية الخامسة ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾. (سورة الشرح: 5)، ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾. (سورة الشرح: 6) تقول: هذه الآية السادسة مكررة ومزيده يجب حذفها وهكذا كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، أقول لو توفر مع هذا الجهل قليل من تقوى الله، لأمسك هؤلاء عن الإجابة حتى يسألوا من هو أعلم منهم - وقل رب زدني علمًا - وفوق كل ذي علم عليم، ما من أحد يعلم شيئاً إلا ويجهل أشياء.
قل للذي يدعي للعلم معرفة
علمت شيئًا وغابت عنك أشياء
هدهد سليمان والأمانة
الهدهد وهو حيوان يقول لسليمان ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سبأ بنبأ يَقِينٍ إِنّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شيء وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ﴾. (النمل: ٢٣ - ٢٦). الآية حيوان يستدرك على إنسان، بل على نبي الله سليمان عليه السلام.
فكيف لا يستدرك إنسان على إنسان فالمسلمون كالجسد الواحد يكمل بعضهم بعضا السمع والبصر والفؤاد واليد والرجل كلها تخدم جسًما واحدًا، المسلم لأخيه كالمرأة يصلح بها نفسه، فلا يخجل المسلم أبدًا من سؤال أخيه، بل العيب والجهل ألا يسأل وفي الأثر لا ينال العلم مستح ولا مستكبر.
حديث عذاب القبر
أما عذاب القبر فهو حق وتعميمه حق، والأدلة على ذلك كثيرة في القرآن والسنة من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نستعيذ بالله من عذاب القبر قبل السلام من الصلاة، اللهم أنى أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن ذلك مروره صلى الله عليه وسلم بقبرين يعذبان، وما يعذبان في كبير إلا أنه كبير، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار،
وقوله صلى الله عليه وسلم لولا ألا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم عذاب أهل القبور، يعني لو أسمعتكم عذاب أهل القبور لما دفنتم موتاكم خشية العذاب.
وفي إثبات عذاب القبر الآية عن فرعون وهي واضحة قطعية الدلالة.
قال تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾. (غافر: 46) بربكم أين كانوا قبل الساعة يعرضون في الغدو والعشى؟
أليس في القبر أن في ذلك لذكرى، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل