العنوان من ملامح حركة الإمام البنا(2) ملامح واضحة
الكاتب د. عبد الرحمن الجمعيان
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980
مشاهدات 14
نشر في العدد 494
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 26-أغسطس-1980
- الإعداد الجهادي هو إحدى ركائز دعوة الشيخ البنا، وبذلك قدم الدواء لأكبر أمراض الأمة وهو التخلف عن الجهاد بكل صوره وأشكاله.
مرحلية وحكمة في الدعوة:
اختط الإمام البنا لدعوته مراحل ثلاث:
«الأولى: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب.
والثانية: مرحلة التكوين وتخير الأنصار وأعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين.
والثالثة: مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج» «۱۸».
وجعل من «خصائص الدعوة: التدرج في الخطوات، وانتظار الزمن، وعدم التسرع بالنتائج» «۱۹». ثم نادى المستعجلين من الدعاة، قائلًا لهم: «أيها الإخوان المسلمون، وبخاصة المتحمسون منكم المستعجلون، من أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقتطف زهرة قبل أوانها، فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات» «٢٠».
نعم هكذا فالدعوة تُريد الصابر الذي لا يستعجل والعامل المتريث، فما استعجل مستعجل إلا وتعثر في منتصف الطريق.
والمرحلية من أصول الدعوة الإسلامية التي يجب أن يراعيها القادة والجنود، بل هي أساس في دين الله عز وجل، فإن الإسلام «منهج حركي نحو مراحل، كل مرحلة لها وسائل مكافِئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية، وكل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها» «۲۱» دون تعجل أو طفرة.
لذا وجب على الدعاة التريث والسير على ضوء من الحقيقة والواقع، مبتعدين عن التهور والانسياق وراء العاطفة والحماسة الفائرة.
وليست المرحلية بدعة ابتدعها الإمام -رحمه الله-، كلا فهي كما قلنا آنفا إنها من أساسيات الدعوة، ألم تر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد تدرج في دعوته من السرية إلى الإعلان العام؟ فالهجرة ثم الجهاد، ومن تتبع التشريع الإسلامي في بدايته عرف ذلك؛ فالخمر مثلًا لم يحرم جملة واحدة، وإنما حُرِّم على مراحل، وهكذا معظم الأحكام الشرعية، لذا جاء كثيرًا من فتاوى الفقهاء والعلماء تحث على المرحلية، وسوف نقتصر على مثال واحد يؤكد هذه الحقيقة: فهذا خامس الخلفاء الراشدين يقول لابنه:
«لا يأتي على أبيك يوم من الأيام إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيي فيه سنة» «٢٢». هكذا لا يفاجَأ الناس جملة واحدة، خاصة بعد أن استشرت فيهم أمور عظيمة شابَ فيها الرضيع، وهاجر عليها الأعرابي، وفنِي عليها الشباب، فعندما أراد علاجهم قام يعالجهم بفقه الداعية بالتدرج والتريث.
ولنا في «عمر بن عبد العزيز» القدوة الحسنة، فإن طريق الدعوة طويل، فمن أراد الاستمرار في هذا الدرب فعليه «ارتقاء المدارج مع السالكين.. لا الطفرة» «۲۳»، وليتريث، وأما من تعجل يراجع أمره، وليقف يراجع نفسه مع سيد عندما قال للدعاة: «يجب أن يعرف أصحاب هذا الدين جيدًا أنه كما أن هذا الدين دين رباني، فإن منهجه في العمل منهج رباني كذلك، متواف مع طبيعته، وأنه لا يمكن فصل حقيقة هذا الدين عن منهجه في العمل» «٢٤».
لا وصاية لأحد على الدعوة:
من الخصائص التي وضعها الإمام البنا -رحمه الله- لدعوته: «البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان» «٢٥»، لأن الكبراء والأعيان ينصرفون في الغالب عن الدعوات الناشئة المجردة من الغايات والأهواء إلى الدعوات القائمة التي تتبع المغانم وتجر المنافع «٢٦»، وذلك يؤدي بالكبراء إلى الانحراف بالدعوة إلى مصالحهم الشخصية، فيطمس لونها الصافي لون آخر من الدعوات التي يروج لها الكبراء. «۲۷».
وبذلك أغلق الإمام البنا باب الدعوة في وجوه هؤلاء النفعيين حتى تحافظ الدعوة على استقلاليتها «ولا يحاول واحد منهم أن يستغلها أو يوجهها في غير الغاية التي تقصد إليها» «۲۸».
والاستقلالية ركن مهم وأساس في هذه الدعوة، فلا ولاء إلا لله ولرسوله وللقيادة المسلمة، لا ولاء للطواغيت، ولا ولاء للمستعمرين، ولا ولاء لأحد يخالف نهج الله من حاكم أو محكوم.
وكم رأينا -مع الأسف- بعض الناس في دعوات أخرى يحرفون الكلم عن مواضعه، فمنهم من يلقي لباس الشرعية على الطواغيت، ومنهم من أحل الربا خدمة لرؤسائه، ومنهم من أحل الخمر انقيادًا لأسياده، بل ومنهم من يدافع عن الكفار والأعداء الظالمين، وذهبت بعض الطوائف إلى حد تأييد الاستعمار والكفرة على المسلمين، ومنهم من يصفق هاتفًا بحياة السادة والكبراء، وما كان ذلك كله إلا لأن دعواتهم قد فقدت عنصر الاستقلالية وانقادت طائعة أو مكرهة إلى هذا المصير المحتوم، أما دعوة الله فلا تعرف إلا طريقًا واحدًا، هو الولاء لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللقيادة المسلمة فقط.
اتفاق وتحابب، واختلاف فتعاذر:
لقد ارتقى الإمام البنا قمة الوعي الحركي؛ إذ وضع قاعدة حركية بنى عليها أصلًا من أصول دعوته، هي: «البعد عن مواطن الخلاف الفقهي» «۲۹»، وهذه القاعدة سمة إسلامية لازمة لأن «أصول الإسلام آيات وأحاديث تختلف في فهمها وتصورها العقول والأفهام» «۳۰»، ولذا كان «الخلاف واقعًا بين الصحابة أنفسهم، وما زال كذلك وسيظل إلى يوم القيامة» «۳۱».
فالخلاف الفقهي في فروع الدين، وفي الأدلة الظنية وارد، فهذا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله- عنه يخبر رؤيته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول واقفًا، في الحين الذي فيه تقول عائشة: «من حدثكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بال واقفًا فلا تصدقوه».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل