العنوان من هدى الرسول والرسالة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1972
مشاهدات 14
نشر في العدد 97
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 25-أبريل-1972
مساء السبت 1 ربيع الأول ألقى الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور وفي قاعة المحاضرات بجمعية الإصلاح الاجتماعي - محاضرة بعنوان «من هدى الرسول والرسالة» حضرها جمع كثير من المواطنين الفضلاء.
وفيما يلي تلخيص للمحاضرة القيمة:
استهل السيد المحاضر قائلًا: باسم الله، كتب لنفسه العزة ولرسوله وللمؤمنين الصادقين العاملين بتعاليم الدين.
وصلوات الله وسلامه على نبي الكرامة وقائد الأحرار إلى النصر المبين، ورضوان الله على آله وصحبه الذين سجلوا على جبين التاريخ صفحات متلألئة بنور البطولة والفداء وتزخر بالأعمال الصالحات وتشع بنور الإيمان واليقين.
ثم قال: انبثق النور من أعماق الجزيرة العربية بمولد محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لا تعرف التفرقة بين جنس وجنس وهدى لا يدين إلا بالحق ولا يتعصب إلا له.
كانت أولى خطواته الإصلاحية الدعوة إلى إله واحد لا شريك له وذلك هو أساس دعوة الأنبياء والرسل من قبله ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 25).
وفي الحق إن العقيدة دائمًا هي القوة التي تدفع إلى العمل وتشحذ الهمم وتحول دون الانهيار والضعف، وبهذا الإيمان وحده غرس النبي الكريم في أتباعه معاني الفضيلة فشاعت فيهم خصـال الخير وأخذوا يتعاملون بالمكارم ويؤثرون التعاون حتى صار الإيثار يتنافسون فيه، وأصبحوا يتمسكون بالفضيلة حبًا فيها ويهربون من الشر، كراهية فيه، شعارهم ما علمهم إياه الرسول «اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» كان –صلوات الله عليه– عزوفًا منذ نشأته عن كل رجس ودنس يميل بفطرته إلى الخير وكان في شبابه الصادق الأمين في قومه، فعرف بين قومه من يومه بالصدق والأمانة والوفاء والمروءة والتعاون وحب الخير للناس جميعًا لمن صاحبه ولمن كان بعيدًا عنه.
وإذا كانت بعض السجايا الخلقية يحكم عليها الشعور العام بالحسن أو القبح، وكانت القواعد الخلقية حقائق ثابتة لا يخفى الخير والشر فيها على أحد حتى سمي القرآن الخير بالمعروف والشر بالمنكر، والمعروف ما عرفه الناس ورغبوا فيه والمنكر ما أنكره الناس واشمأزوا منه إذا كان ذلك كذلك فإن هذه النظم تختلف في تحديد معيار للحسن والقبح في الأخلاق ووسيلة للعلم يعرف بها الخير والشر، ونشأ ذلك في الواقع اختلاف التصور لهذا الكون وغاية الحياة الإنسانية فيه.
وتوجيه الإسلام في هذا يختلف عن الواقع الضخم الذي كان عليه العرب في ذلك الحين، وانتصر «محمد» بقوة إيمانه وانتصرت دعوته على الواقع الضخم ونادى في الناس مقررًا مبدأ إنسانيًّا كبيرًا ما كانت البشرية تعرفه في ذلك العصر فقال: «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إِنَّ أَكرمَكم عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَاكم»
ولم يكن هذا المبدأ وغيره من المبادئ التي جاء بها الإسلام مبادئ نظرية ولكنها كانت أوضاعًا عملية وسرعان ما ساد المسلمون العالم بهذه القيم الخلقية السامية والمبادئ القانونية العادلة، وكانوا كقائدهم الأول إن انتصروا لم يبطرهم الظفر، وإن كانت الأخرى لم يبتئسوا ولم ييأسوا، فهم في الحالين منتصرون على أنفسهم لأنهم أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم–، ولقد كان لمثالية –محمد صلى الله عليه وسلم– وتطبيقه في محيطه الخاص والعام الأثر الأكبر حتى قال أحد حكام العرب عندما أرسل له النبي –صلى الله عليه وسلم– يدعوه إلى الإسلام «والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وإنه يغلب فلا يضجر ويفي بالعهد وينجز الوعد ولذا فأشهد أنه نبي».
نعم لقد كانت مثالية –محمد صلى الله عليه وسلم– في الخلق الرفيع أكبر حافز لأصحابه أن يتنافسوا في القرب من معانيه العظيمة الكريمة فسألوا عائشة –رضي الله عنها وعنهم– عن خلق الرسول فقالت: كان خلقه القرآن، يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقف عند حدوده. ولقد صدقت فيما وصفت فقد كان القرآن رضاه وسخطه به يصادق وفيه يعادي وكان من الآثار العامة لهذا الخلق في نفسه وفي نفوس أصحابه أن ألغى الفوارق في مجتمعه وحاربها حتى كان مجتمعًا متكاملًا متماسكًا قويًّا لا يقوى عليه أي مجتمع ولا يمكن لعدو مهما بلغت به القوة أن يجد لنفسه فيه منفذا. ثم قال:
ومن تتبع سيرته وجد إيثاره للسلام حاثًّا به ومسيطرًا عليه في كل تصرفاته فقد وصل من قطعه وأعطى من حرمه وعفى عمن ظلمه، وإذا كان السلام هو الأمان وكانت الوسيلة إليه تأليف القلوب بكف الأذى تارة والإحسان تارة أخرى، فقد كان رسولنا الكريم النمط الأعلى في ذلك المعنى فكان بحق رسول سلام ينادي به ويحرص عليه، لكنه السلام العادل والعدل المسالم فإذا ما تهدده البغي هب للدفاع لا يرجو إلا النصر أو الشهادة متحديًا خصومه في ساحة الحرب وما ذلك إلا لأن الإسلام يدعو إلى التسامح والسلام، إنما يدعو إليه في عزة؛ إذ طلب السلام من مركز الضعف يكون استسلامًا لا سلامًا.
كان–صلى الله عليه وسلم– موفور الذكاء، راجح العقل، بعيد النظر، قوي الإدراك، وكان لذلك أثره الواضح في توجيه الأنظار إلى الإسلام بالتقدير والإقبال.
وأخذ يعدد المحاضر الأمثلة الكثيرة الدالة على ذلك في رحلته إلى مهجره وفي فتح مكة. ثم قال: انظر إليه –صلوات الله وسلامه عليه– وهو يضع أسس الوحدة بين من آمنوا حتى كان الواحد منهم يؤثر أخاه المسلم على أهله وعشيرته المخالفين له في العقيدة وتناسوا ما كان بينهم من محن وعداوات فأصبحوا بنعمة الله إخوانا متحابين وصفًا واحدًا كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ثم انتقل المحاضر فتكلم عما تتمیز به رسالة الإسلام عن سائر الأديان والرسالات فبين أنها جاءت بأحكام الدين والدنيا وأنها تتضمن تكوين دولة قوية برنامجها الحكم الصالح العادل ودعامتها مقاومة البغي والعدوان بأسلوب لين وموعظة حسنة لكن في حزم وصرامة، وبين -سيادة المحاضر- ما يقتضيه ذلك من أن يشرع الجهاد وأن يكون لدولة الإسلام جيش وأن يعد المسلمون لعدوهم ما استطاعوا من قوة وأن كل شريعة تكون حيويتها وازدهارها بمقدار ما تكون لها من سلطان ومتى ضعف هذا السلطان ضعفت الحيوية حتما.
ثم قال: إن تعاليم الإسلام لتحيل المسلمين إلى أسود الشرى وعشاق الشهادة إذا مس حقهم بظلم أو تهددهم عدوان، وقال: ولا ريب أن الاسلام يريد أن يوجد ويهيئ من الهيئة الاجتماعية والرأي العام ما يحمل الأفراد والطبقات على القيام بالقواعد الخلقية والدأب عليها كما يريد أن يقيم نظامًا سياسيًا يتمكن بسلطانه من تنفيذ القانون الخلقي في الناس بالقسر ومع هذا فإنه في الواقع لا يعتمد على هذا الوازع الخارجي بقدر ما يعول على الوازع النفسي ويقظة الضمير عن طريق تثبيت الإيمان والإسلام له نظام خلقي جامع ملائم لطبيعته ولهذا النظام الخلقي خصائصه ومميزاته من ابتغاء وجه الله في كل شيء، ومن الإحاطة بكل القيم الخلقية المعروفة ووضع كل واحدة منها موضعها من الحياة الإنسانية حتى تسيطر الأخلاق على جميع نواحي الحياة وتهيمن عليها.
ثم أسهب فضيلة المحاضر وفصل القول في بيان غاية الدولة الإسلامية وقال: إن المجتمع الإسلامي لا يحد بحدود جغرافية ولا بلون وجنس وإنما يتسع لكل من يؤمن بعقيدة واحدة وضابط خلقي معين، ومع هذا فإنه يشمل بعواطف الإنسانية العامة المواطنين الذين لا يؤمنون بعقيدته.
وانتقل بعد ذلك إلى بيان أن كل إنسان –من حيث إنه إنسان– من حقه أن يعمل لاكتساب رزقه والتماس معاشه لا يفضل في ذلك أحد أحدًا، ففرص الجد والسعي في اكتساب المعاش يتساوى فيها الجميع دون حواجز ولا مانع من أن يوجد مع هذا تفاوت بين الأفراد في الرزق نتيجة عمل كل وتقدير الله له بحكمته ومشيئته.
وتحدث فضيلته عن التوحيد فقال: التوحيد ليس مجرد قول باللسان وإنما بأن يملك على الإنسان جميع نواحيه فيغمر قلبه وتغلغل في وجدانه فتكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين. وبمقدار قرب المسلم من الإسلام يكون كمال شخصيته، وما من شك في أن أکمل شخصية إسلامية هي شخصية الرسول –صلوات الله عليه– فلم يكن الإسلام بين صحابته ومن تبعهم بإحسان مجرد شعارات ترفع ومبادئ تحفظ وصورًا خيالية لا ظل لها في واقع الحياة، بل كان واقعًا مطبقًا جعل من المسلمين عصبة قوية في الحق ذل أمامها جبروت الطغيان فكان للدولة الإسلامية الشأن الأول في العالم أجمع وكانت الحضارة الإسلامية التي هي مصدر الثقافة في العالم أجمع.
ثم ختم سيادته محاضرته القيمة بقوله اتقوا الله أيها المسلمون وانشروا الفضل بينكم وحافظوا على دينكم بتطبيق أحكامه كي لا يصبح أثرًا وتاريخًا وأعلموا أن التقوى سبب في الخروج من كل ضيق وحرج وإذا كنا نحن المسلمين.
لا نطبق جميع الأحكام الإسلامية التي أرادها الله لإصلاح البشرية مع يسرها ومرونتها ومسايرتها لمصالح الناس مع شيء من التعقل والنظر من القائمين على أمور الدين فهل يسوغ لنا ونحن لا نطبق جميع هذه الأحكام أن نطالب الأفراد والجماعات في الدول الأخرى بالاهتداء بهدى الإسلام واتباع تعاليمه.
وأشار سيادته إلى ما وصل إليه حال المسلمين من بعد عن الجادة والقيم الخلقية ثم قال:
لقد بدأ رسولنا الكريم البناء على أساس من عقيدة صلبة وإيمان کامل، ثم أرسى فوق هذا الأساس صرح الأخلاق حتى فاز من ربه بأرقى شهادة فاز بها بشر وهي قوله سبحانه ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾ (القلم: 4).
وكذلك اختص أمته–ما دامت ملتزمة بالجادة وبالشجاعة في الحق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر– بأنها خير أمة اخرجت للناس.
على هذا الأساس من عقيدة راسخة وخلق جاد مستقيم أقام محمد –صلوات الله وسلامه عليه– دولة الإسلام قوية بالحق فياضة بالعدل محمية بسلاح الإيمان.
وهذا نبي الإسلام نور وهدى وعدالة وسماحة وبسالة وفداء وإن تقديرنا لرسولنا الكريم ينبغي ألا يكون بمجرد احتفال يقام ثم ينفض ولا بمجرد أقوال تردد وإنما بأن تقام دعوة الإسلام في الأرض على وجهها الصحيح فنحل ما أحله الإسلام ونحرم ما حـــــرمه ونتمسك بتعاليم هذا الدين دون خروج على شيء منها.
وفق الله أمتنا وقادتنا إلى الخير والفلاح وأيدنا بنصرك يا رب العالمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل