; من يصلح للإرشاد؟ | مجلة المجتمع

العنوان من يصلح للإرشاد؟

الكاتب عبد الله بن عبد الرحمن السند

تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1971

مشاهدات 20

نشر في العدد 71

نشر في الصفحة 23

الثلاثاء 03-أغسطس-1971

من يصلح للإرشاد؟

إذا أردنا أن نعرف المثل الأعلى للمرشدين فعلينا بالأنبياء والمرسلين، فمن صفاتهم نتعرف على صفات المرشدين ومن طرقهم نتبين طرق المصلحين قال الله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )الأحزاب :21(، ما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان؛ وما خرج من القلب وصل إلى القلب؛ فحرك دم الإصلاح فيها؛ فحرك الأعضاء إلى الخير والعمل الصالح، حركها إلى حيث السعـادة للنفس والعشيرة والخلق، فالنفس الطيبة لا تصدر إلا طيبًا والنفس المكملة تستطيع أن تكمل غيرها، والنفس الناقصة أولى بها أن تتدارك عيوبها ثم تتطلع بعد ذلـك لإصلاح غيرها؛ ولا يمكن أن يعطي الشيء فاقده بل ينفق كل أمرئ من وجده.

المرشد شخص كملت نفسه وتهذب خلقه ورشد عقله عامل بما علم، واقف عند ما رسمه له الشارع لا يلتوي عنه يمنة ولا يسرة، مليء قلبه بخشية الله تعالى؛ فلا يفعل ما يفعل ولا يترك ما يذر خشية من الناس، بل يفعل الخير ويترك الشر لأنه يرى سلطان الله محيطًا به من كل جانب، ويرى عين الله تبصره كل حين، يحب ما يقربه إلى ربه ويبغض كل ما يبعده عن سبيله، يرى أن كتاب الله تعالى أمامه فلا يحكم ولا يقول غير ما يقول؛ يجعله سلوته في غدواته وروحاته، وفي أوقات فراغه يعكف عليه؛ يتعلم منه الحكمة ويتبصر منه طرق الهداية وموارد الرشاد، يتأسى بالرسول صلى الله عليـه وسلم في أعماله وأخلاقه وعقائده وآدابه.

المرشد شخص بصـير بأحوال الناس؛ خبير بأمورهم، ليس مغفلًا يضحك عليه ويسخر منه عليم بالطريق الذي يسوسهم فيه ويأخذ بهم إلى حيث عزهم ومجدهم وعلوهم وسعدهم. المرشد شخص جعل الصبر عدته وتحمُّل الأذى في سبيل الحق خلته، فما يصيبه من الآلام وما ينتابه من النائبات يتقبله بقلب ثابت وجأش رابط، بل يستعذب المر في سبيل الدعوة ويستسهل الصعب في سبيل إعلاء كلمة الله؛ كلما طُعن بطعنة أو قُذف بسبة تأسى بالأنبياء قبله، وقال هذا سيد الرسل رمي بالحجارة والسحر والجنون والافتراء على الله وأوذي في سبيل الله أشد الإيذاء فما كان يقول إلا، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، ثم يقول لنفسه إن مرتبة الإرشاد من المراتب العالية التي لا تنال إلا بالجد والصبر على المشاق.

المرشد لا يعرف اليأس إليه سبيلًا وكيف يتسرب اليأس إلى نفسه وما عليه إلا البلاغ المبين، فإن عمل الناس بما دعا فتلك البغية؛ وإن أعرضوا عنه فإنما عليه البلاغ وعلى الله الحساب، إذا خاطبه ضعيف الإيمان وقال له مثبطًا من عزمه وماذا تبلغ كلمتك من نفوس الناس؛ وماذا عسى أن يكون أثرها فيهم مكملة قول الله تعالى في قوم من بني إسرائيل قالوا مثل مقالته: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )الأعراف: 164(.

المرشد شخص يعرف القرآن جق المعرفة، ويعرف أعمال الرسول صلى الله عليه وسـلم وهديه في صلاته وزكاته وصيامه وحجه ومعاشرته لأهله وقومه وجهاده في سبيل نشر الدين، المرشد سياسي حكيم يأتي الناس من جهة ما يعرفون ليصل بهم ما ينكرون من حيث لا يشعرون، فيسقيهم الدواء في كوب الشراب العذب مضيفًا إليه ما يغطي مرارته، يدعوهم إلى سبيل ربهم بالحكمـة والموعظة الحسنة، ويجادلهـم بالتي هي أحسن، فلا يشتد في موضع اللين ولا يلين في موضع الشدة، يعظهم بالقول الرقيق والأسلوب العذب الدقيق الذي لا يعلو على أفهامهم ويجري في مجاري حديثهم.

المرشد النابه يستطيع أن يعظ كل صنف من الناس، وإن كانوا حكامًا ظالمين وعتاة جبارين، وإن كانوا ممن ينفرون منه إذا رأوه ويهرولون عنه إذا لاقوه، بدهائه يستطيع أن يرد شاردهم ويكبح جامحهم إلى حيث يسمعون عظته البليغة الفاعلة في النفوس ما لا تفعله السيوف، وحسبنا في ذلك سيرة الرسول- صلى الله عليه وسـلم- ففيها زاد المرشدين وعدة الداعين والله الموفق.

عبد الله بن عبد الرحمن السند

الرابط المختصر :