العنوان بعد الحكم بإعدام أربعة والمؤبد لثلاثة لإدانتهم بمقتل شرطيين.. من يطفئ نار الفتنة في البحرين؟!
الكاتب عبدالحكيم الشامي
تاريخ النشر السبت 07-مايو-2011
مشاهدات 32
نشر في العدد 1951
نشر في الصفحة 40
السبت 07-مايو-2011
بعد إنجاز ملف المحاسبة، على وجه السرعة.. ينبغي فتح ملف المصالحة قبل فوات الأوان
ما لم تكن هناك حلول سياسية عاجلة فسيظل الخيار الأمني هو الخيار الأوحد المتاح حاليا
..وما لم يكن الخطاب الديني جامعًا فستبقى الأمور قابلة للشحن الطائفي وستظل الفجوة تتسع تدريجيا
الأحكام الأخيرة.
الشارع السني اعتبرها أحكاماً عادلة ورادعة لكل من يفكر في المساس بأمن البلاد والانقلاب على الشرعية
.. بينما اعتبرها الشارع الشيعي أحكاما سياسية لا تتوافر لها ضمانات العدالة كونها صادرة عن محكمة عسكرية.
مراقبون: حالة التنافر لن يحلها إلا أداء سياسي جديد يؤكد إعلاء شأن المواطنة على حساب الانتماء الطائفي
الحكم الذي أصدرته محكمة السلامة الوطنية البحرينية يوم الخميس (۲۸ أبريل) بإعدام أربعة بحرينيين والسجن المؤبد لثلاثة وضع البلاد على مفترق طرق جديد، في ظل حالة استقطاب طائفي حادة وغير مسبوقة.. وقد جاء الحكم على المتهمين - وهم ينتمون للطائفة الشيعية وكانوا ضمن المشاركين في الاحتجاجات الأخيرة - على خلفية تعمدهم قتل اثنين من رجال الشرطة دهسا بالسيارات والتنكيل بجثتيهما بالركل بالأقدام، والدهس المستمر بسيارات دفع رباعية إلى أن تحولا إلى أشلاء.. وأدى الإعلام الرسمي والإعلام عبر شبكة الإنترنت دوراً بارزا في تصوير بشاعة الحادث ونقل مجرياته، وتجييش الرأي العام السني على الأغلب) للمطالبة بالقصاص العادل من الجناة.
وفي حين رحب الشارع السني بالحكم واعتبره حكماً عادلاً وقانونياً وقوياً ورادعاً لكل من تسول له نفسه المساس بأمن البلاد والانقلاب على الشرعية»، اعتبره الشارع الشيعي، حكما سياسيا لا تتوافر له ضمانات العدالة كونه صادرا عن محكمة عسكرية واعتمد على انتزاع اعترافات المتهمين بالإكراه، وكان فوق التوقعات.
لكن المحكمة العسكرية نفت ذلك، مؤكدة أن الحكم توافرت له جميع الضمانات القانونية، وأن المدانين أتيح لهم الاتصال بذويهم وتوكيل محامين، كما أن من حقهم استئناف الحكم أمام محكمة السلامة الوطنية الاستئنافية.
واستذكر الشارع الشيعي بالمناسبة ما آلت إليه لجنة التحقيق التي أمر بتشكيلها ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة مع بداية الأحداث لبحث الأسباب التي أدت إلى مقتل عدد من المتظاهرين يومي ١٣ و ١٤ فبراير ومحاسبة المسؤولين عن قتلهم، وهي اللجنة التي لم يُسمع لها صوت حتى الآن، أو ما إذا كانت قد شكلت من عدمه. وهذا الكلام مردود عليه من قبل السلطة بأنه غير صحيح أن رجال الأمن تسببوا في مقتل متظاهرين بطريقة مباشرة ومتعمدة، وأنهم كانوا في حالة دفاع دائم عن النفس ولم يبدؤوا باعتداء، وأن عددا من القتلى أثناء الأحداث كانوا ضحايا للمتظاهرين أنفسهم، بدليل أنه تم العثور على جثث الأشخاص في أكثر من موقع ومنهم آسيويون مقيمون وسائق تاكسي بحريني ينتمي إلى الطائفة السنية.
وبعيداً عن تباين المواقف وردود الأفعال من هذا الطرف أو ذاك، فإن تاريخا جديداً بدأ يتشكل في مملكة البحرين التي عاش أهلها على مدى مئات السنين في حب ووئام وانصهروا وتصاهروا وجمعتهم قواسم مشتركة كثيرة دون أن يكون الهاجس الطائفي مما يؤرقهم أو حتى يفكروا به.. فخارطة المواقف الحالية لكل فرد يعيش في البلاد تتحكم فيها عدة عوامل هي في معظمها «صناعة بحرينية، وهذه العوامل تتمثل في:
العامل السياسي
تشيع في البحرين الآن حالة تأطير» واضحة للولاءات السياسية، إذ تنتشر اللافتات وترتفع الرايات وتقام المهرجانات تأييداً للأسرة الحاكمة (آل خليفة) التي تمسك بزمام الأمور في البلاد منذ ما يزيد على مائتي عام، وثبتت شرعيتها عبر هذا التاريخ من خلال مواقف وإجراءات عدة، كان آخرها استفتاء شعب البحرين بكل مكوناته على ميثاق العمل الوطني عام ٢٠٠١ وبموافقة بلغت نسبتها٤ , ۹۸ ، ومن ثم صدور دستور ۲۰۰٢م الذي أقر نظام الملكية الدستورية ومازال معمولا به حتى اليوم.
هذه الموجة العارمة لإظهار الولاء والتأييد للأسرة الحاكمة وللعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبدالعزيز تقابلها حالة رفض مكنون في الصدور من جانب المنتمين للطائفة الشيعية خصوصاً من شاركوا في التظاهرات الأخيرة، وبالأخص من تورطوا في أعمال عنف أو جاهروا بمعاداة النظام وطالبوا بإسقاطه.
ويرى المراقبون أن حالة التنافر هذه لن يحلها ويضيق فجوتها إلا أداء سياسي جديد للسلطة يعكس رغبة في إعلاء شأن المواطنة والكفاءة على حساب الانتماء العرقي والطائفي، وهو ما تحدثت به السلطة بالفعل في أكثر من مناسبة، ملوحة باستئناف الحوار الوطني بعد انتهاء وقت المحاسبة الحالي.
العامل الأمني
بتطبيق حالة السلامة الوطنية ونزول الجيش إلى الشوارع وقدوم قوات درع الجزيرة لحماية المنشآت الإستراتيجية وانتشار نقاط التفتيش على كل الطرق والشوارع الرئيسة أصبحت البحرين آمنة عمليا، وعادت مظاهر الحياة إلى طبيعتها، لكن هذا الأمن المفروض بالقوة لا يقابله أمن حقيقي في النفوس، فمن الناس من يضايقه مجرد وجود نقاط التفتيش ومنهم من يتساءل عن أمد تطبيق حالة السلامة الوطنية (الطوارئ).
وهناك من جانب المعارضين من يهدد ويتوعد ويطلق الإشاعات ويحاول إحياء المسيرات، كما حدث في منطقة سترة، يوم صدور الأحكام الأخيرة.
وإجمالا، هناك ضبابية تغلف مستقبل الحالة الأمنية، وما لم تكن هناك حلول سياسية عاجلة فسوف يظل الخيار الأوحد هو الخيار الأمني حتى تنقشع سحب التوتر الحالية، وإلى وقت غير معلوم.
العامل الخارجي
مازالت الحرب الإعلامية والدبلوماسية على أشدها بين البحرين ودول الخليج من جهة وبين إيران وحزب الله والطوائف الشيعية التي تؤمن بـ ولاية الفقيه من جهة أخرى.. فما إن دخلت قوات درع الجزيرة المؤلفة من ١٥٠٠ عنصر فقط إلى البحرين حتى قامت قيامة شيعة البحرين وإيران وغيرهما، واعتبروا وجود القوات السعودية والإماراتية احتلالا، وهددت إيران أكثر من مرة - على لسان كبار مسؤوليها - بردود قاسية على البحرين، وصعدت إعلاميا ضد قيادتها، وأرسلت مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشكوى تتهم فيها قيادة البحرين بقمع المعارضة بمعاونة قوات أجنبية.
وردت البحرين والسعودية بشكل خاص ومعهما دول الخليج، بحملات إعلامية غير مسبوقة، ركزت فيها على أنه ليس من حق إيران التحدث بلسان شيعة الخليج، مما يعد تدخلاً مباشراً في الشؤون الداخلية»، معرجة على إظهار مساوئ ولاية الفقيه، ومظالم الشعب الإيراني وعرب الأحواز السنة.. ثم تابعت بطرد دبلوماسيين إيرانيين كان آخرهم «حجت اله رحماني، السكرتير الثاني في السفارة الإيرانية لدى مملكة البحرين الذي اعتبرته المملكة «شخصاً غير مرغوب فيه نظرا لارتباطه بخلية التجسس في دولة الكويت، وطالبته بمغادرته البلاد خلال ۷۲ ساعة وردت إيران بأن لجوء السلطات البحرينية إلى طرد دبلوماسي إيراني يتعارض مع مبدأ حسن الجوار ومحاولة للهروب من الواقع، وأكدت احتفاظها بحق الرد على القرار البحريني.
العامل الديني
يرى أهل السنة أن ما حدث من أعمال عنف من قبل أفراد منتمين للطائفة الشيعية ينطلق أساساً من قاعدة مذهبية تؤمن بـ ولاية الفقيه، وتعتبر أهل السنة أعداء على طول الخط متهمين علماء الشيعة بتسخير المساجد والمآتم لبث الكراهية وتجييش الناشئة، معتبرين أن ذلك هو مكمن الخطر الذي يهدد الوحدة الوطنية وأمن البلاد. وذهب بعض علماء السنة بعد الأحكام الأخيرة، ومنهم النائب السلفي جاسم السعيدي»، إلى حد المطالبة بالقصاص من المحرضين، قائلاً: إذا كان القتل هو جزاء هؤلاء المجرمين، فإن الصلب هو جزاء المحرضين من أصحاب العمائم والساسة ودعاة الحقوق وهو أقل القليل بحق من أجرم كل هذا الجرم وعاث الفساد في بلادنا العزيزة وارتكب بها جرماً لم تشهده في تاريخها قط.. في المقابل، وتحت جناح «المظلومية»
يتحرك علماء الشيعة مطالبين أتباعهم بالتكبير على أسطح المنازل والاستمرار في الاحتجاج، وذهب بعض من يساندهم من الخارج إلى حد إعلان الجهاد.
وما لم يكن الخطاب الديني جامعاً، لا مفرقاً ستظل الأمور قابلة للشحن الطائفي وستظل الفجوة تتسع يوما بعد يوم.. والعلاج يكمن هنا في توافر الرؤية الحكيمة والإرادة معًا لرتق الفجوة وإصلاح ذات البين من قبل العلماء والساسة على السواء.
العامل المهني والمعيشي
عمدت حكومة البحرين بعد الأحداث الأخيرة إلى إعمال قانون الخدمة المدنية» بكل حسم بمعاقبة كل من تغيب عن العمل «إضراباً» أثناء الأزمة بالفصل أو الإيقاف أو الخصم، كل حسب حالته ومدة تغيبه وذلك بعد تحقيق من خلال لجان اتصفت بالحيادية، وقد طالت هذه العقوبات كثيراً من العاملين في الحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص أيضاً، وفقد عدد لا بأس به من المهنيين وظائفهم.
وبالطبع نتج عن الفصل والوقف والخصم أضرار معيشية واضحة، قد تعبر عن نفسها بصور تخل بأمن المجتمع إن عاجلا أو آجلا، مما دعا الحكومة إلى إبداء بعض المرونة خلال الأيام الماضية، بتصريحات حول إمكانية لجوء المدانين إلى القضاء، وتشكيل لجنة بأمر من رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، لمراجعة قرارات جميع اللجان بشأن المفصولين والموقوفين وتدقيق أعمالها لرفع الظلم عمن يكونون قد أضروا بطريق الخطأ.
هذه التصفيات الوظيفية خلقت حالة من الهلع والإحباط في أوساط قادت وساندت الاحتجاجات من مستوى وزير إلى أدنى عامل، واعتبرها المعارضون «تصفية حسابات سياسية، في حين اعتبرها المؤيدون إحقاقاً للحق وتطبيقا للقانون، لكن المؤكد في كل الأحوال أن الإجراءات كانت قانونية وإن غلفتها ظروف سياسية.
كان للظروف الأمنية التي مرت بها البحرين تأثير كبير على اقتصادها، من حيث الخسائر المباشرة والفورية للناتج المحلي الإجمالي التي قدرها بعضهم بنحو مائتي مليون دولار، مع تأثر السوق العقارية وسوق السياحة، الذين قدرت خسائرها بنحو مليار دولار.
ويرى اقتصاديون أن البحرين ستحتاج إلى عدة أشهر قد تمتد حتى نهاية هذا العام، كي تسترد عافيتها الاقتصادية وتعيد مكانتها كمركز مالي عالمي، إذ يشكل القطاع المالي في البحرين نحو ربع الناتج المحلي.
ومع هذا التراجع الكلي للاقتصاد، حدث تراجع نوعي تأثراً بحالة الطاقة أيضاً، حيث برزت دعوات وظهرت قوائم تطالب بمقاطعة الشركات والمحال التجارية المملوكة لهؤلاء أو أولئك، بل تعدى الأمر ذلك إلى مطالبة بعضهم بفصل الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية لكل طائفة، وهو ما قوبل برفض مشدد من قبل بعض النواب والتنفيذيين.
ماذا عن المستقبل؟
يتساءل بعضهم: ماذا عن المستقبل في ظل هذا الفرز الطائفي المتأجج تأتي الإجابة بأن الخيارات تنحصر في الحل السياسي مع توافر رؤية واضحة وإرادة جازمة لهذا الحل لأن حالة السلامة الوطنية لا يمكن أن تستمر وإن طال الأمد، خاصة أن تطبيق الحل الأمني مرحليا هو شيء مكلف جدا، ولا يقود إلى أمن حقيقي في المستقبل.
يؤكد الخبراء أيضاً أن المصالحة مطلوبة داخليا (بين كل مكونات المجتمع) وخارجيا (مع الجانب الإيراني وغيره ممن لهم صلة)، مع مراعاة إعمال القانون وتحقيق العدالة على أساس المواطنة في الداخل، وعدم قبول أي ضغوط أو إملاءات خارجية.
ورغم ارتفاع أصوات عاقلة تطالب بطي هذه الصفحة المؤلمة في تاريخ البحرين، وإعادة اللحمة الوطنية برؤية وآليات واضحة محددة، فهناك أصوات أخرى ترى أن «عودة المياه إلى مجاريها، أصبحت مطلباً بعيد المنال، بعد ما تركته الأحداث الأخيرة من شروخ في جدار الوحدة الوطنية، وما نتج عنها من التطرف الذي وصل ببعضهم إلى حد تصور استحالة التعايش بين الطائفتين السنية والشيعية مهما كان حجم المسكنات التي تسعى الحكومة لوضعها.. بل ذهب بعضهم إلى حد القول: إن البحرين لن تعيش في هدوء وسلام إلا إذا خلت لطائفة واحدة فقط، وهذا ما يمثل قمة التطرف وعدم الواقعية.. لذلك، فمن المهم أن تسارع القيادة السياسية بفتح ملف المصالحة قبل فوات الأوان، بعد أن تنتهي من إنجاز ملف «المحاسبة على وجه السرعة .