; مهلًا.. يا بنت الخنساء! | مجلة المجتمع

العنوان مهلًا.. يا بنت الخنساء!

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 08-أغسطس-1972

مشاهدات 13

نشر في العدد 112

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 08-أغسطس-1972

تعليقًا على ما نشر في جريدة السياسة بتاريخ ۲-۸-۷۲ ( ٢٢-٦-٩٢ )

بنت الخنساء هي فتاة كويتية نتوسم فيها خيرًا... وهي فيما يبدو لنا فتاة مؤمنة تنقصها الثقافة الإسلامية... وينقصها شيء من الدقة العلمية والحرص على تحرير النصوص... والتحرر -كذلك- من بعض ضغوط المجتمع الذي اكفهرت سماؤه بسحب كثيفة من الأفكار المتزاحمة المستوردة.

وبنت الخنساء -فيما سوى ذلك- فتاة طيبة جريئة في قول الحق.. لا تعوزها الشجاعة في أن تلمس «الموضوعات الحساسة » في مجتمع تكثر فيه الحساسيات.!

ولأنها كذلك... ولأني آمل فيها خيرًا... فقد أقدمت على مناقشتها.. ولا أقول: تعليمها... عفوًا... فنحن جميعًا تلاميذ نتعلم في مدرسة الحقيقة..

في صفحة البريد بجريدة السياسة عدد ٢-٨-٧٢ قرأت موضوع بنت الخنساء الموسوم «ثورة الحرمان في مسلخ ليس فيه تصريف قنوات» كتعليق لها على قضية بروز الجريمة بشتى صورها على نحو يدعو لحل جذري... وعاجل.. وإلا فإن البناء الاجتماعي الكويتي مهدد بالتداعي والسقوط...

وكانت الإيجابيات في موضوعها كثيرة... إيجابيات تحتاج فعلًا -كما علقت السياسة-إلى أن توليهـــــــا وزارة الداخلية -وغيرها- حقها من العناية والتنفيذ.

وقد أقلقني.. وأنا أقرأ هذا المقال الطيب ـأن تأتي- وأظن أن ذلك جاء عفوًاـ بعض النقاط التي تمثل قضايا خطيرة لا يمكن السكوت عليها ـبدافع المجاملة أو الرضا العام.

وأوجز ما لفت نظري من قضايا تحتاج إلى توضيح في النقاط المحددة التالية:

أولًا: تحدثت بنت الخنساء عن منع شرب الخمر... وجعلته تمسكًا بقشور الدين «ما دمنا نغض الطرف -وفق قولها- عن تعاطيها في الفنادق والنوادي الخاصة والمزارع للفئات من الدرجة الأولى، ومع وجودها في بيروت ومونت كارلو».

 والحق أن وجود مصرف لارتكاب الجريمة في جانب لا يعنى فتح باب الجريمة على مصراعيه في كل الجوانب، ولئن كان صحيحًا ما تقوله بنت الخنساء ـوهو صحيح- من أن الذين يريدون الخمر سيستطيعون الحصول عليها عن طريق المصارف التي ذكرتها.. لكن من الصحيح كذلك أن تضييق كمية الجريمة هو الأمر الذي تعمل على وجوده كل شرائع الله، وفي كل العصور كان المحتالون على الدين والباحثون عن الجريمة يجدون مصادر لتفريغ الجريمة... لكن هناك فرقًا كبيرًا لا شك فيه بين أن تكون الجريمة متاحة فقط للمصرين عليها الذين تسري معاني الجريمة في عروقهم سريان الدم... وبين أن تكون الجريمة معلقة في الشوارع والمحلات التجارية تدفع الناس دفعًا إلى ارتكابها وتغريهم بنفسها بأساليب الدعاية المختلفة.. وليس من الصواب أن أفقد ما في يدي بحثًا عن أفضل، بل الصواب أن أتمسك بالمتاح لي، وأبحث عن الأفضل..

وأنا -مع كل ذلك- أضم صوتي إلى صوتها في أن يعمل المسئولون على إغلاق مصادر الجريمة المتاحة لبعض الفئات والتي ذكرتها «بنت الخنساء».

ثانيًا... طالبت «بنت الخنساء » بوضع عقوبات شديدة على جرائم السرقة..

وذكرت أنه «إذا كانت الدول الإسلامية ترى أن قطع يد السارق في العصر الحالي مناف للعرف الدولي (المزيف) فإنه يكفي على الأقل وضع علامة بارزة ثابتة في مكان بارز من جسم السارق كدليل علـــــــى اتصافه بالسرقة».

وفي كلام بنت الخنساء المذكور عدة ملاحظات...

أولاها أن الدول «الإسلامية » التي تخضع للعرف الدولي المزيف.. ليس من الصواب أن نسميها بالإسلامية.. بل هي دول تدين بالعرف الدولي ولا تدين بدين الله. وثانية الملاحظات أن قطع يد السارق ليس منافيًا للعرف الدولي..

لأنه لا يوجد عرف دولي في الحقيقة إلا بالنسبة للمنهزمين الذين يخافون من العفاريت والأشباح الموهومة.. ففي الصين.. وفي الجزائر العربية.. وقع شر من قطع يد السارق بالنسبة للذين سرقوا أموال الشعب.. وقع القتل.. ولم يقل أحد بأن ذلك مخالف للعرف الدولي.. ولو أن إسرائيل تريد سن قانون انطلاقًا من توراتها وتلمودهـا لسخرت من العرف الدولي.. إلى آخره، والملاحظة الثالثة يا بنت الخنساء.. وهي أخطر الملاحظات في هذه النقطة هو اقتراحك.. ولا أقول «تشريعك» -لأني أحس بشيء كبير من صدق إيمانك- وأعني به اقتراحك وجود بديل لقطع يد السارق بوسم السارق بعلامة مميزة...

وفضلًا عن أن هذا ليس من حقك باعتبارك مسلمة تلتزمين القرآن والسنة، فضلًا عن هذا لا يجوز إطلاقًا استبدال المادة القانونية بغيرها متى توفرت شروط تنفيذها... وإلا أصبح القانون لعبة في يد المشرعين الجدد!! ولربما كان في اقتراحك حسن نية..

لكن مع ذلك لا بد من إقرار الحق.. إنصافًا للحق نفسه.

وما رأيك عندما تتحول عملية الوسم هذه إلى عادة اجتماعية؛ فبما أن عقوبة السرقة ليست من القوة –وفقًا لاقتراحك- بحيث تُردع اللصوص والمفكرين في اللصوصية، فسيكثر هؤلاء الموسومون بالعلامة المميزة.. وستفقد قيمتها.. وربما تحولت إلى «موضة» من موضات الخنافس وتحولت إلى شارة ثورية تقدمية..!!

ألا يمكن أن يحدث هذا يا بنت الخنساء؟!

ثالثًا.. وثالثة الآسافي التي وقعت فيها -ونرجح حسن النية- أيتها الفاضلة الكريمة.. هو مقارنتك بين عصر «المزارع» والعصر العباسي.. وهي مقارنة بعيدة كل البعد عن الصحة والتصور التاريخي الصحيح.. ولعلك قد تأثرت بقراءتك «ألف ليلة وليلة» فظننت أنها ألف ليلة حقيقية مضاءة بالأضواء الحمراء وكؤوس الطلي، أو لعلك قرأت ما كتبه بعض المستشرقين عن تاريخنا وتاه منك المنهج العلمي الصحيح.. ذلك المنهج الذي يعتمد في ذكره للحقائق على مصادرها هي.. لا سيما مصادرها الصحيحة القريبة من الحدث التاريخي؛ أما تعلم تاريخنا من كتابات أعدائنا فهي جريمة لا تقل عارًا عن جريمة هزيمتنا «ولا أقول نكستنا» في الخامس من حزيران الشهير!!.

وألف ليلة وكتابات المبشرين إنما تستسقي بعض ما فيها من حقائق مبالغ فيها من قصور محدودة توجد في كل مجتمع لا سيما المجتمعات التي تعيش فترات الازدهار الحضاري -كما كان العصر العباسي- أما الأرض كلها وأما الشعب كله.. وأما التلاحم بين الإنسان والمبدأ التحامًا فكريًّا وتراثيًّا وأخلاقيًّا وسير الحياة على الأرض انطلاقًا من المبادئ والتراث.. أما هذا فهو غير موجود في هذه الكتابات إطلاقًا.. ولو صح كل ما ورد عن صور التبذل في هذا العصر..

لما عاشت حضارة العباسيين ما عاشت، ولما بقيت دولتهم إلى سنة ٦٥٦ هجرية ممثلة أطول خلافة في التاريخ الإسلامي ولما بقينا نحن.. نتغنى بهذا الدين وننشد يوم يقوم من رقدته على يد هذا الجيل.. المهزوم..

إن الإماء كانوا في هــــذا المجتمع يمثلون شريحة من أسلوب عالمي مفروض، وإلا فإن الإسلام في كل مبادئه كان يحرض بطريقة أو أخرى على القضاء على هذه الظاهرة لكن لا يستطيع ترك أبنائه وبناته عبيدًا في يد النصارى والمجوس، بينما يقوم بتحرير أبناء الآخرين.. وعندما كانت «الأمة » تدخل فراش الرجل وتحمل منه كانت تتحول على الفور إلى «أم ولد » لا تباع ولا تشترى... وكانت الإماء كالمماليك الذين يتمتعون بكل الحقوق والسلطات وليس كما يتصور البعض لدرجة أنهم كانوا حماة الخلفاء، بل والحكام الحقيقيين في كثير من بلاد الإسلام -«ومصر شاهد على ذلك» وكانوا قادة الجيوش والمحققين لكثير من انتصارات الإسلام الخالدة.. وليس المماليك إلا أزواج وأخوات الإماء...

رابعًا: ووردت بعض العبارات التي كان من الممكن بقليل من الجهد التخلص من أعبائها الدينية... فضلًا عن احترامنا لديننا... من أمثال قولك يا بنت الخنساء: (لأنه حسب علمنا وما تعلمناه في كتابنا الكريم «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى») فالحق أن هذا لم يرد -ولم نتعلمه- من كتابنا.. وإنما تعلمناه من نبي الإسلام -عليـه الصلاة والسلام.. فهو قول نبوي وليس قولًا إلهيًّا... ومثل نصيحتك بأن نتحرى قوله تعالى عندما وصى النبي وجميع المسلمين بأن لا يمشوا في الأرض مرحًا متكبرين متعالين متفاخرين «هكذا.. مع عدم ذكر الآية مع أن القرآن لا يذكر بالمعنى بل بالنص» أفلم يكن من الأولى الرجوع إلى المصحف والتأكد من الآية نفسها بدل ذكر القرآن بالألفاظ الخاصة المؤدية إلى تشويهه.. وألم يكن من الأجدى التأكد من سبب نزول الآية..

وأخيرًا: .. فقد كان كلام الفاضلة بنت الخنساء جديرًا بالمناقشة.. فناقشته.. بيد أن هناك كلامًا كثيرًا يذكر فلا يذكر، وكأنه ماء راكد.. فشكرًا «لبنت الخنساء» التي جاء كلامها متحركًا ينشد حياة كريمة لائقة بالإنسان.

حياة حرة متحركة!!..

ورحم الله الخنساء وأبناءها الشهداء الأبرار.!!

خالك: صخر

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

سراقة بن مالك

نشر في العدد 3

759

الثلاثاء 31-مارس-1970

مشاريع كثيرة، ولكن !!

نشر في العدد 3

105

الثلاثاء 31-مارس-1970

الخمر

نشر في العدد 6

23

الثلاثاء 21-أبريل-1970