; النار التي أحرقت بيروت هل تمتد لتحرق كل لبنان؟ | مجلة المجتمع

العنوان النار التي أحرقت بيروت هل تمتد لتحرق كل لبنان؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 21-ديسمبر-1982

مشاهدات 12

نشر في العدد 600

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 21-ديسمبر-1982

  • الوضع في طرابلس وجه آخر للمأساة اللبنانية بل مأساة المسلمين ‏في لبنان.

  • دفعت بيروت ثمنًا غاليًا خلال فترة حصارها لكن بقية المناطق لن ‏تنجو من أداء الثمن.

  • ظهرت بصمات مخابرات الجيش اللبناني من خلال أكثر من معركة وأكثر من تفجير!

  • المصادر الأمريكية: «لبنان سيؤدي دوره كجزء من الحل الكلي للقضية»

‏مأساة لبنان التي طالت وامتدت سبع سنوات لم تنته فصولها بعد، فعلى الرغم من المعاناة الطويلة تحت كابوس الحرب الأهلية والصدامات المحلية وتصفية الحسابات العربية، إلا أنه يطلب من لبنان -بل من المسلمين في لبنان- مزيدًا من المعاناة في ظل الموجودين اللذين يحتلان معظم الأراضي اللبنانية الوجود السوري والوجود الإسرائيلي.

‏لقد انتهى الصيف الحار في لبنان باجتياح القوات الإسرائيلية لجنوب لبنان، وعاصمته بيروت، وجزء من سهل البقاع، وجرت انتخابات رئاسة الجمهورية «الأولى» التي فاز فيها بشير الجميل والانتخابات الرئاسية «الثانية» ‏التي فاز فيها أخوه أمين، وبهذا فقد سقطت الجمهورية في يد حزب الكتائب في ظل الهيمنة الإسرائيلية... وأعطى المسلحون في لبنان الحكم الجديد والحاكم كل الدعم والتأييد، على أمل أن يساعد ذلك في عودة السلطة الرسمية لتطالب بجلاء القوات الإسرائيلية

الغازية وسواها من القوات المسلحة غير اللبنانية، وأحكمت «الدولة» سيطرتها على الجزء الغربي «الإسلامي» من بيروت، وأتمت المهمة التي بدأتها «إسرائيل» بنزع السلاح الإسلامي... في حين أنها تهاونت -وما تزال- في نزع السلاح من أيدي الميليشيات المارونية وحل تنظيماتها ووضع اليد على الأسلحة الثقيلة التي تملكها. ومع هذا فلم يكن ‏لدى المسلمين ما يقولونه أو يفعلونه سوى دعم السلطة الرسمية ممثلة برئيس الجمهورية «أمين الجميل» على أمل أن يعيد إلى لبنان وحدته ويحرره من الوجود المسلح غير اللبناني، وفي طليعته الوجود الإسرائيلي.

‏وتمر الأيام، وتتعقد الأمور، وتبدأ «إسرائيل» بفرض شروطها التعجيزية أنها تطالب بعقد محادثات رسمية على مستوى عال مع لبنان، وبالتناوب مرة في بيروت وأخرى في القدس، وبتوقيع اتفاقية أمنية مع لبنان، وفتح الحدود وقيام تمثيل دبلوماسي متبادل... وترفض الدولة اللبنانية، ليس لأنها لا تريد الاعتراف «بإسرائيل» أو توقيع اتفاقية معها... وإنما لأن ذلك سوف يحرم لبنان المعونة العربية اللازمة لإعادة تعميره، ولأنه لا داعي لمثل هذه الخطوات الحادة مع كيان سياسي ناشئ ضعيف بينما القضية كلها «القضية الفلسطينية» يجري الإعداد لحلها على نار هادئة، وبالتالي فإن لبنان سيؤدي دوره كجزء من الحل الكلي للقضية... هكذا تقول المصادر الأميركية المعنية بإيجاد حل للأزمة اللبنانية وسحب القوات الأجنبية.

‏في هذا الوقت بالذات تبدأ اضطرابات في أكثر من منطقة لبنانية بدأت أحداث الشوف «منطقة جبلية شرق بيروت» بين الدروز والموارنة، واستمرت دون أي مبرر، سوى الاستجابة للتحريض الإسرائيلي لكلا الطرفين، وأحيانا تزويد كل منهما بالسلاح والذخيرة، ولما كانت النفوس مشحونة بتراكمات تاريخية قديمة، ولما كانت «إسرائيل» قد وجدت في كلا الفريقين من يتعاون معها وينفذ مخططها الرامي إلى تقسيم البلد وتفتيته من خلال إثارة الفتنة الطائفية بين أبنائه...

‏فقد استجاب الطرفان للإثارة، وبدأت بينهما معركة انقسمت فيها القوى وتقاتل الجيران وجرى خطف الناس وقتلهم لمجرد معرفة المذهب الذي ينتمون إليه، وليست محاولة اغتيال وليد جنبلاط «الزعيم الدرزي» إلا جزءًا من المخطط الرامي إلى إثارة المشاعر وإشعال ‏نار الفتنة، إضافة إلى أن اغتياله سيكون عقابًا له بسبب عدم انسجامه مع المخطط الإسرائيلي الرامي إلى قيام «دولة» للدروز، تضم دروز إسرائيل في الجليل إلى دروز سوريا في الجولان وجبل الدروز إلى دروز لبنان في المناطق

المحيطة بحاصبيا الواقعة في الجنوب الشرقي من الأراضي اللبنانية، حيث وجدت «إسرائيل» من يتعاون معها لتكوين ميليشيا درزية تمارس عمل حرس الحدود، ونصبت حاكمًا عسكريًا إسرائيليًا درزيًا وهذا يقتضي بطبيعة الحال تهجير دروز منطقة الشوف ليقوم في «جبل لبنان» القديم دولة مارونية متعاونة مع «إسرائيل»، أما بقية الأراضي اللبنانية فيجري تفتيتها وتقسيمها بحيث تنال «إسرائيل» حصتها من الجنوب، وسوريا حصتها من البقاع والشمال.

إلى هذا يرمي المخطط الإسرائيلي، ومن أجل هذا تغذي «إسرائيل» الفتنة الطائفية في قرى الشوف وتزكي نارها.

‏هذا في الشوف، أما في طرابلس والشمال فالوضع وجه آخر للمأساة اللبنانية، بل مأساة المسيحية في لبنان.

‏معروف أن القوات السورية تسيطر على مناطق الشمال والبقاع تخت غطاء «قوات الردع العربية» التي دخلت لبنان بقرار من مؤتمر قمة عربي من أجل إنهاء القتال في لبنان وحماية وحدة أرضه وشعبه، ليس هذا مجال الكلام ‏عن مدى النجاح في هذه المهمة أو الفشل فيها، ولكن السنوات السبع الماضية التي تولت خلالها القوات السورية زمام الأمن في لبنان أفرزت الواقع الذي يعانيه البلد، إضافة لهذا فقد أوجدت عداوات للوجود السوري بعضها من قوى محلية وبعضها الآخر نتيجة الخلافات العربية المستحكمة والتي تشكل سوريا طرفًا فيها، فالأخبار الواردة من طرابلس تقول بأن هناك مجموعات حزبية باتت تعادي الوجود السوري وتقاومه، وأن مجموعة مسلحة تمثل القوى التي تعارض الوجود السوري في لبنان دخلت منذ سنوات صراعًا مسلحًا في منطقة «التبانة»، أحد الأحياء الشعبية بطرابلس، تحت اسم «المقاومة‏ الشعبية»... إذ تواجه منطقة التبانة جغرافيًا هضبة تسكنها أقلية نصيرية «بعل‏ محسن» مكنت لها القوات السورية وأطلقت يدها في المدينة إرهابًا وتخويفًا وسلبًا وخطفًا، وقد اتخذت هذه المجموعة الطائفية المهاجرة من جبال النصيرية بسوريا لافتة حزبية باسم «الحزب العربي الديمقراطي» واتخذت تشكيلات مسلحة باسم «الفرسان الحمر» سلحتهم سوريا ودربتهم. ولما كان السلاح متوفرًا في أيدي الجميع، ومن كل القياسات والعيارات، فإن أي حادث فردي يمكن أن يتطور إلى صدام عريض تستعمل فيه الرشاشات الثقيلة، والمدفعية، إضافة إلى التدخل السوري العسكري -بالدبابات والمدفعية- لمساندة منطقة بعل محسن وفرسانها الحمر.

 

الانقسامات الطائفية إذا بدأت في لبنان فإنها لن تتوقف...!!

وحتى تكون طبيعة المعركة الدائرة معروفة فإنه، لا بد من تحديد هويات التيارات الحزبية والمجموعات المعادية للوجود السوري في الشمال:

1- التيار الإسلامي: وهو مكون من التنظيم العسكري للجماعة الإسلامية «المجاهدون» ومن مجموعة «جند الله» وهما تتعاطفان مع حركة الإخوان المسلمين في سوريا خلال صراعها مع الحكم القائم في دمشق.

‎٢‏- حزب البعث: وهو الجناح المتعاطف مع العراق والمتفوق في المنطقة على الجناح السوري.

‎٣‏- حركة ‎٢٤‏ تشرين: وهي مجموعة محلية حملت هذا الاسم منذ أن قادت عصيانًا مسلحًا ضد السلطة اللبنانية عام ‎١٩٧٣‏ في مثل هذا التاريخ.

هذه المجموعات يجمعها عداؤها المشترك للوجود السوري المسلح وإن اختلفت منطلقاتها وأفكارها وحوافزها، وهي تتمتع بتأييد الأوساط الشعبية التي تتعاطف معها في معركتها المتقطعة مع القوات السورية أو فرسانها الحمر، لكن هذا لا يعني أن عناصر الصراع بسيطة إلى هذا الحد، فهناك مصالح أخرى تصطرع وتفجر خلافاتها وتصفي حساباتها على الساحة اللبنانية، فمن المعروف أن هناك أزمة مستحكمة بين سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولما كان الخلاف «باطنيًا» غير معروف الحدود والأسباب فإن التعبير عنه يأتي على شكل تفجرات جانبية، وتمثل معركة طرابلس ساحة رئيسية للضغط والانتقام، فالوجود الفلسطيني في شمالي لبنان ازداد قوة وزخمًا بعد أن انضمت إليه المجموعات الفدائية التي خرجت من بيروت إلى سوريا أو إلى غيرها من الدول العربية، ولما كان المسلمون هم المجال الحيوي للوجود الفلسطيني فإن المنظمات الفلسطينية تجد نفسها متعاطفة معهم في كل معركة يخوضونها، ولا سيما إذا كانت المعركة تشفي غليلهم من النظام الذي يعانون في ظله الكبت والقهر، لذا فقد تعرضت المخيمات الفلسطينية في الشمال لحصار القوات السورية خلال المعركة الأخيرة، بحجة أن كمينًا نصب لشاحنة عسكرية سورية سقط بنتيجته خمسة قتلى وعشرة جرحى، وأن عناصر الكمين لجأت إلى مخيم البداوي بعد تنفيذ العملية. هذا طرف رئيسي في الصراع، والطرف الآخر الأكثر تورطًا والأطول باعًا في تفجير الأوضاع ضد سوريا في لبنان هو ما يطلق عليه تسمية «المكتب الثاني» أي الشعبة الثانية – مخابرات الجيش اللبناني، وقد ظهرت بصمات الشعبة الثانية من خلال أكثر من معركة وأكثر من تفجير، لأن مصلحة السلطة اللبنانية تقضي بأن تقض مضجع سوريا في لبنان، وأن تعمل على إزعاج هذا الوجود حتى لا يقر له قرار في البلد فيضطر لإخلاء الساحة كي يستتب الأمن بعد ذلك لسلطة الدولة اللبنانية، والشعبة الثانية تجند العملاء وتدفع المال وتعطي السلاح لبعض أطراف الأزمة الذين تلتقي أهدافهم أحيانًا مع أهدافها.

بعد كل هذا العرض المتداخل المتشابك احسب القارئ يطرح سؤالًا بسيطًا، هو: أين مصلحة المسلمين في لبنان إزاء هذه المصالح المتداخلة المتشابكة؟!

المفهوم من مواقف وممارسات القيادات الإسلامية السياسية منها والفكرية أنها تؤيد استعادة وحدة لبنان، ولو كان ذلك في ظل النظام الذي يحكمه أمين الجميل... لأن البديل عن هذا هو تفتيت لبنان وقيام دولة مارونية هنا ودرزية هناك وو... وهذا ليس في صالح المسلمين في لبنان ولا المنطقة، «فإسرائيل» هي التي تدفع الأحداث في هذا الاتجاه، لكي تبرز وجودها العنصري الطائفي، وتكون هي العنصر المتفوق في هذا

الركام من الدويلات، لأن الانقسامات إذا بدأت في لبنان فإنها لن تتوقف، سيما وأن الأوضاع في سوريا مؤهلة لانقسامات شبيهة، وفي رأي القيادات الإسلامية اللبنانية أن المسلمين سوف تضيع هويتهم إذا ما وقع مثل هذا وسيدفعون ثمنه غاليًا، فضلًا عن أنه يحقق مصلحة واضحة «لإسرائيل» في الاسترخاء المرتاح الطويل.

لذلك فلا عجب أن نجد المسلمين في لبنان، الذين كانوا ينشدون الوحدة مع سوريا، يطالبون الآن برحيل القوات السورية، لأن الوجود السوري سيكون موازيًا للوجود الإسرائيلي، سوريا الآن ليست في وضع يؤهلها لتبرير استمرار وجودها العسكري، لأنه لم يحقق شيئًا من أهدافه المعلنة والتي فوضت سوريا بالمهمة الأمنية في لبنان من أجلها، ولأن الممارسة السورية في مناطق المسلمين بالذات لا تشجعهم على استمرار هذا الوجود.

وإلى متى تبق طاحونة الحرب تسحق المسلمين في لبنان؟! ذلك يستدعي انتظار أطول، ومزيدًا من الضحايا الأبرياء والدمار الاقتصادي للبنية الإسلامية، خاصةً وأن الغزو الإسرائيلي أضاف إلى القضية عنصرًا خطرًا سوف يحرص على أن يحقق أكبر قدر من مصالحه من خلال هذا الغزو.

لقد دفعت بيروت ثمنًا غاليًا خلال فترة حصارها، لكن بقية المناطق لن تنجو من أداء الثمن. وسيكون باهظًا جدًا... مع الأسف.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 6

130

الثلاثاء 21-أبريل-1970

نشر في العدد 11

44

الثلاثاء 26-مايو-1970