العنوان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية "للمجتمع": اتفقنا مع الإدارة الأمريكية على الحوار من قبل إلا أنهم ألغوا الموعد بسبب ضغوط تونسية وصهيونية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
مشاهدات 15
نشر في العدد 1081
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
اتصلت بعد ذلك «بالأستاذ راشد الغنوشي» زعيم حركة النهضة التونسية الذي يقيم في المنفى بالعاصمة البريطانية لندن، ودار لنا معه هذا الحوار حول نفس المحاور:
المجتمع: من خلال حوارات ومقابلات وأطروحات من مفكرين وسياسيين أمريكيين مهتمين بالعلاقة بين الإسلام والغرب، أكدوا على ضرورة فتح حوار بين الحركات الإسلامية المعتدلة والإدارة الأمريكية، خصوصا والغرب على وجه العموم؛ وذلك لتبديد مخاوفهم من إمكانية قيام نظام إسلامي في أي قطر عربي فما موقف حركة النهضة التونسية من فتح مثل هذا الحوار؟
الغنوشي: الإسلام رسالة من الله رب العالمين إلى الناس كافة أن يعرفوا ربهم، وأن يعبدوه لا يشركون به شيئًا ... وأن يتعارفوا ويتعاونوا على ما فيه خير الجميع... وألا يتظالموا وأن يتضامنوا في نصرة المظلوم على الظالم... ولا شك أن ذلك يقتضي حوارًا عقلانيًا متجردًا عن الأنانيات الفردية والقومية وكل ضروب التعصب والانحياز الديني أو السياسي أو العرقي. ولقد تكررت في القرآن الدعوة والتعاون بين البشر، والحكم بالقسط وترك التظالم، كما أبرز صورًا رائعة من المناظرات أو المحاورات بين المؤمنين وغير المؤمنين.
وقدم صورة متماسكة عن تاريخ الرسل والرسالات بما يؤكد الوحدة الجامعة والتكامل الأمر الذي يسمح بالحديث عن دين واحد تنزل على ألسنة كل الرسل بما يناسب الحاجات المتجددة في الزمان والمكان، لقد دعا المؤمنين إلى الإيمان وتوفير كل الرسل وإنجازاتهم على اعتبار أنهم قد ساهموا جميعًا في بناء وتأسيس صرح الدين والحضارة.. وما يتم للمؤمن إيمان دون هذه النظرة الشاملة لتاريخ الدين.
ومن شأن هذه النظرة التكاملية للدين وتاريخه أن تقدم أساسًا متينًا لتأصيل الوحدة البشرية في إطار الاعتراف بالتعددية، وهو الأمر الذي لا تتوفر عليه إلا في رسالة خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، على حين سادت نزعة الإقصاء والتعصب الديني وحتى القومي لحجب الرسالات الأخرى.
لقد اعترف الإسلام بالرسالات الأخرى وبأهلها، ولكنهم لم يبادلوه الاعتراف.
فحتى الآن لم يعترف بالإسلام دينًا وبالمؤمنين به أنهم أصحاب رسالة جديرة بالاحترام غير دول غربية قليلة مثل: «بلجيكا وايرلندا»، الأمر الذي يحرم الإسلام من التمتع بحماية القانون التي تتمتع بها المسيحية واليهودية... وليست قضية المرتد «سلمان رشدي» إلا أثرًا لهذا الخلل في العلاقة بين الإسلام والغرب.... ورفض التعامل مع الإسلام على أساس المساواة والاعتراف المتبادل.
إذًا الخطوة الأولى مطلوب من الغرب أن يبادر في جرأة إلى فتح صفحة جديدة في علاقته بالإسلام من خلال إعلان الاعتراف به دينًا يتمتع وأهله بالاحترام والحماية على قدم المساواة مع الديانات الأخرى.... وهي خطوة مطلوب إنجازها على «المستوى الديني» من طرف المؤسسات الدينية المسيحية واليهودية، وعلى «المستوى السياسي» من طرف الدول الغربية كالولايات المتحدة، والحرى أن يخشى على نفسه من الآخر من يرفض الاعتراف بالآخر... ولأن الإسلام اعترف منذ أيامه الأولى بالرسالات الأخرى، فقد تمتع أهلها في ظل حكم الإسلام بالاحترام، وعرف التعايش في ظل التعددية الدينية بين المسلمين وغيرهم قرونًا زاهرة لم تخالطها مذابح وحروب إبادة كما فعلت النصرانية أو اليهودية أعنى أهلهما مع المسلمين، أو مع بعضهما.
نحن إذًا من منطلق إسلامنا ندعو إلى الحوار، ونرحب به مع الأمم الأخرى على اختلاف مذاهبها وعقائدها، ومن ذلك الحوار بين أمة الإسلام والأمم الغربية.
ونعتقد أن الحملات الإعلامية الشرسة التي تشنها وسائل الإعلام الغربي ضد الإسلام ودعاته وتصوريهما على أنهما الخطر الداهم على الغرب وعلى أمريكا سبب آخر لتأكيد فتح الحوار، وذلك لما عساه تفضي إليه هذه الحملات من ترسيخ للأحقاد وإعداد للقطيعة والحرب.
إن الحرب أولها الكلام.... لا سيما مع وجود جهات متخصصة اتخذت الحرب ضد الإسلام ودعاته سياسة لها .. مثل «أنظمة الحل الأمنى» «الجزائر - مصر - تونس» والحركة الصهيونية.
إننا المسلمون مستاؤون جدا من تصاعد الهجمة الإعلامية الغربية اليهودية الأمريكية ضد الإسلام... ويذهب بنا الظن أن الجماعات اليهودية الصهيونية بما لديها من نفوذ هائل في الغرب وفي أمريكا قد صممت على تأليب الغرب ضد الإسلام ودفع المسيحية والإسلام إلى صدام محموم يأتي عليهما معًا حتى يكون الصهاينة الوارثين.
نعتقد أن الغرب وأمريكا فضلا عن بعض حكام المسلمين الأغبياء يزج بهم من طرف الصهاينة في معركة مدمرة لا يستفيد منها غير الصهاينة .... الأمر الذي يؤكد ضرورة الحوار لرفع الالتباسات والوقوف على حقيقة ما يجمع وما يفرق؛ حتى يدرك الغرب بيقين أن ليس في الإسلام والحركة الإسلامية ما يخيف أو يشكل خطرًا على مستقبل علاقته ومصالحه في العالم الإسلامي.
ذلك أن الإسلام، -كما ذكرنا - سبق الجميع إلى إقرار «التعددية الدينية والثقافية»، كما رفض «مبدأ إكراه الآخرين على الدخول فيه»، وبالتالي لم يبق من باب الدعوة إليه غير باب الحوار والإقناع... من هنا كانت أهمية الحركة بالنسبة للإسلام حرية انتقال الأفكار والأشخاص والمنافع.
وإذا كان هدف الحركة الإسلامية إعادة تنظيم حياة المسلمين على أساس ما يؤمنون به من دين وإصلاح أنظمتهم الاجتماعية والسياسية على أساس قيم الإسلام، وأن تكون تلك الأنظمة معبرة عن إرادتهم الحرة وقناعتهم.... فماذا في ذلك من تهديد لمصالح الغرب؟ اللهم إلا أن تكون مصلحة الغرب أن يستمر المسلمون وحدهم في هذا العالم محكومي بأنظمة ديكتاتورية فاسدة محرومين من نعمة الحرية والديمقراطية.
على حين أن زعماء الحركة الإسلامية يكادون يجمعون على أن النظام النيابي ومشاركة الجميع في الشئون العامة والتداول على السلطة عبر الانتخابات النزيهة أقرب السبل إلى روح الإسلام الشورية وإقامة حكمه... إلى جانب القضاء المستقل وتحقيق العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان ومنها حقوق الأقليات والطوائف... والسعي إلى إقامة علاقات دولية على أساس الاحترام المتبادل لسيادة الشعوب وثقافاتها ومصالحها وتحقيق السلم والعدالة في العالم وبذل الجهود المشتركة لحفظ البيئة والسلم والعدالة ومحاربة الفقر والظلم..... فهل في شيء من ذلك ما يخشاه الغرب؟!
المجتمع: هل وجهت قبل ذلك دعوات إليكم من الإدارة الأمريكية أو مؤسسات أمريكية لفتح حوار حول هذه القضايا؟
الغنوشي: للأسف أن ذلك لم يحصل قط بل الذي حصل سنة ١٩٩٠ خلال زيارتي للولايات المتحدة أن ضبط موعد الحوار ثم ألغي من طرف الإدارة الأمريكية وأعتقد أن ذلك كان بضغط من النظام البوليسي في تونس ومن طرف اللوبي الصهيوني الذي يقف بكل ثقله لمنع أي تقارب بين الإسلام والغرب بين الإسلام والولايات المتحدة لأنه يخطط لضرب الجميع بالجميع... ويذكرنا هذا بقطع الحوار مع «حماس» من طرف الإدارة الأمريكية.
المجتمع: ما في تصوركم أهم المحاور التي يمكن أن يدور حولها الحوار في حالة قدومه؟
الغنوشي: أما محاور هذا الحوار فليست بالقليلة... ويمكن أن تتناول مسألة الاعتراف القانوني بالإسلام كدين. ونحن قد رحبنا بإقرار وزارة الدفاع الأمريكية بخطة إدارة دينية إسلامية في الجيش الأمريكي متمنين أن يكون ذلك ضمن توجه عام إيجابي جديد في التعامل مع الإسلام الدين الثاني في أمريكا والغرب عامة، كما رحبنا ببعض تصريحات مسئولين أمريكان تجاه الإسلام مثل: «إدوارد جيرجيان ولي هاملتون» فضلا عن مواقف عدد من الأكاديميين مثل «جون أسبوزيتو» و«جون فول.»
- ومن المحاور المهمة:
- المسالة الفلسطينية.
- مسألة علاقة الولايات المتحدة بالأنظمة الدكتاتورية في العالم الإسلامي.
- تصور الحركة الإسلامية لعلاقات الدولة الإسلامية أو الدول الإسلامية بالدول الغربية فيما لو حكمت.
- وضع الأقليات في الدولة الإسلامية والدولة الغربية.
- وضع حقوق الإنسان.
- تصور الحركة الإسلامية للمؤسسات الدولية.
المجتمع: هل ستنظرون توجيه دعوة رسمية إليكم لبدء مثل هذا الحوار أم يمكن أن تبادروا أنتم بهذا؟
الغنوشي: أما عمن عليه أن يبادر بالدعوة إلى هذا الحوار؟ فليس هو المشكل.
المشكل أن توجد القناعة لدى الجميع بأهمية الحوار طريقًا وحيدًا لحل مشكلة سوء التفاهم المتفاقم في علاقة الإسلام بالغرب... ونحن الإسلاميين حملة دعوة الحوار والتفاهم والتعاون بين الشعوب، دعونا ولا نزال ندعو إلى الحوار مع كل مخالفينا والكائدين لنا جهلًا ومكرًا بدءًا ببعض حكامنا الذين جعلوا رسالتهم قمع الإسلام والمساهمة في تشويه صورة استبقاء على الأوضاع الفاسدة.. وكذلك مع أمم الغرب والولايات المتحدة وكل الشعوب.
- المجتمع: ما ردودكم على ما يمكن أن يوجه إليكم من اتهامات إذا ما تم هذا الحوار بأنكم قد خرجتم عن الشرعية وأصبحتم عملاء للغرب؟
- الغنوشي: ولأن الحوار هو طبيعة دعوتنا كلما وثقنا أن الطرف الآخر جاد في الوصول من ورائه إلى الحق، فنحن لا ندعو إليه من وراء ظهور شعوبنا ... ولا تجرية خفية بليل، وإنما في وضح النهار معتقدين أن رفض الحوار ليس علامة قوة، وإنما هو مظهر ضعف... وليس ما يشين الحركات والأمم أن تحاور ولكن يشينها أن تناول وتتخذ من الحوار ليس طريقًا إلى الوصول إلى الحق وإنما سبيلًا للتفريط في الحقوق والمبادئ ....نحن لسنا خائفين من الحوار وإنما الولايات المتحدة والدول الغربية في المتوجسة من الحوار... تحت ضغوط بعض الأنظمة العربية الفاسدة واللوبيات الصهيونية الهمجية دعوتنا باستمرار.
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (سورة: آل عمران آية:64)
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2023