; مِن ذِكرَى بَدر..! | مجلة المجتمع

العنوان مِن ذِكرَى بَدر..!

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 17-نوفمبر-1970

مشاهدات 48

نشر في العدد 36

نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 17-نوفمبر-1970

مِن ذِكرَى بَدر..!

في السنة الثانية للهجرة وفي السابع عشر من شهر رمضان المبارك كانت غزوة بدر الكبرى فرقانًا بين الحق والباطل، وتغييرًا لميزقفان القوة في جزيرة العرب ودحرًا للباطل إلى غير رجعة.

·       قال تعالى:

﴿إِذۡ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّآئِفَتَيۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَٰفِرِينَ  لِيُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَيُبۡطِلَ ٱلۡبَٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ  ٱلۡمُجۡرِمُونَ (الأنفال: ٧ـ٨)

·       ولئن كان المسلمون حين خرجوا ينشدون غير ذات الشوكة من غير قريش المحملة بما حوت الشام من نوادر البضائع فإن المسلمين لم يتخلوا عن رسولهم حين رأوا الجد واستشارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر القتال.

·       قال المقداد بن عمرو: «يا رسول الله امض لأمر الله، فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون(المائدة: ٢٤)  ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك»

·       وقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول الله تريدنا، قال: أجل، قال: إنك عسى أن تكون قد خرجت عن أمر قد أومر إليك في غيره فإنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن كل ما جئت به حق وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي الله فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل، وصل من شئت، والذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قط، وما لي بها من علم وما نكره أن يلقانا عدونا غدًا إنا نصبر عند الحرب صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك.

·       وهكذا تطمئن نفس القائد العظيم بعد أن رأى استعداد أصحابه للقتال ونشاطهم له قال: «سيروا على بركة الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم»

وفي هذه الغزوة القديمة يموت صناديد قریش وزعماؤها ويشاء الله أن يكون المستضعفين في مكة هم قتلة زعماء الشرك الذين كانوا يسومونهم سوء العذاب.

·       «ولما وضعت الحرب أوزارها أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلتمس أبو جهل، قال ابن مسعود: فوجدته في آخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه فقلت: الحمد لله الذي أخزاك، قال: إنما أخزى الله عبد بن أم عبد، لقد ارتقيت مرتقيًا صعبًا يا رويعي الغنم لمن الدائرة؟ قلت: لله ورسوله، قال ابن مسعود: فاقتلع بيضته (خوذته) عن قفاه فقلت: إني قاتلك يا أبا جهل، قال: لست بأول عبد قتل سيده، أما إن أشد ما لقيته اليوم في نفسي لقتلك إياي.. فضربه عبد الله ضربة ووقع رأسه بين يديه، ثم سلبه.

·       وهكذا يخزي الله عدوه في آخر لحظات موته ويجعله يلفظ أنفاسه الأخيرة بيد رويعي الغنم الذي كان يذله ويحتقره، وتنتهي المعركة بعد أن أبلى فيها المسلمون بلاءً حسنًا، وتساقط فيها المشركون صرعى لم ينفعهم عددهم الألف أمام عدد المسلمين الثلاث مائة، ولم تنفعهم عدتهم وحميتهم الجاهلية، أما إيمان المسلمين وثباتهم وتأييد الله لهم ورعايته لمعركتهم الفاصلة فهل استيقنا هذه الحقيقة، وهلا برأنا التكنولوجيا من عار هزائمنا المتوالية واتهمنا أنفسنا.

  • قال تعالى: ﴿فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبۡلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡهُ بَلَآءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم ٞ﴾ (الأنفال: ١٧)
  • فهل كان هذا التاريخ هداية لنا لنتبصر الأمور وهل تعود ثقتنا بالله وبنصره وهل نستجيب له حين يدعونا لما يحيينا.
  • قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ (الأنفال: ٢٤)
  • هذا في جيش رسول الله، أما في جيش المشركين وعلى رأسهم عدو الله أبو جهل؛ فنحن نسمع منه حين طلب منه قومه الرجوع بعد نجاة القافلة.
  • قال: «لا والله لا نرجع حتى ترد بدرًا» «وكان بدر موسمًا من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، لها بها سوق» تسمع بنا العرب وبمسيرنا فنقيم ثلاثًا على بدر ننحر الجزر ونطعم الطعام ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا، فلا تزال العرب تهابنا أبدًا».
  • وشتان بين جيش رسول يحدوه الإيمان بالله وتشد أزره كلمة لا إله إلا الله لا يريد علوًا في الأرض إلا لدين الله، وبين جيش أبي جهل يزين له الطاغوت أن يعلو بباطله؛ فيقيم الطبل والزمر ويعربد ليال ثلاث تعزف عليه القيان.

وفي هذه المعركة التي يدبر أمرها الله نرى كيف تسير الأمور كما أخبر الله عنها في القرآن الكريم، قال تعالى:

·       ﴿إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ (الأنفال: ٩)

﴿وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيم .(آل عمران: ١٢٦)

·       ﴿إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ. (الأنفال: ١١)

﴿إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَان (الأنفال: ١٢)

·       وهكذا يكون الله مع من ينصره خطوة خطوة فالملائكة تتدخل، والنعاس أمنة من الله، وتجديد لنشاط القلوب والأبدان، والمطر لبد الأرض، أما المسلمين وأصاب قريشًا ما لم يقدروا أن يرتحلوا معه.

وقبل المعركة يستشير الرسول أصحابه في المنزل الذي ينزلونه؛ فيقول جندي من الجنود هو الحباب بن المنذر لرسول الله:

·       «يا رسول الله أرأيت هذا المنزل؟ أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» قال: «فإن هذا ليس بمنزل، انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم، فإني عالم بها وبقلبها، بها قليب قد عرفت وتقاتل وتغور ما سواها من القلب» فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم:

«يا حباب أشرت بالرأي» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «یا حباب أشرت بالرأي». 

 

الرابط المختصر :