; نائب الرئيس.. معضلة في العالم العربي | مجلة المجتمع

العنوان نائب الرئيس.. معضلة في العالم العربي

الكاتب محمد جمال عرفة

تاريخ النشر السبت 05-مايو-2001

مشاهدات 14

نشر في العدد 1449

نشر في الصفحة 24

السبت 05-مايو-2001

  • النواب المعينون يتولون السلطة تلقائيًا فيما تحرم الشعوب من الاختيار.
  • خبراء دستوريون: النظم الجمهورية العربية ليست جمهورية بالمعنى الصحيح.

في أعقاب التغيير في قيادة أكثر من نظام عربي -خاصة سورية- وتقدم العمر بعدد من الرؤساء الحاليين وطول فترة بقائهم في السلطة أثيرت تساؤلات حول طبيعة التحول الديمقراطي التي يمكن أن تشهدها الجمهوريات العربية ومنصب «نائب الرئيس» وأسلوب اختياره وتأثير ذلك على مستقبل البلاد، القضية طفت على السطح مرة أخرى بعدما ألمح الرئيس المصري إلى أنه يدرس حاليًا خيارات عدة لمنصب نائب الرئيس الذي سيكون المرشح رقم واحد لتولي الرئاسة.

المتسائلون يرون أن فترات البقاء في السلطة في الجمهوريات العربية هي من أطول الفترات في العالم لا سيما خلال العقود الثلاثة الماضية، الأمر الذي يضفي مزيدًا من الأهمية على بحث مسألة كيف يعين نائب الرئيس خصوصًا أنه في أغلب الأحيان -ونتيجة غياب الانتخابات الحرة وقصر التنافس على مرشح واحد فيما يشبه الاستفتاء- يحرم الشعب من الاختيار ويفرض عليه مرشح السلطة الوحيد.

الملاحظة التي تلفت الأنظار -كما يقول الدكتور صفي الدين خربوش أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- هي «أن انتقال السلطة في النظم الملكية العربية قد اتسم باليسر والسلاسة، نظرًا لوجود آلية محترمة للوراثة، الأمر الذي يعبر عن وصول هذه النظم إلى قدر من الرشادة لم تبلغه بعد النظم الجمهورية. ومن هنا يُثار التساؤل دومًا: ماذا بعد صدام حسين أو معمر القذافي أو حسني مبارك، لا سيما أن أيًا منهم لم يضع نظامًا لانتقال السلطة، ولم يسمح بوجود قيادات بديلة؟

ويضيف د. خربوش: إن الأمر يبدو جد غريب في النظم الجمهورية فقد وصل كل رؤساء الجمهورية العرب -باستثناء لبنان ومصر مبارك- إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري -دموي أو سلمي- وشغل قائد الانقلاب أو أحد قادته منصب رئيس الجمهورية بعد إجراء انتخابات صورية أو استفتاءات شكلية على شخص المرشح الوحيد، ولا يزال بعض قادة الانقلاب الأول في السلطة حتى الآن، وفي حالات أخرى، انتقلت السلطة إلى شخص آخر بعد وفاة قائد الانقلاب الأول أو إطاحته بانقلاب آخر، ولا يبدو أن أيًا من هؤلاء على استعداد للتخلي عن السلطة طواعية.

نظمنا ليست جمهورية

ويلفت الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة الأنظار إلى حقيقة مهمة وهي أن النظم المسماة بالجمهورية في العالم العربي حاليًا ليست جمهورية بالمعنى الدستوري للكلمة. ويقول لـ للمجتمع: إن أغلب الجمهوريات العربية الحالية ليست نظمًا جمهورية حقيقية لأن النظام الجمهوري الحقيقي هو اختيار شعبي على أساس تعدد المرشحين وهذا لم يتوافر إلا في بعض الدول مثل لبنان، والجزائر، والسودان، مؤخرًا، أما النظم الأخرى فلا يتوافر فيها هذا الطابع الجمهوري ويأتي الرئيس عبر حكم عسكري أو أشكال أخرى، ويضيف أن المسألة في الدول العربية لا تحكمها بالتالي النصوص بقدر ما تحكمها موازين القوى».

ويضرب د. البنا مثالًا بدولة عربية -يقصد سورية- هي جمهورية نصًا كادت تتحول إلى ملكية عبر تعيين الرئيس الجديد «رغم الإعجاب بتصريحاته الأخيرة في القمة العربية. 

ومن هنا أثيرت بشكل أعمق مسألة كيفية تعيين نائب للرئيس بشكل ديمقراطي استعدادًا لتغييرات قد تحدث في بقية النظم الجمهورية العربية، وهناك من المعلقين من يتوقع مع اختفاء زعماء بعض النظم الجمهورية وقوع صراع مكشوف قد ينتهي بنظام أكثر استبدادًا أو بحلقات من الانقلاب والانقلاب المضاد لأن تلك النظم لم تصل بعد إلى طريقة مقبولة لاكتساب السلطة أو انتقالها، اللهم إلا القدرة على بسط السيطرة على مفاتيح القوة الرئيسة، وفي مقدمتها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. ومن ثم يظل الجيش هو الفاعل الرئيس الأمر الذي يعوق أي إمكان تحول ديمقراطي حقيقي.

ولا ينص أغلب الدساتير العربية صراحة على منصب نائب الرئيس كما هو الحال في مصر، وهو ما كرره الرئيس المصري مرات في تبريره لعدم تعيين نائب له طوال فترة حكمه التي استمرت عشرين عامًا حتى الآن.

ثلاثة أجيال للرؤساء العرب

من بين الرؤساء العرب فإن أصغرهم سنًا الرئيس السوري بشار الأسد «34 عامًا»، وله نائبان أكبر منه سنًا، لكن ذلك لا يعني أن أحدهما هو المرشح لخلافة بشار «فقد كانا نائبين لوالده» خصوصًا أن التجديد للرئيس يتم بشكل يشبه الاستفتاء.

أما أكبرهم فهو الرئيس المصري «۷۲ عامًا» الذي تولى السلطة في ۱۹۸۱م ولا يعرف حتى الآن من سيخلفه لعدم وجود نائب له من جهة، وعدم نص الدستور على تعيين نائب، فضلًا عن صعوبة ترشح أي شخص للرئاسة لأن الدستور ينص على أن يتم الأمر عبر البرلمان حيث يرشحه ثلث عدد النواب ثم يقبل ترشحه ثلثا الأعضاء ليعرض الأمر بعد ذلك على استفتاء شعبي، ومن المعروف أن الحزب الحاكم يسيطر على معظم مقاعد البرلمان.

الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات «۷۰ عامًا» موجود على الساحة السياسية منذ الستينيات ولا يعرف من يخلفه لأن نظام الدولة الفلسطينية لم يستقر وليس لها دستور، وبالتالي فالمرشح لخلافة عرفات سيكون غالبًا من أعضاء منظمة التحرير أو رجال السلطة الفلسطينية المقربين، ولا يستبعد قيام صراعات بين فصائل مختلفة ليس فقط داخل جماعة عرفات، ولكن أيضًا مع الفصائل الأخرى.

ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للرئيس التونسي زين العابدين بن علي «64 عامًا» الذي تولى السلطة في ١٩٨٧م فليس هناك نائب للرئيس ولا يعرف من يكون الرئيس المقبل وليست هناك آلية ديمقراطية للاختيار لأن قانون الانتخابات كان يقصر الترشح على من يحصل على ترشيح غالبية نواب البرلمان، ومع تزايد الانتقادات تقرر السماح لزعماء الأحزاب السياسية وحدهم وعددهم نحو خمسة أشخاص بالمشاركة في انتخابات الرئاسة الأخيرة وقد تم تعديل الدستور للنص على ذلك وشارك أربعة من هؤلاء في الانتخابات الأخيرة كديكور انتخابي، وقد أمضى الرئيس التونسي في الحكم ثلاث فترات وليس من حقه وفقًا للدستور الترشح لفترة رئاسة رابعة، ومع ذلك تعد الساحة حاليًا لتعديل الدستور لترشيحه.

ومع أن الرئيس العراقي صدام حسين (٦٤) عامًا الذي وصل للحكم بانقلاب عين نائبًا له هو عزة إبراهيم، إلا أن هناك شكوكًا في تولي هذا النائب الحكم بعد صدام خصوصًا مع كبر سنه فضلًا عن طبيعة النظام العراقي غير المستقرة.

وضع الرئيس الليبي معمر القذافي لا يختلف كثيرًا رغم أن هناك مرشحين لخلافته من بقايا أعضاء مجلس قيادة الثورة، وقد طرحت مسألة خلافة ابنه سيف الإسلام فلم ينفها أو يؤكدها أحد وليس هناك ما يمنع من تكرار الأمر في الجماهيرية على الطريقة السورية لمنع أي اضطراب في الدولة ومنع الصراعات بين الطامحين، كما هي حجة أنصار تعيين أبناء الرؤساء.

جيل الوسط

وهناك جيل الوسط وهم دون الستين عامًا

مثل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح (۵۸) عامًا الذي يحكم منذ ۱۹۷۸م ومع أنه نفى بدوره إعداد ابنه لخلافته إلا أنه لم يعين بدوره نائبًا له، والأمر متروك للانتخاب الحر، إلا أن قيود الترشح هي هي.

الرئيس السوداني عمر حسن البشير (56) عامًا عين نائبًا له دون انتخاب ويسمح النظام الجديد للانتخابات في السودان بترشح أي فرد للرئاسة، بيد أن التأمين المالي الكبير المطلوب يعجز الكثير من السودانيين عن دفعه، وقد سبق أن انتقد د. حسن الترابي هذه المسألة وتحدث عن مبلغ مليون جنيه سوداني تأمين يدفعه المرشح يفقده إذا خسر الانتخابات، إلا أن مسؤولين سودانيين قالوا إن المبلغ أقل من ذلك.

١٥ نائبًا مصريًا في نصف قرن

ولأن قضية نائب الرئيس في مصر هي حديث الساعة فمن الطبيعي أن توجه إليها الأنظار ليس فقط لأن هذا المنصب شاغر منذ الرابع عشر من أكتوبر عام ۱۹۸۱م، وهو التاريخ الذي أصبح فيه نائب الرئيس في ذلك الوقت «حسني مبارك» رئيسًا بعد اغتيال السادات، ولكن أيضًا لأن لمصر تجربة فريدة مع نواب الرئيس من حيث عددهم الكبير (١٥) نائبًا في نصف قرن أو من حيث تعيين نصف دستة نواب في وقت واحد في بعض الفترات، أو من حيث تعيين نواب ثم عدم توليهم الرئاسة.

النموذج المصري مرشح للتطبيق في دول أخرى مثل سورية والعراق واليمن، وهناك أوجه شبه من حيث التشابك بين الجانبين العسكري والمدني، مما دعا الكثيرين للمطالبة بفك الاشتباك باقتراح نائبين للرئيس أحدهما عسكري والآخر مدني رغم أن هذا يمكن أن يؤجج الخلافات خاصة في حالة شغر منصب الرئيس.

وكانت قضية النائب قد أثيرت أكثر من مرة، بيد أن رد الرئيس مبارك كان يدور في إطار أن الدستور لا يلزمه بتعيين نائب حتى إنه قال لصحيفة لوموند الفرنسية في ١٧ نوفمبر ١٩٨٥م: «البعض في مصر يرى أنه ينبغي عدم تعيين نائب للرئيس»

ويقول أساتذة في القانون الدستوري إن عدم إقدام الرئيس مبارك على تعيين نائب له قد يكون أمرًا يحمد له بالنظر إلى رغبته في عدم تقييد الشعب بأسماء معينة أو مصادرة حقوق المواطنين في اختيار من يرونه صالحًا لأن تعيين النائب سيعني أنه في الغالب المرشح لمنصب الرئيس فيما بعد، وهو ما يعني حرمان المواطنين من الاختيار.

وعندما سأل أحد الصحفيين مبارك في يناير ١٩٩٦م حول مدى صحة الأنباء التي ترددت عن وجود اتجاه لتعيين نائب له، رد متهكمًا: «طيب ريحنا وقولنا على اسمه» في إشارة واضحة لصعوبة الخيارات أمام الرئيس.

وما دام أن المنصب لم يشغل يظل الحديث متصلًا فقد أثير الأمر أكثر من مرة منذ بداية العام الجاري، خصوصًا مع تناثر الشائعات عن إعداد جمال مبارك لتولي السلطة على غرار سورية وعندما سئل مبارك عن تعيين ابنه خلفًا له خلال زيارته الأخيرة لواشنطن في أبريل الماضي أكد مبارك لصحيفة «واشنطن بوست» «نحن لسنا سورية وابني لن يصبح الرئيس القادم.. انسوا ذلك» ثم أضاف: «نحن سنحاول إيجاد نائب للرئيس وهي مهمة صعبة وأنا أدرس عدة أسماء».

نائب أو أكثر

وقد طرح بعض أساتذة القانون الدستوري في مصر أن يتم تعيين أكثر من نائب للخروج من أي عوائق أو حساسيات ويقولون إن السوابق منذ بداية الثورة المصرية لا تمنع ذلك ففي عهد الوحدة مع سورية (١٩٥٨-١٩٦١م) جرى تعيين أكثر من نائب لرئيس الجمهورية، ففي حكومة عبد الناصر الرابعة «6 مارس ١٩٥٨م» كان هناك أربعة نواب مصريان وسوريان «عبد اللطيف بغدادي- عبد الحكيم عامر- أكرم الحوراني- صبري العسيلي» وفي ١٨ يوليو ١٩٦٠م عين نور الدين كحالة نائبًا للرئيس ووزيرًا للأشغال العامة بالإقليم السوري ثم ارتفع عدد نواب الرئيس إلى رقم قياسي بلغ 7 في حكومة عبد الناصر الثامنة «16 أغسطس ١٩٦١م» وهم بغدادي- عامر كحالة- زكريا محيي الدين- حسين الشافعي- كمال الدين حسين- عبد الحميد السراج-  وتراجع الرقم إلى خمسة بعد استبعاد كحالة والسراج من حكومة عبد الناصر الثامنة «8 أكتوبر ١٩٦١م».

وفي حكومة علي صبري الأولى «۲۹ سبتمبر ١٩٦٢م» تشكل مجلس للرئاسة بقيادة عبد الناصر وعضوية نواب الرئيس الخمسة إضافة إلى آخرين، وفي ١٧ فبراير ١٩٦٤م عين كل من أنور السادات، وحسين إبراهيم نائبين للرئيس ثم صدر قرار تشكيل حكومة علي صبري الثانية «25 مارس ١٩٦٤م» وتعيين المشير عبد الحكيم عامر نائبًا أول وتعيين ثلاثة نواب آخرين «زكريا محيي الدين- الشافعي- حسن إبراهيم».

وفي وزارة زكريا محيي الدين الأولى «أول أكتوبر ١٩٦٥م» أصبح محيي الدين نائبًا ورئيسًا للوزراء ووزيرًا للداخلية، وكان على صبري هو أول من تولى المنصب في مصر من خارج أعضاء مجلس قيادة الثورة.

وفي حكومة عبد الناصر التاسعة «١٩ يونيو ١٩٦٧م» أصبح زكريا محيي الدين والشافعي وعلي صبري ومحمد صدقي سليمان نوابًا للرئيس وتشكلت حكومة عبد الناصر العاشرة «۲۰ مارس ١٩٦٨م» لتضم حسين الشافعي نائبًا للرئيس، بينما كان زكريا محيي الدين قد استقال من منصب نائب الرئيس.

وفي ٢٠ ديسمبر ١٩٦٩م أصبح السادات نائبًا وحيدًا للرئيس، وفي ٢٠ أكتوبر ۱۹۷۰م بعد انتخاب السادات رئيسًا عين الشافعي وعلي صبري نائبين: ثم أقيل صبري في مايو ۱۹۷۱م.

وفي يوم ١٦ أبريل ١٩٧٥م أدى حسني مبارك اليمين الدستورية نائبًا للرئيس وخرج حسين الشافعي من الصورة.

وبشكل عام فقد حكم السادات نحو خمس سنوات بدون نائب، بينما كان لعبد الناصر في فترة من الفترات سبعة نواب.

ومع أن هناك خلافًا بين أساتذة القانون الدستوري المصري حول المادة التي تنص على تعيين نائب للرئيس وهل هي إلزامية أم اختيارية، يلفت الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري إلى أن نائب الرئيس لا يجب بالضرورة أن يكون هو الرئيس القادم، مشيرًا إلى أن الدستور نص على أن لرئيس الجمهورية تعيين نائب أو أكثر والخلاف حول تفسير النص جاء من الناحية اللغوية حيث قال البعض إن تعيين الرئيس للنائب «جوازي» فيما قال آخرون إنه «بالاختصاص» بمعنى أن الرئيس يجب أن يعين نائبًا لينوب عنه في حالة السفر أو المرض أو غيره وينص الدستور المصري على أن يتولى رئيس مجلس الشعب مهام رئيس الجمهورية لمدة ستين يومًا في حالة غياب الرئيس أو وفاته أو عجزه عن القيام بمهام عمله على أن يتم تنظيم استفتاء على المرشح لمنصب الرئيس.

مدني أم عسكري؟

الجدل مستمر أيضًا حول هوية نائب الرئيس: عسكري أم مدني؟ هل يأتي من المؤسسة العسكرية كما هو الحال بالنسبة لكل رؤساء مصر الأربعة منذ ثورة ١٩٥٢م أم من خارجها كما تطالب قوى المعارضة والمجتمع المدني بحيث يمهد ذلك لتولي أول رئيس مدني حكم مصر؟

ومع أن البعض يتوقع أن يميل الرئيس مبارك لاختيار نائب غير عسكري بالنظر إلى أنه لم يرتد العسكري الرسمي ولو مرة واحدة زيه منذ توليه مقاليد السلطة عام ۱۹۸۱م على خلاف السادات الذي كان مولعًا بارتداء الزي العسكري، إلا أن هناك من يرى العكس وأن عدم ارتداء الرئيس مبارك الزي العسكري ليس علامة على اعتزامه اختيار مرشح مدني لمنصب نائب الرئيس.

ويحتج القائلون بأن مبارك سيعين عسكريًا بأنه طبقًا للدستور فإن الرئيس هو نفسه القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو أعلى مرجعية في تسلسل قيادات الجيش وقد يكون غريبًا أن يأتي رئيس مدني ليرأس القادة العسكريين والواقع أن ذلك ليس غريبًا على الإطلاق بل هو المتبع في كل البلدان الديمقراطية أما الحجة الأخرى فهي تتعلق بالظروف غير المستقرة التي تعيشها المنطقة، فهناك تدهور في عملية التسوية وأجواء الحرب المندلعة في فلسطين منذ انتفاضة الأقصى تنعكس على جميع الجبهات العربية كما أن المنطقة مرشحة للدخول في حرب خصوصًا في ظل الدعوات التي صدرت في الكيان الصهيوني بضرب أهداف مصرية، ودعوة نواب في البرلمان المصري لإلغاء معاهدة كامب ديفيد، وطرح واشنطن سحب قواتها من سيناء.

وفي كل الأحوال يشار إلى أن الرئيس المصري أثبت مرات عدة أنه يختار من خارج دائرة التوقعات وهو ما برز بشكل خاص في اختياره لرؤساء الوزارات وأمناء الحزب الحاكم.

أما الشارع المصري فقد انقسم بدوره لفريقين كبيرين حول هوية النائب القادم، فالذين يميلون إلى شخص من خارج المؤسسة العسكرية ذهبوا في تعزيز وجهة نظرهم إلى أن احتمالات نشوب مواجهات عسكرية، مع الكيان الصهيوني باتت مستبعدة في ظل التأكيدات المتكررة للعرب أن «السلام» بات خيارًا استراتيجيًا، بالإضافة إلى أن العواصم الأوروبية ربما تنظر إلى الأنظمة التي تستمد شرعيتها من استيلاء قواتها المسلحة على الحكم على أنها غير شرعية. كما أن ترشيح نائب مدني أمر مهم للإصلاح السياسي والاقتصادي خصوصًا مع بدء العد التنازلي لتطبيق اتفاقية الجات وظهور التكتلات السياسية والاقتصادية العالمية، وهي أمور تفرض أن يكون المرشح لهذا المنصب له خبرة فنية واقتصادية مدنية. ولكن المشكلة أن أصحاب هذا الرأي لا يرون أسماء معينة مرشحة للمنصب، وهي مشكلة تتعلق بالشخصية العسكرية أيضًا.

وهنا يمكن الرد بأن الرئيس مبارك عندما رشح في منصب نائب الرئيس لم يكن معروفًا على مستوى جماهيري.

منصب نائب الرئيس أصبح معضلة في جمهوريات العالم العربي، إذ إن النظم العربية المسماة بالجمهورية ليست جمهوريات حقيقية، ولكنها «جمهوريات وراثية» الأمر الذي يكشف بوضوح الحاجة الماسة للتطبيق الصحيح للنظم الديمقراطية، وإلغاء الديكور الوهمي القائم.

أحمد سيف الإسلام البنّا يقيم تجربة انتخابات المحامين:

القائمة الوطنية أبرزت حرص الإسلاميين على التعاون مع جميع التيارات السياسية

القاهرة: حمدي عبد العزيز (*) (*) مركز الإعلام العربي.

أصحاب المبادئ موجودون في مختلف التيارات السياسية ونتعاون معهم في نطاق المصلحة العامة.

الدفاع عن الحريات.. تعديل قانون المحاماة واستكمال برنامج المجلس السابق من أهم أولويات المرحلة المقبلة.

في عام 1992م أحرز الإخوان المسلمون كبيرًا في انتخابات نقابة المحامين وفازوا بـ ۱۸ مقعدًا من جملة ٢٤، وكان الأستاذ أحمد سيف الإسلام حسن البنا على رأس القائمة وحصد أعلى الأصوات متفوقًا بذلك على نقيب المحامين وقتذاك أحمد الخواجة. 

وعقب ذلك الإنجاز شنت الحكومة حملة عاتية على نقابة المحامين وأصدرت تشريعات عدة منها قانون النقابات المهنية «قانون ۱۰۰ لسنة ۱۹۹۳م» ورغم ذلك فحينما تم تنفيذ القانون على انتخابات النقابات الفرعية فاز الإخوان بمعظم المقاعد فلجأت الحكومة إلى شن حملة إعلامية تستهدف تشويه صورة الإسلاميين، وواكب ذلك إجراءات أمنية تعمل على إعاقتهم عن مواصلة تنفيذ برامجهم التي لاقت استحسان جموع المحامين المصريين.

وواصلت الحكومة ضغوطها في هذا الاتجاه ولجأت إلى فرض الحراسة على نقابة المحامين ومن قبلها نقابة المهندسين.. وظلت الحراسة جاثمة على النقابة منذ سنة ١٩٩٥م، وطوال هذه الفترة قاوم المحامون بصلابة هذه الإجراءات بالطرق القانونية ولاحقوا الحكومة بأحكام قضائية تقضي بإنهاء الحراسة على النقابة وتجبر الحكومة على إجراء الانتخابات، وتحت هذه الضغوط أجريت الانتخابات في النقابة وجدد المحامون ثقتهم بالإخوان المسلمين إذ حصدت قائمتهم ۲۲ مقعدًا من جملة مقاعد المجلس الـ ٢٤، وكرر الأستاذ أحمد سيف الإسلام ذات الإنجاز بفوزه بأكبر عدد من الأصوات زاد على ٢٤ ألف صوت وهو رقم يفوق ما حصده النقيب الجديد سامح عاشور بأكثر من ٦ آلاف صوت، ووسط أبواق الدعايات ضد الإسلاميين لم تستطع وسائل الإعلام المصرية تجاهل هذا الفوز ووصفته بعض الصحف بأنه «فوز تاريخي للإخوان ورقم قياسي لأحمد سيف الإسلام».

حول هذا الإنجاز والقضايا المطروحة وخطة التحرك المستقبلية كان لـ المجتمع هذا الحوار مع سيف الإسلام حسن البنا الأمين العام للنقابة.

  • سألته في البداية عن رؤيته لتجربة القائمة الوطنية التي خاض بها الإخوان الانتخابات وضمت أعضاء من الحزب الوطني الحاكم؟
  • لعل من الأصول الراسخة عند التيار الإسلامي التعاون مع جميع التيارات لما فيه الخير وصالح الأمة والوطن، وكان هذا ملموسًا في مجلس النقابة السابق المنتخب في العام ۱۹۹۲م باشتمال الكتلة الإسلامية التي حصدت ۱۷ مقعدًا على أعضاء ينتمون إلى حزب العمل والحزب الوطني وحزب الوفد.

أما المجلس الحالي فقد فاز التيار الإسلامي فيه بـ ٢٢ مقعدًا وأبرز الإخوان المسلمون في قائمتهم -كالعادة- اتجاههم للتعاون مع باقي التيارات حتى لا يتهموا زورًا بالرغبة في السيطرة على مجلس النقابة، واشتملت القائمة على أعضاء من أحزاب الوفد والعمل والوطني، إضافة إلى بعض المستقلين وأحد الأقباط.

ولعلها كانت توليفة ذات مذاق جيد استحسنها الناخبون فصوتوا لها بفارق كبير من الأصوات عن القوائم الأخرى «الفارق بين أدنى فائز في التيار الإسلامي وبين الآخرين 5 آلاف صوت».

والخلاصة أن التيار الإسلامي لم يخطئ في المرة السابقة وعدل مساره هذه المرة -كما تروج بعض وسائل الإعلام- ولكن الحقيقة كانت غائبة وأبرزناها هذه المرة تحت شعار: ﴿تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ (آل عمران: ٦٤)

حاولنا في المجلس السابق أن نتعاون مع جميع المحامين المقيدين بالنقابة، وتعتز نقابة المحامين بانضمام عدد من الشخصيات الرفيعة إليها، وقد عمدت إلى الكشوف وطلبت من إدارة السجلات أن تعد قوائم بكشوف المحامين الذين كانوا يعملون سلفًا في القضاء وكشوف ثانية للشخصيات السياسية التي شغلت مناصب وزارية أو مناصب في السلك الدبلوماسي وبكشوف لأساتذة الجامعات، وبكشوف رابعة لرجال الشرطة المقيدين بالجداول... إلخ، وذلك بهدف إنشاء آليات جديدة في النقابة تعاون في العمل النقابي مثل: إنشاء لجنة قضائية لتكون حلقة الوصل بين النقابة والسلطة القضائية، والاستفادة من الشخصيات السياسية في اللجنة السياسية، والاستفادة بالسفراء السابقين في لجنة العلاقات الخارجية، والاستفادة من أساتذة الجامعات في لجنة الفكر وتحرير مجلة المحاماة، والاستعانة برجال الشرطة السابقين ليكونوا حلقة وصل بين النقابة ورجال الشرطة.

وهكذا كنا منذ أن مارسنا العمل النقابي على استعداد لنداء الأغلبية وكسر الحاجز النفسي بينها وبين النقابة ودعوتها للمساهمة في العمل النقابي بكل جهد ممكن.

وأذكر ذات مرة أن أخطرتنا نقابة بلجيكا بحضور وفد من أعضائها لزيارة نقابة مصر فاستخرجت اسم أحد السفراء المصريين السابقين في بلجيكا -وهو مسجل بالنقابة- واتصلت به دون سابق معرفة وطلبت منه أن يكون ممثلًا لنقابة مصر ومصاحبة الوفد في زيارته وكان لهذا أحسن الأثر في نفس الزميل -السفير السابق- كما أنه أحسن تمثيل النقابة مع الوفد وأعطى انطباعًا جيدًا عن نقابة مصر.

حقيقة الخلاف

  • وهل يمكن أن يسهم ذلك التعاون في تخفيف الاحتقان بين الحكومة والإخوان؟
  • المفروض أن تكون الإجابة بالإيجاب... ولكننا لم نشعر بعد بأن الحكومة قد منحت التيار الإسلامي ثقة هو جدير بها وتعززها تصرفاته وسلوكه الهادفة لمصلحة الوطن والأمة.
  • هل تتوقعون أن يكون هناك تعاون بين النقيب الذي كان عضوًا في الحزب الناصري وبين المجلس الذي يمثل التيار الإسلامي؟
  • كنت أقول في جولاتي الانتخابية من أسوان إلى بورسعيد: إن الناس لا ينقسمون حسب أيديولوجياتهم السياسية، وإنما هم ينقسمون قسمين فقط: قسم لأصحاب المبادئ والمثل العليا الذين يتمسكون بها ويعملون ويجاهدون في سبيلها لتحقيق الخير لأنفسهم وأوطانهم، وقسم آخر نفعي لا يبحث إلا عن مصلحته الفردية ولا يبذل جهدًا إلا إذا كان مردوده يعود عليه ذاتيًا يبتغون بذلك الدنيا وزينتها بأهوائها وشهواتها ومطامعها، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ (آل عمران: ١٥٢)

وأقول: إنه من الميسور أن يتعاون المجلس الحالي مع نقيب المحامين ما دام هذا التعاون في نطاق مصلحة المحامين والمصالح العامة للوطن والأمة بأسرها التي ينص قانون نقابة المحامين على العمل لرفعة شأنها وقضاياها.

الأهداف متنوعة

  • وماذا عن برنامج الإسلاميين بشأن التحركات المقبلة وإصلاح آثار الحراسة القضائية؟
  • من القضايا الأساسية في برنامج الإسلاميين: الدفاع عن الحرية النقابية والعمل على إلغاء القوانين التي تعوق الحرية النقابية التي نصت عليها معاهدة العمل الدولية، والحرص على إصدار تشريعات تحصن العمل النقابي، والحرص على سيادة القانون لأننا نشعر أن ما نحن فيه من تدهور يعود إلى هذا المبدأ الذي نص عليه الدستور في إحدى المواد التي تؤكد خضوع الدولة لسيادة القانون.

أما القضايا الخاصة بنقابة المحامين فعلى رأس الأولويات تعديل قانون المحاماة الذي صدر سنة ۱۹۸٣م بصيغة تلائم التغيرات الحالية، وبناء دار حديثة للنقابة تتسع لنشاط أعضائها واستكمال باقي المشاريع التي بدأها المجلس سابقًا لأداء الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية والعلمية والمهنية لأعضاء النقابة، وهو برنامج -لو تحدثنا عنه- قد يستغرق صفحات هذه المجلة الغراء كلها.

  • وهل في خطتكم التحرك بشأن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية؟
  • نعم هذا وارد وقد ذكرت أن من الأهداف العامة للنقابة الدفاع عن سيادة القانون، والقانون بإجماع الفقهاء لا يجيز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
الرابط المختصر :