العنوان نابغة وراء القضبان
الكاتب محمد الداه
تاريخ النشر السبت 21-يونيو-2008
مشاهدات 9
نشر في العدد 1807
نشر في الصفحة 21
السبت 21-يونيو-2008
يعيش كثير من العلماء والدعاة والشباب الإسلامي في سجون الظلم والبغي بدون جرم يعرف عنهم أو أكل مال أحد أو ظلامة في دم أو عرض والأنكى أنه لا يسأل أحد عنهم ولا يطالب أحد له صوت بحقوقهم، أو يدافع عن قضاياهم لإخراجهم؛ لأن جرمهم ذاتي وهو أنهم يعلمون الناس الخير ويتمسكون بأخلاقيات دينهم الحنيف.
ومن هؤلاء نابغة في إريتريا، الأستاذ المجاهد الصامت- موسى بن إبراهيم فرج الله، حيث عرفته منذ عام ۱۳۹۸هـ. ۱۹۷۸م في السنة الأولى من المرحلة الثانوية بالمعهد الثانوي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وحتى عام ١٤٠٨هـ، وكان قد درس المرحلة المتوسطة بالمعهد المتوسط بالجامعة قبل ذلك وطيلة مزاملتي معه، ونحن في فصل دراسي واحد، فلا نجده إلا جادًا في طلب العلم والتحصيل يدخل الفصل مع أول الداخلين، يتابع الأساتذة باهتمام وصمت دائم، فإذا خرج الأستاذ أخرج من حقيبته أو درجه كتابا فكريًا وغالبًا من كتب الإخوان المسلمين يتأمله ويلخصه ويتفهمه، ولا يتكلم إلا مع أفراد من زملائه، ولا يناقش إلا نادرًا لإزالة إشكال أو تحقيق مسألة، يعجب زملاؤه من هدوئه وطول صمته، فإذا صدرت النتائج النهائية كان موسى فرج الله هو الرقم الأول، مهما كان عدد الطلاب، زاد على الألف أو نقص إلى الأربعين، واصل ذلك في الثانوية وفي الكلية حتى إني سمعت أحد كبار الأساتذة وهو شيخنا الدكتور جمعة علي الخولي، رحمه الله، يقول: «أعرف أن أراجع ورقة الاختبار لأبحث عن احتمال أزيد به درجة، أما أن أراجع وأكرر المراجعة من أجل أن أجد مدخلا يرضي ضميري يخفض درجة واحدة لطالب، فلم تقع لي إلا مع موسى إبراهيم فرجالله، ومع ذلك لا يمكنني إلا أن أرصد له الدرجة الكاملة».
ثم دخلنا معا المعهد العالي لإعداد الأئمة والدعاة التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وكان ديدنه أن يسجل نفسه في كل عام بالرقم الأول حتى نال في الدورة السابعة من ذلك المعهد درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية والدعوة إلى الله تعالى، ثم بحث عن جهة تتعاقد معه ليتمكن من العمل في بلاده إريتريا، معلمًا وداعية، وسافر إلى السودان ثم إلى إريتريا، وانغمس صامتًا يعلم في المعاهد الإسلامية، ويربي في جيل الشباب متحملًا الحاجة والفقر، ناكرًا لذاته في سبيل الله تعالى حتى تسلط عليه أعداء الإسلام والمسلمين في تلك البلاد، فغيبوه في سجونهم عن طلابه ومجتمعه الذي كان نافعًا له، وتوالت الأعوام ثم الأعوام، وكلما نسأل عنه أحد الدعاة أو الطلاب من تلك البلاد يئن كالمصدور ويتأوه كالمتألم ويقول: هو في السجن أو يلوذ بالصمت وتبرق عيناه حسرة وندامة وعجزًا. وأقول: لو كان هذا النابغة. حاشاه مغنيًا أو راقصًا أو شاربًا، أو زنديقًا أو فيلسوفًا معربدًا، لوجد من الهيئات الأممية تدخلا وصراخات مدوية حتى ينال حقوقه، ويتمتع بحريته، أما هو وأمثاله من العلماء الناصحين للأمة فإنه ليس أمامهم إلا ظلمات سجون القوم الذين لا يحبون الناصحين.
فهذه كلمة وفاء ونداء: أطلقوا سراح هذا النابغة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل