; نتائج الانتخابات.. والمستقبل المجهول للبوسنة | مجلة المجتمع

العنوان نتائج الانتخابات.. والمستقبل المجهول للبوسنة

الكاتب أحمد منصور

تاريخ النشر الثلاثاء 24-سبتمبر-1996

مشاهدات 33

نشر في العدد 1218

نشر في الصفحة 27

الثلاثاء 24-سبتمبر-1996

حقائق كثيرة، ومآس مريرة، ومخاوف عديدة أفرزتها نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في البوسنة في الأسبوع الماضي.

أول هذه الإفرازات وأخطرها هو أنها ساوت بين الجاني والضحية، فالصرب والكروات الجناة تم وضعهم في كفة واحدة مع المسلمين الضحايا، فبعد ما يقرب من أربع سنوات من عمليات الإبادة المنظمة والتطهير العرقي لمسلمي البوسنة على أيدي الصرب بالدرجة الأولى والكروات بالدرجة الثانية تم مساواة الرجل المسلم الصالح علي عزت بيجوفيتش بمجرم الحرب الصربي «مومشلو كرايشنيك»، والكرواتي المتطرف «كريشمير زوباك» ليتم تشكيل مجلس رئاسة ثلاثي يحكم البوسنة والهرسك، ويكون الغرب الظالم الذي أقر وفرض هذا الحل قد مكن المجرمين الصرب من أن يحققوا -تحت راية الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي- ما عجزوا عن تحقيقه طوال أكثر من ألف يوم من الحرب والحصار للعاصمة سراييفو، عجز الصرب خلالها عن دخولها بالقوة؛ حيث من المقرر حسب اتفاق «دايتون» أن يكون مقر الرئاسة في سراييفو هو نفسه مقر المجرم الصربي «كريشنيك» والمتطرف الكرواتي «زوبا».

 ومما يؤسف له أن الانتخابات الرئاسية البوسنية كانت تجري في الوقت الذي كان يتم فيه استخراج مئات الجثث المسلمين كانوا ضحايا إحدى المجازر الصربية التي جرت للمسلمين في منطقة سريبرينيتسا في صيف العام الماضي ١٩٩٥م على مرأى ومسمع من القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وجاء إصرار الغرب على إجراء الانتخابات وسط هذه الأجواء ليصبح تكريسًا لعمليات التطهير العرقي للمسلمين التي أدت إلى قتل مائتي ألف مسلم بوسنوي وتشريد قرابة المليون أصبحوا موزعين على ٥٥ دولة من دول العالم دون أن يكون هناك خطة واضحة لإعادة هؤلاء إلى بلادهم وقد شاركت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في عمليات مباشرة حينما أعلنت. عن حق الناخبين التطهير العرقي بشكل غير في التصويت في الأماكن التي يتواجدون فيها حتى وإن كانوا لم يعيشوا فيها من قبل، وبذلك منحت الصرب الحق في الاستيلاء على المناطق التي استولوا عليها من المسلمين، بل وحتى استيطانها وانتخاب المرشح الخاص بها.

كذلك أكد المشرفون على الانتخابات من الغربيين عمومًا ومعظمهم من الأمريكيين، حيث لا يوجد مسؤول دولي بارز من الغربيين القائمين على أمر البوسنة غير أمريكي سوى «كارل بيلت» الذي انفضحت علاقته بمترجمته الصربية في بداية سبتمبر الحالي، ومن ثم فهناك تشكيك موثق في نزاهته أكد هؤلاء على التقسيم الفعلي للبوسنة حينما لم يحركوا ساكنًا سوى التهديد بالكلام للصرب والكروات الذين أعلنوا صراحة في برامجهم الانتخابية وعلى شاشات التلفزة العالمية عن تمزيق البوسنة بين الصرب والكروات، وأعادوا بذلك الحديث الذي بدأه زعماء الصرب والكروات في عام١٩٣٩م عن تقسيم البوسنة المسلمة بين صربيا وكرواتيا، غير أن الحرب العالمية الثانية قد أجهضت مشروعهم ثم أعاده «فرانيو تودجمان»، «وسلوبودان ميلوسوفيتش» مرة أخرى في عام ١٩٩٤م، ثم أجهضته الضغوط الدولية بعدما قامت إحدى الصحف البريطانية بنشر خريطة تقسيم البوسنة وعليها تأشيرات الرئيس الكرواتي، غير أن الانتخابات الأخيرة قد أعادت الأمل للصرب والكروات في إمكانية تحقيق بغيتهم.

 كما أثبتت نتائج الانتخابات الرئاسية في البوسنة أيضًا حجم التزييف الهائل والأكاذيب الكبيرة التي يمارسها الصرب في السلم كما مارسوها في الحرب، ففي الوقت الذي يبلغ فيه عدد الناخبين الصرب -حسب الجداول الانتخابية التي أقرتها منظمة الأمن والتعاون الأوروبي المشرفة على الانتخابات- ثمانمائة ألف ناخب صربي فقط، فوجئ المراقبون بأن عدد الذين صوتوا في الانتخابات من الصرب بلغ مليون وأربعمائة ألف ناخب صربي، وهذا ما دفع الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش إلى الطعن في نتائج الانتخابات التي جرت في المناطق الصربية، بل والإعلان عن بطلانها، غير أن الممثلين الغربيين تجاهلوا أكاذيب الصرب واعتراض المسلمين، وأخذوا يشيدون بالانتخابات عبر وسائل الإعلام العالمية باعتبارهم أصحاب الطبخة، ورعاتها، وفي كل دول العالم يكون التزييف في الانتخابات له وسائله المختلفة، أما بهذه الطريقة المفضوحة وبهذا العدد من الناخبين فهذا أمر لا يقدر عليه أو يجاهر به إلا الغرب.

أما على صعيد المسلمين فقد أكدت النتائج النهائية للانتخابات البوسنية أن حسابات رئيس الوزراء البوسني السابق «حارث سيلاجيتش» لم تكن دقيقة حينما رشح نفسه لكرسي الرئاسة عن المسلمين في مواجهة الرئيس عزت بيجوفيتش الذي أصبح يعتبره البوسنيون رمزًا لصمود سراييفو وبقاء البوسنة وعدم وقوعها في أيدي الصرب، وقد أخطأ «سيلاجيتش» في حساباته مرتين الأولى حينما اعتقد أن هوية البوسنة يمكن أن تكون هوية علمانية، فعين ثلاثة نواب له: أحدهم صربي، وآخر كرواتي، وثالث يهودي، وأعتقد أن أهل البوسنة المسلمين يمكن أن يصوتوا لغير هويتهم، وبالتالي فإن نسبة التصويت العالية التي حصل عليها الرئيس «علي عزت بيجوفيتش» هي -في تصوري- تصويت لهوية البوسنة المسلمة أكثر منها تصويت الشخصية «عزت بيجوفيتش»، أما الخطأ الثاني في حسابات «سيلاجيتش» فهو اعتقاده أنه يمكن أن يحصل على نسبة أصوات يعتبر نفسه من خلالها منافسًا للرئيس عزت بيجوفيتش ورغم أنه نجح في الحصول على نسبة من أصوات المسلمين كادت في بداية فرز الأصوات إلا تجعل الرئيس البوسني في مقدمة المرشحين للرئاسة، إلا أن النتائج النهائية حسمت الأمر، وأصبح الرئيس عزت بيجوفيتش يحتل الصدارة الأولى على كل المرشحين ومن ثم فقد أصبح رئيسًا للبوسنة.

ويبقى مستقبل البوسنة بعد هذه النتائج مستقبلًا ضبابيًا ومجهولًا، فالمسلمون يدعون للتعايش مع جيرانهم، إلا أن الصرب والكروات لم يتخلوا عن مطامعهم في البوسنة والغرب متواطئ مع الصرب والكروات في السلم والحرب، لكن مسلمي البوسنة الذين صمدوا أربع سنوات أمام حرب الإبادة التي جرت ضدهم سيكونون أكثر استعدادًا للجولة القادمة، وسيجني الغرب والصرب والكروات ثمارًا مريرة إذا مضوا في استكمال باقي مخططاتهم، لأن الحرب القادمة إذا اندلعت فسوف تشعل البلقان بكل ما فيه من قلاقل، ولعل الرصاصة الأولى للحرب العالمية الأولى التي أطلقت في سراييفو عام ١٩١٤م خير شاهد على أن الذين يمكن أن يشعلوا الحرب في البوسنة مرة أخرى سيكونون أول المكتوين بنارها.

الرابط المختصر :